بشاراه أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4938 - 2015 / 9 / 27 - 22:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في موضوعنا السابق, الذي كان تحت عنوان: (تكملة التعليقات - مِلْكُ اليَمِيْنِ في الإسلام), وكان قد عرض علينا الموضوع في شكل سؤال مباشر عبر عدة تعليقات على الفيسبوك, قد تكون غاية من تقدم به مجرد معرفة موقف الإسلام الحقيقي من "ملك اليمين", أو لعله وجد شيئاً من تشريع في كتب الفقه والسيرة والتفسير رجح لديه شبهة المغرضين المتربصين التي يدَّعُون فيها بأن الإسلام قد إرتضى ملك اليمين وإستباحه وشرَّع له, فأدركنا أن السؤال إلَّم يكن نابعاً من هذه الشبهة أو إمتداد لها فلا أقل من أن يكون متأثراً بها أو لعل الرد التقليدي المتعصب بالنفي أو التبرير سيوسع دائرة الشبهة والشك لإضافة غموض إلى غموضه الذي أدخله فيه أولئك المغرضون.
لذا رأينا أن نضع على الطاولة كل الأوراق الإسلامية المرجعية الأساسية دون سواها وهي كتاب الله مباشرة ثم سنة رسول الله المؤكدة, وحرصنا بعد ذلك على أن يكون الموضوع متكاملاً والمرجعية فيه بينة واضحة. ولكن رغم ذلك وردتنا بعض التعليقات من قراء قالوا إنهم قرأوا ممقالنا بكامله ولكن مدلولات تعليقاتهم عليه بعد ذلك توحي بغير ذلك وعليه فسوف أناقش هنا بعضاً من هذه التعيقات لأهميتها ولتكتمل الصورة وتتضح أكثر للقراء عموما.
المعلق الأول, الذي قال لنا:
((... قرأت مقالتك الى النهاية رغم طولها وتشعباتها واجد نفسي امام غابة من التساؤلات سوف لن اضيع واتوه خلالها واقتصر الاشارة الى مطبين اثنين أوقعت نفسك فيهما ...)).
ثم كرر العبارات التي قلتها له في رد سابق, فقال لي: ((... قولك : "السؤال الذي طرحته ليس بسيطاً كما قلت أو ظننت, وإنما هو "أكبر مشكلة كارثية وأزمة إنسانية وأخلاقية وحقوقية وحياتية حقيقية عانى منها البشر ولا يزالون يعانون وسيعانون منها ما بقيت السماوات والأرض إلَّا أن يشاء الله رب العالمين.") ثم واصل تعليقه فقال لي: (سؤالي: وهل عجز رب العباد سبحانه عن حسم الموضوع ووضع الحلول والتعليمات من خلال اخر الاديان واكملها ... ؟)).
فكان لا بد من الرد عليه في هذه الجزئية فقلت له:
أولا: طول المقالة إقتضته الضرورة للوصول إلى الحقيقة لمن أرادها كاملة ومؤكدة, وعليه لن يبخل بساعة أو سويعات من الزمان ليتحراها إن كانت أهمية الموضوع لديه تستحق ذلك الثمن المبذول, وليس من أهداف هذه الضرورة تغيير المفاهيم أو توجيهها لغاية مبتغاة من قبلنا سوى إلتزام وتحري الموضوعية والشفافية والبرهان وسد الذرائع, فما دام أنَّك قد قرأت المقال إلى النهاية كما تقول - وبإستحضارنا لقدراتك اللغوية التي نحسبها كافية للوصول إلى الحقيقة التي قصدناها – نرى أن قولك بعدم وصولك للحقيقة من خلاله ليس مبرَّرّاً ولا مقبولاً لدينا, ولكن هذا رأيك أو قصدك وأنت حر فيه.
أما غابة التساؤلات التي وجدت نفسك فيها, فهذا يعتبر تغذية إرتدادية إيجابيةpositive feedback, للمقال مما يعني أنه قد حرك غابة من الفعاليات بين البشر الذين أنت من بينهم بتنوعهم ومشاربهم, والتي لدينا لها محيطاً من الأجوبة دون أن تنتهك خصوصيات الآخرين وهذه بذاتها تعتبر قمَّة أصول الحضارة والتعامل الراقي بين العقلاء وتنوير للجهلاء والمخدوعين.
ثانياً: قلت له: (سؤالك إن كان رب العباد قد عجز عن وضع التعليمات والحلول من خلال أكمل الأديان يعطني الحق في أن أشك في أنك قد قرأت مقالتنا إلى النهاية بقصد فهمها وإستنباط الردود على تساؤلاتك "الصادقة" منها وليست المسألة مجرد مرور عابر بحثاً عن المآخذ والمثالب - "إن وجدت لذلك سبيلاً" – ولكن المنطق يقول بأنه لا يمكن تسمية هذا الفعل "قرآءة" بمفهومها المعروف, وفي نفس الوقت أنا لا أكذِّبُك في أنك فعلت ذلك ولكن ليس بقدر كاف من الإهتمام الذي يقتضيه البحث عن الحقيقة التي هي في الواقع موجودة هناك ومفصلة "على الأقل من وجهة نظر الإسلام لأنها قد تحرت آيات الله البينات وأحاديث رسوله الأمين.
ولكن الذي يلزم تذكيرك به هو أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء,, وقد وضع التعليمات والحلول كاملةً ووضع كل التحفيذات والتحذيرات دون أن يخدش الحرية وحق الإختيار وأعطى الإنسان (كل الإنسان) الفرصة كاملة لمراجعة النفس وتصحيح المسار,, فجعل "فترتها الزمنية" مستمرة مدى الحياة "لمن أراد", وبيَّنَ له أن هناك حساب وثواب في حياة آخرة مؤكدة تأتي بعد إنقضاء الأجل بالموت, وإنقضاء فترة الموت بالبعث لكل البشر.
