|
إلغاء الأخر في رواية -أمهات في مدافن الأحياء- وليد الهودلي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 4944 - 2015 / 10 / 3 - 00:21
المحور:
الادب والفن
إلغاء الآخر في رواية "أمهات في مقابر الأحياء" وليد الهودلي هذا العمل الروائي الرابع الذي يتحدث فيه الكاتب عن الاعتقال قي سجون الاحتلال، واعتقد بان العمل الاول "ستائر العتمة" وهذه الرواية "أمهات في مقابر الأحياء" كافة لترسم للمتلقي صورة القمع والبطش الذي يمارس من قبل المحتل، فرواية "ستائر العتمة الجزء ألثاني تكرار/استنساخ للجزء الأول ورواية "الشعاع القادم من الجنوب، كانت ايضا استنساخ ل"ستائر العتمة" كما أن عملية تقمص شخصية المقاتل الجنوبي لم تكن موفقة من الكاتب، حيث لم يستطع أن يحرر شخصية "إسماعيل" في روايته من الثقافة الدينية السنية التي تهيمن على الكاتب. من هنا يمكننا أن نعتبر الرواية الاولى التي تتحدث عن حالة الاعتقال لرجل، وهذه الرواية التي تتحدث عن اعتقال امرأة كافيان، ويمكننا أن نستوضح منهما كافة الافكار التي يراد طرحها، وأيضا نجد فيهما طريقة وأسلوب ولغة ألكاتب، فليس من الصواب أن يكون كم الانتاج على حساب ألنوع، وليس جيد للكاتب أن يكرر نفسه في أعماله الأدبية، لكن اعتقد بان الفكر الديني والخضوع لقرارات التنظيم الحزبي/الحركة الذي يهيمن على ألكاتب جعله يعيد ويكرر تجربته في "الستائر الجزء ألثاني والشعاع القادم من الجنوب". ما يحسب على هذه العمل أن الكاتب يعمل على إلغاء الآخر، والمقصود هنا الاتجاهات السياسية الأخرى، فالمتتبع لكل ما كتبه "وليد الهودلي" يجد عدم ذكر لأي تنظيم آخر باستثناء ذكر للتنظيمات بشكل عام في رواية "الشعاع القادم" وكان على هذا الشكل: ".. وعلى هذا اصبحت التنظيمات لا ترحب بحماس لمن يطرق بابها وكذلك فإنها لا تتمسك طويلا بمن اراد أن يستغني عن خدماتها" ص221، ودون ذلك كان التركيز على الجهة التي يتحدث عنها فقط، علما بأنه تناول في الشعاع والأمهات اتفاق أوسلو وتأثيراته على الأسرى، لكنه لم يذكر تنظيم بعينه. ولكي نكون موضوعيين فإنه أيضا لا يذكر بالتسمية حركة "حماس" واعتقد بان هذا ناتج عن الحرص/الهاجس الأمني المهيمن على ألكاتب لكن وجود الكم الهائل من الاقتباسات القرآنية واستحضار العديد من الأمثله الدينية تجعل المتلقي يتأكد بأنه أمام كاتب يتبنى الفكر الديني السني. من مشاهد هذا الإلغاء حديث الراوية "سهام" عن الدوافع التي جعلتها تنخرط في العمل الفدائي الفلسطيني فتقول: "وكان الاجتياح المدمر الذي نفذه الجيش الاسرائيلي في جنوب اللبناني وحصار بيروت الدامي الذي ترك العاصمة اللبنانية دمارا وخرابا والمجازر التي توجت بمجزرة صبرا وشاتيلا... كل هذه الامور ذقنا مرارتها وتجرعنا علقمها لسنوات طويلة... جاء الوقت لأتحرر من كل هذه الأغلال وأنطلق لتحقيق ألذات ص5، إذن حصار بيروت وما تبعه من مجازر هو الدافع الرئيسي لانخراط "سهام" في العمل الفدائي، فما هو التنظيم الذي وجدته "سهام"؟ وهل كان في ذلك الوقت تنظيم اسلامي فلسطيني مسلح؟ هذه الأسئلة كان من المفترض على الراوية، الإجابة عنها، لكنها تنقلنا مباشرة الى عملية التدريب والتي بلا شك كان خارج فلسطين المحتلة، علما بأن مكان التدريب لم يذكر بصراحة من قبل الراوية، لكننا نستشف بأنه في الخارج من خلال قولها: "دربوني على أشياء كثيرة من قيادة السيارة الى قيادة الصاعق وتركيب العبوة الناسفة وحسن التطريز على المدفع الآلي ... دورة في الوعي الأمني وطرق الاتصال ، وطرق الوصول الى السلاح... واحمل الرسائل المشفرة وأوصلها الى اصحابها على اسرع جناح ممكن" ص5و6، فكلنا يعلم عدم وجود مدافع في فلسطين المحتلة، وكل ما فيها لا يتجاوز البندقية ميم16 او كلاشنكوف، وأيضا عندما كانت قيادات العمل الوطني الفلسطيني في الخارج كانت تتم التوجهات العسكرية من خلال رسائل مشفرة، لكن الراوية تعمدت أن تلغي/تشطب هذه التنظيم الذي لم يكن اسلاميا في توجهاته ألفكرية بل كان وطنيا، فوجود فكرة الاسلام الذي يلغي كل ما قبله، "الاسلام يجب ما قبله" كانت حاضره في ذهن الراوية مما جعلها تتجاهل عن قصد او دون قصد هذه المسألة، علما بأنها تعني الكثير للمتلقي، وتوضح له الصورة الواقعية الاحداث. هذا الإلغاء يتكرر الآن، وقت الحدث الروائي، داخل السجن، فنجد الراوية لا تذكر لنا سوى مشاهد وصورة المرأة المسلمة المؤمنة التي دائما يكون القرآن والذكر والفكر الديني حاضرا لديها، ومن الأمثلة على هذا التوجه، "قلت مهدئة: ـ هوني عليك أم النور.. وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ـ أنا لا اعرف سببا يدعو الى هذه الصورة النكدة من التعامل .. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ـ لا تيأسي استمري في الحوار الهادئ حتى يفتح الله بينكما" ص42، اعتقد بان مثل هذه المثالية ـ وأن وجدت ـ تكون محدودة لكن تعميمها في الرواية وجعلها النمط الوحيد السائد، يمثل الصورة غير الواقعية للحدث، وإنما يهدف من ورائها الدعوة الفكرية أكثر من أي شيء أخر. ونجد الاقارب والأهل في الخارج أيضا يقدمون بصورة ناصعة وكأنهم ملائكة يمشون على الأرض "سألني عن المساجد ..الدعوة فيها .. شرح لي عن نشاطه في السجن.. مجالس الذكر والعلم، وعن أناس أطهار داخل السجون" ص66، جعل كل العناصر المحيطة بالنص تقدم بشكل يخدم فكرة ماـ اعتقد بأنه يتماثل من طرح الواقعية ألاشتراكية التي تجعل المتلقي يمتعض من طرح الايجابية المطلقة عند شخوص الروائية، والتي في العادة تكون حسب التوجه الفكري اكثر مما هي من قناعة الكاتب بها. وعندما يحدث خلاف داخل السجن نجد هذا الطرح المثالي: "ـ... ردت أم النور: السلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر. ...