تحية طيبة
لقد مضت عدة اشهر منذ وجهنا كتابنا الاول باسم قوى الاصلاح والديمقراطية اثر نقاش سياسي وتنظيمي حاد داخل الهيئات الحزبية لم يصل الى اي نتيجة في حينه. وحين اقفلت قنوات الحوار الداخلي، وجرى الامعان في مواقف وممارسات سياسية وتنظيمية غير مناسبة، لم نجد بدا من تفعيل اعتراضنا على هذه المواقف والممارسات، وعلى الاداء القيادي، وهو ما يتحمل في رأينا المسؤولية الاساسية عن تغييب الحزب عن الحياة السياسية، وعن تهميش دوره في وقت يحتاج فيه الوطن الى هذا الدور باشد ما يكون.
لقد تحركنا وفعلنا اعتراضنا تحت عنوان اساسي هو الدعوة الى حوار حقيقي يخرج الحزب من الوضع القائم الى فعالية سياسية وتنظمية اكثر حضورا، وعلى قاعدة تأمين مشاركة كل طاقات الحزب بمنظماته وكوادره واعضائه المنظمين، واولئك المبتعدين او المبعدين عن اطره التنظيمية. وكنا نرى ايضا ضرورة ان تنضم جهود الحزب وجهود اصدقائه في عمل سياسي وطني وديمقراطي انقاذي، يضع نصب عينيه مصالح الوطن العليا، ويحدد بوضوح اشد البرنامج العملي لبلوغ هذه الاهداف.
وطوال الاشهر المنقضية، لم نأل جهدا من اجل توفير كل الفرص لانجاح محاولات استعادة دور الحزب ضمن خطه التغييري والمستقل، والوطني دون التباس. ولم نقطع خطوط الحوار الداخلي على الرغم من ردود الفعل السلبية التي اتت من القيادة الحزبية على رسالتنا، واتخاذها المزيد من القرارات التأديبية خلافا لكل منطق، ودون اساس حقيقي وموضوعي. ولكن الحصيلة المجمعة لتجربة الاشهر الماضية اتت مخيبة للامال، مما يدفعنا مجددا الى دق ناقوس الخطر لتدارك الامر قبل فوات الاوان، وفي مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، لا يمكن السماح ان يكون الحزب وقيادته خلالها في حال قصور وارتباك، لا بل في وضعية يتراجع فيها عن مقررات مؤتمرات الحزب، وقرارات المجلس الوطني، وترتكب اخطاء سياسيية مضرة باستقلالية الحزب وهويته الوطنية والديمقراطية.
فعلى الصعيد التنظيمي، تجاوبنا مع دعوات الحوار، ومع مبادرة المصالحة الوطنية التي اطلقتها كامين عام للحزب في اجتماعات المجلس الوطني الاخيرة، التي شاركنا في حضورها، كما شاركنا في اعمال لجنة الحوار. واثناء ذلك، تصرفنا بمرونة بالغة لجهة تسهيل مهمة المصالحة، وامتعنا طوعيا عن النشر وعن العمل الكثيف في منظمات الحزب، كي لا يتخذ ذلك ذريعة لوقف مسار المصالحة التي نريدها بصدق، وعن قناعة. ولكن مقابل ذلك، فان الناطقين رسيما باسم قيادة الحزب، في السياسة والتنظيم، عملوا خلاف ذلك تماما، وتعمدوا نشر اجواء ومواقف تنسف المصالحة وتدعو صراحة الى تفسيم الحزب الى حزبين مستقلين. وهذه المواقف، التي كان ممثلو القيادة الحزبية يقولونها في اجتماعات رسمية، كما خارج الاجتماعات، كانت تعزز بممارسات تكتلية وشللية، والقيام باتصالات عمودية جزئية مع منظمات ومع رفاق محددين، وكل ذلك يجري باسم الشرعية الحزبية، وعبر قنواتها. وقد وصلنا الى وضع توقف فيه عمل لجنة الحوار، مع العلم ان الوجهة العامة الغالبة للاراء في اللجنة كانت تميل بشكل واضح الى تغليب فكرة الديمقراطية والتعدد التي تضمنتها ورقة الرفيق جورج بطل. اما فيما يتعلق بالمصالحة الداخلية، وعلى الرغم من انها دعوة معروفة من جميع الشيوعيين، ومن قبل الرأي العام، فان المكتب السياسي خرج مرة اخرى على قرار المجلس الوطني الذي دعاه الى اقتراح الخطوات العملية للعودة عن التدابير التنظيمية، واطلاق المصالحة الحزبية بكل طاقتها. وما حصل هو الامتناع العملي في الممارسة عن السير في هذا الاتجاه، لا بل العمل للسير في الاتجاه المعاكس.
