|
الجهاد الإشهاري داعش ؛ النموذج الأكثر فاعلية
رمضان عيسى الليموني
الحوار المتمدن-العدد: 4938 - 2015 / 9 / 27 - 15:11
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يبدو أن تنظيم داعش قد استهلم ساحرية الإقناع النشط التي ينتجها الخطاب الإشهاري المرئي والتي تعززت بإضافة المؤثرات الصوتية فبات يشكّل قوّة لدفعاتٍ متصلة من الدلالات المعقدة التي تعيد إنتاج الواقع فتغدوا الأحداث محسوسةً مما يقوي من تأثيرها ويفرض من سطوتها على المتلقي الذي تبتلعه بهيمنتها، ولا تدع له مجالاً للتأمل والإدراك، فلم يعد الخطاب الإشهاري المرئي الذي ينتجه تنظيم داعش مجرد أطيافٍ تبثّ من أثيرٍ بل أصبحت لها نفاذ الأسطورة التي يمكنها حفر وتشكيل وإعادة صياغة إرادة المتلقي وإخضاعه لاشعورياً لإرادة خارج الذات تلتهم كل ما يُقدّم لها عبر هذا الخطاب، ولذا فتنظيم داعش يعتبر أكثر التنظيمات الجهادية اهتماماً بشبكة الإنترنت والمسألة الإعلامية وهو الاهتمام الذي يمكن اعتباره تجسيداً واقعياً لفلسفة ما بعد الحداثة ومنجزاتها التواصلية، حيث أدرك التنظيم منذ فترة مبكرة من تأسيسه للقوّة الأسطورية الاستثنائية للوسائط الاتصالية في الترويج لإيديولوجيته السلفية الجهادية، وبناءً عليه أولى التنظيم أهمية بالغة لمفهوم" الجهاد الإلكتروني" والذي يمثّل أحد الأركان الرئيسية في هيكلية التنظيم، وقد ظهر هذا جليّا من خلال تلك المؤسسات الإعلامية الضخمة التي يمتلكها التنظيم مثل: مؤسسة الفرقان الإعلامية وهي الأقدم والأهم ومؤسسة الاعتصام، ومركز الحياة، ومؤسسة أعماق، ومؤسسة البتار، ومؤسسة دابق الإعلامية، ومؤسسة الخلافة، ومؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة الغرباء للإعلام، ومؤسسة الإسراء للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة نسائم للإنتاج الصوتي، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الوكالات التي تتبع الولايات والمناطق التي سيطر عليها التنظيم مثل: وكالة أبناء البركة وكالة الخير، ولم يتوقف اهتمام التنظيم بالوسائط الاتصالية عند المؤسسات الإعلامية، بل ركزّ اهتماماً مثيراً لإصدار عدد من المجلات باللغتين العربية والإنجليزية مثل: دابق، والشامخة والتي تقارب في إنتاجها جودة أشهر المجلات العالمية، كما أنشأ التنظيم إذاعات محلية مثل: إذاعة البيان في مدينة الموصل، وإذاعة أخرى في مدينة الرقة في سوريا، وامتد اهتمام التنظيم إلى الفضاء الإلكتروني بغزارةٍ شرهةٍ من خلال العمل في المدونات الإلكترونية بعدة لغات أجنبية مثل: الروسية والإنجليزية والفرنسية والإلمانية والإسبانية والأوردو، كما ينعكس توظيف التنظيم للمؤسسات الإعلامية في الترويج الضخم لبنيته وقدراته الفائقة وتكتيكاته العنيفة واستراتيجيته القتالية المرعبة من خلال إصدار سلسلة من الأفلام عالية الإخراج والتقانة أطلق عليها مسمى" صليل الصوارم"؛ صليل الصوارم 1 صدر في يوليو 2012/ صليل الصوارم 2 صدر في أغسطس 2012/ صليل الصوارم 3 صدر في يناير 2014/ صليل الصوارم 4 صدر في مايو 2014. إن إمتلاك تنظيم الدولة "داعش" لهذه الترسانة الإعلامية الضخمة يكشف عن امتلاكه لعناصر بشرية من محترفي