|
حقائق عن جورج أورويل / 8
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4939 - 2015 / 9 / 28 - 21:03
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
رابعاً / قسم بحوث المعلومات التابع لوزارة الخارجية البريطانية (الآي آر دي ) أسست وزارة الخارجية البريطانية "قسم بحوث المعلومات" (Information Research Department (IRD) عام 1948 تحت إشراف جهاز المخابرات الخارجية البريطانية : أم آي سكس (MI6) بديلاً للمكتب الخارجي و الكومنويلث ( Foreign and Commonwealth Office ) المنحل عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية . و قد اختير إطلاق هذا الاسم عليه بقصد التمويه على طبيعة نشاطاته الحقيقية كذراع للحرب النفسية لجهاز الأم آي سكس يشتغل خارج و داخل المملكة المتحدة . كان إنشاء ذلك القسم من بنات أفكار وكيل الوزارة العمالي "كرستوفر ميهيو" الذي اقترح عام 1947 إنشاءه بموجب مذكرة سرية له ، بغية : "شن هجوم إعلامي مضاد للخطر الشيوعي" . و لقد رحب رئيس الوزراء "كلمنت أتلي" بالمقرح، و استدعاه إلى منتجعه في قصر "تشيكرز" لمناقشة مقتضيات التطبيق العملي له ، و أنيطت بميهيو مسؤولية رئاسة القسم بالتعاون مع السير "آيفن كيركباترك" لغاية عام 1950 . و اختيرت أولاً بناية وزارة الخارجية في "كارلتن هاوس ترس" مقراً له ، قبل الانتقال إلى مقره الجديد في "رفرووك ، مِلْبانك" بلندن . و تذكر الروائية البريطانية "فاي ولدن" - التي كانت تعمل في بناية وزارة الخارجية البريطانية بـ "كارلتن هاوس ترس" - أن رجال الأم آي سكس عندما كانوا ينزلون للقاعة التحتية للبناية ، فإن رئيسهم كان يوجِّه الأمر لها و لزميلاتها بالاستدارة نحو الحائط بالقول : " إستدرن إلى الحائط ، عزيزاتي ، لحين خروج الرجل الماجد " خشية انكشاف هويات الأشخاص العاملين في المهمات القذرة للآي آر دي . و للثلاثين سنة اللاحقة سيمارس هذا المكتب تأثيره في الرأي العام البريطاني و العالمي عبر مختلف أجهزة الإعلام ، خصوصاً المطبوعة ، و المسموعة : البي بي سي التي كانت تعمل بتوجيهاته . و سيطبع و ينشر مئات الآلاف من نسخ مؤلفات "بيرتراند رسل" و "جورج أورويل" و "آرثر كوئيستلر" و غيرهم من الكتاب المتياسرين المرتدين و المصممة خصيصاً لمحاربة الشيوعية و بمختلف لغات العالم . و لقد بقي وجود ونشاط هذا المكتب سراًمحجوباً تماماً عن المواطن البريطاني الدافع لتكاليف تأسيسه و أعماله الإجرامية ، و كان أغلب الموظفين فيه – الذين وصل عددهم في قمة نشاطه إلى 300 شخص ، يشتغل أكثر من 60 منهم في القسم السوفيتي وحده – من الإعلاميين و المهاجرين من أوربا الشرقية و المشهورين بمعاداتهم للشيوعية . و كانت التعليمات المبلغة لهم تقتضي توخي السرية التامة و امتناعهم التام عن إبلاغ أي شخص آخر - حتى بقية المشتغلين معهم في نفس الجهاز - بمكان و طبيعة عملهم الحقيقي . كما ضم هذا القسم موظفين كان يتم زرعهم في مقرات سفارات المملكة المتحدة بشتى عواصم العالم لتمرير الأنباء المفبركة و الدعاية السوداء للجهات السياسية الموالية و للصحف المحلية و غيرها من وسائل الاعلام المؤثرة يقصد صناعة القرار المطلوب و خلق الوعي السياسي و الفكري المزيف المهيمن على الشارع . و كان اليساري المرتد : "روبرت كونكويست" – الذي سبق له و أن تولى خلال الحرب العالمية الثانية مهمة التجسس لصالح الأم آي فايف على زميله و صديقه الشاعر "راندل سوينغلر" خلال خدمته العسكرية في الجيش البريطاني – له شعبته الخاصة به في هذا القسم و التي يشتغل لحسابه فيها عشرة مخبرين ، زائداً بطلة تحصيل قوائم أورويل السوداء و سكرتيرته الخاصة "السيدة سيليا كيروان" التي هام كونكويست بحبها و راح يدبج لها القصائد الغرامية الملتهبة . قوادة و لحم جاموس . و بغية الاضطلاع بمهمة "محاربة الخطر الشيوعي المتنامي في كل نسيج الحضارة الغربية" ، فقد موَّل هذا المكتب دار النشر الخاص به "امبرساند" (Ampersand) لشن الحرب النفسية (و هي مزيج من الأكاذيب الصريحة المدافة بالحقائق المشوهة ) لحرق سمعة جميع الأحزاب و الشخصيات اليسارية البريطانية و نقابات العمال المستقلة