لعل الأنسب أن تستحضر مثلاً موقف المحاضر instructor أو المعلم الذي لا يترك شاردة ولا واردة إلَّا ويقوم بشرحها وتفصيلها لطلبته, ويضرب لهم الأمثال لإفهامهم المادة التي يقوم بتدريبهم عليها ومساعدتهم وتمكينهم منها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة, ولا يفتأ يذكرهم بموعد الإختبارات ويحذرهم من عاقبة الفشل فيها ويستمر على ذلك إلى قبيل يوم الإمتحان, عندئذ يتحول موقفه إلى النفيض, من شارح ومفصل لكل شاردة وواردة,, إلى مراقب يحرص على عدم وصول أي معلومة لأي من طلبته "أثناء الإمتحان" من الخارج أو الداخل, وعلى الطالب الإعتماد كلياً على ما عنده من عمل إن ذاكر وإجتهد وإستعد للإمتحان وإستحضر حتميته قبل أن يلقاه, عندها قد يحقق شيء من النجاح الذي سعى له, وإن تهاون في التحصيل وأضاع الفرصة, فالنتيجة فشل محسوم ومحتوم. فهل يعقل أن يتهم ذلك المحاضر بعدم حسمه للموضوع ووضع الحلول والتعليمات وفق المنهج المعد سلفاً؟؟؟ ..... ولله تعالى المثل الأعلى.
ثالثاً: قلت له: أنت للأسف تخلط - "مع آخرين" - ما بين العبودية, والرق, وملك اليمين, رغم أننا قد ناقشنا هذه الحالة وغيرها وأسهبنا فيها,, وهذا من الأسباب التي تدعونا للإطالة في المقالات مضطرين لذلك, ليس فقط لغرض الرد المقنع المقامة عليه البراهين بعد الأدلة الموثقة,, ولكن لنبطل الحجج والمماحكات والأباطيل التي يثيرها المغرضون, ليس لإقناعهم "بالطبع" أو التغلب عليهم بالنقاط وهزيمتهم كما قد يدعي أو يظن البعض, وإنما لغرض إقامة الحجج الدامغة على بطلانها وزيفها, عندها يكون المسئول عن الإطالة والإسهاب هم أولئك المغرضين أنفسهم لا غير, ونحن من جانبنا لن نترك الأمور الجوهرية بأنصاف الحلول أو عليها غبرة وغبش وغسق وغش.
فأنا, ومن خلال كل مقالاتي التي تنبع من القرآن وتضاء به مراجعةً وتدققاً وتوثقاً, أؤكد رفضي التام لكل ما يخدش حرية الإختيار لدى كل البشر بأي قدر,, وهذا ما يؤكده القرآن والحديث النبوي الشريف وليس هوىً من عند أنفسنا,, بل هذا ما تؤكده أيضاً التوراة والإنجيل (قبل تحريفهما), لأن مصدرهما رب واحد أحد هو الخلاق العليم.
نقل المعلق الأول من قولي "حرفياً" العبارة التالية التي أخذها ردنا على سؤال له قلت له فيه: (أما سؤالك المباشر لي إن كنت سأقر ملك اليمين وأقبله ان ترتب على ابنتي واختي وآل بيتي,, أقول لك بالطبع لن أقر أو أقبل أن يحدث ذلك – ليس فقط لأهل بيتي ونفسي وأقاربي – بل لن أقره أو أقبله لأي إنسان حر أن تنتهك حريته بأي قدر, ولأي سبب من الأسباب, فما لا أقره وأقبله لآل بيتي لا أقره ولا أقبله لكل إنسان ...),, ثم قال لي: سؤالي الست تقر بشكل لا لبس فيه ومن خلال التصريحين المشار اليهما آنفا ان ملك اليمين عمل شنيع لا يمكن القبول به؟؟ وقال (إن لديه تعريف له لا يود ذكره أنا لا أقبلة وهو ايضا, لعله يدرك أن فيه حرج له أو إساءة لنا,, لا أدري ؟؟ .) فيقول بأن ذلك "لاعتبارات اخلاقية ولخلوه من روح الخُلُقِ, والإِنْصَافِ, والعَدْلِ, والقِسْطِ, والإِنْسَانِيَّة ....).
ثم يقول لنا بعد ذلك: ((... وهذا يقودني الى السؤال الاخير الذي ربما سيكون من العيار الثقيل ويثير حساسيتك بفعل مورثاتك الدينية المتراكمة التي تعمل على تحييد او ربما تبليد جزء من العقل وجعله يقبل بالمسلمات مهما بدت غريبة وغير منطقية وغير اخلاقية ...)), فلعله لا يدري أن هذه الوصف المجحف والتصغير لشأن الغير يقدح مباشرة في الإعتبارات الأخلاقية, لخلوه الظاهر البين من روح الخلق والإنصاف والعدل والقسط والإنسانية. فلا أدري من أين أوجد لنا موروثات دينية أو غيرها متراكمة وصفاً لنا بالرعاع التقليديين الدراويش التابعين, ثم وصمنا بتبلد العقل وإتباع المسميات الغريبة وغير المنطقية, فهل رأى في موضوعنا الذي عرضناه شيء مما يقول أم هي إعتبارات أخلاقية غربية حضارية نحن لا نعرفها؟؟؟
ثم يأتي بالنقيض تماماً فيدعي أنني وإياه أفضل خُلُقَاً من الصفوة الكرام فيقول: ((... السنا - انت وانا - افضل خُلقا من كل اؤلئك الانبياء الذين مارسوا ذلك العمل واباحوه لانفسهم مدعين مباركة خالق الكون واباحته لهم للتسري بالنساء خارج اي حدود ؟؟ شيئ غير معقول اطلاقا وليس فيه ذرة من المنطق ! ...)). نعم,, إذا كانت الإعتبارات الأخلاقية لديك هي ما وصفتنا بها,, فأكيد أن ذلك شيء غير معقول إطلاقاً وليس فيه ذرة من المنطق, وبالتالي فإن الأنبياء لم يأتوا به لأنهم جاءوا بالأخلاق الحقيقية التي تكرم الإنسان ولا تقلل من شأنه أو توصمه بما ليس فيه من المآخذ والمخازي والمثالب,, وقد جاء إمامهم وخاتمهم "ليتمم مكارم الأخلاق", فنهى عن الغيبة والبهتان.
ثم يقول لنا أيضاً: ((... كلمتي الاخيرة : كن صريحا مع نفسك وواجه الواقع المرير وقد فعلت ذلك لنفسي ذات يوم . الامر يحتاج الى شجاعة وصراحة وصحوة عقل وتحييد التحييز Bias. تحياتي وآملي ان لا ندع للخلاف ان يفسد للود قضية !...)).
