|
الشعر حين يحتله الصمت/قراءة في قصيدة حين يحتلني الصمت للشاعرة المغربية أمينة اغتامي
الأستاذ الكاتب والمترجم أحمد فاضل/ العراق
الحوار المتمدن-العدد: 4939 - 2015 / 9 / 28 - 17:29
المحور:
الادب والفن
الشعرُ حينما يسكنهُ الصمت/قراءة في.قصيدة حين يحتلني الصمت الشاعرة المغربية أمينة اغتامي ( مقاربة بحثية ) كتابة / أحمد فاضل لا أدري لم يعشق الشعراء ثيمة " الصمت " ، هذه الكلمة السحرية التي باتت أثيرة لديهم تتكرر في نصوصهم كثيرا فمنذ أمد بعيد جلسوا إليها شرقا وغربا حيث استطاع العديد منهم أن يهدونا تفسيرا رائعا لها كلا بحسب اشتغاله عليها ، من بين هذه الإشتغالات ما قرأته للشاعر الإنكليزي توماس هود ( 1799 – 1845) الذي كتب عن الصمت نصا يتماشى وواقعه الفقير الذي كتمه على الكثير من أصدقائه الميسورين من أمثال السير روبرت بيل الذي علم بالصدفة ما يمر به صديقه هود من شظف العيش وضيق في اليد اللذان ألما به فسارع بتقديم طلب له لدى الجهات الرسمية المسؤولة عن المعاشات وذلك بتخصيص راتبا تقاعديا كمكافأة أدبية عن سنوات كتابته الشعر وذلك بإغنائه المشهد الشعري الإنكليزي بمجاميع شعرية عديدة حازت على الإعجاب حتى عُدَّ هو وشيلي و تينيسون من جيل واحد ، ويبدو أن الصمت أول ما يتلبس الشعراء ولا يمكن أن يكون قدومه عشوائيا وأن لهذه العبارة معنى كبير في قاموسهم ، تقول الناقدة الإنكليزية ليزا عن ذلك : "There is a complete absence of sound Altotralve because we feel whenever we tried to shout and we can not we go with full consciousness toward silence"
" هناك غياب كامل للصوت بسبب التوتر الذي نشعر به كلما حاولنا أن نصرخ ولا نستطيع ، فنذهب بكامل وعينا نحو الصمت " . قد تكون هذه المقدمة سبيلا للدخول إلى قصيدة الشاعرة المغربية أمينة اغتامي " حين يحتلني الصمت " وهي لعمري كلام امرأة شاعرة التحفت به بعد جلوسها تعب الظهيرة الذي لا يشبهه تعب ، حيث تقول : يضْبطُني وجه المساء على توقيت تعب الظهيرة تعب .... يلون سنابل الرؤية بطيف امرأة تناهز الغروب .. تحاور بصمت أذيال النهار .. والتعب قد يكون هنا فكريا وليس جسديا لأنه : تعب .... يلون سنابل الرؤية مدى لتلك الأرض المزروعة بالخير ولأنها لا تريد بعثرة تلك الرؤى حاورت النهار بصمتها : للأرصفة نزوات كهذه الخطى اللاهثة نحو مقاهٍ حليقة .. تعرتْ من البياض والمدينةُ الفاغرةُ فاَهاَ تفكُّ ببطءٍ أزرارَ قُمصانها الإسمنتيةِ للموتى/ الأحياء وهم يلوحون بخطاياهم من فوق كراسٍ تستضيف الفراغ .. هي تريد البوح بما يعتمل في داخلها ، لكنها أبت إلا أن تتكلم صمتاً ، فلهذه الأرصفة التي تمشي عليها نزوات والمقاهي قد لا تجد فيها أحدا والمدينة تفتح كل ما تمتلكه لتفكك ببطء : أزرارَ قُمصانها الإسمنتيةِ العالقة بها منذ أمد بعيد لمن ؟ : للموتى / الأحياء يحملون خطاياهم وما جنته أياديهم من فوق كراس يحوطها الفراغ الذي استضافته وجعلها تسكت عن الكلام المباح . فتتمتم في نفسها :
