|
انتخاب بطريركا جديدا لكنيسة المشرق الأشورية وعودة كرسيها إلى العراق، أملا بعودة الأشوريين إلى الوطن
فواد الكنجي
الحوار المتمدن-العدد: 4938 - 2015 / 9 / 27 - 16:13
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
أتم رسميا في العراق، المجمع المقدس لأحبار كنيسة المشرق الآشورية في العالم، يوم الأحد المصادف 27 – 9 – 2015 في كنيسة (مار يوحنا المعمدان) بمدينة (أربيل) من مراسيم تنصيب بطريركا جديد هو( الحادي والعشرين بعد المائة ) قداسة المطران (مار كيوركيس صليوا) كبطريرك لكنيسة المشرق الأشورية في العالم اثر رحيل قداسة البطريرك ( مار دنخا الرابع ) الذي توفي بتاريخ ( 26 - اذار – 2015) في ولايات المتحدة الأمريكية، وسيحمل البطريرك الجديد لقب (مار كيوركيس صليوه الثالث) . وكان في وقت سابق من الأسبوع الماضي قد أعلن في مدينة أربيل – العراق عن انتخاب بطريركا جديد للكنيسة المشرق الآشورية في العالم أو ما يعرف بكرسي القديس بولس، بعد ان عقد المجمع المقدس لأحبار كنيسة المشرق الآشورية اجتماعا رسميا استثنائيا في كنيسة (مار يوحنا المعمدان ) برئاسة غبطة المطران (مار أفرام موكان) مطران كنيسة المشرق الأشورية في الهند والقائم بأعمال البطريرك وذلك في يوم الأربعاء المصادف (16/9/2015) بحضور جميع المطارنة وأساقفة الكنيسة المشرق الأشورية، وقد شارك في الانتخابات (14) مطرانا من (10) دول، وبتاريخ 18/9 تم اختيار غبطة المطران(( مار كيوركيس صليوا)) ليكون بطريركا (الحادي والعشرين بعد المائة ) لكنيسة المشرق الأشورية في العالم والذي فاز بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، ومن ثم أعلن رسميا عن(( عودة مقر كرسي البطريركية للكنسية المشرق الآشورية من الولايات المتحدة الأميركية إلى العراق)) في وقت الذي كانت كنسية المشرق الآشورية قد باشرت ببناء بطريركية لكنيستها في اربيل لتكون مقر البطريركية وذلك عن رغبة البطريرك الراحل ( مار دنخا الرابع ) بعودة مقر البطريركية من الولايات المتحدة الأميركية إلى مكانها الأول في العراق. ولتذكير هنا بان كرسي البطريركية للكنسية المشرق الآشورية أقيم في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة الإحداث المأساوية التي ضربت امتنا في العراق بعد مذبحة (سميل ) الدموية التي نفذتها الحكومة العراقية برئاسة (رشيد عالي الكيلاني ) وبتنفيذ المجرم ( بكر صدقي ) الذي كان قائد الجيش العراقي آنذاك، بحق امتنا الأشوري عام 1933 وعلى اثر تلك المذبحة التي راح ضحيتها أكثر من (خمسة ألاف ) أشوري، أقدمت الحكومة العراقية على ( نفي ) قداسة البطريرك (مار ايشا شمعون) - والذي كان آنذاك بطريركا لكنيسة المشرق الأشورية في العالم اجمع، حيث كان كرسي البطريركية في العراق - إلى جزيرة قبرص وسحبت منه الجنسية العراقية، ومن ثم انتقل قداسته إلى مدينة شيكاغو بولاية( الينوي) الأمريكية سنة 1940 و حصل على الجنسية الأميركية عام 1949 ومن هناك انتقل إلى مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا عام 1954 واستقر في مدينة (سان هوزيه ) بولاية كاليفورنيا لغاية استشهاده في( 6 - 11 - 1975 ) على يد القاتل ( داود ياقو ملك اسماعيل ) الذي إطلاق الرصاص على قداسته اثر خلافات عشائرية تعود لعام 1933 وحكم علية بالسجن المؤبد