أقول له في ذلك,, كل ما صغته في هذا الموضوع والمواضيع التي سبقته والتي ستلحق به "موثقة" بالكامل, وهذا يعني قمة الصراحة مع النفس, فهي معلنة على الملأ, ولن تمر بدون ملاحقة ومتابعة من جميع القراء الذين ندرك أن من بينهم عباقرة وأعلام يستحيل تمرير الغث والمشبوه تحت أنوفهم. فكن مطمئناً بأننا نلتزم الصراحة قبل أن نخط القلم على الورق, فليت الناس يتعاملون بها كما ينيغي, ولا يعمدون إلى الأحكام المسبقة المائلة نحو الهوى والشنآن البغيض.
رابعاً: أما سؤالك الذي تقول عنه إنه من العيار الثقيل, وظنك بأنه سيثير حساسيتي, وإفتراضاتك بأنني أتبع موروثات دينية تعمل على تحييد أو تبليد جزء من العقل ,,,, الخ. كل هذه نابع من تصورات خاصة بك ليس لها حظ من واقع أو حقيقة, ولا علاقة لها بشخصنا الذي يسهل الحكم عليه من خلال مقالاته, لذا سأعتبره مسئولية شخصية أيضاً تضبطها روح الخلق والإِنْصَافِ, والعَدْلِ, والقِسْطِ, والإِنْسَانِيَّة لديك, أما علمياً فأنا لم أجد لها توصيف خارج إطار الكلام المرسل ما لم تستطع تقديم ما يمكن أن يخرجها من هذه الدائرة المشبوهة أو النفق المظلم.
خامساً: أما ظنك بأننا وإياك أفضل خُلُقَاً من كل أولئك الأنبياء الأعلام الذين تبهتهم بأنهم مارسوا ذلك العمل الذي جاءوا لمحاربته وإحباطه وتقطيع خيوطه, ثم تقول بأنهم اباحوه لانفسهم مدعين مباركة خالق الكون واباحته لهم للتسري بالنساء خارج اي حدود... أقول لك جازماً بأن هذا مفهوم خاطيء بالكلية ومجحف وتصوري لا علاقة له بحقيقة هؤلاء الصفوة من البشر, (بل هو بهتان بكل المقاييس, وبكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى, بل ليس له سند من واقع ولا منطق,,,), إذ أنَّ درجة الإلتزام والتحلي بالأخلاق لدى البشر قاطبة ينعدم تماماً كلما نهج الإنسان منهجاً مخالفاً لمنهج هؤلاء الأنبياء والرسل, ويزداد كلما إزداد التحلي بهديهم والتأسِّي بخلقهم الكريم أدائهم القويم وقصرت المسافة بين الشخص وبينهم,, لأنهم هم الذين جاءوا بالأخلاق والقيم النبيلة فهزموا الشيطان وعُبَّاده.
فما من أخلاق حميدة إلَّا وكانت شعاعاً من النور الذي جاءوا به وناضلوا من أجله ورسَّخوا مفاهيمه وأطَّروا ضوابطه,, وأول هذا النور هو تخليص الإنسان من عبوديته للإنسان وللأشياء, فكانت رسالة الخاتم ليتمم مكارم الأخلاق. وسيكون لنا موضوع خاص بالأخلاق ethics في الأديان السماوية كلها بصفة عامة وفي الإسلام بصفة خاصة, وسيكون موضوعاً حاراً للنقاش من وجهات نظر مختلفة.
أما بالنسبة لكلمتك الأخيرة: أقول لك: (إنَّ المرء يستحيل أن يكون حراً إن جانبته الصراحة والشفافية مع النفس والغير, ولا يكون شجاعاً إن تَحَكَّمَ فيه الهوى والتبعية الإمِّعِيَّة, ولا يكون إنساناً عدلاً, منصفاً, مقسطاً إن غابت عنه مواجهة الواقع بحلوه ومره وعمل بكل جد على معالجة إنحرافاته وتصدعاته,, وتصحيح نهجه ومساره وفق معايير حقيقية نابعة من ثوابت موضوعية,, حينئذ يصحوا العقل ويقوى على نبذ التحيز وإحلال الصدق والأمانة والشفافية محله. أما الخلاف, فهو مَلَكَةٌ أخلاقية وفكرية إنسانية سامية تُجَسِّدُ الحرية وصدق التوجه متى ما خلت من حاكمية الهَوَى والغَوَىْ الذي يخرجها من نورها إلى ظلام الغوغائية والفوضى, وتسموا بالصبر على تقبل الآخر على علَّآته (لأنه واقع معاش) يستحيل تجاوزه,, فهذا هو أوثق دليل على الصُرْعَةِ الذي يملك نفسه عند الغضب.
وقد أورد المعلق الأول إلينا عبر الفيسبوك – في تعليق آخر له – ما يدل على أنه في الواقع لم يقرأ ما كتبناه وفصلناه في هذا الشأن, والدليل على ذلك قوله: ((... استاذ بشاراة، كنت اتوقع منك اجابة قصيرة وواضحة وعلى نفس الصفحة وبدون كتابة مجلدات عن الموضوع. انا على قناعة تامة ان "ملك اليمين" ليس له مبرر انساني او اخلاقي والمسلم المعاصر يتهرب منه لانه في ذاته غير مقنع به ...)), وبهذا يريد أن يوهم القراء بأن موقفنا الذي أعلناه, وشجبنا لتداعيات ملك اليمين في المفاهيم الغبية الجاهلة هو ليس موقفاً حقيقياً وإنما المسلم المعاصر يهرب منه "إن جاز له أن يعتبرنا من ضمن المسلمين المعاصرين طبعاً, وبمعنى أصح يقول بأننا ننافق بما ليس هو حقيقي في إعتقادنا وديننا, وهذا أنكى آيات الخبث والمكر السيء المؤسف حقيقةً,,
ثم يقول لنا أيضاً: ((... كلامك: لن أقره أو أقبله لأي إنسان حر أن تنتهك حريته بأي قدر, ولكنه لا يستطيع ان يتجاوز الطوق الذي ضرب على عنقه يوم ان ولد او يخالف دين اسلافه...)).