بكل الطرق الممكنة في الداخل ، و كذلك الأحزاب الشيوعية و الثورية في كل العالم - و خصوصاً في أوربا الغربية - لمنعها من الوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية . وكانت من بين المؤسسات الدعائية التابعة له : راديو كل الهند ، و كالة الأنباء العربية ، منشورات دار باكغراوند ، وكالة أنباء عنتره (اندونيسيا و ماليزيا و سنغافورة) ، دار النشر أمبرساند ؛ مطبعة باتشويرذ ؛ كتب بيلمان ؛ بريتانوفا ؛ وكالة الغلوب ؛ مجموعة انباء الشرق الأوسط و الأدنى ؛ إذاعة الشرق الأدنى (في القدس ثم في قبرص بعد عام 1948) . و من أقذر العمليات المخابراتية للآي آر دي كانت حملته التضليلية الرهيبة و المستدامة قبل و بعد عامي 1965-1966 في إندونيسيا ضد ما كانت تعتبره الإمبريالية الخطر الكامن لحكومة الرئيس المستقل سوكارنو ضد استمرار هيمنة الشركات الاحتكارية البريطانية (شل ، فايرستون) على استخراج موارد النفط و المطاط في إندونيسيا و اتحاد الملايو . و عن طريق ترويجه للأكاذيب بصدد "الانقلاب العسكري الفاشل" الموهوم ضده العسكر ، و نشره الأراجيف و الإشاعات المسمومة عبر طباعة و توزيع الوثائق المزورة بصدد أخطار التدخل الصيني المحدق بالبلد و المؤامرة الشيوعية الهدامة التي توشك على الإطباق على أعناق عباد الله الصالحين من المسلمين الإندونيسيين ، فقد تم له في النهاية إبادة ثلاثة ملايين إنسان إندونيسي بريء في بحر عامين ، و إزاحة الرئيس سوكارنو إثر تنصيب كلب الحراسة الامبريالي الجنرال سوهارتو بديلاً له "بالطرق الديمقراطية الحرة المشروعة". و بهذه الجرائم فقد تم تأمين رهن كل الموارد الطبيعية للمنطقة لصالح الشركات الاحتكارية الأنجلو أمريكية بأبخس ثمن ، و من ثم العمل على محو وقائع كل جرائم الإبادة الجماعية من الذاكرة الجمعية المحلية و العالمية عبر حصر الحديث من بعد ذلك كله على التسبيح بآيات "معجزات التطور الاقتصادي في عهد سوهارتو" المزعومة و خنق كل ذكر لحملة الإبادة الممنهجة لثلاثة ملايين انسان بريء عبر التشكيك و التزييف و فبركة التهم جزافاً . نعم ، فسلطة رأس المال كلامها أبلغ الكلام لكونه الوحيد الذي يستطيع عجن الأطنان من طحين الأكاذيب والسحت الحرام بدماء المقاصل المليونية للبشر الأبرياء المبادين لتشييد صرح "التطور الرأسمالي" الموهوم . و من أعماله الشهيرة أيضاً حملته القذرة و المتواصلة على كل الصعد و المؤسسات و الوسائط الدعائية خلال الأعوام 1970-2 لتشويه سمعة الجيش الجمهوري الايرلندي السري عبر مهاجمته إعلامياً بالأكاذيب المفبركة و تأسيس عشرات المنظمات و الاتحادات المحلية ضده لعزل الشعب الايرلندي في مقاطعة "ألستر" عنه ، و تضليل الراي العام عبر تشويه الوقائع المشهودة للتغطية على جرائم قوات الشرطة و الجيش البريطاني ضد الثوار الايرلنديين الأحرار و المعارضين العزل ، مثل جريمة "يوم الأحد الدامي" الفظيعة . في تلك الواقعة الشهيرة ، بان الوجه القذر للإمبريالية البريطانية ضد مواطنيها يوم أرسلت عساكر مظلييها المدججين بالأسلحة الفتاكة في 30 كانون الثاني من عام 1972 لفتح النار بمدينة "ديري" على المتظاهرين العزل ضد قانون الاعتقال الاحترازي التعسفي ، فقتلت 16 شخصاً منهم (إثنان منهم سحقتهم العربات العسكرية سحقاً) و جرحت 12 بدم بارد . نعم ، لقد سمع و وعى جيداً رئيس الوزراء البريطاني "إدورد هيث" (الذي اتضح الآن أنه كان ولوعاً بممارسة الجنس مع الأطفال) تحذير جورج أورويل لحكومة جلالة الملكة و الذي سبق و أن اوردتُه ضد "أخطار الحركات الانفصالية العنيفة في جزيرتنا الأم " . من هو العنيف هنا ؟ مظليو هيث ، أم المتظاهرون العزل ؟ و من المهمات القذرة الاخرى التي اضطلع بها الآي آر دي هي قيامه بشق صف الحركة النقابية التقدمية في بريطانيا المؤيدة للمجلس الوطني للحريات المدنية (National Council for Civil Liberties (NCCL)) عبر اصطناعه بالترغيب و الترهيب للاتحاد الألعوبة : "مجلس اتحاد النقابات" (Trades -union- Congress )) (TUC) الموالي للرأسمالية بفضل "الجهود الإمبريالية المخلصة" لرجل المخابرات الشهير المعادي للشيوعية : "فيك فيذر" الذي أصبح أول سكرتير عام له قبل أن تنعم عليه ملكة بريطانيا بلقب البارونية : بروليتير بارون ! و قد قام الكاتب "تيموثي غارتن آش" ، في كتابه لعام 2010 الموسوم " الحقائق هي تخريبية" (Facts Are Subversive) ، بتقصي أنشطة الآي آر دي في : "اغتيال الشخصيات ، و إصدار البرقيات المزورة ، و رش المساحيق التي تسبب هرش البشرة على مقاعد المراحيض و غيرها من الخدع القذرة للحرب الباردة" . و يوضح فيه آش كيف أن النشاطات المعادية للشيوعية لهذا القسم كانت تمثل المعادل البريطاني للحملة المكارثية الأمريكية ضد التقدميين . و مثلت رواية أورويل "حقل الحيوان" المشروع المركزي للآي آر دي ، حيث تولى بثها عبر : "صوت أمريكا" بمختلف اللغات ؛ و خصها بإنتاج أول شريط كارتوني بريطاني لها تم توزيعه بعدة لغات ؛ و موَّل ترجمتها و طبعها و نشرها بعدة لغات ، حيث كان التوزيع يتم بإشراف أورويل نفسه ، خصوصاً في بلدان أوربا الشرقية و الصين و الهند و بلدان جنوب شرق آسيا و كوريا و أمريكا الوسطى و الجنوبية و العالم العربي . و كان أحد أشد المتحمسين لهذا المشروع السفارة البريطانية في القاهرة التي هللت لها "لأن المسلمين يتنجسون من الخنازير و الكلاب" . يقول أندرو روبين في كتابه لعام 2012 الموسوم "أراشيف السلطة " (Archives of Authority) : "لم تحصل سوى القليل من الكتب في تاريخ الأدب الإنجليزي على التوزيع السريع و بعدة لغات مثل "حقل الحيوان" . و من المصادر الإنجليزية الأخرى التي تحكي قصة نشر هذه الرواية من طرف الآي آر دي : Paul Lashmar and James Oliver, Britain’s Secret Propaganda War, 1948–1977 (1998)-;- Frances Stonor Saunders, Who Paid the Piper? The CIA and the Cultural Cold War (1999)-;- Tony Shaw, British Cinema and the Cold War: The State, Propaganda and Consensus (2001). في عام 1977 ، أضطر وزير الخارجية البريطاني "ديفد أوين" لإغلاق مكتب الآي آر دي لانكشافه ، و لتفشي الفساد بكل أنواعه فيه ، و لتقاطع وظيفته مع وظيفة الأم آي سكس (أي جهاز المخابرات الخارجية البريطانية ) ، حيث تم استبداله بمكتب أصغر في وزارة الخارجية البريطانية .
يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقائق عن جورج أورويل / 7
-
حقائق عن جورج أورويل / 6
-
حقائق عن جورج أورويل / 5
-
حقائق عن جورج أورويل / 4
-
حقائق عن جورج أورويل / 3
-
حقائق عن جورج أورويل / 2
-
حقائق عن جورج أورويل / 1
-
فورة الواهس في اللغو اليابس : مالوم أبو رغيف نموذجاً
-
ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 4
-
ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 3
-
ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 2
-
ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ
-
قصة موت و حياة
-
عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 13-13 (الأخيرة)
-
عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 12-13
-
عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 11-13
-
عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 10-13
-
عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 9-15
-
عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 8-13
-
عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 7-13
المزيد.....
-
نبيل بنعبد الله يعزي في وفاة شقيق الرفيق السعودي لعمالكي عضو
...
-
الحزب الشيوعي العراقي: تضامنا مع الشيوعيين السوريين ضد القر
...
-
موسكو: ألمانيا تحاول التملّص من الاعتراف بحصار لينينغراد إبا
...
-
مظاهرات بألمانيا السبت وغدا ضد اليمين المتطرف
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 589
-
تحليل - فرنسا: عندما يستخدم رئيس الوزراء فرانسوا بيرو أطروحا
...
-
برقية تضامن ودعم إلى الرفاق في الحزب الشيوعي الكوبي.
-
إلى الرفيق العزيز نجم الدين الخريط ومن خلالك إلى كل مناضلات
...
-
المحافظون الألمان يسعون لكسب دعم اليمين المتطرف في البرلمان
...
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|