صناعة الخطاب الإشهاري ولها خبرة متميزة في مجالي الإنتاج السينمائي والرقمي وهو ما يجعل الخطاب الإشهاري لداعش متميزاً بسمات مختلفة عن التنظيمات الجهادية السابقة منها: - مغايرة مدلول الخطاب عن ذلك الذي أنتجه تنظيم القاعدة الذي تركّز على مدلولاتٍ تعمل على استثارة مشاعر المتلقي لتأييد القضية التي يجاهد تنظيم القاعدة من أجلها، أي التركيز على استراتيجية " استنفار مشاعر الاستعطاف"، فجاء الخطاب الإشهاري لداعش بضربة قاضية واعتمد على استراتيجية " استنفار مشاعر الخوف والذعر" عبر بثّ صورٍ مرئيةٍ تعبر عن قوّة ووحشية التنظيم الذي لا يمكن ردعه، وتكشف عن قسوته اللامتناهية في معاملة أعدائه. - قضى تنظيم داعش على استراتيجية الخطاب الإشهاري التي تحاول صناعة شرعية لتبرير أعمال التنظيم أمام الرأي العام العالمي كما حاول أن يفعل تنظيم القاعدة، بل حرص كليةً على تكثيف الدلالات والرموز التي تظهر قسوة ووحشية وقوّة التنظيم. - تركّز الخطاب الإشهاري لتنظم القاعدة على مدلول " التهديد والوعيد" للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، فيما لم يكترث تنظيم الدولة بهذا الأمر جملةً، بل يكشف الخطاب الإشهاري لداعش عن قدرته الفائقة والمؤكِدة على الفعل المباشر، فتحوّل التهديد والابتزاز المعنوي إلى أفعالٍ مادية ملموسة ومحسوسة. - يمثل الإنتاج الوثائقي لداعش نموذجاً لا يبتعد كثيراً عن نماذج العنف المفرط ومشاهد القتل الوحشية في الأفلام الأمريكية، وتعمل العلامات والرموز التي تكتنز هذا الخطاب الإشهاري على خلق شعور لدى الفرد بالتميز، وتحفيز رغبته للحاق بفئة الأبطال، أي تماهي ذات الفرد مع فئة نموذجية، فيتوهم المتلقي أن بإمكانه التميز عن غيره في حال استخدام هذا المنتوج الإشهاري والانضمام لتنظيم داعش حتى يلحق فئة الأبطال الذين يدمّرون المصالح الأمريكية في الشرط الاوسط من جانب، ويدافعون عن دينهم من جانب آخر، وحتى وإن ماتوا فمصيرهم سيكون الجنّة، أي أنهم سيكونوا فائزين في جميع الأحوال. الإشهار الملطخ بالدماء في صبيحة أحد الأيام من شهر يونيو 2014 فوجئ سكان مدينة الموصل بشاشاتٍ عرضٍ عملاقة يتم نصبها وسط أكبر ساحات المدينة، تهيأ سكان المدينة لمشاهدة عرض فني أو نشرات إخبارية، غير أنّ المفاجأة أنهم أخذوا يشاهدون تسجيلات مرئية لقطع رؤوس الرهائن ومعارضي التنظيم، وهو العرض الذي حضره عشرات المئات من سكان الموصل الذي صدموا بما تم عرضه، لكنّهم في الوقت نفسه قد فهموا مغزى العرض، فلم يُظهروا قدراً من التفكير في أية مقاومة أو معارضة لهذا التنظيم، لقد استسلم سكان الموصل لسطوة وجبروت الصورة التي حفّزت بقوّة طاقة التخييل لدى المتلقي النابعة من إحساسه بواقعية الصورة المنطوية على محرضاتٍ للاستسلام والخضوع. لم تكن هذه المرة الأولى لنشر تسجيلاتٍ مصورة لقطع رؤوس الرهائن والمعارضين، بل قام تنظيم الدولة ببثّ سلسلة من التسجيلات الترهيبية التي تختص بعمليات قطع الرؤوس، بدأها بشريط مصوّرٍ بعنوان "رسالة إلى أمريكا" يظهر فيه أحد أعضاء التنظيم ممسكاً بسكين ثم يقوم بقطع رأس رهينة أمريكي يدعى " جيمس فولي"، ثم قام التنظيم في 2 سبتمبر 2014 بنشر تسجيل مصوّرٍ يحمل