فهو لا يزال يردد ما قاله من قبل, بل نراه يكرر عبارات ظنية لا ولن يستطيع إثباتها وإقامة الدليل عليها وإنما يريد أن يبقي على حالة التشكك والبهتان قائمة بعبارات مرسلة واهية كقوله مثلا (... ان "ملك اليمين" ليس له مبرر انساني او اخلاقي والمسلم المعاصر يتهرب منه لانه في ذاته غير مقتنع به ...).
فهو بذلك يريد أن يضرب عصفورين بحجر واحد حسب ما توحي به هذه العبارات. فيكون الحجر الأول هو تأكيد الشبهة التي نسفها القرآن الكريم والسنة النبوية نسفاً موجعاً لهم ومخيباً لآمالهم,, فجعلتها قاعاٌ صفصفاً, والحجر الثاني أن المسلم المعاصر "على حد تعبيره" أدرك بشاعة هذا الواقع فلم يجد بداً من التهرب منه لأنه في ذاته غير مقتنع به. ثم لم يكتف بهذا فقط بل عمد إلى ما هو أنكى فبدأ يصور المسلم على أنه مغلوب على أمره, وأنه مقود "كالكلب" من ذلك الطوق الذي ضرب على عنقه - (إذ لا يضرب الطوق إلَّا على عنق الكلب) - يوم أن ولد فلا يستطيع أن يتجاوزه, ولعله قد نسى أن الذي يدمغ منذ ولادته "دينياً" هو الذي يتم تعميده ووشمه في ثلاثين موضعاً من جسده بما في ذلك المناطق الحساسة منه.
وبهذه العبارة المنتقاة يريد أن يدق آخر مسمار في نعش المسلم بعد أن يصفه بهذه التبعية المهينة المشينة وهو يجر من عنقه "بطوق" ضرب حول عنقه وأحكم قياده وغيب فكره وإختياره, ولم تترك له فرصة يستطيع بها مخالفة دين أسلافه المقهور عليه,,,, هذه هي الحضارة وهؤلاء هم أهلها الذين يدعونها فيفضحهم أداؤهم وتفاعيلهم وفكرهم.
أود هنا أن أذكر القراء الكرام ببعض نصوص سابقة تضمنها أحد تعليقات هذا المعلق الأول, الذي قال لنا فيه: ((... قرأت مقالتك الى النهاية .... إلى أن قال: وهذا يقودني الى السؤال الاخير الذي ربما سيكون من العيار الثقيل ويثير حساسيتك بفعل مورثاتك الدينية المتراكمة التي تعمل على تحييد او ربما تبليد جزء من العقل وجعله يقبل بالمسلمات مهما بدت غريبة وغير منطقية وغير اخلاقية ... )). فنرد عليه في ذلك بالآتي:
أولاً: نعم أنا أقر تماماً وبشكل لا لبس فيه كما أكدت لك وجزمت في السابق: (فأنا لا أقبل العبودية لغير الله على أي من البشر) – ليس فقط من خلال التصريحين الذين قلت عنهما – وإنما لأن هذا هو مراد الله ومنهج كل أنبيائه ورسله وعلى رأسهم خاتمهم الأمين, وليس لديَّ أي موقف آخر "خفي" أناور به وأراوغ حتى يضطر السيد بيتر إلى عرض (تعريفه الذي يقول عنه إنه لا يود ذكره,) لأنه على ما يبدوا أكثر حساسية مما قاله لنا أو لعله أكثر إستخفافاً وإستهجاناً بالغير وتحديداً بنا نحن.
على أية حال,, لقد ضمَّنتُ قولي كل الأدلة والبراهين القطعية الموثقة له, من كتب الله ورسله الكرام, ولكنه قرر المعلق ألَّا يلتفت إلى هذه الحقائق الدامغة قصداً ولا أدري لماذا ولا أريد أن أعرف لأنني لست معنياً بردات الفعل أو الإنطباعات الشخصية.
ثانياً: قوله عن الإعتبارات الأخلاقية الحقيقية التي لا تخلوا من روح الخُلُقِ, والإِنْصَاف, والعَدْلِ, والقِسْطِ, والإِنْسَانِيَّة... هل يعقل أن تسمح للذي يتمتع أو ينادي بها أن يطرح سؤاله – إن كان الأول أو الأخير,, سواءاً أكان من العيار الثقيل أو غيره – فيكون بهذه اللهجة العدوانية والروح الإستفذاذية والسباب العلني المباشر بتحقير فكرنا بقولك لنا: (... ويثير حساسيتك « بفعل مورثاتك الدينية المتراكمة » التي تعمل على « تحييد او ربما تبليد جزء من العقل وجعله يقبل بالمسلمات » مهما بدت غريبة وغير منطقية وغير اخلاقية ...). فنحن نؤكد له بأنه ليس لدينا موروثات, بل علمنا متجدد بتجدد وإستمرارية تكشف الأسرار العلمية الربانية الغريبة على مدار الثانية واللحظة. وثقافتنا وعلمنا يفوق بكثير ثقافات المادة والهوى والهوس التقني الذي قضى على الثقافة الإنسانية والأخلاق.
إذاً,, فهو بأقواله هذه سيكون مطالباً – بحق الإعتبارات الأخلاقية التي تحدث عنها – بأن يعرض على القراء الكرام "بكل جرأة وأمانة" وموضوعية وشفافية الآتي:
1. تلك الموروثات الدينية المتراكمة, والتي يتحدث عنها ويبهتنا بها,
2. أن يُرِيَهم كيف تعمل هذه الموروثات على تحييد وتبليد جزء من العقل وتجعله يقبل بالمسلمات,
3. وما هي تلك المسلمات التي يقول عنها إنها مقبولة لدينا مهما بدت غريبة وغير منطقية وغير أخلاقية, حتى نرد عليه بعلم متجدد ومتأصل,, ولكن الرد حينئذ لن يكون في صالحه.
ثم نقول له: يجب ملاحظة أن العجز عن الإجابة الواضحة المباشرة على هذه الأسئلة البسيطة التي أثرتموها بأنفسكم إنما تجعلكم على المحك أمام تلك الإعتبارات الأخلاقية ethical considerations التي بلا شك ستتلاشى وتختفي بإختفاء الموضوعية والشفافية والمصداقية والأمانة العلمية.
