أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إحسان شرعي - امرأة و حقيبة














المزيد.....

امرأة و حقيبة


إحسان شرعي

الحوار المتمدن-العدد: 4927 - 2015 / 9 / 16 - 08:56
المحور: الادب والفن
    


لا تهم التفاصيل، كل ما في الأمر أني حزينة، ولا سبب مقنع لهذا الحزن. كل الأحزان صارت عندي قديمة، ولمن العجب حمل ما دار الزمان عليه وقدم. ما يزال جرح الطائرة الورقية، وقطتي المنسية التي تركتها هناك أحملها كما كنت وما أزال أحتفظ بدفتر خطت عليه وما يزال الربيع أخضر. مرت سنوات والربيع ما زال أخضر، لا يهم من يمشي عليه الآن و لا يهم من يبول عليه الآن... عبتا يريدون سرقة نفسي من نفسي ومحو صورتي من وجهي.
قلت لي يوما: أرى وجهي في عيونك وأحب جسمي لأنك جزء من جسمي، وأحب المرآة لأني أرى نفسي و أراك...
ما أزال أحس المكان ملكي وإن قال الجميع لقد طردوك من هناك، ولم يستطيعوا لأني أنا المكان والمكان أنا ولا شيء غيري ولا شيء سواي لأن السماء تبدأ عندي، وتنتهي عندي، وأنا البداية والمنتهى، وأنا فرح وألم السماء. وعدتني أن نذهب هناك في الربيع وجاء الربيع ونسيت ما قلت لي ولم أنس أنا، كيف يقولون إنسي؟ والطريق المسجى برائحة الدفلى والياسمين تقطع من بداية دمي إلى آخره، والمحطة المذكورة أيضا تحمل الأحلام وتنزلها على الرصيف، وأنا مارة أنظر إلى حلمي الصغير يحمل حقيبة رمادية دون أن يهتم بوجودي. والدالية التي أغصانها من خيوط الشمس، عنبها ممزوجة حلاوته بالضوء الحار، ودودة العنب تحرس الشمس حتى لا تنفذ كلها عبر الأوراق، وعند بداية الخريف تنهي دورة الحراسة لتسقط مع الورق، والمنزل العتيق قال لي: ظلي لا ترحلي معهم، لكني رحلت ولم تنتهي رحلتي ما دمت أحمل الطائرة الورقية، والقطة المنسية، والحلم الصغير، والدالية، والعنب، ودودة العنب، على ظهري وأمضي.
كان الرحيل بداية الربيع، لكن ملامح الفصل لم تبد بعد، لا ورود في الحديقة ولاشيء إلا الطين الأحمر المبلل، والسماء الغائمة، والأشجار العالية الحزينة، و كأن الجميع رآني أجمع الحقيبة وأبكي.
قطعت بعد هذا اليوم مسافات كثيرة، وحملت حقيبتي أكثر مما أريد وأكثر مما تتحمل حتى تمنيت لو ترتاح وتمنيت لو يأتي يوم لا أفكر فيه بالرحيل.
كانت الحافلة ممتلئة لكني وجدت مكانا منعزلا قرب النافذة، ورأيت كل المدينة تجري خلفي، ورأيت الشجر يعدو والسماء تبكي فتتساقط القطرات على زجاج نوافذ الحافلة مشكلة رسوما وخيالات: طفلة، وباقة ورد، وامرأة بشعر طويل مجعد.
مضت سنوات على هذا وما زلت أشعر بالغثيان يسكن روحي ممزوجة مرارته بحرارة الشمس اللاهبة التي تخترق السحب مرة بعد أخرى على طول الطريق، غثيان يجعلك تحس نفسك داخل قفص من الدوار الأخضر والوحدة. وصلت محطة القطار ووجدت الكل ينتظر الرحيل لا أحد مستقر. في المكان حقائب وضجيج وحكايات على رصيف السفر، رجل يدخن وينفخ دوائر متداخلة في نهاياتها في الفضاء، وامرأة شاحبة زادت شحوبتها جلبابا أصفر وحناء في كفيها صفراء، وطفلها الصغير يريد أن يحبو فتمنعه فيصرخ ويعيد الكرة فتمنعه مرة أخرى. وبائع الحلوى المغلفة بالبلاستيك يتمنى لو تغري المنتظرين حلواه فينسوا بها ملل الانتظار. الصمت يملأ المكان ويخترق الأحاديث الثنائية الخفيفة، وكأن الانتظار حفل تأبين: جماهير، وحزن، وانتظار. ثم يطل وجه القطار معلنا وصوله فيتسابق المنتظرون نحو الوجهة ويبق الآخرون. تأخر قطاري أكثر مما توقعت و اختفى ضوء النهار ولبست السماء ثوب الليل، لم أستقبل - مرة قبل هذا- الليل وحدي. كان الليل سرا يقع خارج أسوار منزلنا القديم، وكان المساء عندي ضجيج ألفة ممتع ونافذة تطل على ضوء أعمدة نور الشارع العسلية البهيجة. أخدني التفكير ولم ألحظ كم قل المنتظرون، وظلت امرأة مدخنة وعجوز تحمل قطة داخل قفص ورجل يقرأ الجريدة حينا ويتلصص على المارة والسكة والنفق حينا آخر وعلي. حفرت الحقيبة في يدي أخدودا صغيرا وأخدودا آخر ظل في ذاكرتي يمتد امتداد الطريق. ثم أقبل قطاري المنتظر واتجهت نحوه دون تفكير مستسلمة للسفر.



#إحسان_شرعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إحسان شرعي - امرأة و حقيبة