|
عبيد الحرية 2
سميرة المانع
الحوار المتمدن-العدد: 4938 - 2015 / 9 / 27 - 13:38
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
سميرة المانع عبيد الحرية
- القسم الثاني -
كان من الطبيعي ، في مثل هذه الاحوال ، ان تنتظر البلاد اقرب فرصة سانحة كي تتخلص من ( دوو) وجماعته . جاء شارلس تايلر لمساعدتها . كان تايلر مساعداً سابقاً لـ ( دوو) ، واتهمه الأخير بأنه سرق مليون دولار منه قبل أن يفر هارباً الى الولايات المتحدة الأمريكية. هناك ، أوقع نفسه بمشاكلَ وخروقاتٍ مالية ليُودع السجن. فجأة ظهر بعدها بأفريقيا، على شواطيء ساحل العاج. من هناك بدأ ومع 60 مقاتلا الحرب ضد (دوو) في ديسمبر سنة 1989 . كان من السهولة بمكان على ( دوو) القضاء على تايلر ، لولا أنه ارسل اليه لمحاربته جيشاً من الحفاة من ابناء قبيلته " كراهان " ، اولئك الذين ما أن غادروا مدينة مونروفيا حتى انهمكوا بالنهب والسلب بدلاً من محاربة تايلر . انتشرت أخبار هذا الجيش من الحرامية بسرعة كبيرة خلال الغابة وبدأ السكان المرتعبون منهم بالهروب الى تايلر آملين في العثور على حماية وملجأ . كبر جيش تايلر بسرعة البرق ووصل بمدى ستة شهور الى ضواحي مدينة مونروفيا. انفجر عراك بعد ذلك، في معسكر تايلر نفسه، حول من يحتل المدينة فعلاً ويستولي على الغنائم ؟ إنشق كبير مساعدي تايلر واسمه برنس جونسن وكوّن له جيشا ًخاصاً ، وكان ،هو بدوره في الماضي ، مساعداً لـ ( دوو ) ايضاً. اضحت مونروفيا مسرحاً لصراعهم . انتشرت الجثث على امتداد الطرق وخُربت المدينة .تدخلت ، دول أفريقيا الغربية ، اخيراً ، لاصلاح الامور . أرسلت نيجيريا وفداً ، عن طريق البحر، فوصل ميناء مونروفيا في الصيف . قرر (دوو) بعدها في التاسع من سبتمبر / ايلول سنة 1990 ، زيارة نيجيريا . جمع حاشيته وشرع بالتوجه للميناء بسيارات المرسيدس. لكن جماعة جونسن كانت له بالمرصاد ، انتظرته متهيئة لاطلاق النار عليه . أُصيب ( دوو) بعدة طلقات باقدامه ، من ثم قُبض عليه ووثقت يداه خلف ظهره . سُحب كي يُعذب. أمر جونسن أن يسجل منظر التعذيب على فيلم . رأيناه جالساً في الفلم يشرب الجعة اثناء تعذيب (دوو) بينما امراة واقفة جانبه ،تهف عليه بالمروحة وتمسح العرق عن حواجبه . جلس ( دوو) مربوطا والدم يتساقط منه . كان وجهه مهشماً لدرجة لا تستطيع ان ترى عينيه ورجال جونسن يحيطون به مأخوذين بمنظر معاناة دكتاتور عارٍ جالسٍ في بركة دم . نطق (دوو) باسم جونسن الاول وهو : " برنس !" خاطبه باسمه الاول ،كون الثلاثة (دوو) وتايلر وجونسن اصدقاء قدامى . – دعهم يحلوا الحبل قليلا عن كفي ، سأقول لك كل شيء ، ليحلوا الحبال قليلا فقط . زعق جونسن به باللهجة المحلية لـ "كريول " . من الصعب فهم معظم ما قاله ، عدا شيئا واحدا واضحا ، كان يريد من ( دوو) أن يعطيه رقم حسابه المصرفي . صاح غاضبا عليه : - " اقطعوا اذنيه ". فـ ( دوو) لا يبوح به على الرغم من وعده . رمى الجنود الرئيس السابق (دوو) على الارض وقطع احدهم اذنه بحربة بندقيته . ضج صوت حيوان متألم مدوياً . صاح جونسن كرة اخرى : " الأذن الثانية " . تنازع الجميع فيما بينهم ، كل واحد يريد أن يقطع الأذن مستثاراً . دوى صراخ (دوو) .رفعوه عن الارض ، واسندته متمايلا جزم الجند ، رأسه من دون آذان ، تسيل منها الدماء . انتهت افكار جونسن الجيدة على ما يبدو . صار الموضوع بالنسبة اليه مملاً : " خذوه بعيدا " ، امر جنوده . نقلوه الى تعذيب آخر – سُجل بفيلم ايضاً – عاش ( دوو ) عدة ساعات بعد ذلك . مات من كثرة ما نزف من دم . في الصباح خرجتُ من الـنـزل الذي اسكن به ، سائراً على امتداد شارع ( كاري ) ، هذا هو مركز المدينة حيث المنطقة التجارية . مجاميع من الذين يسمونهم Bayaye متكئون على الحيطان بالطريق . اقتربوا مني يسالونني : من اين جئت ؟ هل يقدرون ان يصبحوا لي أدلاء في الطريق ، او هل استطيع ان ارتب لهم زمالة دراسية في اميركا . كنتُ محاطا باولاد صغار السن ، وجوههم منتفخة وعيونهم غائمة من الاجهاد ، هناك شيء مفقود عندهم اما ذراع او ساق . كانوا يتوسلون بي. هؤلاء هم الجنود السابقون من صغار السن في فرقة تايلر للاولاد الصغار . تايلر يجند الاولاد ويسلمهم اسلحة ، كما انه يعطيهم مخدرات ، واثناء ما يكونون تحت تأثيرها ، يطلب منهم الهجوم . يتصرف هؤلاء الصغار المخدرون مثل المقاتلين kamikaze اليابانيين ، يندفعون بصدورهم أمام الرصاص المتطاير، يسقطون في أفخاخ الالغام . لكنهم عندما يصبحون مدمنين على المخدرات لدرجة عدم جدواهم او الانتفاع منهم ، يرميهم تايلر بعيداً عنه . استمرت الحرب بعد وفاة (دوو) . حارب تايلر وجونسن فيما بينهما بما تبقى من فضلات الجيش اللايبيري ، ومع قوات التدخل المرسلة من الدول الافريقية تحت يافطة اسم Ecomog من اجل استرجاع النظام في ليبيريا . بعد معارك طويلة سيطرت القوات الافريقية على مونروفيا وضواحيها القريبة ، تاركة بقية البلاد الى تايلر وبقية القواد المحاربين مثله . بالاستطاعة التجول بالعاصمة مونروفيا ولكن بمدى 20 او 30 كيلومترا بالسيارة تتوقف حتما في منطقة حراسة يديرها جنود من غانا وغينيا وسيري ليون . هذه المراكز توقف الجميع . لا يستطيع المرء ان يذهب الى ابعد من هذا المكان . سيبدأ الجحيم بعد ذلك . فحتى اولئك الجنود المدربون جيدا لا يملكون الشجاعة على النظر اليه. إنها بلاد تحت سيطرة الرؤساء اللايبيرين . صار اصطلاحا أن يُسموا بالمحاربين . هؤلاء القواد المحاربون هم وزراء سابقون متنفذون او بعض افراد اقوياء راغبين في السلطة والنقود . يكونون قساة من دون تردد او حيرة ، مغتنمين فرصة تفكك البلاد طامعين في اقتطاع جزء منها لانفسهم كدولة صغيرة ، يتسلطون فيها بحكم دكتاتوري ، مستعملين من اجل هذا الغرض عشيرتهم او قبيلتهم . هؤلاء القادة المحاربون هم زارعو الكراهية القبائلية بافريقيا ، لكنهم لا يعترفون بذلك ، دائما يدعون أنهم يقودون حزبا او حركة وطنية ، يسمونها غالبا شيئا او حركة للتحرير او الحركة للحفاظ على الديمقراطية والاستقلال . لا يتنازلون ابدا عن تسميتها بكلمات اقل عظمة ومثالية . بعد أن يختار القائد الاسم يبدأ بتنظيم أفراد جيشه حيث لن يكون الامر صعبا ، ففي كل مقاطعة او مدينة الآف من الاولاد العاطلين عن العمل الجياع الحالمين بالانضمام الى فرقة القائد العسكري . سيعطيهم الآمر السلاح والهوية والاخيرة، من الاهمية بمكان لهم . لا يدفع لهم معظم الاوقات نقودا وانما يقول لهم : " لديكم سلاح ، اشبعوا أنفسكم". إن المصدر الذي لا ينضب لفائدة القواد المحاربين هي منظمات الإغاثة العالمية لمساعدة الفقراء الجياع . القانون المطبق هنا هو ما يلي : من يملك السلاح يأكل قبل الجميع ، وتبقى الفضلات للجياع . هذه هي المعضلة العويصة التي تواجه المنظمات العالمية ، فاذا لم يحصل هؤلاء السراق على حصتهم لن يسمحوا بمرور شحنة المساعدة وسيموت اكثر الجياع . في بعض الاحيان عندما يقرر الجنرالات ان كل شيء يستحق النهب قد أُنتزع وأنتهى امره يبدأون ما يسمى بعملية السلام . يعقدون اجتماعا للاطراف المتخاصمة ويوقعون ، مخصصين يوما للانتخابات . إستجابة لذلك يمدد البنك الدولي كل انواع القروض والاعتمادات ، يصبح هؤلاء القواد أكثر غنى من ذي قبل . بامكانك هنا الحصول من البنك الدولي ، بصورة واضحة ، على اكثر مما يحصل عليه ابناء قومك الجياع .
ترجمة سميرة المانع
++++++++++++
#سميرة_المانع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبيد الحرية
-
كل هذا الجاز
-
الوجهان
-
الخليج
-
قصة : النسوة يتمْلْملنَ
-
الغناء
-
مكنزي
-
العنز والرجال
-
هل تدلني على بيتي ؟
-
الميثاق مرة اخرى
-
ميثاق 91
-
الحرية، الحرية ، من فضلكم
-
قصة ( ما علمتم وذقتم )
-
من دفع للمزمرين ؟
-
المرأة بضاعة وزخرفة
-
هل تدلني على بيتي؟
-
ما قلت وداعا أبدا
-
نساء
-
خروج أديب من قرونه الوسطى
-
ما يقال عن المرأة في الادب العربي
المزيد.....
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
-
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي
...
-
ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
-
شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
-
السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل
...
-
الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين
...
-
الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
-
-حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|