قالت أم جهاد: يخل إلي سهام أنك كلك قلب أم، أم للجميع نحن وهن" ص94، الطرح المثالي اذا تكرر في كافة المواقف يجعل المتلقي يشعر بزيفه، يتأكد بأنه أمام دعاية فكرية، أكثر منه أمام نص روائي أدبي، وهذا ما يهيمن على العديد من المواقف والأحدث في الرواية. ومن الصور المثالية التي قدمتها الراوية وتخدم فكرة إلغاء الآخرين هذا المشهد، "ولم تكن النساء في القيل والقال، وثرثرة الأنام ونزهة الكلام، وإنما كانت دوما في قال الله وقال الرسول، وفي الذكر والتسبيح، والحمد الذي معانيه تترءى في قلبها نورا وضياءا" ص67، التقديم بهذا الشكل يسلط الأضواء على جانب واحد فقط، الجانب الذي يتعاطى الفكر الديني، وما دون ذلك ليس لهم وجود/حضور، فهم مغيبين، وهنا تكمن خطورة هذا الطرح ليس هناك في معتقلات الاحتلال سوى حملة الفكر الديني فقط، من هنا يتم الحديث عنهم، فلو كان غيرهم موجود لتحدثت عنه الراوية "سهام". وكتأكيد على هذا الإلغاء والتغيب تحدثنا الراوية عن صديقتها "أم رائد زلوم" فتقول عنها: " أبناؤها كلهم من الصالحين البررة، ... لا غرابة فهي زوجة عالم أزهري رحمة الله" ص60، عدم وجود أي فكر/شخص/حديث خارج النص الديني يعد عملية تقديم قاسرة/مقزمة/مشوهة للواقع الفلسطيني تحديدا، لو كان هذ الكلام مطروح عن المجتمع في المملكة السعودية لكان مقبولا، لكن الحال الفلسطيني مختلف تماما، فنجد في الأسرة الواحدة عدة تيارات سياسية، هذا فتح، وآخر جبهة، وذاك جهاد، وهذا قومي، وأخر شيوعي, وهكذا، أما عملية التشكيل وتقديم الحالة الفلسطينية بطيف واحد، أعتقد بأنة يضر بفلسطين وبالفلسطيني، ولا يقدم الصورة الزاهية والمتنوعة لنا. الاستشهاد بالقرآن الكريم هناك نوعين من الاستشهاد بالقرآن الكريم، الاول يتمثل بكتابة الآية كاملة، والثاني يكون بجزاء من الآية القرآنية، فالكاتب يتعمد جعل القرآن حاضرا في النص وأيضا مؤثرا في الشخصية المركزية لبطل الرواية، فتقول الراوية "لم يدع لي اعتقال خطيبي أي مجال للتردد في سلوك هذا الطريق... سأولهم كما يولموننا .. فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" ص5، هنا تم استحضار الآية القرآنية لتنسجم مع عباره قالتها سهام، فكانت عملية سرد الاحدث السابقة تمهد لطرح الآية. وعندما يكون هناك حوار حول دور المرأة في المعتقل، نجد سهام تقول: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" ص21. وعندما تقابل سهام مدير السجن مهدده بالاضراب تقول له: " الشيطان يعدكم الفقر والله يعدكم مغفرة منه وفضلا" ص28، هناك العديد من الامثلة موجود في ص61و"والله غالبا على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون" وص75 "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" "ألا بذكر لله تطمئن القلوب". كل هذه كانت الآيات تستحضر كاملة، مما جعل المتلقي يشعر ـ أحيانا ـ بإقحامها في ألنص، على النقيض من الطريقة الثانية التي كانت اكثر إقناعا وأيسر/اسهل/ امتع للمتلقي عندما كان يتلقاها ضمن سياق ألنص، فهي من ضمن كلام ألمتحدث فكانت تبدوا طبيعية، غير ملوية ألعنق، ومن