وأود أن أذكر السيد بيتر بأننا لو كنا نقبل بالمسلمات دون فكر أو تدبر,, أو أن الله تعالى يقبل منا تلك التبعية السالبة لألزمنا بالقرآن "قسراً وقهراً" وهو القادر على ذلك كما فعله مع من هو أكبر وأبقى منا,, ولكنه الكتاب الوحيد الذي يطلب من متَّبعيه أن يتعاملوا معه بالتفكر والتدبر والتمحيص والتفقه والدراسة,,, فليته يقارن هذا بغيره ليعرف أنه قد جانبت الموضوعية وتجنى على المصداقية كثيراً.
على أية حال,, ما قاله في هذا التعليق كان تمهيداً لازماً منه لما أعدده لتعليقه الأخير الذي ظنَّ أنه يحمل حقيقة مدوية, بل بلغت به الثقة مبلغها حين إعتبرها حقيقة مدوية لدرجة أكد لنا بثقة أنها ستعرِّضنا للإرباك والتخبط والإزدواجية. لذا,, وقبل أن أرد على تعليقه هذا سأعرضه على القراء كما ورد إلينا منه فيما يلي:
قال لنا بيتر كان: ((... ما عرضته عليك هو حقيقة مدوية تعرض الارتباك والتخبط والازدواجية التي يعاني منها المسلم ... لكنه في النهاية يختار « وبنفاق واضح » ان يهرب من الاسئلة المحرجة ويتمسك بموروثاته الدينة مهما كانت بعيدة عن العقل والمنطق والانصاف .... صمتك هزيمة !!!).
ولكن نتمنى عليه أن يعرض علينا شيئاً من موروثاتنا الدينية التي قال عنها إنها بعيدة عن العقل والمنطق والإنصاف, حتى نستطيع - من خلالها - أن نقف على معاييره ومفاهيمه عن هذه القيم. أما الصمت في كثير من الأحيان يكون أبلغ من القول والفعل, ولكن هذا يقتضي أن يكون ذلك الصمت ممنهجاً وعن علم ووعي وتقييم, وليس عن عجز وقلة حيلة, وهذا ما لن يناله منا أبداً.
أما هزيمتك لنا لن تحدث إطلاقاً ما دمنا ملتزمين بالقرآن الكريم قلباً وقالباً, نصاً وروحاً,, وبالطبع يمكنك أن تجرب مرات ومرات عديدة فلن تجد سوى مرارة بالفشل,, ولكن – في نفس الوقت - هو سهل عليك هزيمتنا إن إستطعت أن تبعدنا عن نور وهدي القرآن وسنة النبي الكريم,, عندها ستكون قوى بشرية تتفاوت سلباً وإيجاباً مع قوى بشرية مثلها, وأنا أولاً وأخيراً بشر محدود في كل شيء ومقدور عَلَيَّ بلا شك. فليتك تتجنب خلط الأوراق فقد حاول كثيرون قبلك فلم يُجْدِ ذلك لهم نفعاً.
ثانياً: تعليقات المعلق الثاني,،، نراها للأسف الشديد كلها تسعى لتأكيد الشبهة على النبي الكريم, على الرغم من كل الآيات والأحاديث التي سقناها والتي تنفيها تماماً, فلا ندري حقيقةً ما هي غاية هذا المعلق من ذلك ولن نقدم على إتهامه بشيء ولكن تحليلنا لما قاله يؤكد ما خلصنا إليه والله أعلم بمراده.
فقط نقول له في ردنا على تعليقاته, يا أخي كان يكفيك أن تتدبر الآية جيداً لتصل إلى حقيقة واحدة هي أن مرادها هو رفع الحرج عن النبي عندما يرجئ أيَّاُ من اللاتي عرضن أنفسهن عليه لأن ذلك - إن لم يفعله الله نيابة عنه, وفي قرآن يتلى على الجميع - لشعرت المرأة الواهبة نفسها بالحرج والشعور بالمهانة وضياع الكرامة إذا ما أرجأها النبي ولم يقبلها ويؤوها إليه.
فأنظر إلى قول الله تعالى لنبيه الكريم في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ - « وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا » - خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ - «« لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ »» - وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 50),
فهو سبحانه وتعالى يقول له بكل وضوح:
أولاً: من حيث الحل والإباحة, فإن المرأة "المؤمنة تحديداً" إن وهبت نفسها إليك يا نبي الله لتستنكحها بغير صداق, وقبلت أنت ذلك فهذا لا غبار عليه وحلال عليك, قال: (... « وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا »). لعل القارئ الفطن يستطيع أن يفرق نماماً بين عبارة "تستنكحها" التي جاءت بالآية, وبين عبارة "تنكحها" التي تلتبس بها لدى العامة والجهلاء الذين ليس لهم ملحة فهم تفعلية اللغة العربية.
ثانياً: الغاية الأساسية في هذه الآية هي « أنَّ رفع الحرج عن النبي » أكثر بكثير من « الإباحة أو الحل له », والدليل على ذلك أنَّ خيار الإرجاء – في الآية – جاء قبل خيار "الإيواء", ولم يكن ذلك بالصدفة ولكن هذا يؤكد أن النبي كان خياره دائماً الإرجاء دون الإيواء إليه, فالنبي لم يُحَرِّضِ النساء ليَهِبْنَ أنفسهن له, أو يطلب منهن ذلك أو يشجعهن عليه,, بل في الحقيقة كان هذا أمراً مفروضاً عليه من جانب (النساء المؤمنات), وهذه الهبة من النساء لم تكن هدراً لكراماتهن أو إستهانة بعزة أنفسهن وأنِفَتِهِنَّ المعهودة فيهن "كنساء", ولكن يجب علينا أن نتدبر الآيات جيداً لنقف على حقائق ودقائق الأمور التي تحتاج مع التدبر إلى حكمة بقدر كافٍ وقد بين الله تعالى أن:
1. المرأة ليست أي واحدة من النساء كما يظن الجاهلون المرجفون, بل هي "إمرأة مؤمنة", وهذا يعني أنها تدرك تماماً قدر ومكانة وفضل الرجل الذي ستهب نفسها له بدون أي تردد وهو رسول الله الذي تؤمن به وبربها,
2. هي تدرك تماماً قدر ومقدار الربح الذي ستناله "المحظوظة الموفقة" بهذه الهبة الرابحة, وكم مقدار الشرف والفخر والفضل الذي ستناله إن قبل النبي هبتها له وتفضل عليها وآواها إليه من دون غيرها من الواهبات والآملات في الفوز بهذه الفرصة المغرية,
3. تدرك تماماً مدى الحرج والحسرة التي ستوقع نفسها فيها إن لم يُرِدِ النبيُّ إيواءها بإستنكاحها فأرجأها, ومدى شعورها بالخجل من الإستهانة بعزة نفسها "كإمرأة" إن خانها الحظ فأرجأها النبي ولم يؤوها إليه.
