مازن ريا
الحوار المتمدن-العدد: 4925 - 2015 / 9 / 14 - 01:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قديمة, جديدة هي الأراء التي تنادي بالتوفيق بين الدين والفلسفة, وبين الدين والعلم... اعتقادا منهم أنه لايوجد تناقض أو تضاد بينهما مما أوقع الفكر الفلسفي الذي حاول التوفيق بينهما في أزمة بنيوية عميقة.
بدأت محاولة التوفيق بين العقل والنص, مع المعتزلة أصحاب النزعة العقلية في الأسلام, فالخير والشر هما ذاتيان ,يقررهما العقل وبالتالي إذا وجد تعارض بين النص والعقل فالعقل هو من يقرر وهو من يقوم بالتأويل, هذا المنحى نجده أيضا لدى ابن وسينا والفارابي.... ابن رشد ومحنته .
فالقول بالتأويل إذا تناقض العقل مع الدين(النص القرأني) هذه العملية (التأويل )هي أحياء لفكر ميت عفا الزمن عليه ومضى, فالفكر الفلسفي والعلمي يختلفان عن الفكر الدين بالمنهج وأدوات المعرفة, فإذا كان رجل الدين يبدأ بالايمان والتسليم والتديل على ذلك بشواهد من النص ذاته وأحيانا خارجه نجد طريقة الفليسوف والعالم تبدأ بملاحظات ثم بفرضيات ثم التأكد منها بالتجريب أو الاستنتاج مع علمه بأن هذه النتائج ليست حقائق مطلقة فتاريخ العلم هو تاريخ أخطاء العلم والحقيقة العلمية ليست حقيقة منجزة أوكاملة أومطلقة, فهي حقائق نسبية ومتغيرة فإذا كان مجموع زوايا المثلث 180 درجة هذه نسبية للمكان المستوي في حين أنها أكثر من ذلك في المكان الكروي وأقل في المكان الاهليلجي في حين أن الحقائق الدينية مطلقة وصالحة لكل زمان ومكان.
أما المنطق والتفكير النقدي الذي يعتمد على الشك , والتحليل والتركيب, التجريب, التأمل والخيال.... كلها أدوات معرفية في الفكر الفلسفي والعلمي هي مختلفة عن أدواتها في الفكر اليني الذي يعتمد على مصادر(مقدمات) لا يرقى لها الشك وهي (النص القرأني, والسيرة, والحديث...) وهي ليست وليدة أي ملاحظة أوفرض,أو تجربة, أنما هي منقولة ومتواترة... هذه هي مقدمات التي ينطلق منها الفكر الديني.
في العودة إلى محاولة التوفيق بين العقل والنص عند حصول تعارض بينهما نجد ابن رشد في رده على الغزالي يأخذ بمسألة السببية( وهنا ينحى منحى أرسطو في القول بالعلل الاربعة) حيث يرى ابن رشد أن الاحتراق سببه النار ولذلك قطعة القطن عند اقتراب النار منها تحترق ولا يمكن لها إلا أن تحترق, فالنار سبب, والاحتراق نتيجة ولكن هل يمكن حصول احتراق بدون نار؟ بمعنى أخر هل يمكن الفصل بين العلة والمعلول, بين النتيجة والسبب؟,
في قوله تعالى(( كوني يانارا بردا وسلاما على ابراهيم)) هنا ابن رشد يبطل مفعول السببية لنجد أن المعجزات تحصل بفعل التدخل الالهي, هذا الفعل يلغي قانون سببية الكون ولكن أليس هذا القانون هو من وضع الله؟ لماذا على الله أن يخرج عن نظام هو من وضعه؟ من أجل ماذا؟ من أجل أقناع الانسان على وجوده وعبادته؟ من أجل ماذا؟..... من هنا نجد أن ازمة الفلسفة العربية تكمن في أهم سبب وهو محاولة التوفيق بين الدين والفلسفة , بين العلم والفلسفة, هذه المحاولة التي بأت بالفشل وأدت إلى ما أدت اليه لدى أصحابها من محن وتكفير وقتل و....., أما القول بأنه لا ضير من أن نطلع على حضارات وثقافات وتجارب الشعوب الأخرى نأخذ منها ما يوافق ديننا أو تراثنا أو ماهو أيجابي ونرفض كل ماهو سلبي .... كل ذلك بحجة المحافظة على الذات والهوية,و... عملية الأنتقاء هذه لم تؤدي إلا إلى الانغلاق والتقوقع لتغدو هذه المجتمعات متخلفة ومصدر للجهل و... فالمياه الراكدة لفترة طويلة من الزمن لاتصلح للشرب أو للحياة لابد أن يكون هناك دائما تيار يجددها.