نفس العنوان يتضمن تكرار ذات المشهد الذي يقوم فيه أحد أعضاء التنظيم بقطع رأس رهينة أمريكي الجنسية يدعى" ستيفن سوتلوف "، لم يكتف التنظيم بالصور الإشهارية الموجْة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بل نوّع من خطاباته إلى بعض الحلفاء فقام في 14 سبتمبر 2014 بنشر تسجيلٍ مصوّرٍ لقطع رأس رهينة بريطاني يدعى " ديفيد هينز" وفي 3 أكتوبر 2014 تم بثّ تسجيلٍ آخر لقطع رأس رهينة بريطاني يدعى " آلن هينيج" ويتضمن أيضاً تهديداً بقطع رأس رهينة أمريكي يدعى" بيتر كاسيج". ويكْشف الخطاب الإشهاري لتنظيم داعش عن امتلاك مهارةٍ وحرفية عالية تقارب تلك التقنيات السينمائية المستخدمة في هوليود الأمريكية، ففي التسجيل المصوّر الذي بثّه التنظيم لإعدام ما يقرب من 15 عسكرياً سوريا قد تم إخراجه بتقنيات سينمائية احترافية، حيث تخطف المشاهد الأولى المتلقي في فيضانٍ من الذعر والرعب عندما يسير أعضاء التنظيم متراصين خلف بعضهم البعض، ويمسك كل واحدٍ منهم سكيناً مميزة لقطع رؤوس الرهائن، ويدعّم المشهد بمؤثرٍ صوتي لصوت السكين وهي تقطع تلك الرؤوس، إنّه خطابٌ إشهاري ملطخاً بالدماء ينطلق من فاعلية الإيحاء الكثيفة التي تفجّرها تقنيات الصورة المرئية من مشاعر الخوف والرعب، بما يكسبها دلالاتٍ رمزيةٍ تنقلها من الطبيعة المادية للحدث إلى عالم موازٍ من العلامات، وذلك بتوظيف عدة مكوناتٍ بلاغيةٍ في إنتاج الصورة كالحركة والصوت والفضاء وحركة الجسد، وهي مكوّنات تُنسج وتتفاعل فيما بينها لتلعب دوراً خطيراً في خلق التأثير المقصود على المتلقي الذي لا يمكن أن تتبادر إلى إدراكه أية شكوكٍ حول واقعية تلك المشاهد، الأمر الذي جعل الصورة المرئية لقطع رؤوس الرهائن قادرة على تمرير خطابها وتوظيف مجموعةٍ من المؤثرات التي يستهلكها المتلقي بشكلٍ لا يدع مجالاً للتفسير أو البحث عن المعقولية، بل كل ما يحدث هو استسلام المتلقي التام لمنطقية الصورة المرئية واستغراقه في شحنة الانفعالات التي تفجّرها لديه بثباتٍ وهدوءٍ يتماهى مع حالة الاستسلام الملغزة للضحايا وهم قابعون تحت نصل سكين عناصر التنظيم بانتظار لحظة قطع رؤوسهم، في مشهدٍ يطرح أكثر من تساؤلٍ مريب عن تناقضات تلك اللحظة المغرقة في الوحشية بين حالة الاستسلام الغريبة للرهائن وبين فظاعة ووحشية فعل القطع ذاته، إنّ ذلك التناقض يسعى إلى التأكيد على قوّة وقسوة التنظيم الذي سيستلم له أعدائه وسيخضعون تماماً بذات الهدوء والسكينة، ويمثل ذلك المدلول استراتيجيةً منخفضة التكلفة لجذب أنظار العالم تجاه القوّة الوحشية التي يتمتع بها تنظيم الدولة الإسلامية من ناحية، وكوسيلةٍ لجذب عناصر جديدة للتنظيم من هؤلاء الشبّان الحالمين بمجد " الخلافة الإسلامية" والذين ستتاح لهم فرصة عظيمة للانتقام من النظام الأمريكي وحلفائه، وقد استخدم لهذا الغرض مدلولات تستثير العاطفة الدينية الإسلامية عبر الإشارة إلى ضرورة إقامة الدولة الإسلامية والخلافة وقتال جميع أعداء الإسلام وارتكز الخطاب هنا على شعار مكرر في جميع الإنتاج التواصلي وهو" الدولة الإسلامية باقية وتتمدد"، بالإضافة إلى رمزية علم داعش ذات اللون الأسود والذي يحتوي على كلمة التوحيد وختم الرسول