الأمثلة هلى هذه ألاستخدام "وكان الاسرى يفرج عنهم على دفعات، ومع كل دفعة تبلغ القلوب ألحناجر ص8، فهنا كان استحضار الآية يخدم الفكرة، وفي ذات الوقت يشعر المتلقي بأنها جاءت على السليقة، هكذا، دون تخطيط. "لم تكن التجربة سهلة، ومرت بمراحل مريعة وينصهر لها الحديد، وتخر لها الجبال، إلا أن بني صهيون كالحجارة بل اشد قسوة بلا ريب" ص72، هنا كان تقديم آيتين معا ضمن ألحديث، ولم يشعر المتلقي بوجود إقحام/ شيء شاذ في ألطرح لأنها جاءت ضمن ألسياق، وعلى العكس وجد القارئ فيها تدعيم للفكرة، وشكلا جديد ومميز في الطرح واللغة، وهذا يبين مقدرته الكاتب على الاستفادة وتوظيف النص القرآني بشكل يخدم الفكرة وشكل/أسلوب تقديمها. المرأة بما أن الراوية هي امرأة فكان لا بد من تقدم وجهة نظرها عن المجتمع الذي تعيش فيه، خاصة تلك المتعلقة بها كامرأة، هناك فكرة المرأة عن نفسها أخذتها عن ألمجتمع، لكنها تعمل على تكسيرها وقلبها رأسا على عقب، فتقول: "صحيح أنني فتاة ضعيفة محدودة القدرات ولكني الذي اكتنزه في قلبي .. سيولد إرادة تفوق إرادة الرجال" ص5، المرأة ضمن المجتمع تأخذ/تحمل الافكار التي يحملها، لكنها تقرر تجاوزها، رغم أنها ضعيفة، وهنا سيكون تجاوزها لضعفها/لواقعها يعد انجازا كبيرا، فهي أولا تجاوزت ضعفها، وثانيا تجاوزت الرجال، وبهذا تكون تخطت مرحلتين وليس مرحلة واحدة. وتنتقد الراوية المجتمع الذي لا يتعامل مع المرأة إلا من خلال مصالح الفرد فقط، ومتجاهلا مصالح الوطن، مصالح وهموم المرأة فتقول: " إذا كانت زوجة أن لا تخرج منه .. هي تبع له.. ملك يمينه.. طوع أمره.. لا تخرج عن شوره.. تحت السيطرة التامة.. لها هامش لكن ضمن التي لا تخرج عنها... يسمح لها أن تعمل مثلا مدرسة.. في هذا مصلحتة له حيث راتب آخر الشهر بينما لا يسمح لها بالخروج لنشاط اجتماعيي ص118، الراوية تطرح همومها وهموم جنسها في ظل نظام ابوي/ذكوري لا يترك هامش للمرأة لتتحرك فيه إلا من خلاله هو، فهي تابع مجرور لزوجها وللمجتمع، فليس لها حق في الخروج/العمل/ إلا ما يوافق عليه ولي أمرها وسيدها، الزوج. وبعد أن تكسر الحواجز وتخترق كافة المحظورات التي وضعت أمامها نجدها تصل الى هذه الفكرة: "واضح أن التخلف والاحتلال يريدان للمرأة الفلسطينية إلا تخرج من حدود بيتها .. المرأة الفاعلة في مجتمعها تشكل خطرا على الاحتلال لأنه يرى أن يحارب نصف المجتمع خير له من أن يحارب المجتمع كله" ص12، يحسب لهذه العبارة ربط تحرر المرأة بحالة الصراع من الاحتلال، فالراوية تطرحت دور الاحتلال في تعميق فكرة المرأة القاصر/الضعيفة، التي يجب أن تلزم بيتها، لتفرغ هو للنيل من الشعب الفلسطيني، بعد أن حيد نصفه وجعله ليس معنيا في الخوض الصراع0