في ولايات المتحدة الأمريكية، وبعد مكوثه في السجن لفترة طويلة ابعد إلى دولة كندا بسلسلة من الإجراءات القانونية بين الدولتين . وبعد استشهاد قداسة البطريرك (مار ايشا شمعون) انتخب السينهودس المقدس لكنيسة المشرق الأشورية قداسة (مار دنخا الرابع) بطريركا جديدا ورسم بطريركا في 17 تشرين الأول 1976 بـ(كنيسة القديس برنابا) التي تقع في غرب العاصمة البريطانية لندن، ليصبح قداسته الخليفة 120 للكرسي الرسولي المقدس لساليق قطيسفون وانتهى نظام الوراثي بسبب تغير الظروف والمرحلة حيث استطاع قداسة (مار دنخا الرابع) إعادة الهيبة واللحمة والمكانة التاريخية المرموقة لكنيسة المشرق الأشورية بكفاءة ومقدرة متميزة ، وخلال أعوام السبعينات من القرن الماضي تم توجيه إلى قداسته أكثر من دعوة للعودة إلى العراق من قبل الحكومة العراقية في زمن البعث ألا أن قداسته رفض ذلك لأن الدعوة جاءت وفق شروط والتي رفضها قداسته جملة وتفصيل، إضافة بكون هناك أكثر من مؤشر توحي بوجود مخطط لاغتياله من قبل النظام البائد، وهكذا ظل كرسي البطريركية لكنيسة المشرق الأشورية في (المنفى) إلا أن زالت غيمة النظم الاستبدادية، وكان قداسته على أمل ان تستقر الأوضاع في العراق ليعود إلى الوطن، ومع ذلك فقد قام قداسته بزيارة تاريخية إلى الوطن بتاريخ 17ايلول 2006 تلبية لدعوة التي تلقاها قداسته من فخامة السيد (مسعود البارزاني) رئيس إقليم كردستان العراق ومعالي السيد (نجيرفان بارزاني) رئيس وزراء حكومة الإقليم ، وبعدها تلقى دعوة رسمية من فخامة رئيس الجمهورية العراقية ( مام جلال الطالباني) بتاريخ( 6 - تشرين الثاني - 2008 ) حيث استقبله فخامته وبرفقه رئيس الوزراء (نوري المالكي )، واثر وجوده في بغداد أقام قداسته قداسا مهيبا في كنيسة مريم العذراء بمنطقة (النعيرية) حضرها عدد غفير من أبناء امتنا ، وبعدها توجه إلى اربيل بتاريخ( 5-11- 2008 ) حيث وضع الحجر الأساس لبناء بطريركية لكنيسة المشرق الأشورية، بكونه اقر بضرورة عودة مقر البطريركية لكنيسة المشرق الأشورية إلى الوطن بعد أزيلت عوائق التي حالت دون ذلك، يرافقه غبطة المطران (مار كيوركيس صليوا ) الوكيل ألبطريركي في العراق والاردن وروسيا وعدد غفير من أبناء امتنا ، ليعود بكرسي البطريركية إلى الوطن لتتوج رحلة الغياب والنفي عن الوطن دام ( 82 ) عام، بفرحة الأشوريين بكل طوائفهم على أمل ان يتم عودة المهجرين والمغتربين عن الوطن بسبب الاضطهاد والتعسف والتميز الذي مورس ضدهم منذ أحداث مذابح (سميل) عام 1933 وما تلاها من مأساة تلو المأساة. فاليوم بفارغ الصبر يتمنى كل الأشوريين المغتربين ان يتم عودتهم الى الوطن كما عاد كرسي البطريركية ، وهو هاجس كل مغترب يعاني قسوة المنفى والظرف الذي يحيل بينه وبين تربة الوطن والذكريات والطفولة ، ولعل القادم الأيام يسر الفؤاد وينير فضاء الأمل والمحبة ليعود الأهل والأحبة بعد ان مزقت الهجرة وشتت العوائل والأقارب في شتات الأرض هنا و هناك ، بعد رحلة عذاب هربا من جحيم الموت والتصفيات السياسية والتهديد والاضطهاد والخطف والتميز على الهوية الدينية والقومية إبان النظام السابق وأبان سقوطه والى يومنا هذا، بعد ان تفاقمت الأوضاع الأمنية في مدن البلاد بانتشار الإرهاب واستهداف المسيحيين وإجبارهم على الهجرة والنزوح ألقسري