|
العرب قبل وبعد الإسلام (11)
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4940 - 2015 / 9 / 29 - 02:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العرب قبل وبعد الإسلام (11) طلعت رضوان هل كان عرب ما قبل الإسلام غير عرب ما بعد الإسلام ؟ والسؤال بصيغة أكثر تحديدًا : هل غيّر الإسلام من طبائع العرب على المستوى (الأخلاقى) والنظرة الإنسانية العامة ، بعيدًا عن الانتماءات لتيار ضد تيار آخر؟ وهل خلــّـصهم الإسلام من (التعصب) ؟ بمعنى هل نقلهم إلى مرحلة (حضارية) فيها درجة من الرقى الإنسانى ، مُـختلفة عما كانت عليه فى الفترة السابقة على الإسلام ونعتها محمد ب (الجاهلية) ؟ وهل كان من حق الإنسان (العربى / المسلم) أنْ يختلف ويُـعبّر عن رأيه ؟ أم أنّ ذلك كان (من المُـحرّمات) كما كان قبل الإسلام ؟ فى واقعة شديدة الأهمية ذكرها الطبرى أنّ رجلا من الفرات اسمه (رازاذان فروخ) بعد أنْ صلى فى المسجد سأله بعض القوم : أمسلم أم كافر؟ قال أنا مسلم . فسألوه : ما قولك فى على بن أبى طالب ؟ قال : أقول فيه خيرًا إنه أمير المؤمنين وسيد البشر. فقالوا له : كفرتَ يا عدو الله. ثم حملتْ عليه عصابة منهم فقطعوه)) (تاريخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلمى – بيروت – لبنان – ج4 – ص89) فى هذا المشهد صورة حية عن عقلية العرب بعد الإسلام ، وخصوصًا التعصب والفكر الأحادى كما كان قبل الإسلام ، حيث 1- الرجل مسلم ومع ذلك وصفه (عرب مسلمون مثله) بأنه كافر وعدو لله 2- أنهم قطعوه (أى قتلوه) فهل ذلك المشهد يختلف عما كان سائدًا قبل الإسلام ؟ والسؤال بصيغة أخرى : لمذا لم يُـهذب الإسلام (أخلاق) من انضموا لدين محمد أفواجـًا ؟ ولم يتحمّـلوا الثناء على على بن أبى طالب ، من شخص عربى مسلم مثلهم ؟ حتى على بن أبى طالب الذى وصفه الرجل بأنه (سيد البشر) انصاع لآلية الغزو التى قرّرها محمد ، وبدأها بالقبائل العربية ، ثم امتدتْ بعد ذلك لتشمل شعوب فارس والشام والعراق والمغرب ومصر. والتغير الوحيد الملموس هو الانتقال من غزوات العرب ضد العرب (قترة الجاهلية) كما نعتها محمد ، إلى غزوات ضد الشعوب المُـتحضرة . ورغم أنّ على بن أبى طالب كان يوصى قواد جيشه (عند غزواتهم) بالمُـعاملة الحسنة مثلما قال لأحد قواده ((يا معقل اتق الله ما استطعتَ ، فإنها وصية الله للمؤمنين . لا تبغ على أهل القبلة. ولا تظلم أهل الذمة. ولا تتكبّر فإنّ الله لا يحب المُـتكبرين)) والتناقض فى شخصية على بن أبى طالب أنه فى الوقت الذى يطلب فيه من قائده تقوى الله وعدم البغى والظلم ، كان أيضًا مع احتلال أراضى الشعوب المُـتحضرة ونهب مواردها والحصول على (الجزية) من (أهل الذمة) بل إنّ قائده (معقل بن قيس) لم يلتزم بوصيته وجاء فى التفاصيل التى ذكرها الطبرى ((نزلنا الأهواز، فأقمنا ننتظر أهل البصرة وقد أبطأوا علينا ، فقام فينا معقل بن قيس ، فقال بعد أنْ (حمد الله) سيروا بنا إلى هذا العدو القليل الذليل ، فإنى أرجو الله أنْ ينصركم وأنْ يهلكهم)) وفى هذا النص فإنّ السؤال المسكوت عنه هو: هل كان أهل البصرة أعداءً لأهل مكة : وما دليل ذلك ؟ أم أنّ كلام معقل بن قيس هو الحـُـجة (الشماعة) التى استخدمها كل الغزاة لتبرير غزواتهم ، وعلــّـقوا عليها كل أفعالهم الإجرامية ضد غيرهم من الشعوب؟ وما مغزى قوله ((إنى أرجو أنْ ينصركم الله وأنْ يهلكهم) ؟ وهل لهذا الكلام أى معنى آخر غير أنّ (الله) مع (الغزاة) وهو (الله) الذى سيُحقق النصر للغزاة ويهلك أهل البصرة ؟ وبعد تفاصيل كثيرة ذكرها الطبرى وصلتْ رسالة من عبد الله بن عباس حملها (خالد بن معدان الطائى) يقول له فيها ((إنْ أدركك رسولى فلا تبرح المكان الذى كنتَ فيه مُـقيمًا.. واثبتْ حتى يقدم عليك بعثنا)) وعندما دخلوا البصرة وتمّ تقسيم الجيش إلى ميمنة وميسرة قال معقل بن قيس (قائد على بن أبى طالب) لجنوده ((عباد الله.. لا تعدلوا القوم بأبصاركم.. غضوا الأبصار. وأقلوا الكلام ووطـــنوا أنفسكم على الطعن والضرب.. وأبشروا فى قتالهم بالأجر العظيم.. إنما تــُـقاتلون مارق مرقتْ من الدين وعلوجــًا منعوا الخراج وأكرادًا)) ولابد من التوقف أمام كلمة (علوج) وهى الكلمة التى نحتها العرب للتعبير عن كل شعوب العالم (باستثناء العرب) ومعناها فى قواميس اللغة العربية (بهائم – حتى المرأة العربيه عجماء أى بهيمة) (مختار الصحاج – المطابع الأميرية بمصر- عام 1911- ص440) فإذا كان الإسلام غيّر من طبائع العرب – كما يقول أصحاب العاطفة الدينية - فلماذا احتفظ العرب بهذه الكلمة حتى وقتنا هذا فى القرن الحادى والعشرين ؟ وعندما قرأتُ كلام معقل بن قيس لجنوده (غضوا الأبصار) توقعتُ (نظرة إنسانية) فى التعامل مع الشعب الذى سيحتلون أرضه ، ولكنه خيّـب ظنى عندما قال لجنوده ((وطـــنوا أنفسكم على الطعن والضرب)) ثم بشـّـرهم بالجنة. ويواصل الطبرى سرد باقى تفاصيل (الغزوة) فذكر أنّ جيش على بقيادة معقل بن قيس عندما دخلوا البصرة ((شدخوا سبعين عربيًا وقتلوا نحو ثلاثمائة من العلوج والأكراد)) هذا هو جيش على بن أبى طالب ، يقتل الأكراد ومن أطلقتْ عليهم اللغة العربية (علوج) دون تحديد جنسيتهم ، كأنهم (كلاب ضالة فى الطريق) كما أنه تمّ ((شدخ سبعين عربيًا) والشدخ فى اللغة العربية يعنى الكسر. أى أنهم كسّـروا عظام سبعين عربيًا . فما الفرق بينه وبين جيش معاوية بن أبى سفيان ؟ وما الفرق بين الإثنين و(عرب الجاهلية) ؟ وبعد انتهاء المجزرة التى ارتكبها جيش على بن أبى طالب ، كتب قائد الجيش (معقل بن قيس) رسالة إلى على قال له فيها ((بسم الله الرحمن الرحيم.. لعبد الله على أمير المؤمنين من معقل بن قيس سلام عليك إنى أحمد إليك الله.. أما بعد.. فإنــّا لقينا المارقين وقد استظهروا علينا بالمشركين فقتلناهم قتل عاد وإرم.. وقد نصرك الله والمسلمين والحمد لله)) فلما قرأ على الرسالة استشار من حوله من أتباعه ، فاتفقوا على رأى واحد فقالوا له ((نرى أنْ تكتب إلى معقل بن قيس فيتبع أثر الفاسق فلا يزال فى طلبه حتى يقتله أو ينفيه فإنـّـا لا نأمن أنْ يفسد عليك