أنسنة "سهام" تقديم "سهام" بطريقة (السوبر) العظيمة التي تنتصر دائما، وتحمل الإخلاص والتفاني لفكرتها وعقيدتها، والطاهرة من كل ذنب او خطيئة، لا يخدم فكرة أنسنة البطلة فهي بهذا الشكل تكون خارج منطقة البشر، فهي تكون اقرب إلى ملاك أو قديسة، من هنا كان نجاح الكاتب عندما جعلها تحدثنا عما يجول في نفسها من صراع الضمير فتقول عن نفسها: "أين ذنوبي؟ بماذا قصرت؟ كيف كانت أفعالي وأقوالي.. نواياي؟ أين الإخلاص فيها؟ قلبي وما حوى من فضائل ولآفات.. كم من الأعمال كان محركها ودافعها غير مرضاة الله؟ وإنما مرضاة الناس أو إظهار الذات على الآخرين" ص50، اعتقد بهذا الشكل قرب إلينا الكاتب بطلة روايته "سهام" وجعلها تبدو لنا بشرية وليست خارقة، فهي ليست كبطلات افلام الأكشن. . وعندما قرر القاضي الافراج عنها بكفالة مالية، وجدنها إنسانة من لحم ودم، تشعر بالفرح وتهتم بالحياة الطبيعية البعيدة عن الصدام والصراع والاعتقال، "أشعر بأن ربيعا سيكسو كل تفاصيل حياتنا وأن الشمس ستعود ثانية دون أن تحول بيننا وبينها الغيوم السوداء" ص104، رغم وجود شيء من رمزية في كلامها، إلا أنها تجعلنا نشعر بأنها تحمل هموم المرأة التي تهتم بزوجها وببيتها وبحياة اسرتها، فهي تتوق الى الحرية والتخلص من هذا الصراع الناري مع المحتل وادواته. كان يمكن للكاتب أن يعطي المزيد من هذا المشاهد، ويجعل بطلته تتحدث بحرية أكثر عما يعتريها من إحساس وعاطفة، اتجاه الزوج والأسرة، فهذا يقربنا اكثر من شخصية الراوية، وتقنعنا بذاتها، لكن وجدنا الرقابة الذاتية جعلته يحول دون ذلك، فلم تحصل على حريتها الكاملة كما أرادت، بل كان هناك المحظور والممنوع والحرام والواقع، وهذا يتنافى مع ما أرادته بطلة الرواية من تجاوز واقعها، وفرض ذاتها كامرأة في مجتمع أبوي ذكوري. الزوج بعد أن تحدثت "سهام" عن ذاتها من خلال الرجل/الكاتب، تقدم لنا صورة الزوج وما يمثله لها، فهي تريده أن يكون شعلة من العطاء والتفاني كما هي، فبعد أن قررت خوض الاضراب عن الطعام كانت تتوسم فيه، "زوجي هل تابع نشاطه وحركته أم ما زالت بلادة هدوئه ولامبالاته حاضرة" ص55، اعتقد بأن هذه المشاعر كانت صادقة وتلائم الحالة الصعبة التي تمر بها "سهام" فكانت تطمح بأن يكون زوجها شعلة من العطاء والعمل، يتحرك هنا وهناك. وتقدمه لنا بصورة إيجابية صورة المجاهد الذي لا يتوانى عن تقديم كل جهد في سبيل قضيته، فتقول عنه: "زوجي العزيز وعلاقتي معه، ودخولي السجن أليس هذا ظلما له؟ رغم أنه من النوع المستعد للتضحية.. خرج من السجن بعد حبسة طويلة" ص50، إذا تمعنا في حديث "سهام" نجد هناك رقابة من الكاتب على شخصيتها، فالزوجة تقول عادة "زوجي الحبيب" و ليس "زوجي العزيز" لكن الكاتب أرد أن يخضع بطلته "سهام" لرقابة حالت دون أن تحصل على ما تريده من الحرية. في مشهد آخر والذي يتحدث عن واقعة تسليم ابنتها عائشة لزوجها بعد أن أكملت السنتين، تؤكد لنا "سهام" تماثلها مع زوجها فتقول: "..