صل الله عليه وسلم، وهي الشعارت التي نجحت في استثارة حماسة العديد من الشباب من أغلب دول العالم العربي والأوروبي للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، حيثّ مثلّ العلم رمزاً للنجاح الذي ستكون عليه الخلافة الإسلامية والتي ستسود جميع دول العالم وسيحرق هذا العلم باقي الأعلام " الكفرية". لقد تكررت نفس الثيمة في بعض الأفلام المصوّرة التي قام التنظيم ببثّها على موقع "يوتيوب" والذي كان أكثرها إثارة وإحداثاً لعاصفةٍ من الرعب والانتقاد فيلم بعنوان" كسر الحدود" والذي تم بثّه بتاريخ 29 يونيو 2014، ثم يلي هذا الفيلم في الأهمية خطبة البغدادي في الموصل بتاريخ 5 يوليو 2014، ثم تلى الأمر بثّ سلسلةٍ من الأفلام الوثائقية ذات التقنية السينمائية الاحترافية مثل فيلم بعنوان" رسائل من أرض الملاحم" وهي دورية وثائقية توثّق إنجازات وعمليات التنظيم والتي بلغ عددها ما يقرب من 50 إصداراً، وهناك سلسلةٍ وثائقية أخرى بعنوان" فشرّد بهم من خلفهم"، إلا أنّ الإنتاج الإعلامي الأكثر ضخامة ورعباً وتقنية سينمائية هو فيلم " لهيب الحرب" والذي تم بثّه بتاريخ 17 سبتمبر 2014 حيث يسرد الفيلم مشاهد عديدة لمعارك وحشية لتنظيم الدولة الإسلامية وقد تولى إصداره " مركز الحياة " باللغة الإنجليزية، إنّ الأكثر إثارة في تلك النوعية من الأفلام هو ذلك البثّ الحي المباشر للأحداث ولحياة بعض المقاتلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث يتحدث المقاتلون فيها عن تجاربهم وحياتهم اليومية والجزاء العظيم الذي ينتظرونه في الآخرة وهي وسيلة تمثلّ عنصر جذب حيوي وذات فعالية مؤثرة كونها تحاكي الحياة الطبيعية التي يتوّق إليها كل شابٍ في مثل أعمارهم، وهي الاستراتيجية التواصلية التي نجحت في جذب عدد كبير من الشباب من جميع بلدان العالم، خاصة من الدول الأوروبية، حيث اعتمد الخطاب على كثافة الشحنات الشاعرية الإيحائية التي يتضمنها وتلك الإيديولوجية التي يروّج لها، بما جعلها" تكتسي لباساً أنيقاً من المعاني، وتنتقل من طبيعة مادية – تختلف عن تلك الحضارة المادية الاستهلاكية التي صنعها الغرب وأدت إلى كل هذا الدمار النفسي والمادي الذي يعيشه الإنسان- إلى عالم من القيم والدلالات بفضل تلك الهالة التي يضفيها عليها الإشهاري، لأنّه يعرف مواطن الإغراء " والاغترار" لدى المستهلكين( )، فيستعمل لذلك الاستعارة، والتشبيه المناسب، والكناية، والأسلوب الغنائي الذي يلتزم السهولة والعذوبة( كما في أناشيد صليل الصوارم)، علاوة على مكوّنات بلاغية أخرى( بلاغة الصورة الحية، بلاغة الجسد، بلاغة الحركة، بلاغة الصوت، بلاغة الفضاء... إلخ)، وهي كلّها مكوّنات تتفاعل فيما بينها تفاعلاً نشطاً يعب دوراً في خلق أسطورية الصورة التي تتراءى للمتلقي باعتبارها واقعية، بما يجعل الخطاب متجاوزاً لاستراتيجية التأثير، إلى استراتيجية احتضان المتلقي للمقولات والتصورات والإديولوجيات التي يطرحها الخطاب وتتم صياغتها في أشكال بلاغية سحرية تجعله خطاباً إسطورياً يعمل على تكريس سلطة داعش وإيديولوجيتها. إنّه حقاّ إنتاج إعلامي ضخم يكشف تفوّق تنظيم " داعش" عن غيره من التنظيمات الجهادية والعديد من الفصائل