هذه هو الواقع الذي يواجهه النبي صلى الله عليه وسلم, فقد وجد نفسه محاصراً بأمور يصعب عليه – بشخصه الكريم - أن يعالجها, فإن كان من حق النساء المؤمنات أن يطمعن ويطمحن في أن ينلن شرف الإنتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرب الشرعي منه, فمن حق النبي نفسه أن يكون له حق الخيار في أن يقبل أو يرفض ذلك منهن,, ومن حقه أن يمارس هذا الحق, ولكن,:
- هل هذه الحقوق يمكن أن تمر بدون أن يكون لها آثار سالبة على وجدات الأطراف المعنية؟ وبالتالي يمكن أن يحدث من النبي "الحَيِيْ" بسهولة, ذلك النبي الذي قال فيه ربه (وإنك لعلى خلق عظيم)؟
- فهل الأمر سيكون عليه هيناً خالياً من الحرج الشديد إن صد إمرأة مؤمنة ترغب فيه؟؟؟ .....
- وهل ستكون ردة الفعل على شعور ووجدان وكرامة المرأة المؤمنة المرجأة أمراً سهلاً خالياً من الألم والمرارة التي لا ولن يرضاها لها هذا النبي الكريم الرحيم؟؟؟ .....
- وهل النبي يمكن أن يتغاضى عن هذا الألم والأسى الذي لا يد فيه, ولا شك في أنه سيشعر بالذنب الذي لم يقترفه, لذا نستطيع فهم قول الله تعالى له في هذه الآية مسلياً: («« لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ »» - وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).
وبالمقابل, لو فرض أن النبي فتح باب إيواء كل مؤمنة وهبت نفسها له وترك الأمر بلا قيود, لفارقت كثير من المؤمنات أزواجهن ليفزن بهذا الشرف الرفيع. إذاً فهذه الورطة التي وجد النبي نفسه فيها وإحتياجه إلى تشريع صريح من الله لينقذه منها شبيهة بورطة أخيه "نبي الله يوسف" حيث كان يواجه شغف وملاحقة وإصرار إمرأة العزيز والنسوة اللاتي قطعن أيديهن" شغفاً به وإصراراً على نيل ما يشتهينه منه, فلم يكن له بد من أن تتدخل السماء فتصرف عنه كيدهن (فاستجاب له ربه),, مع الفارق الكبير طبعاً ما بين مجتمعي الورطتين, فإمرأة العزيز والنسوة يسعين للفحشاء, أما النساء المؤمنات الواهبات فإنهن يسعين للفضل والشرف والتميز.
وها قد جاءه الحل والتشريع من الله تعالى مرضياً منصفاً مريحاً لكل الأطراف, في قضية وجدانية إنسانية حساسة مثل هذا الموقف الذي يصعب التوفيق فيه وإيجاد حل يرضي كل الأطراف الذين تكون مصالحهم متقابلة ومتعارضة, حيث أعطاه الله طلاقة الإختيار في "الإرجاء" أولاً لأنه غاية النبي والحل الأكيد له من هذه الورطة, ثم "الإيواء" ثانياً, لأن فيه التخليض من الحرج و الشعور بالذنب, ثم في نفس الوقت "أن تقر أعين النساء المؤمنات اللآتي أرجأهن النبي ولا يحزن ويرضين بما آتاهن كلهن لأن ذلك بأمر الله, المؤواة منهن والمرجأة معاً.
ثم لم يهمل أو يتغاضى عن المشاعر الداخلية في القلوب لكل الأطراف فقال له بكل صراحة ووضوح: ( « تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ » « وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ » - وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ - « ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ » وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا 51).
هاتين الآيتين الجوهرتين المحكمتين وضعتا النقاط على الحروف فأوجدتا حلاً مرضياً لكل الأطراف وفي نفس الوقت رفعتا الحرج عن النبي الكريم عند أرجأ الواهبات أنفسهن له "كلهن". صلى الله عليك وسلم يا سيد ولد آدم بلا منازع أو ند.
أما قول السيدة أمُّ المؤمنين عائشة كل ما قالته فهو لا يخرج من إطار الخواص الطبيعية للنساء عموماً, فهي "كإمرأة" فإنها ستغار على زوجها كثيراً من ظاهرة رأت أنها تشكل خطراً على مكانتها عند زوجها وحِبَّهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقولها (كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم), أو قولها: (أما تستحي امرأة أن تهب نفسها), أو قولها: (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك), هذه العبارات الطبيعية التي صدرت من إمرأة تغار على زوجها وتحاول تبرير هذه الغيرة بعبارات كالتي سمعناها, والتي تلوكها كتب السيرة والتفسير والفقه, وتعطيها أبعاداً تخرجها من مضمونها لهو العبث نفسه, وهذه الظاهرة هي التي ساعدت كثيرا على محاصر الإسلام بالشبهات وفتحت الباب للذباب والباعوض ليُطنَّ ويلذغ, فلا يترك وراءه سوى التلوث والأوبئة والهلاك.
أما التخبط والتناقض في اللآتي وهبن أنفسهن محصور في بضع نساء ليس هناك حولهن إجماع, هي: "خولة بنت حكيم", وفي طبقات ابن سعد: "غزية بنت جابر الدوسية", من الازد عرضت نفسها على النبي ... فقبلها النبي كما يقولون. أما قولهم بأن ابن كثير: قال اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم كثير, فإن الأولى بإبن كثير أو الذين قالوا عنه أن يستبدلوا كلمة "كثر" بذكر أسماء ثلاثة أو خمسة فقط من اللآتي وهبن أنفسهن للنبي فآواهم إليه. فإن لم يأتوا بهن ويؤكدا إيواء النبي إليهن فيكون قولاً لا يساوي المداد الذي كتب به. علماً بأن,, كثرة الواهبات أنفسهن للنبي لا بد من أن يكون أمراً وارداً إن كان النبي قد شجعه وقبل به, لأنه باب من أبواب الفضل والكرامة, ولو كنت إمرأة من بينهن آنذاك لما وسعني إلَّا أن أهب نفسي له وأصر على ذلك وأناضل وأفاخر لأن الغاية سامية والفضل كبير تكفي فيه المعاشرة عن قرب.