من بيوتهم وقراهم بعد ان تم تفجير كنائسهم وإحراق قراهم ومصادرة ممتلكاتهم من قبل الإرهاب وقوى الظلام، كما حدث في موصل وسهل نينوى اثر احتلالها من قبل دولة الإسلام ( داعش ) لتحدث اكبر موجة نزوح وهجره للأشوريين لينتشروا في بقاع الأرض البعيدة عن الوطن بحثا عن الأمان . فالأشوريين في شتات الأرض يتطلعون إلى يوم العودة - ولما لا - فلا شيء إمام إرادة الإنسان اسمه ( مستحيل) وخاصة اذ وصلت قضيتهم باب اهتمام الحكومة العراقية ولابد أن يشهد الوطن بقدوم حكومة عراقية وطنية حريصة بعودة المهجرين العراقيين واحتضانهم ، مثلما فعلت (سلطنة عمان) مع من هاجر من أبناءها إلى إفريقيا وذلك بعد عدة أجيال اثر نهضتها في مطلع الثمانينيات القرن الماضي .... أمنياتنا ان نرى مثل هكذا حكومة و تبادر بهذا الاتجاه. ان مسالة عودة الأشوريين العراق كما نراها اليوم هي قضية مطروحة لرأي العام عراقيا ودوليا، وأمر عودتهم هو واجب أنساني وحق تاريخي وحضاري وأخلاقي، وخاصة أنهم أبناء حضارة العراق وأساسها، فالعراق ما عرف الا بحضارة وتاريخ وأثار الأشوريين، ولا يمكن ان يأتي للعراق يوما ما نراه خاليا من وجودهم، فالعراق بتاريخه ظل موطن زاخر بأطيافه وتنوعه القومي والديني والمذهبي ولا يمكن أن تستقيم الحياة فيه بلون واحد فهو بحاجة ماسة إلى كل مكونات المجتمع بخبراتهم بمساهماتهم و بما هو خير لجميع في مشروع إعادة تأهيل الأمة و ترميم ما خربته الفتن والحروب الى سابق عهده، مهد الحضارات ومجد الإنسانية ليصبح وطن للجميع يعيش أبناءه بالخير والسلام والتآخي. ورغم ان حلم العودة للكثيرين لم يتحقق بسبب الموت ، ولكن سيظل الحلم قضية مشروعة لكل منفي ومهاجر ونازح عن الوطن ولا بد أن يأتي يوم العودة مهما طال ، فان كان حلم قداسة البطريرك الراحل (مار دنخا الرابع ) لم يتحقق له، ولكن تحقق لكنيسته كما حلم ، وسيتحقق لكل أبناء أمته الأشورية أجلا أم عاجلا ، فقبل وفاته أوصى مجمع المقدس لكنيسة المشرق الأشورية بان يكون ترسيم بطريرك الجديد في العراق وان يعود كرسي البطريركية الى الوطن، وهذا ما تم، حيث عقد المجمع المقدس لأحبار كنيسة المشرق الآشورية في العالم اجتماعهم لانتخاب البطريرك الجديد في اربيل ليكون مقر كرس البطريركية في بناية التي وضع قداسة المرحوم (مار دنخا الرابع) الحجر الأساس لها لتكون مقر البطريرك لكنيسة المشرق الأشورية في العالم، وليباشر غبطة البطريرك الجديد (مار كيوركيس صليوه الثالث) مهام عمل البطريركية داخل الوطن من بعد أحداث 1933. والبطريرك الجديد ينحدر من أسرة أشورية كانت تقطن محافظة دهوك – العراق، وبعدها توجهوا إلى مدينة (الحبانية) في محافظة( الانبار ) ليسكنوا هناك وليكون مولد البطريرك في مدينة الحبانية عام 1941 ، وقد أنهى البطريرك الجديد (مار كيوركيس صليوه الثالث) دراسة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية بـ(جامعة بغداد) ومن ثم تم تعينه مدرسا للغة الإنكليزية في مدارس بغداد، وفي عام 1980 رسم مطرانا ليتولى بعدها في عام 1981منصب مطران الكنسية المشرق الآشورية في العراق وروسيا، وكان مقره الدائم في بغداد حيث خدم هذه الأبرشية العريقة بصدق وإخلاص و تفان ونشر العديد من المؤلفات الطقسية باللغة الأشورية. و مع إعلان انتخاب البطريرك الجديد (مار كيوركيس صليوا