عليَّ أن أُغْمِضَ عيني وأنا أعيدُ إنتاجَ الشريط من داخلِ قوقعتي ... لأرى العالمَ أكثرَ بياضاً
هذا العالم الذي تريد إعادة تشكيله بعيدا عن كل ما يحمله من نزوات ، فهي تبحث عن مدينة فاضلة لترى : العالم أكثر بياضا اغتامي تحدثت بصمت امرأة لا تقوى على الصراخ ، هي تتمنى ، تريد إغماض عيونها لتفتحها على واقع جديد يلهمها الأمل ، ومع أن هذا النص يحمل أسئلة عديدة لامرأة شاعرة تتوجس بؤس حياتنا فإنها بالتالي تريد : إعادة إنتاج شريط حياتها وحياتنا من داخل قوقعتها ، روحها لتقول كلماتها بصمت . ومع عودتنا إلى ثيمة " الصمت " في شرقنا العربي نجد أنها تكررت لدى العديد من شعرائه منهم الشاعر المغربي عبد الغني فوزي الذي تناول قراءة ديوانه الأخير " حطب بكامل غاباته المرتعشة " أحد النقاد المغاربة والذي نختتم به مقاربتنا البحثية ، حيث يقول عنه : وما إن تصفحت هذا الديوان الجميل حتى استوقفتني لفظة " الصمت " التي تكررت بشكل لافت على امتداد صفحات الديوان حتى أنه يمكن القول أن لا قصيدة انفلتت من الحضور المباشر الصريح أو غير المباشر لهذه اللفظة مما دعاني للتأمل في مقول الديوان ومسكوته موجها بهذا الحضور الدال والعميق وبعد قراءات متعددة للديوان تأكدت أن الصمت هنا ليس مجرد لفظة تتكرر وإنما تشكل ثيمة عميقة تؤثث جميل القول عند عبد الغني فوزي الذي نقرأ له من قصيدة "صراط " في الصفحة 73 : كأن الكلام والصمت الصمت سيد العروش الخاوية .. هذا الصمت الحاضر بقوة في القصائد يتخلل الوجود الأنطولوجي و النفسي للشاعر، فلا يملك سوى أن يعبر عنه بطرق مختلفة ، يقول فوزي في الصفحة 53 من ديوانه : صمتا تشطرك الكأس صمتا تعض على الشفة صمتا تلوذ بحجرك السفلي . و كأن الصمت هنا هوية تدثر بلحافها الزئبقي الكائن الشعري السادر في وحدته ، وفي هامشيته وفي سفليته ، يقول الشاعر : أنا ذاك الصمت الموزع في الدبيب الراشح أحرس بياضي . إنه ليس أي نوع من الصمت ، إنه صمت دال ومعبر، محفز، مستفز، يتفوق في كثير من الأحيان عن الكلام نفسه ، يقول الشاعر في الصفحة 54 : للصمت ذاك الحديث وآخر سينضج على الجدار وخلف الطعنة . وفي الصفحة 49 يتغنى به الشاعر قائلا : الصمت جسد أفقه في اليد.. * أمينة اغتامي في قصيدتها " حين يحتلني الصمت " تمسك بتلابيب الصمت وكأنه إيماءة جرح لا تود أن تشاهد الدم ينزف منه فتمسكه عن الجريان ، لكن لونه هناك على الوجه يكاد ينطق عاليا : إنني أنزف ..
الأستاذ أحمد فاضل كاتب ومترجم عراقي وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق،صدر له كتابان"شكسبير في الحبس الانفرادي" وهو مجموعة مقالاات مترجمة/"أسماء في دائرة النقد" وهو عبارة عن قراءات نقدية/نشرت له العديد من الصحف العراقية والعربية
#الأستاذ_الكاتب_والمترجم_أحمد_فاضل/_العراق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|