الناس)) فكتب على إلى قائده ((الحمد لله على تأييد أوليائه وخذلان أعدائه.. جزاك الله والمسلمين خيرًا فقد أحسنتم البلاء.. وسلْ عن أخى (بنى ناجية) فإنْ بلغك أنه قد استقرّ ببلدة من البلدان فسر إليه حتى تقتله أو تنفيه فإنه لن يزال للمسلمين عدوًا)) (الأدق لغويًا لا يزال ولكننى التزمتُ بالنص) وهكذا فإنّ على الذى أخذ صفة (سيد البشر) يلجأ إلى أسلوب التصفية الجسدية أو النفى مع خصومه. وعند مواصلة قراءة ما ذكره الطبرى ، سيتبيّن السبب الذى اتخذه على بن أبى طالب ضد هذا الشخص الذى أطلق عليه (أخى بنى ناجية) الذى ((منع قومه من أداء الصدقة عام صفين والعام التالى له.. فسار إليهم معقل بن قيس فى ذلك الجيش من أهل الكوفة وأهل البصرة)) أى أنّ على بن أبى طالب ارتكب نفس الجريمة التى ارتكبها أبو بكر عندما حارب القبائل التى رفضتْ دفع إتاوة الصدقة وقالوا لأبى بكر: الآية القرآنية نزلتْ على النبى محمد.. فهل أنت النبى محمد ؟ كذلك فإنّ الصدقة غير الجزية.. ونحن مسلمون موحدون.. ثم ذكروه بنص الآية ((خذ من أموالهم صدقة تــُـطهرهم وتــُـزكيهم بها وصل عليهم إنّ صلاتك سكن لهم)) (التوبة/ 103) والآية صريحة فى تحديد (المُــخاطب) به وهو النبى ، فهل أنت النبى يا أبا بكر؟ وبنفس المنطق الدامغ استند رئيس القبيلة الذى رفض أداء (الصدقة) لعلى بن أبى طالب ، الذى أصرّ على قتالهم كما فعل أبو بكر. وكان كثيرون من (النصارى) قد دخلوا فى الإسلام ثم رجعوا إلى دينهم بعد أنْ علموا بموضوع (الصدقة) فقال لهم شخص يُدعى (الخريت) ويحكم : أتدرون حكم على بن أبى طالب فيمن أسلم من النصارى ثم رجع إلى نصرانيته.. لا والله ما يُسمع لهم ولا يُـرى لهم عذرًا ولا يُـقبل منهم توبة ولا يدعوهم إليها.. وأنّ حكمه فيهم لضرب العنق ساعة أنْ يتمكــّـن منهم)) فهل تلك العقلية تختلف عن عقلية (عرب الجاهلية) فى إقصاء المختلف أو قتله ؟ بل إنّ على وصل به التشدد لدرجة رفض (التوبة) أى أنه – كما يقول شعبنا فى أهازيجه البديعة – ((قفل الباب بالضبة والمفتاح)) لأنه رفض عودتهم إلى (الإسلام) وليس ذلك فقط وإنما أصرّ على قتلهم عندما يتمكــّـن منهم. وتتحـدّد شخصية الغازى من كلماته مثل تلك الكلمات التى قالها معقل بن قيس لجنوده ((أيها المسلمون ما تــُـريدون أفضل مما سبق لكم فى هذا الموقف من الأجر العظيم ؟ إنّ الله ساقكم إلى قوم منعوا الصدقة وارتدوا عن الإسلام ونكثوا البيعة ظلمًا وعدوانـًا ، فأشهد لمن قــُـتل منكم بالجنة. ومن عاش فإنّ الله مـُـقر عينه ب (الفتح) و(الغنيمة) وهذا النص غاية فى الأهمية بمراعاة ما يلى 1- التمحك الدائم فى (الله) وأنه هو الذى ساق (العرب المسلمين) ليغزوا القوم الرافضين دفع إتاوة (الصدقة) وهنا يبرز التناقض ، حيث أنّ (الله) خاطب النبى فى آية الصدقة ، فكيف به (الله) يتراجع ويجعل الخطاب مُوجّـهًا لعلى وجيش على ؟ 2- استخدام تعبير (ارتدوا عن الإسلام) هل له معنى آخر غير نفى الحرية الشخصية لأى إنسان فى اعتناق ما يشاء ورفض ما يشاء ؟ فى تناقض صارخ مع آية (لكم دينكم ولىَ دين) آية رقم 6 من السورة التى (يا للمفارقة) عنوانها (الكافرون) وهى الآية التى يتشدق بها أدعياء الليبرالية وفريق (يسار الإسلام) للتدليل على ((سماحة الإسلام)) مُـتناسين تمامًا عشرات الآيات الى تحض على قتل المُـختلف مع دعوة محمد حتى من أبناء قبيلته (قريش) لدرجة أنّ القرآن حسم مسألة (حرية الرأى والعقيدة) حسمًا نهائيًا وصريحًا عندما خاطب نبيه قائلا ((قل للمخالفين من الأعراب..إلى تــُـقاتلونهم أو يُسلمون)) (الفتح / 16) فهل هناك (إكراه) أكثر من ذلك ؟ 3- أنّ (الله) مُـقر عينه ب (الفتح/ الغزو) و(الغنيمة) فكيف يتساوى (الله) الذى لا يأكل ولا يشرب إلخ بالإنسان الذى سيحصل على (الغنيمة) ؟ وهكذا فإنّ عقلية (العربى المسلم) لم تختلف عن عقلية (العربى الجاهلى) الذى كان يـدّعى أنّ (هبل) أو (اللات) يُحبون أكل اللحوم. ويُـواصل الطبرى سرد ما حدث فكتب أنّ معقل بن قيس (قائد جيش على بن أبى طالب) ظلّ يُـطارد (أعداء الله) الذين رفضوا أداء (إتاوة الصدقة) فماذا فعل ؟ ((فسبى من أدرك منهم رجالا كثيرًا ونساءً وصبيانـًا.. وأنّ شيخـًا نصرانيًا رفض الدخول فى الإسلام اسمه (الرماحس بن منصور) الذى قال ((والله ما زلتُ منذ عقلتُ إلاّ فى خروجى من دينى دين الصدق إلى دينكم دين السوء.. لا والله لا أدع دينى ولا أقرب دينكم ما حييت)) فضــُـرب عنقه. وجمع معقل الناس وقال : أدوا ما عليكم فى هذه السنين من (الصدقة) فأخذ من مسلمين عقاليْن)) وكتب معقل إلى على بن أبى طالب : أما بعد.. فإنى أخبر أمير المؤمنين عن جنده وعدوه.. إنــّا دفعنا إلى عدونا بالأسياف (الأدق لغويًا السيوف) فوجدنا بها قبائل ذات عدة.. وقد جمعتْ لنا وتحزبتْ علينا فدعوناهم إلى (الطاعة) والجماعة وإلى حكم الكتاب والسنة. وقرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين ورفعنا لهم (راية أمان) فمالتْ إلينا منهم طائفة وبقيتْ طائفة أخرى مُـنابذة فقبلنا من التى أقبلتْ وصمدنا صمدًا (والأدق لغويًا صمودًا) للتى أدبرتْ فضرب (الله) وجوههم ونصرنا عليهم فأما من كان مسلمًا فإنــّا (مننا عليه) وأخذنا بيعته لأمير المؤمنين وأخذنا منهم (الصدقة) التى كانت عليهم . وأما من (ارتد) فإنــّا عرضنا عليه الرجوع إلى الإسلام وإلا قتلناه ، فرجعوا غير رجل واحد فقتلناه.. فأما النصارى فإنــّا سبيناهم.. وقد أقبلنا بهم ليكونوا نكالا لمن بعدهم لكيلا يمنعوا الجزية)) ولكن هل حصيلة (الإتاوات) من جزية وخراج وصدقة كانتْ تـوزّع على (المسلمين) بالعدل؟ كتب الطبرى أنّ ابن عباس سأل عن المال ، وكان عمال البصرة يحملون من كور البصرة إلى ابن عباس الذى يُـرسل المال إلى على بن أبى طالب.. ولكن ابن عباس تلكــّـأ فى إرسال المال وقال له ((انظرنى أيامُا)) أى أمهلنى بعض الوقت.. ثم قال والله لو أنّ ابن هند (إشارة إلى معاوية بن أبى سفيان) طالبنى بها أو ابن عفان (أى عثمان) لتركها لى (هكذا يتم كشف المستور) ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مائة ألف كل سنة)) وهكذا تكتمل الدائرة الجهنمية : نهب أموال الشعوب المُـتحضرة يتم توزيعها على المُـقرّبين من الخليفة (كما فعل عثمان ومعاوية بشكل خاص) ويكون نصيب (العامة من الرعايا أو الرعية) الفتات ، فهل هذا الوضع يختلف عن وضع رئيس القبيلة (قبل الإسلام) الذى كان يمنح المُـقرّبين منه الجزء الأعظم من (أنفال) القبيلة التى هـُـزمتْ فى المعركة والفتات لباقى أبناء القبيلة؟ وذكر الطبرى أنّ معاوبة بن أبى سفيان وجـّـه عبد الله بن سعده الفزارى فى ألف وسبعمائة رجل إلى منطقة (تيماء) وأمره أنْ يـَـصدق من مرّ به من أهل البوادى ، وأنْ يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله ثمّ يأتى مكة والمدينة والحجاز ويفعل ذلك (بهم) فلما بلغ ذلك عليًا وجـّـه المُسيب بن نجبة الفزارى فسار حتى لحق ابن مسعدة ب (تيماء) فاقتتلوا ذلك اليوم حتى زالتْ الشمس قتالا شديدًا وحمل المُسيب على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات والأخير يقول له ((النجاء النجاء)) فدخل ابن مسعدة وعامة من معه الحصن وهرب الباقون نحو الشام وانتهبتْ (الأعراب) إبل الصدقة التى كانت مع ابن مسعده وحصره ومن كان معه المُسيب ثلاثة أيام ثم ألقى الحطب على الباب وألقى النيران فيه حتى احترق ، فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا على المُسيب فقالوا يا مسيب قومك فرق لهم .. فأمر بالنار فأطفئتْ)) وهكذا فإنّ معاوية بن أبى سفيان الذى يحلو لأصحاب العاطفة الدينية أنْ يتبعوا اسمه بالأثر الإسلامى الشهير ((رضى الله عنه)) يأمر بقتل من امتنع عن أداء (إتاوة الصدقة) رغم أنّ الصدقة كما توضح ليست من (فروض) الإسلام مثل (الجزية) فكان معاوية بذلك التصرف يُـلبى نداء (الجاهلية) أى قتل أى إنسان يُـعارض أوامر رئيس القبيلة. وورد فى نفس الخبر أنّ معاوية بن أبى سفيان وجـّـه (معاوية الضحاك بن قيس) وأمره أنْ يمر بأسفل (واقصة) وأنْ يُـغير (أى يعتدى) على كل من مرّ به ممن هو فى طاعة على بن أبى طالب من (الأعراب) ووجـّـه معه ثلاثة آلاف رجل.. فسار وأخذ أموال الناس وقتل من لقى من (الأعراب) ومرّ ب (الثعلبية) فأغار على مسالح (أى معسكرات) على بن أبى طالب وأخذ أمتعتهم . وعلى بن أبى طالب الذى يحلو لأصحاب العاطفة الدينية أنْ يتبعوا اسمه بالأثر الإسلامى ((خليفة المسلمين وأمير المؤمنين وكرّم الله وجهه إلخ)) علم أنّ أهل فارس وأهل (كرمان) طمعوا فى ((كسر الخراج)) أى الامتناع عن أداء إتاوة الخراج. فماذا فعل على بن أبى طالب؟ عن فلان عن فلان عن على بن كثير أنّ عليًا استشار الناس فى رجل يوليه فارس حين امتنعوا عن أداء الخراج فقال له (جاريه بن قدامه) : ألا أدلك يا أمير المؤمنين على رجل صليب الرأى عالم بالسياسة كافٍ لما وُلى ؟ قال : من هو؟ قال : زياد . قال : هو لها فولاه فارس وكرمان ووجـّـهه فى أربعة آلاف ((فدوّخ تلك البلاد حتى استقاموا)) والطبرى (الذى يحلو لأصحاب العاطفة الدينية) الهجوم عليه بحجة أنه تعمـّـد ((تشويه الدين الإسلامى والتاريخ الإسلامى)) فإنه كان يكتفى بذكر ما سمعه من رواة الأخبار، أو ما قرأه فى كتب سابقة عليه ، أى أنه لم يكن يهتم بكتابة أى تعليق على الأحداث الدموية التى يرويها ولا على نهب الأموال ولا على مشاعر الشعوب المُـتحضرة التى تمّ غزو أراضيها من أجل الحصول على الإتاوات العديدة من خراج وجزية و(صدقة) مثلما كتب فى الخبر الأخير أنّ جيش على بن أبى طالب ((دوّخ بلاد فارس حتى استقاموا)) والاستقامة – عكسها فى اللغة العربية- الاعوجاج ، والاعوجاج المقصود هنا هو أنّ أهل فارس حاولوا ممارسة حقهم المشروع فى مقاومة الغزاة العرب بالامتناع عن أداء (إتاوة الخراج) فلما هزمهم جيش على (استقاموا) ثم نقل الطبرى عدة أحاديث (من رواة آخرين) لتأكيد نفس الخبر السابق عن غزو المقاطعات الفارسية التى امتنعتْ عن أداء إتاوة الخراج . وأضاف الطبرى ما حدث مع أهالى منطقة أخرى من فارس اسمها (أهل الجبال) طمعوا (وهذه هى الكلمة التى استخدمها الطبرى) فى كسر الخراج ، أى أنّ امتناعهم عن أداء إتاوة الخراج (طمع) وليس حقــًا مشروعــًا ، وأنّ (أهل الجبال) أخرجوا عامل على (سهيل بن حنيف) من فارس فقال ابن عباس لعلى : أكفيك فارس.. فقدم ابن عباس البصرة ووجـّـه زيادًا إلى فارس ((فى جمع كثير فوطىء بهم أهل فارس فأدوا الخراج)) وعن فلان عن فلان حدثنى شيخ من أهل (اصطخر) قال : سمعتُ أبى يقول أدركتُ زيادًا وهو أمير على فارس وهى تــُـضرم نارًا فلم يزل بالمداراة حتى عادوا إلى ما كانوا عليه ((من الطاعة والاستقامة)) فلم يقفوا موقفـًا للحرب (أى لم يُقاموا) وكان أهل فارس يقولون ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنو شروان من سيرة هذا العربى فى اللين والمُـداراة.. فخوّف قومًا وتوعـّـدهم وضرب بعضهم ببعض ودلّ بعضهم على (عورة) بعض وهربتْ طائفة وأقامتْ طائفة فقتل بعضهم بعضـًا وصفتْ له فارس فلم يلق فيها جمعـًا ولا حربًا وفعل مثل ذلك بكرمان ثم رجع إلى فارس فسار فى كورها.. حتى استقامتْ له البلاد وأتى (اصطخر) فنزلها وحصـّـن قلعة بها ما بين (بيضاء) و(اصطخر) فكانت تــُـسمى قلعة زياد فحمل إليها الأموال ثم تحصــّـن فيها بعد ذلك منصور اليشكرى وسُميت قلعة منصور (الطبرى – مصدر سابق – من ص78- 106) وقد تميّز الفرس (رغم قبولهم الإسلام) بأنهم رفضوا العروبة (جملة وتفصيلا) بما ذلك اللغة العربية وتمسّـكوا بلغتهم القومية (الفارسية) وبينما كتب ساوريس بن المقفع تاريخ البطاركة باللغة العربية (وبها العديد من الأخطاء المُـضحكة) لأنها ليست لغته ، فإنّ الشاعر الفردوسى (فى نفس القرن العاشر الميلادى) كتب ملحمة الشاهنامة باللغة الفارسية، وبسبب هذا التماسك القومى شنّ العروبيون والإسلاميون وأدعاء الليبرالية على الشعراء ذوى الأصول الفارسية بأنهم أصحاب (نزعة شعوبية) وأنهم (شوفينيون وعنصريون إلخ) وكان الشاعر بشار بن برد أحد الذين ناله سهام التعصب العروبى لأنه قال فى قصيدة له ((هل من رسول مُـخبر.. عنى جميع العرب.. من كان حيًا منهم.. ومن ثوى فى الترب..