حاولت إخفاء دموعي ولكنها أبت علي.. وضعت يدها في يد ابيها، أنسلخت روحي من جسدي وذهبت معها ترفرف بجناحيها فوقها.. رأيت الدموع النادرة تلتمع في عيني زوجي وهو يودع النظرة الأخيرة التي كانت تحتويني بعمق لا آخر له" ص129، فهنا كانت "سهام" والزوج كلا منها قد التمعت عيناه، فلا هي المرأة الصلبة استطاعت أن تخفي دمعتها، ولا هو الزوج الذي خاض تجربة اعتقال استطاع. الراوية مصرة على استخدام الرمز خاصة عندما يتعلق الامر بالحديث عن علاقتها بالزوج، فهي تنكر حريتها، لصالح القيود التي وضعتها لنفسها، فعبارة "النظرة الأخيرة التي كانت تحتويني بعمق لا آخر له" كانت تشير إلى الرغابة الجامحة نحو الزوج، الرغبة الجسدية أكثر منها عاطفية، فكلمة "تحتويني" تأخذ معنى الضم والسيطرة الكاملة على الجسد. هذا الهروب من الحرية/المصارحة بوصف العلاقة الجسدية بين الزوج والزوجة كانت واضحا وجليا في هذا المشهد "..لا ادري كيف كان العناق فقد أذهب عني حرارة اللقاء كل تركيزي، لم يكن بوسعي في تلك اللحظات القدرة على تسجيل إيقاعاتها الدقيقة الشفافة والعميقة الموغلة في العمق.. ثم أفقت على نفسي وأنا أنظر الى عناقه لعائشة ص128، بهذا المشهد يتأكد لنا حجم الرقابة التي يضعها الكاتب على نفسه، ومن ثم على شخصية البطلة "سهام"، فكان أن المفترض أن يعطي "بطلته" الحرية في وصف مشاعرها وإحساسها، فمثل هذا العناق لا يمكن ن يمر دون الحديث عن حاجة الجسد للجسد، فكما أن العاطفة مهمة، أيضا الجسد مهم، وحتى يمكن أن يكون هو الأهم، حيث أن يدعم ويعمق العلاقة الروحية. وهناك مشهد عن الزوج الذي يفضل أن يعترف للاحتلال بكل ما يريده، على أن تسجن زوجته أو تمس بسوء مما جعلها تبدو عبئا علية وليس سندا له، "هاله الأمر ولم يستوعب سجن زوجته.. انطلت عليه الحيلة وأبدى استعداده للأعتراف من أجل إطلاق سراح زوجته. ـ يخاف على زوجته من ألاعتقال ص110، الزوجة كانت ثقلا على زوجها وليست مساعدا له، فالطرح الايجابي لهذا المشهد، الذي يؤكد ضرورة أن تكون المرأة كالرجل في النضال والجهاد، لكن هذا الطرح وهذا المشهد كان يتناقض مع الطريقة التي تحدثت بها البطلة عن زوجها، فكانت متخفية وراء خمارها. الأب كما قلنا في موضع سابق، الاب في الغالب يقدم بشكل سلبي او ناقص او يتم تغيبه نهائيا، وهذا ناتج عن العلاقة القائمة بين الاب والأبناء من جهة، وبين السلطة/الدولة/المجتمع والفرد من جهة ثانية، فهي علاقة قائمة على القمع والسيطرة والحرمان من خلال مفاهيم الممنوع والحرام والعادة والعيب. البطلة تغيب والدها رغم محاولتها تقديمه بشكل ايجابي، فتقول: "أبي الذي تعلقت به طفله صغيرة وميزني في حبه من بين إخوتي وكنت صغيرته المدللة.. سافر عني بعيدا الى حيث الرفيق الأعلى" ص51، إذا دخلنا إلى ما في هذا الكلام نجد ما يلي، اولا: كان الاب غير عادل بين أبناءه، من خلال حبه الاكبر لسهام، ثانيا: موته الذي شكل نقصا وحرمانا لسهام من حنان الأب وثالثا: بهذا يكون الكاتب/البطلة قد غيبت الاب مما يشير ـ في العقل الباطن ـ إلى عدم رغبته/رغبتها بهذا الأب. الاستحضار السلبي للتاريخ الراوية تحاول أن تؤكد