اما من الناحية السياسية، فالامر اكثر خطورة. لقد تقدمت بصفتك الامين العام للحزب بتقرير سياسي امام المجلس الوطني، كان محل اجماع، واعلنا صراحة تأييدنا له، واعتباره اساسا سياسيا للمصالحة الحزبية التي لم ننظر اليها يوما على انها مصالحة عشائرية. ولكن الذي حصل بعد ذلك، هو ان ممثلي قيادة الحزب، ولاسيما مسؤول الصلات السياسية والناطق الرسمي باسم القيادة، اتخذ مجموعة من المواقف السياسية المعلنة في وسائل الاعلام، والندوات، وفي اذاعة صوت الشعب، مخالفة لنص ومضمون وروح التقرير السياسي المشار اليه، ومخالفة لكل مقررات المؤتمرات السابقة، ومخالفة لكل مناخ الشيوعيين. وقد حملت هذه المواقف تراجعا واضحا عن الخطة السياسية التي اقرتها هيئات الحزب في المسألة الوطنية، وفي الموقف من الوضع في الجنوب وارسال الجيش الى المناطق المحررة. ووصل الامر بان بعض ممثلي القيادة الذين تولوا عقد الاجتماعات في المناطق، لم يتورعوا عن اعتبار التقرير السياسي الذي وافق عليه المجلس الوطني اكثر من رأي شخصي للامين العام لم يقر في هيئات الحزب، لا بل ان بعضهم اردف موضحا ان هناك رأي عام واسع في الحزب يطالب باعادة النظر من موقف الحزب المعلن المطالب بأرسال الجيش الى الجنوب.
للاسف لم يحصل اي تصحيح لذلك. لا بل وصل الامر الى حد اتخاذ موقف عدائي من ابرز حدث سياسي حصل منذ سنوات في لبنان، اي لقاء المنبر الديمقراطي في نقابة الصحافة، ودعوته الى الحوار الوطني، وبلغت العدائية حد منع الاذاعة من بث الخبر بشكل اعلامي صحيح، واصدار بلاغ عن قيادة الحزب يسيئ الى صورة الحزب والى صورة الرفاق الذين تناولهم نفي الصفة الحزبية عن مشاركتهم في هذا الحدث. وما يزيد الامر سوءا، هو ان يرد علينا بالقول ان هذا الموقف لا يمثل رأي قياة الحزب! ولكن لم يتخذ اي اجراء عملي لاظهار ذلك لعموم جمهور الحزب، ولعموم اللبنانيين الذين يتساءلون بتعجب عن سبب الموقف السلبي الذي يتخذه الحزب ازاء عملية المصالحة الوطنية، رغم انه اساسا صاحب الدعوة اليها.
ان خطورة هذه الممارسات السياسية تتمثل في كونها تتم باسم قيادة الحزب الرسمية، وخلافا لقرارات المجلس الوطني، وانها تتم في العلن. وكأن بعض الاوساط المهيمنة في قيادة الحزب، تريد ان تدفع عمدا الحزب الى الموقع السياسي الخاطئ في الصراع الدائر حاليا في لبنان، بحجج وذرائع اقل ما يقال فيها انها واهية ولا تنطلي على احد.
الرفيق الامين العام،
اننا ازاء هذا الوضع، ندعوك مرة اخرى بحكم موقعك، ان تتحمل مسؤولية وضع مبادرة المصالحة الحزبية التي اطلقتها موضع التنفيذ العملي، وذلك بضمان الالتزام بالخطط السياسي المقر في اجتماعات المجلس الوطني الاخيرة، وبضمان الالتزام بالقرارات التنظيمية الحوارية.
واننا نعلم تماما، وانت تعلم، ان اوساطا واسعة داخل الحزب وخارجه مستاءة من هذا الوضع، وهي تعارض المواقف الملتبسة وغير المستقلة التي يعلنها الناطقون باسم قيادة الحزب. ان الشرعية الحزبية هي في الالتزام بهذا الخط الوطني الديمقراطي المستقل، ولا تكمن في اية الاعيب تنظيمية نعرفها جميعا، تستخدم لخطف الحزب ومواقفه وممارسته خلافا لارادة اعضائه، وخلافا لقرارات مؤتمراته، وخلافا لمصحلة الوطن.
اننا لا نستطيع القبول بهذا الامعان في الاساءة الى تاريخ الحزب، ودوره المستقبلي.
قوى الاصلاح والديمقراطية في الحزب الشيوعي اللبناني