جدى الذى أسمو به.. كسرى وساسان أبى.. كم لى وكم لى من أب.. بتاجه متعصب.. لم يسق أقطاب .. يشربها فى العلب.. ولا أتى حنظلة.. يثقبها من سغب.. ولا حدا قط أبى.. خلف بعير أجرب)) أما الشاعر أبو نواس فقال (( أعاذلتى أقصرى عن بعض لومى.. فراجى توبتى عندى يخيب.. تعيين الذنوب وأى حر.. من الفتيان ليس له ذنوب.. فهذا العيش لا خيم البوادى.. وهذا العيش لا اللبن الحليب.. فأين البدو من إيوان كسرى.. وأين الميادين الزروب)) دار صادر- بيروت – ص 5، 236) ولأنّ عرب ما بعد الإسلام لم يختلفوا عن عرب ما قبل الإسلام (حضاريًا) لذلك – كما كتب ابن خلدون ((لم تصل إلينا علوم كثيرة.. والحكماء فى أمم النوع الإنسانى متعددون.. فأين علوم الفرس التى أمر عمر بن الخطاب بمحوها عند (الفتح) وأين علوم الكلدانيين والسريانيين وأهل بابل وما ظهر عليهم من آثارها ونتائجها وأين علوم القبط)) وكتب أيضًا ((لما (فــُـتحتْ) فارس ووجدوا فيها كتبًا كثيرة كتب سعد بن أبى وقاص إلى عمربن الخطاب ليستأذنه فى شأنها وتلقينها للمسلمين فكتب إليه عمر: اطرحوها فى الماء ، فإنْ يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه. وإنْ يكن ضلالا فقد كفانا الله فطرحوها فى الماء أو فى النار. وذهبتْ علوم الفرس ولم تصل إلينا)) (مقدمة ابن خلدون- المطبعة والمكتبة السعيدية بالأزهر- عام 1930- ص 32، 402) وهذا المثال – من بين عشرات الأمثلة - يؤكد على أنه لا فرق بين الخليفة العربى/ المسلم (عمر بن الخطاب) ورئيس القبيلة العربى (غيرالمسلم والجاهلى) فى العداء للحضارة والتمدن، والانحياز للتعصب والفكر الأحادى الرافض التجاوب مع الثقافات المختلفة للشعوب . ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب قبل وبعد الإسلام (10)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (9)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (8)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (7)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (6)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (5)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (4)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (3)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (2)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (1)
-
مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
-
القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
-
العدوة لعصور الظلام
-
السامية والحامية ولغة العلم
-
رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال
...
-
أسباب فشل اليسار المصرى
-
الدولة شخصية اعتبارية
-
الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
-
الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى
-
أفغانستان فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين
المزيد.....
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|