دور المرأة المسلمة في المعارك الحربية، فتستحضر معركة الجمل التي قادتها عائشة زوجة الرسول (ص) ضد علي بن ابي طالب، وكلنا يعلم بأن هذه الواقعة كانت كارثة على العرب والمسلمين، حيث ما زلنا ندفع ثمن ذلك النزاع حتى اليوم، لكن الثقافة الدينية تجعل الراوية تستحضر أي حدث/فعل ما دام متعلق بالصحابة وزوجات الرسول لتؤكد وتدعم وجهة نطرها "... في الاصل كانت المرأة ممثلة في امهات المؤمنين، تخرج مع الجيش وتشارك في المعركة.. وكانت تقود حملة سياسية كما فعلت عائشة عليها السلام" ص99، فهنا وقعت الرواية في خطأ كبير عندما استحضر هذا النموذج من مشاركة المرأة في السياسية والمعارك الحربية، وكأن الأجدر بها أن تستحضر دور خولة بيت الأزور بدلا من عائشة، حيث أن الأولى قدمت الشكل الايجابي لمشاركتها في المعارك، بينما الثانية قدمت الشكل السلبي. المشاهد والصور المؤثرة هناك مجموعة من المشاهد قدمها الكاتب تستحق التوقف عندها، لما لها من تأثير على المتلقي ولطبيعتها الإنسانية، فعلى سبيل المثل، عندما كان يأتي موعد الفسحة في السجن كان الطفلين، "نور وعائشة" يعبران عن فرحتهما بهذا الشكل، "عندما يفتح الباب تقف عائشة ونور ويصيحان بابتهاج وحبور "فورة فورة" ويندفعان أمام الأسيرات بطريقة تذكر بمدى ظلام السجن ومأساته ومصادرته حرية الإنسان" ص78، فهنا كان الطفل هو من يظهر لنا حجم المأساة التي تقع على كاهل الإنسان حينما يكون معتقل. وهناك مشهد آخر بين "سهام وعائشة" يبن العلاقة الحميمة بينهما، وفي ذات الوقت هول القيود السجن عليهما، "...فتحت القيد شدته خارج الزنزانة .. أنا ابتسمت وعدت إلى عائشة حيث تنتظر وتتفحص ما يجري بكل ما لديها من عناية واهتمام، ضممتها إلى حضني بحرارة.. أطلقتها فوضعت يداها على يدي، وكأنها تسأل، أين ذهبت قيودك؟ لماذا كل هذا؟ لماذا يكرهونك كل هذا الكره؟" ص90، ففي هذا المشهد كان الأمر الطبيعي تقيد اليدين والرجلين، لكل حدوث الاستثناء، جعل الأمر مستهجن، فكان تخيل تساؤلات الطفلة تثير المشاعر، وتبين الضغط الذي يمارسه الاحتلال على المعتقلات الفلسطينيات. وبعد أن يصدر قرار الإقراج عن "سهام" مقابل دفع مبلغ عشرة ألاف شيكل، ويذهب الزوج لإحضار الفلوس، فيجد القرار الجديد قد جاء من المخبرات الإسرائيلية بتمديد/تجديد فترة الاعتقال من جديد فتكون مشاعره على هذا النحو، "عاد ثقيلا حزينا يجر أقدامه وينظر للأمام نحو أيام كئيبة تنسحب من حياته بقسوة ولا يدري أتطول به أم تقصر كفلاح في شتاء لا مطر فيه، لا سحاب ولا شتاء سوى نذر خراب الحصاد" ص106، ربط الانتكاسة التي ألمت بها وبزوجها بعد التراجع عن قرار الافراج عنها، بحالة الفلاح كان موفقا ويخدم الفكرة ويعمق صورة المأساة الحاصلة لهما. وعندما رفض القاضي بقاء "عائشة" مع أمها "سهام" في المعتقل كانت كلماته تأخذ هذا الوصف الرائع، " قال القاضي كلمته التي لو غمست في مياه البحر لأفسدته" ص128، تشبيه بليغ، يعبر