إذا ما أنظر إلى تاريخ الأمم الأوربية والتي حكم فيها الفكر الديني ردحا طويلا من الزمن ألم تكن في حينها مجتمعات مغلقة ؟
ألم تحارب العلم والعلماء(غاليلو, برنو...)؟
لكن ما الذي حصل في هذه المجتمعات بعد أن عانت من الحروب والاقتتال؟
الذي حصل أنها خرجت من أزمتها وتعلمت أول درس كا ن في التعلم هو نقد كل ماهو ماضوي في تاريخها ومورثها الثاقفي والديني والفلسفي.... هل فعلنا نحن ذلك؟
برأينا لقد وصل الغرب إلى نتيجة هامة وهي: أن في الفكر الديني شكل أهم عائق ابستمولوجي في طريق تطوره ولابد من تجاوز هذا الفكر الذي أعتمد على الفلسفة اللأرسطية لقرون طويلة, فبدأت حركة الاصلاح الديني لدى مارتن لوثر بفصل الدين عن الدولة أي عن السياسة وعن العلم وليس التوفيق بينهما كما حصل لدينا, كما قامت بإلغاء دور الكينسة في حياة الناس كما كان سائدا من توزيع صكوك الغفران بمعنى أخر قامت بالغاء فكرة الوسيط بين الانسان والسماء(الله) وأن هذه العلاقة هي علاقة خاصة وشخصية ولا يجوز لأحد أن يتدخل فيها, هذا اسس لمفهوم المواطنة وقوننة الدولة والمجتمع وتحقيق مبدأ الحرية الفردية الذي ينبع منه حرية الفكر والاعتقاد, و...... كل ذلك شكل حجر أساس لنهضة فكرية ,فلسفية وعلمية أدت إلى ما أدت إليها في أوربا.
الدول والاوطان لا تبنى على اساس ديني, فالفكر الديني وخاصة الاسلام قدم مشروعه للدولة على يد الأوائل منه والتاريخ (الطبري, الطبقات الكبرى, صحيح بخارى, صحيح مسلم, ......) يحدثنا بما فيه الكفاية عن هذه الفترة من تاريخنا, أعتقد أن الخروج من هذا الكمين التاريخي الذي نحن فيه ونعيش أثاره المدمرة , من حروب واقتتال مذهبي وطائفي وأثني وعرقي...
يبدأ أولا: أستخدام العقل والمنهج الشك في كل ما وصل ألينا.
ثانيا: فصل الدين عن الدولة وعن العلم, وعلاقة الانسان بالله هي علاقة شخصية وخاصة يجب أحترامها وعدم فرضها أو تكفير الأخرين أو قتلهم أو.....على أساسها هذا يتطلب ( ألغاء دور رجال الدين) من خلال ألغاء فكرة الوسيط بين الله والانسان.
ثالثا: بناء أي مجتمع يحتاج إلى كل أبنائه بعيدا عن مفهوم الأكثرية والأقلية من الناحية الدينية أو القومية أو العرقية أو الجنسية(ذكور-أناث) مفهوم المواطنة هو مفهوم جامع وليس مفهوم تفرقة.
رابعا: سيادة القانون الذي يكفل الحريات ويضمن الحقوق, حيث تغدو سلطة القانون فوق الجميع ومن أجل الجميع.
خامسا: على كافة قوى وطاقات المجتمع العمل على خلق ثقافة الحوار , وثقافة الاختلاف, وتقبل الاخرو وخاصة أن فكرة العلمنة كانت غائبة أو مغيبة عن برامج الكثير من القوى والأحزاب وكان العمل يتركز عما هو سياسي بعيدا عما هو اجتماعي وثقافي والذي هو الأهم والخطوة الأول للوصول إلى ماهو سياسي أي بناء النظم السياسية .
مازن ريا اللاذقية- بسنادا 3/9/2015
#مازن_ريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