الثالث) للكنيسة المشرق الآشورية ، توالت المواقف الأشوريين المهنئة لغبطة البطريرك التي أكدت بحسب ما عرف عنه على أنه سيكون خير خلف لخير سلف من حيث التمسك بالثوابت الأشورية والقومية للبطريركية الأشورية عبر التاريخ، والتي ترى في انتخابه لحظة تاريخية لجميع الأشوريين في العالم، والذين يجدون في الصرح ألبطريركي موقعا دينيا وقوميا أشوريا مهما، وبان البطريرك الجديد سيحمل وسيطرح أفكارا جديدة وسيعمل على توحيد وتقريب الرؤى بين الطوائف الأشورية حتى يكونوا صفا واحدا في مواجهة كل الاستحقاقات، بكون كرسي البطريرك هو الراعي الأول لمصالح الأمة الأشورية يصغي لشعبه ويقود مسيرتهم بما هو خيرا للأمة الأشورية و أينما كانوا، كما سيكون - من دون شك - الراعي الأمين للإرشاد ألرسولي . وتمنى الأشوريين الذين اليوم ينتشرون في كل بقاع المعمورة، أن ينجح قداسة البطريرك في رعاية شؤون الأمة الأشورية وأبنائه من خلال بقاء الصرح البطريرك في موقعه القومية والديني جامعا للأشوريين. ان اختيار البطريرك (مار كيوركيس صليوا الثالث)، حقا هو لحظة تاريخية شكل على مدى قرون طويلة في الصرح ألبطريركي عنوانا لرسالة الكنيسة الأشورية التي قوامها ألفين عام من الثقافية والإنسانية في العالم، دون ان تتراجع ودون ان يسودها الوهن و ظلت ركنا مهما في مساحة الحوار بين الأديان والحضارات في الشرق، وبان يقيننا بقداسته أن يمكنه الرب من القيام بمسؤولياته الدينية والقومية والوطنية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها وطننا الحبيب العراق والمنطقة العربية عموما، وفي الحفاظ على وحدة الوطنية و في العيش المشترك، و نحن متأكدون أن غبطة البطريرك الجديد سيحافظ على هذا المجد وعلى هذه المسيرة بصمود وعزيمة وثبات كما سبقوه ممن جلس على كرسي البطريركية والذي سيحمل لقب البطريرك المائة والحادي والعشرين لكرسي( ساليق قطيسفون )، وأننا كأمة أشورية سنكون معه، سنكمل وإياه الطريق بالأفكار والثوابت والمبادئ ذاتها وبكل شيء عملوه ممن سبقوه خلال ألفين سنة الماضية حتى استطاعوا إيصال رسالة الكنيسة الأشورية في ظل المرحلة الماضية بأجوائها المشحونة والصعبة والخطرة، ومع ذلك، استطاعوا ان يوصلوها بأفضل ما يكون الى شاطئ الأمان الحالي، حيث سيتسلم غبطته قيادة المسيرة، وسنعتمد كثيرا على قدرته على إكمال المسيرة بأفضل ما يكون، وكما أكد قداسته من خلال كلمة قصيرة قالها اثر انتخابه، بأنه سيبذل كل ما بوسعه من أجل السير على خطى البطريرك الراحل (مار دنخا الرابع) و أنه سيخطو خطوات جديدة من أجل قيادة دفة الكنيسة إلى الأمام، و طالب من الجميع ان يصلوا من اجل ان يوفق الله مهامه الكبيرة والصعبة في هذه الظروف داعيا الجميع الى التعاون معه لإنجاح مهامه والعمل بجد من اجل أحلال السلام والأمان في الشرق الأوسط والعالم بأسره . وبدورنا نتمنى لقداسته النجاح في مهامه الروحية ومسؤولياته القومية ، رغم يقينا بأنه كما عرفناه انه يتمتع بصفات وقدرات إبداعية هائلة، فهو يتقن عدة لغات وله من فصاحة كلام وبلاغة البيان ومن العلوم الفلسفية وبعمق روحي لاهوتي وهذا ما سيؤهله لمخاطبة شعوب الأمم، لرفع الظلم عن الأشوريين في العراق وسوريا و لبنان و أينما كانوا ، فامتنا الأشورية بتاريخها وحضارتها ظلت على الدوام من بعد سقوط إمبراطوريتها