عن حجم الانتكاسة التي ألمت بسهام. وعندما تذهب الطفلى عائشة مع ابيها الى البيت وتجد الباب مفتوح تكون بهذا الانفعال "وكلما وجدت بابا مفتوحا اندفعت بسرعة وهي تقول: باب مفتوح .. لم تعتد الأبواب إلا وهي مغلقة" ص129، المفارقة بين الحرية والسجن يتمثل بكلام الطفلة، ونجد في كلماتها معنى الحرية وهول السجن. كتأكيد على وجود حالة الصراع بين الفلسطيني والاحتلال كان الطفلة عائشة تبين لنا طبيعة هذا الصراع من خلال كلماتها الصادقة والبريئة فتقول: "في البقالة كانت تبتعد عن البضائع التي لا تحبها وتقول: "هذا إسرائيلي أنا بشتريش إسرائيلي ص131، وكانت تخاطب قطتها عندما تعزف عن تناول ألطعام "كلي هذا مش إسرائيلي ص131، بهذه المشاهد تنقل لنا الراوية المعاناة التي تعاني منها المعتقلات الفلسطينيات في سجون الاحتلال وتظهر لنا المشاعر الإنسانية التي تتمتع بها، فهن لسن مجرمات، بل يحمل مشاعر إنسانية استثنائية يتميز لها عن الآخرين، الأحرار، فالسجن ينمي المشاعر الإنسانية ويجعلهن أكثر عاطفة وأعمق احساسا. الأمثال الراوية تستحضر مجموعة من الأمثال ألشعبية تريد من خلالها أن تؤكد فكرتها، إن كانت ايجابية أم سلبية، فتقول: "درهم شرف خير من بيت مال" ص31 كتأكيد على أهمية الكرامة الإنسانية، وتقول: "لا يحرث الأرض إلا عجولها" ص31 تعميق مفهوم الاعتماد على الذات وترك التمسك بالأوهام القادمة من الخارج. "الكف ما بتناطح مخرز" ص35 مثل يقال لكي يكون الإنسان قابل/خانع/راضخ للواقع ومسلم ومستسلم له. "هيك طنجرة بدها هيك ختم" ص77، تطابق فساد/سلوك القيادة مع الشعب. "كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله" ص96، نذكر بأن الرواية من منشورات مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة، سنة الطبعة 2010،
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هيمنة الثقافة الشخصية في رواية -الشعاع القادم من الجموب- ولي
...
-
عبور الزمن والجغرافيا في رواية -بلاد البحر- احمد رفيق عوض
-
الهروب من الماضي في رواية -القادم من القيامة- وليد الشرفا
-
الابداع النثري في -من طقوس القهوة المرة-
-
مسرحية -الهنود- أرثر كوبيت
-
تألق الشاعر فراس حج محمد في ديوان -وأنت وحدك أغنية-
-
قصيدة -في حضرة الإمام- منصور الريكان
-
-لا شيء يشبه المسيح- سعيد حاشوش
-
الاعتذار من الأستاذ سامي لبيب
-
تقمص شخصية المراهق في -رسائل إلى شهرزاد- فراس حج محمد
-
سامي لبيب ملكي أكثر من الملك
-
العقل العربي والردة
-
الهم الاقتصادي للمواطن العراقي في رواية - خسوف برهان الكتبي-
...
-
كتاب كبار صغار
-
أخطاء الحكيم البابلي
-
-دوائر العطش- فراس حج علي
-
سقوط طفل يوازي سقوط بغداد
-
صراع المقدس والإنساني في مسرحة -أهل الكهف- توفيق الحكيم
-
ديوان -مزاج غزة العاصف- فراس حج علي
-
-غاندي والحركة الهندية- سلامة موسى
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|