الإسلامية الأخرى، إنّ تلك الإمكانات الإستثنائية لتوظيف الخطاب الإشهاري المرئي في إرهاب وإخضاع الملتقي للاستهلاك القسري لدلالات وعلامات ذلك الخطاب إنمّا يوحي بتمتع ذلك التنظيم بدعمٍ وتمويلٍ كبيرين وغير مسبوقٍ على الإطلاق لأيٍّ من التنظيمات الجهادية السابقة وامتلاكه لكتيبةٍ من الخبراء في مجال الإنتاج الإعلامي والتواصلي، وهو ما يثير علامة استفهام حول تلك القوّة الداعمة والمساندة لهذا التنظيم؟ وهو التساؤل الذي حاولت جريدة النيويورك تايم في 13 نوفمبر 2014 الإجابة عنه عبر الكشف عن ذلك الدعم والمساندة التي تقدمها شركة " سايت " لتنظيم الدولة ففضلاً عن الاستشارات الفنية والتقنية، وتتولى تلك الشركة الإعلامية البثّ الحصري لكافة الإنتاج المرئي والصوتي لتنظيم الدولة إلى جميع وكالات الأنباء والمحطات الإخبارية في العالم، بل والترويج للإصدارات على مواصل التواصل الاجتماعي، وهو ما عاد إلى الأذهان تلك العلاقة بين شركة" إنتل سنتر" الإعلامية الأمريكية كذلك والتي كانت بمثابة الوسيط بين مؤسسة " السحاب" الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة وبين جميع الوكالات الإخبارية والتلفزيونية في العالم، حيث توّلت شركة " إنتل سنتر" بثّ كافة التسجيلات المصوّرة لتنظيم القاعدة ولعملياته الإرهابية وترويجها في وقتٍ وجيزٍ، وقد كشفت الصحيفة أن كلاً من شركة " إنتل سنتر" ، وشركة " سايت" شركات متخصصة في الوسائط الإعلامية المعنية بقضايا الشرق الأوسط على وجه التحديد، وتهتم برصد ومتابعة كافة بؤر الأحداث المشتعلة في تلك المنطقة، وهي شركاتٍ تخضع ملكيتها لعناصر سابقة بالاستخبارات الأمريكية، وهو الأمر الذي يلقي بسحابةٍ من علاماتٍ الاستفهام حول ذلك الدول الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في" داعش"؟ بدءً من استخدام وسائل الإعلام الأمريكي نفسها لمسمى" تنظيم الدولة الإسلامية"، والذي يوحي بأن الحرب على الإرهاب هذه المرة ليس حرباً ضد تنظيم جهادي مثل القاعدة، ولكّنها حرب ضد تنظيم تحوّل إلى " دولةٍ " جهادية إرهابية، تحتاج إلى جهودٍ واستراتيجياتٍ جديدة مختلفة تماماً عن تلك المرحلة التي تم فيها محاربة تنظيم القاعدة، وهو ما يصنّع مبرراً للرأي العام الأمريكي للموافقة على سياسة إدارة أوباما في ضرورة استمرار الحرب على الإرهاب وإرسال مزيدٍ من القوات الأمريكية مرةً أخرى إلى العراق. نيران الخطاب يكشف الخطاب الإشهاري السينمائي لداعش عن امتلاكه لمستوى عال من الجودة والدقة ومهارة الإخراج، حيث يمتلئ الخطاب بكافة أساليب التمويه والخدع البصرية والرموز الثقافية التي تستدعي في الأذهان مدلولاتٍ دينية لذبح الحيوانات في الأعياد المقدسة، وهي القوّة النافذة التي تمكّنت من استثارة مشاعر النفور والرعب عند مشاهدة قطع رؤوس الرهائن وكأنها عملياتٍ تنفّذ على مسرحٍ متنقلٍ تقام عليه طقوس قطع الرؤوس، فقد عمل الدال البصري داخل ميكانيزمات التلقي الإشهاري على التخلّص من مرجعه المباشر ليسرب المدلول إلى وعي المتلقي ضمن كثافةٍ رمزيةٍ مفعمةٍ بالإحالات الثقافية التي تضمن إمكان استعادة المشهد ذهنياً عند كل مشاهدة لعملية ذبح الحيوانات، ولعلّ بث تلك المشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي يعمل على خلق وعيٍ جماعي مشحونٌ بردود الفعل النفسية السلبية مثل التي تخضع لها الحشود أمام مسارح الأحداث الواقعية، ومن ثمّ أصبح الخطاب الإشهاري السينمائي لداعش متجاوزاً لحظته التاريخية بمكوّنيها الرئيسيين" الزماني والمكاني"، حيث انفحت الصورة الإشهارية على أبعادٍ ثقافية وسياسية واجتماعية تحتشد كلها لمهمّة تشكيل الوعي الجمعي للمتلقين الذي يتم إعادة صياغته تحت سطوة الصورة المتخمة بالدلالات والرموز الخادعة، وذلك لأنّ بشاعة مشهد قطع الرأس بالإضافة إلى مهارة الإخراج السينمائي وحجم الترويج الإلكتروني، تمارس عملية شلل تمام لغريزة البحث عن معقولية وحقيقة الصورة المرئية، في مقابل تمكّنها لا غير من صناعة مناخٍ للاستسلام وتشكيل العواطف وصوغ الأفكار، فالصدمة الفائضة للصورة تخدع المتلقي مما يجعلها قادرة على التسلل إلى اللاوعي الجمعي الذي يقبل بها كصورةٍ حقيقيةٍ تمثّل إنعكاساً وتمثيلاً للواقع بما يغلف تلك الصور بمجموعةٍ من القيم( الدفاع عن الدين، البطولة، الدفاع عن الحق، هزيمة الأعداء، الإنتماء الديني) والتي تجد مرجعيتها في المتخيل الديني العام. إنّ تنظيم الدولة «داعش» يُعتبر تحولاً نوعياً في الحركات الجهادية شكلاً وأهدافاً واستراتيجية حيث استفاد من كل الوسائل التكنولوجية الحديثة في التصوير والإخراج والدعاية و التأثير على جمهورها والجمهور العالمي بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم, فمرة يسعى تنظيم «داعش» إلى تبرير أفعاله والتبشير بمستقبل " إسلامي" عادل يكفل الكرامة والعيش الحر لشعوب المنطقة المستضعفة, ومرة يسعى إلى إرعاب أعدائه وخصومه وإلحاق أكبر الأضرار النفسية بجنوده وقادتهم و حاضِناتهم الاجتماعية والسياسية, كل هذه الأهداف يسعى التنظيم إلى تمريرها مُخزنة في صور متقنة ورموز غاية في الدلالة تحقق بقوّة استراتجية الكفاءة الإقناعية( ). التنظيم متعدد الجنسيات هل داعش مجرد صناعة للخطاب الإشهاري للعولمة؟، ربما كانت تجليات العولمة قبيل اندلاع ثروات " العربي العربي" نسخةً مما كان عليه العالم الواقع تحت الإمبريالية الأمريكية وثقافة العولمة التي تلهث طوال الوقت للترويج لها سواء في المأكل والمشرب والملبس وشيوع أنماط فنية موحدة وسطوة الأفلام الهوليودية وانتشار فروع مكدونالدز وكوكاكولا وحتى انتشار أجهزة الأي فون كأحدث إفرازات العولمة. لكنّ وبعد تغير الخريطة السياسية في العالم العربي نتيجة للثورات المتلاحقة ونتائجها المتباينة في كل دولة والنهايات المختلفة التي أفضت إليها تلك الثروات بحسب الظروف الجيوسياسية لكلّ بلدٍ، ومع بروز التنظيمات الجهادية تحديداً في تلك التغيرات خاصة في نسختها الجديدة (داعش)، فقد اكتست العولمة بمعانٍ جديدة ومختلفة، فتنظيم" داعش" بفاعليته الإجرامية يمثلّ نموذجاً جديداً موازياً للشركات متعددة الجنسيات، فربما يمكن اعتباره تنظيماً يمثل عماده الرئيس والمؤسس له مقاتلين عابرين للحدود والقارات، متنوعي الثقافة والنشأة والمناخ الحضاري الذي عاشوا فيه، وهو ما يجعل منه تنظيماً مختلفاً نوعاً ما، وأداةً موازيةً لنشاط الشركات في العالم