وفي تعليقه الرابع,, وتحت عنوان " ملك اليمين , معناه. , وأحكامه ", قال الشوربجي: ((... وقد انتهى الرق تقريباً في عصرنا هذا، فلم يعد هناك عبيد ولا إماء لأسباب معروفة، وهذا لا يعني إبطال أحكام الرق إذا وجدت أسبابه ...)).
نقول له, إتق الله يا رجل, لا تقل بما لا تفقه وتدخل الناس في فتن,, فهذا القول منك معناه الواضح أنه لم يعد الرق في العالم كله اليوم سوى في أحكام الإسلام وذلك في عبارتك التي تقول فيها بكل ووضوح: ((... وهذا لا يعني إبطال أحكام الرق إذا وجدت أسبابه ....)).
لا والله, لم ينتهِ الرق سوى في عهد الإسلام وبه, ولم ينشط ويستعر مرة أخرى إلَّا بعد التراجع عن مباديء الإسلام بين المسلمين لما أصابهم من وهن مخزٍ. على أية حال فلندع الدكتور عبد الجبار فتحي زيدان يتولى الرد على إدعائك هذا بحقائق موثقة وبمعايير علمية وذلك عبر الرابط التالي: http://www.alukah.net/sharia/0/66922/
أنظر إلى هذه الآيات من سورة النحل التي قال الله تعالى فيها: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ 75), (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 76)؟؟؟, فحاول إختبار قدراتك على التدبر, وكرر المحاولة مرات ومرات وستكتشف شيئاً لن أستطيع أن أصفه لك ولكن عليك بالمحاولة إن أردت.
والآن, يمكنك أن تمعن النظر في هذه الآية الكريمة المحكمة, لترى أين وضعت ملك اليمين من النساء, وكيف رفعت قدرها وحفظت حقوقها وأكرمتها,,, قال تعالى للمؤمنين في سورة النساء: ( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ - «« فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ »» - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم «« بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ »» - « فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ » « وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ » - فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ - ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ - وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 25). فالنكاج هو "عقد الزواج الشرعي".
وعلى الرغم من أنَّهُنَّ كُنَّ ملك يمين, إلَّا أن الله تعالى أمر المؤمنين بأخذ الإذن من أهلهن بنكاحهن, وأن يأتوهن أجورهن الشرعي "الصداق" لقوله تعالى (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ...),, والأجر بالمعروف هو الصداق الشرعي. والنكاح هو الزواج الشرعي المُحصِن, وذلك لقوله تعالى (... مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ...).
فقد عَلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الرحمةَ بالأرقاء وتخيُّرَ الألفاظ والتعبيرات في الحديث عنهم ومعهم, حيث كان يقول لهم: (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,, أنَّ الله تعالى قال في حديث قدسي: (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ « رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ» « وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ » « وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ »).
وفي تعليقه الخامس,, وتحت عنوان " ما هو مِلك اليمين, ما هو الرق ", قال: ((... إذا أقدر الله تعالى المجاهدين المسلمين على الكفار المحاربين: فإن رجالهم يكون أمرهم بين القتل أو الفداء أو العفو عنهم أو استرقاقهم وجعلهم عبيداً، ويكون الأمر راجعاً في اختيار واحدة من هذه الأربع إلى الإمام حسب ما يراه من المصلحة في ذلك.
نقول له: أنت مطالب بتأكيد هذا الرأي الذي تقوله, والذي يتعارض قلباً وقالباً مع قول الله تعالى في سورة محمد, وعليك أن تثبت للقراء الكرام انه نابع من الكتاب وأن النبي محمد قد صرح "بهذا النص والصيغة", فإن لم تستطع تأكيده يكون رأياً يحق فيه النظر لتعزيزه أو إضعافه بالنصوص الشرعية المقيمة للحجة. ولكن قبل ذلك ما هو الرق؟ وما الفرق بينه وبين العبودية وأين يقع ملك اليمين شرعاً (وهل ملك اليمين معناه العبودية؟؟؟ ..... وهل "اليمين" المقصود بها "يمين المالك" أم "يمين المملوك"؟؟؟) فبعد معرفة هذه المعاني والقيم نبحث درجة صحة هذا الرأي في إطار القرآن الكريم.
فالرق لغوياً, مصدر الكلمة رَقَقَ, التي تأتي منها الإشتقاقات التالية:
الرَّقُّ أو الرِّقُّ: هو جِلدٌ رقيقٌ يُكتب فيه كالورق, وضده "الغليظ". أما الرَّقِيْقُ: فهو "الصحيفة البيضاء", و "العظم من السلاحف", أو "دُوَيْبِةٌ مائيَّة".
والرِّقُوْقُ: جمع "رِقٍّ": وهو "المِلْكُ", وهو أيضاً "نَبَاتٌ شَائِكٌ", و "ورق الشجر" أو "ما سهل على الماشية من الأغصان".
أما الرُّقُوْقُ أو الرَّقُوْقُ: فهو "الماء الرقيق في البحر أو الوادي".
و الرَّقَّةُ: هي كل أرضٌ إلى جنب وآدٍ ينبسط الماء عليها أيام المد ثم يَنْضُبُ/يَنْضِبُ. وجمعها "رِقَاقٌ".
والرِّقَّةُ,,:
1. هي "الرحمة", تقول: "رَقَقْتُ له, أرِقُّ", ومشتقاتها (رَقَّ, يَرِقُّ, فهو رَقِيْقٌ, ورُقَاقٌ).
2. وهي كذلك "الإسْتِحْيَاء",
و الرَّقِيْقُ أو الرِّقِيْقُ: هو المملوك البَيِّنُ الرِّقِ, تستخدم الكلمة للواحد وللجمع معاً, ولكن قد تجمع على "رِقَاقٍ".
والرَّقَقُ هو الضعف,, تقول لمن في ماله قلة " في ماله رَقَقُ ". و "رقرقان السراب".
وجاءت كلمة رَقٍّ في القرآن فقط في سورة الطور لقوله تعالى (فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ 3).