في عام 612 قبل الميلاد، تواجه مصاعب وتحديات لا حدود لها فتكت بأبناء الأمة الأشورية من الاضطهاد والدمار والتشرد والتشتت والنزوح والهجرة، وبعثت فيها فعل شهادة واستشهاد لا مثيل له في التاريخ الحديث، وكادت هذه الرحلة وبعد دخول الأشوريين المسيحية ان تطبق على كنيستها المشرقية التي كانت من أوائل المبشرين برسالة المسيح (ع) لولا كلمة الرب الناهض من بين الأموات، وبقى الأشوريين صامدين مع كنيستهم في أحرج تلك الأوقات المؤلمة من تاريخ الكنيسة الأشورية حيث استشهد مع من استشهد من أبناء امتنا ومن بطاركة ومطارنة وأساقفة وكهنة وما زالت هذه المأساة مستمرة الى يومنا هذا تضرب بأبناء امتنا في العراق وسوريا ولبنان وتركيا وإيران، وما زلنا نشهد موجات نزوح وهجرة تتفاقم بين حين وأخر هنا وهناك...! ولما كان قداسته يقيم في العراق منذ نشأته الأولى وما زال، فقد التمسي قداسته الكثير من هذه المأساة بأم عيناه وعن قرب، فقد ظل في العراق يعيش مع أبناءه رغم كل المآسي التي ضرب الوطن من حرب الخليج الأولى والثانية ومرحلة احتلال الوطن من قبل قوات التحالف الأمريكية وما تلاها من حوادث وجرائم الإرهاب من قتل واستهداف الأبرياء على الهوية القومية والدينية وانتشار المفخخات والقتل والخطف والتهجير ألقسري لملاين من أبناء الشعب العراقي بمختلف مكوناته، فلم يفكر في ترك الوطن بل صمد في موقعه وبقى يعيش محنة الشعب، وقد رأيناه في منطقة ( الدورة ) في بغداد حيث كان قداسته يقيم هناك، وهي من أكثر مناطق العراق كانت ساخنة بالإحداث الدموية الطائفية ومن انتشار الميلشيات المسلحة حيث القتل والخطف ، ومع ذلك بقى هناك مع من بقى من أبناء امتنا الأشورية موجها ومعلما لأبناء رعيته بما يمكن عمله في حماية أنفسهم ومقدساتهم، واثر تفجير كنيسة ( ما كيوركيس) - في المنطقة ذاتها - بعمل إرهابي تم استهدافها بسيارة مفخخة عام 2004, وإحراقها في شهر أيار 2007 على يد الإرهابيين والتكفيريين ساهم مع أبناء رعيته في العمل على انتشال ما يمكن انتشاله من تحت الأنقاض الكنيسة وكيف كان يوجههم إثناء تعميرها وبنائها. لن أقول عنه أي إطراء أو مدح، رغم انه يستحق ذلك، فان قداسته لما لديه من قوة الصبر والإيمان والعزيمة والمثابرة والمقدرة العلمية والفهم ومواهب كلامية والمعرفة بقيم العالم ولغاتها ومشاكلها وآدابها وعلومها وفلسفاتها، فهو من الوعي والإمكانية ما يؤهله في كيفية التعاطي مع كل الأحداث والاتصال بمكوناتها المتعددة فهو لقادر في إيصال رسالة شعبه وأمته الأشورية إلى المحافل الدولية والى أي موقع أخر إذ تطلب الأمر منه ذلك ، وأننا الآن من سابق لأوانه ان نقول أي نقد بناء او تقيم لان قداسته لا يزال داخلا على المسؤولية وهو في أول الطريق، واعتقادي انه لا يقاس فعل بطريرك جديد على ما كان عليه، سلبا أم إيجابا، كمطران أو ما كان عليه قبلا ككاهن، فكل نعمة معطاة تفعل فعلا جديدا من لدن الله، والآن دفع الروح القدس لتجربته في قيادة الكنيسة لامتنا الأشورية في فترة زمنية مفصلية وفيها الكثير من التحديات الداخلية والخارجية وهي تتطلب جهدا وجهادا وتضع على كتفي البطريرك الجديد (مار كيوركيس صليوه الثالث) الكثير من الإثقال والمسؤوليات، وأول التحديات الأساسية له هي ذات شان داخلي، وهي العمل على إيجاد حل للقضية الأشورية