العربي. إنّ التغيرات التي طرأت على الخريطة العالمية جراء صعود هذا التنظيم والإضافة الجديدة في المضمون التي شهدتها العولمة يكمن في أن التقاليد الكلاسيكية كانت قد حددت شروط التغير في الاقتصاد نتيجة لوجود عناصر قيمة مضافة له مثل العمالة ورأس المال والأرض، وهو ما قد يعمل على إنتاج سلعة جديدة تؤدي إلى زيادة الربحية، لكنّ وفي حال تنظيم داعش، فإن السؤال الغريب يتجه نحو ما هي تلك القيمة المختلفة التي قد أضافتها داعش للعولمة كي تصبح من قيمها المضافة؟ ربما تتمثل تلك القيمة في ذلك الاستثمار والتوظيف الخلّاق كما سبق لمنجزات ثورة الاتصالات والحداثة والتي تمثل أحد أهم منتجات العولمة، فقد وفّرت تلك المنجزات عبر وسائل التواصل منصة لانطلاق داعش نحو ممارسة أفعالها في صناعة خطابٍ إشهاريٍ من نوعٍ جديد للجماعات الجهادية، وهو ما يجعل داعش نموذجاً واقعياً لترسيخ مفهوم العولمة وأداةً من أدواتها، فلم يعد ذلك التنظيم معتمداً في تشكيل كيانه على عدد الملتحقين به من البلدان العربية المتشابهة الأوضاع الاجتماعية والظروف السياسية، بل لقد أصبح تنظيماً يضم تحت لواءه أجيالاً مختلفةً من الشباب من شتى بقاع الأرض، وهو ما اتضح في العديد من التسجيلات المصورة للعمليات الإجرامية للتنظيم التي يظهر فيها مجاهدي" داعش" ذوي السحنات المتعددة والجنسيات المختلفة، والذين يقومون بعملياتٍ إجرامية ويتصدرون مشاهد الذبح، فقد قام مجاهد أفريقي الجنسية بقطع رقبة مدني من أهل مدينة الرقة السورية بتهمة الكفر، وقام الجهادي" جون" البريطاني مخاطباً العالم بلكنة إنجليزية واضحة بقطع رقبة طياري النظام السوري الذي أسرهم التنظيم، إنّ ذلك التكوين وتلك العمليات النوعية الجديدة بصناعتها السينمائية هي ما جعلت من أميره " أبو بكر البغدادي" أحد الشخصيات الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2014، بحسب وكالة " فرانس بيرس"، في خطوةٍ لتأكيد عالمية التنظيم وتأثيره الواضح على السياسة الدولية ككل وليس على الأوضاع في المنطقة العربية، إنّ عولمة العمليات الإجرامية وكونيّتها تمثل أهم إسهامات" داعش" في الحضارة العالمية، عبر عملياته الإرهابية المنقولة عبر وسائل الاتصال الحديثة لكل بقاع الأرض، والمقصود به الإيحاء بسطوة ذلك التنظيم وتأثيره الفعّال وقدرته على المزج بين التراث التاريخي الذي يدّعي أنه يستلهم منه مبادئه ومنطلقاته الفكرية والعقائدية وبين التوظيف الفعّال لكل منجزات ومبتكرات الحضارة الحديثة، وهو ما جعل داعش لاعباً جديداً مضافاً في العلاقات الدولية محتلاً تلك المكانة التي صنعها تنظيم القاعدة، بالتوازي مع تلك المكانة التي تحتلها الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، وهو ما يعيد فكرة عولمة الإرهاب مرة أخرى إلى صدارة المشهد في حركة حلزونية لأن تتخلص الولايات المتحدة الأمريكية من عبأ تصدرها مشهد حماية الأمن الدولي، والتي أدت الأزمات المتلاحقة منذ 11 سبتمبر 2001 إلى ارتفاع سقف نفقات الجيش الأمريكي، وحدوث أزمة مالية عالمية في عام 2008 نتيجةً لإخفاق النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي صدرته الولايات المتحدة للعالم بدءً من عقر