الآن فلنتدبر هذه الآيات البينات من قوله تعالى في سورة محمد:
أولاً: جعل الناس – بعد رسالة الخاتم محمد – فئتين لا ثالث لهما, كافرين به وبربه، ومؤمنين به وبربه وكتابه, وبيَّنَ حال ومآل كل فئة منهما بقوله عن الفئة الأولى:
( « الَّذِينَ كَفَرُوا » « وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ » - أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ 1), وبالتالي لن تنفعهم تلك الأعمال "وإن صلحت", ولن تشفع لهم عنده ولن يقبلها منهم.
وعن الفئة الثانية, قال:
( وَالَّذِينَ - « آمَنُوا » « وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ » « وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ » - «« كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ »» 2). ثم فند أسباب هذه المعاملات وبررها بقوله عن الفئتين:
(ذَلِكَ - « بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ » « وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ » - كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ 3).
ثم ماذا بعد؟؟؟ .....
بين للمؤمنين بأن الفئة الثانية المتمثلة في الكافرين لن تكتفي بإختيارها الكفر وتتركهم وشأنهم وتحترم إختيارهم للإيمان,, بل ستسعى جاهدة مستميتة إلى زعزعة إستقرارهم وتقليب الأمور لهم والتضييق عليهم حتى تردهم عن دينهم وتعيدهم إلى ملة الكفر الذي يرزحون فيه, فعلى المؤمنين أن يتحسبوا لهذا الوجد المريض, وأن يستعدوا للدفاع عن أنفسهم عند الضرورة القصوى التي سيضعهم أعدائهم فيها شاؤا أم أبو, ومن ثم سيجدون أنفسهم مضطرين لخوض حروب كثيرة معهم وصد وإبطال فتن عدوان مفروض عليكم.
لذا وضع الله لهم خطة المواجهة التي ستقلل الخسائر في الأعداء إلى أقل ما يمكن وما يكفي لإيقاف رحى الحرب, وللوصول سريعاً للأسر بدلاً عن القتل,,, لذا قال لهم:
(فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا « فَضَرْبَ الرِّقَابِ » - حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ - « فَشُدُّوا الْوَثَاقَ » ...), معنى هذا انَّ ضرب الرقاب الغاية منه تعجيل الإنتقال من مرحلة المواجهة المباشرة التي تقود إلى القتل من الجانبين إلى مرحلة الأسر,, لذا قال عمَّا بعد الأسر بشد الوثاق: (... «« فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ »» ...), بإطلاق سراحهم "مَنَّاً" بدون مقابل, (... وَإِمَّا فِدَاءً ...), بمقابل أو مبادلة أسرى بأسرى,, ويستمر ذلك إلى حين, قال فيه: (... حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ...).
وقد بين الله في هذه الآية الكريمة المُحْكَمة أن الغاية من هذا السيناريو ليس من ضمنها "النصر على الكافرين" في هذه الحرب,, فلو كانت هذه هي الغاية لكان النصر المطلق حليف المؤمنين دون خسارة بين صفوفهم, ولكن هناك غاية أكبر وأوثق من النصر المادي,, قال تعالى في ذلك: ( ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ – وَلَكِن «« لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ »» ...).
ولكن هذه الغاية التي قصدها الله تعالى من دون النصر العاجل سيكون لها ثمن باهث بلا شك سيدفعه المؤمنون, وهذا الثمن سيكون قتلى بين صفوفهم, ومع هذا, فقد إقتضت حكمة الله ذلك ليتم الإبتلاء وتهون حياة المؤمن في سبيل مرضاته,, لذا قال مؤكداً إن الخسارة في هذه الأرواح سيكون لها أجر عظيم تهون في سبيله النفس والنفيس,, قال تعالى في ذلك: (... وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ 4), ليس ذلك فحسب,,, بل: (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ 5), وبجانب هذا وذاك وتلك: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ 6).
ثم قال تعالى لهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ 7), (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ 8), (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ 9).
الآن إليك السؤال المباشر التالي يا أخ محمد الشوربجي,,,
من أين جئن بعبارة " فإن رجالهم يكون أمرهم بين القتل أو الفداء أو العفو عنهم أو استرقاقهم وجعلهم عبيداً", وهو تجاوز صريح وسافر ومخالف لقوله تعالى "حصرياً" (... فَشُدُّوا الْوَثَاقَ - «« فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً »» - حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)؟؟؟
فمن أين جئت "بالقتل" يا أخي؟, ولم يذكره الله في الآية إلَّا في حالة الإشتباك في المراحل الأولى من القتال بقوله تعالى (... فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ ...) فيتحول ضرب الرقاب إلى ما بعده, وذلك بالطبع قبل "شد الوثاق" الذي بعده لا يكون سوى أحد خيارين لا ثالث لهما "مَنٌّ" أو "فِدَاء", فهل يعقل أن يأتي من الرسول الكريم ما يخالف أمر الله تعالى في سورة سماها بإسمه؟؟؟
أما قولك: ((... إذا أقدر الله تعالى المجاهدين المسلمين على الكفار المحاربين ...)),,, فهذا قول لا يمكن أن يكون بديلاً أو مرادفاً لقوله تعالى صراحة: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...), اليس كذلك؟؟؟.
يقول الشوربجي ضمن تعليقه: ((... وأما النساء فإنهن يصرنَ إماء وملك يمين، والأطفال الذكور يصيرون عبيداً، ويقسِّم القائد والإمام هؤلاء بين المحاربين المجاهدين ...)), ولا أظن أن مبتدعي الشبهة أنفسهم يمكن أن يبلغوا هذا المبلغ المذري حقيقةً,,, فكأنما يقرر بأن المسلمين يقاتلون النساء والأطفال ويأسروهن,,, الخ. والأنكى من ذلك أنه لم يأت بآية واحدة تدعم هذا القول ولا حديث صحيح يستند إليه. فهو إذاً مطالب بأن يبرهن هذا الطرح أو يسحبه على الفور إن عجز عن ذلك, بل ويبين عوره إن كان يرجوا الله واليوم الآخر, فإن لم يفعل فعلناه نحن لاحقاً.
سنقف عند هذا القدر من تعليقات الشوربجي, وإن كانت هناك ملاحظات كثيرة على تعليقاته الأخرى تستوجب تفنيدها فيما بعد.
#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