وهجرتهم ، والعمل على عودتهم بما تؤمن لهم حياة مستقرة بأمن وسلام الى الوطن، ومن ثم السعي لخلق توازنات ولم الشمل بين الأجنحة المنفصلة عن لكنيسة المشرقية ، من اجل المحافظة على وحدة الأمة الأشورية بهويتنا (القومية الأشورية ) والتي لطالما كانت من ابرز سمات الخطب البطريركية لكنيسة المشرق سواء من لدن البطريرك الراحل (مار دنخا الرابع) او ممن سبقوه أمثال البطريرك الشهيد (مار بنيامين شمعون)، وليتم فتح الحوار مع المتشددين الذين يرفضون إي إصلاح كنسي ويرغبون بالانغلاق على الغرب والعالم. اما المطلوب اليوم من قداسة البطريرك فهو اكبر وأكثر واشمل من ذلك ويقضي بضرورة العمل على تنشيط الوعي القومي و الثقافي و الفكري والتصدي لأي واجهة تحاول طمس الهويات القوية الأشورية ولغتها الأشورية و ضرورة العمل على تنمية الفهم حقيقي لماهية وجوهر الكنيسة الأشورية وتميزها وروحانيتها وضرورة التوعية الروحية والرعاية ومخاطبة الحداثة بدون عقد وبجرأة إنجيلية محبة وواعية كتعبير للكنيسة عن إيمانها (الحي) وليس عن الإيمان (المتوارث)، وان استندت عليه، و تنمية دور الإيمان بالفهم الروحي والقومي الفاعل في كنيسة المشرق وسط المجتمع ومن خلال تنمية الحداثة في روح الكنيسة المشرقية، ومن خلال السعي الايجابي للكنيسة في وسط المجتمع، شهادته حية وبناءة مدافعة عن القيم الأشورية كهوية قومية للأمة المؤمنة بالمسيحية وشارحة لها بأسلوب المحاججة. وكل هذه التحديات لا بد من وضع آليات صلة واتصال تأخذ بعين الاعتبار وتستند على تقاليد وقيم الكنسية المشرقية الأشورية وبالوقت نفسه تتعاطى بايجابية وموضوعية وذكاء مع متطلبات الحداثة والتجديد، وذلك بوضع آليات العمل المشترك والتعاون الحثيث والمنتظم بين كافة رؤساء الكنائس الأخرى، و لا بد هنا من جهد للتلاقي والتعاون بينهم لتثبيت الوحدة بين صفوفهم التي تبقى مهما قيل هنا او هناك، بوابة ألتوق لوحدة الكنيسة الجامعة. لان مصيرنا كأشوريين و مسيحيين في العراق هو مصير واحد لأننا امة واحد، لنا لغة واحدة وتاريخ واحد وطقس واحد وتراث واحد وثقافة وفنون مشتركة وكلنا أبناء وبنات كنيسة جامعه، ومن هنا يجب ان يكون مسعى البطريركية إلى الوحدة هدف للوصول إلى الهدف الأسمى.
#فواد_الكنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
باسم الدين سرقونا الحرامية، ابرز شعارات العراقيين المتظاهرين
...
-
الغضب
-
مشاركة المرأة العراقية في التظاهرات دليل وعيها
-
التظاهرات والحراك الثوري في الشارع العراقي من اجل التغير وال
...
-
صباح الخير يا دمشق
-
كوسرت رسول أكثر حظوظا لرئاسة الإقليم
-
ليعمل اليسار من اجل علمانية الدستور في إقليم كردستان
-
ليكن دستور إقليم كردستان نوعيا لا تقليدا
-
سلاما يا عراق ...
-
متى أعود إلى العراق....؟
-
عيناك بلون قهوتي ..عيناك
-
الإحساس بالجمال عند جورج سانتيانا
-
مفهوم التعبير والرمز الفني في المنحوتات الأشورية
-
بيكاسو الفنان الملتزم رائد الفن التكعيبي
-
الساعة الخامسة والعشرون رواية العصر
-
نقطة نظام .. التربية والتعليم ركيزة الأمن وتطور المجتمع
-
عام على احتلال موصل، عام على النزوح
-
نقطة نظام .. سلطة القوانين أولا
-
نقطة نظام ...
-
الأشورية اسم لمقومات وجودنا
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|