دارها ذاتها، ولذلك تركّز برنامج الرئيس أوباما على ضرورة إعادة تجميع القوّة الأمريكية المبعثرة بسبب الحرب على الإرهاب في مناطق مختلفة في العالم كانت قد أدت إلى استنزاف واشنطن مالياً وسياسياً وبشرياً، وكان البديل المطروح أنذاك هو تعزيز قدرات الوكلاء الإقليميين لحماية المصالح الأمريكية، وهو ما يفسّر دعم واشنطن لحكومة المالكي في بغداد والمساهمة في بناء الجيش العراقي ومدّه بالتجهيزات اللوجستية والفنية، وبغرض سد الطريق أمام أي أحتمالٍ آخر قد يؤدي إلى تورط التورط العسكري في العراق وفي الوقت الذي استعجل فيه أوباما بإخراج القوات الأمريكية كان لازماً على واشنطن أن تغضّ البصر عن كل السياسات الطائفية لحكومة المالكي، وهي السياسة التي أدت بعد فترة إلى انهيار هذا الجيش الذي زعمت أمريكا بنائه في العراق أمام تنظيم القاعدة ومن بعده تنظيم داعش، وبرغم المحاولات الدؤوبة التي بذلتها حكومة واشنطن للخروج من مستنقع افغانستان والعراق والاعتماد على الوكلاء المحليين، فقد أعاد صعود داعش وسيطرته على مناطق شاسعة من غرب العراق الولايات المتحدة مرة أخرى لتصدر واجهة القيام بدور سياسي وعسكري في المنطقة العربية، بعد أن قد اضطرت لرفع يدها تاركةً للأطراف الإقليمية الملعب ليقوموا بإدوارهم وملء الفراغ الذي قد خلّفته الولايات المتحدة الأمريكية. إنّنا لا يمكن ألا نتجه نحو تفحص دور الشركات متعددة الجنسيات في المنطقة العربية خاصة في الشأن المرتبط بتمويل الجماعات الجهادية، وهو دورٌ يشير إلى ضلوعها مرّات عديدة في تمويل تلك الجماعات وأخرها مساهمتها بقوّة في صناعة تنظيم " داعش" الذي يمثل أحد منتجاتها الاستراتيجية لتغيير الخريطة الجيواقتصادية في المنطقة العربية، فالأحداث تخبرنا عن ذلك الدور الذي قامت به شركة أركو ويونوكال الأمريكيتان العاملتنا في مجال النفط وشريكتها السعودية دلتا أويل Delta Owel وبمعاونة أجهزة الاستخبارات السعودية والأمريكية في تمويل حركة طالبان للسيطرة على أفغانستان بغرض تيسير بناء خط أنابيب النفط في آسيا الوسطى، كما أن شركة آركو النفطية الأمريكية قد ساهمت في تأسيس رابطة علماء العالم الإسلامي التي اتخذت من مكة المكرمة مقراً لها من العام 1963، وتركز عمل تلك الرابطة في محاربة كل تيارٍ عقلاني في العالم العربي، وليس هذا فحسب بل ولقيامها بإصدار العديد من الفتاوى التي ساهمت في خدمة المصالح الأمريكية إبان حرب الخليج، فها هو الشيخ عبد العزيز بن باز الذي قد أصدر فتواه التاريخية عام 1991 والتي أجازت استعانة المسلمين بغيرهم من الكفّار لمحاربة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
#رمضان_عيسى_الليموني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكرى خديعة الحادي عشر من سبتمبر
-
لماذا هاجم الغزالي سلطة الموقعين عن رب العالمين ؟
-
صناعة الخطاب الديني وأزمة التواصل
-
الفقراء... مازالوا ينتظرون
-
حرق داعش
-
مونتاج لشريط طويل 2
-
مونتاج لشريط طويل:
-
الصور القاتلة كيف تستخدم الصور في صناعة الحروب
-
التبصر الأعمق
-
أطفالنا يُسرقون منّا
-
الحياة التي يجب أن نعيشها
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|