علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 4936 - 2015 / 9 / 25 - 08:45
المحور:
الادب والفن
في زمن ما غابت عني ملامحه... في الأعياد الدينية و المناسبات الوطنية، كنتُ الطفل الذي يبيع يانصيب الفرح للأطفال في حدائق اللاذقية، مثلاً تلك الحديقة جانب قوس النصر في حي الصليبة جنوب المدينة...
كنت أجمع و ألملم أشياء العيد من حاويات الزبالة أو أشتري بعضها أحياناً أخرى من دكاكين الضيعة لأبيع الحظ، تنوعت بضاعتي ما بين الإبرة والخيط حتى غرفة النوم كما يقولون: قصص ميكي، سامر و أسامة، ألغاز بوليسية، طوابع بريد و ما شابه... حبات مربى النعناع، العُلُوك بأنواعها، البالونات الملونة، الزمامير الرخيصة، علب كبريت الفرس، القضامة، قطع الراحة، أزرار قمصان، أقلام رصاص، مماح، مَبَار، مَصَّاصَات، دبابيس، شكلات شعر للبنات، أساور، خواتم، نظارات و أمشاط، عصافير وبلابل، مقصات أظافر، ورق الكوتشينة، مسدسات صينية، "نقيفات"، صور نجوم الملاعب، أعلام الوطن العربي، أشكالاً للطائرات، الجنود، القلاع و الدبابات... أشكال ديناصورات و صور السيد الرئيس!... جميعها مصنوع من المواد البلاستيكية الملونة، الرخيصة و طبعاً القادمة من الصين الشعبية...
أضع جميع ما حصلتُ عليه في علبة كرتون كبيرة... أعطي الأشياء أسماءً و أرقاماً... أكتبها على قصاصات الورق الأبيض و أطويها... بعض القصاصات تبقى بلا أرقام أو أسماء... أمشي باتجاه النصر وقوسه، أدخل الحديقة علَى اسْتِحْيَاءٍ، الساعة هي الثامنة صباحاً، يبدأ وقت العمل، يرتفع صوتي بلهجة قروية مغايرة للهجات أطفال المدينة... يانصيب... يانصيب... السحبة بنص ليرة والخمسة بليرتين... يانصيب... يانصيب... قرب ببببب، جرب ببببب حظك... ألعب و اربح يا حبّاب...
يندفع الأطفال صوب بائع الفرح، يخسرون نقودهم ليربح هو، تمتلأ جيبه بقطع النقود المعدنية و عيونهم الصغيرة بالندم... تقترب الساعة من الثانية عشر ظهراً، يعود بعض الأطفال إلى بيوتهم لتناول الطعام و إحضار المزيد من النقود، تغص الحدائق في هذا الوقت بالمراهقين الزعران، ينظرون للبائع باستهجان، إنه غريب في تلك الحديقة، يقتربون منه و السجائر في أفواههم، يستشعر الخطر القادم، يضع رجليه في مؤخرته و يهرب بسرعة البرق إلى حديقة فيها عيد و بقايا من نقود.
هذا ما حكاه لي صديقي الذي علّمته مدرسة الحياة فن التجارة قبل أن يدخل كلية التجارة والاقتصاد ليصير لاحقاً أحد أهم تجار الجملة الشرفاء في المدينة!
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