رجب الطيب
(Rajab Ata Altayeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4924 - 2015 / 9 / 13 - 23:57
المحور:
الادب والفن
شارع المحاكم : قصة حب بالأبيض والأسود !
مقدمة
رواية قصيرة تبدو وكأنها كتبت في ليلة واحدة , هي تلك الليلة التي زفت فيها بطلة النص ابنتها إلى عريسها , تلك الليلة التي عرفت فيها سلوى الفرح والرقص للمرة الأولى بعد نحو خمس وعشرين عاما , من الوجع الناجم عن تراجيديا قمع حبها الوحيد في حياتها .
في تلك الليلة التي زفت فيها العنود , الابنة الوحيدة لسلوى بطلة شارع المحاكم , قالت لها صدقتها لو كنت لابسة الطرحة ما كنا نفرق بينك وبين ابنتك يا سلوى ! وكان تلك الجملة كانت فاتحة النص , ومفتاح الذكرى التي عاشت عليها البطلة أكثر من عشرين عاما , وهكذا بدأ القص .
بطولة مؤنثة
تحيل الذكرى إلى الكشف عن صفحات الماضي , بكل ما كان فيه من عفوية وبساطة ورومانسية , وكأننا بتنا أمام " فيلم عربي " من أفلام ستينيات القرن الماضي , أفلام الأبيض والأسود الرومانسية , وكأن القصة واحدة من قصص إحسان عبد القدوس أو يوسف السباعي الذي كانت بطلة النص , والتي يبدو أن فيها الكثير من ملامح كاتبته , من حيث العمر , أو الاهتمام والتميز باللغة العربية , مولعة به , تقرأ رواياته .
ينفتح النص إذا على زمان غير هذا الزمان وعلى مكان محدد , هو الشارع الوحيد الذي كان معبدا في أمارة الشارقة في أواخر ستينيات القرن الماضي , أي عشية استقلال ومن ثم أقامة دولة الأمارات , لكن ليس الزمان فقط هو الذي تغير , بل المكان أيضا , فما كانت الحكاية تقترب من نهايتها , حتى كانت سلوى بعائلتها تغدر فريج الشويهيين إلى ميسلون . وتروي الحكاية قصة سلوى , وثلاث صديقات لها , كذلك قصة فتاة رابعة أو خامسة لهن , هي فهدة المرأة السعودية التي جاءت بعائلتها لتسكن حيهم , وهي تخفي قصتها بين جوانحها , لتشير جملة الحكايا إلى ما كانت تواجهه المرأة الخليجية في ذلك الأوان , ليس فقط من استلاب وحسب ولكن من ضيق أفق يجعل قدرتها على اتخاذ أهم قرار في حياتها , وهو قرار زواجها , تكاد تكون معدومة !
كما يحدث عادة مع بنات ذلك الجيل , كانت تحلم سلوى ورفيقاتها : شيخة , موزة وزهرة بالحب وعن على مقاعد الدراسة الثانوية , تستمعن لعبد الحليم وهاني شاكر , عفاف راضي , محمد عبد وعبد الكريم عبد القادر , وما كان الحب في حياتهم سوى طيف شاب , ربما لا تكون الواحدة منهن قد تحدثت إليه أو التقته , هذا ما حدث مع حب موزة لوليد العراقي , وتقريبا ما حدث مع حب سلوى نفسها لسيف , حيث كان هذا الحب هو محور النص , من حيث تولي سلوى بنفسها خيط السرد في أحيان كثيرة , فيما كان الراوي يتبادل معها الروي أحيانا أخرى .
وكان حب زهرة وعبد الرحمن غير واضح , كذلك الحال كان في حب كان الوحيد الذي توج بالزواج ومن ثم باستمراره , وهو حب موزة وصلاح , حين تحلت موزة بالشجاعة , وتزوجت رغم رفض أهلها , وتحملت تبعات هذا القرار بعشيها وحيدة معه في الفجيرة .
كان الحي والشارع , فضلا عن الأمارة , وكذلك رفقة المدرسة تجمع الصديقات , اللواتي يبحن لبعضهن البعض بمكنونات صدروهن , حيث غابت الصداقات بين الجنسين , وبين الأهل والأقارب . ورغم وجود الرجال يحيطون بالنساء في هذا النص , ألا أن الرجال ظهروا كخيالات فقد كانت البطولة مؤنثة مطلقة , ولم يظهر احد الرجال يتحدث كراو أو أن يتحدث عنه راوي النص بشكل مستقل , باستثناء يؤكد القاعدة حين ظهرت مقاطع لسيف وهو على شاطيء البحر يكاد يطير من الفرح بعد أن باحت له سلوى بحبها , أو حين كان في معسكر الجيش يتحدث إلى صديقه مرزوق عن نيته في أن يهاتف حبيبته ..
قصص حب محكومة بنهايات تراجيدية
النص الذي قدم لنا نحو أربع أو خمس قصص حب لبنات ذلك الجيل , انتهت كلها _ تقريبا , نهايات فاجعة , وانتهت معها قصص وربما حتى حياة بطلاتها , وحيث كان الاستثناء الوحيد هو زواج شيخة من صلاح المصري , رغم أن الثمن كان باهظا , وهو مقاطعة أهلها لها , إلا أن حكاية شيخة , انتهت تقريبا بعد أن انتقلت مع زوجها للفجيرة , كذلك انتهت قصة زهرة التي كانت مترددة , ولا يبدو أنها كانت تحب عبد الرحمن حبا حقيقيا , إلا من باب مجاراة صديقاتها , ربما , حين عاد إلى الشارقة مع استوديو العقرب متزوجا , كذلك انتهت قصة موزة التي كانت أكثر واقعية بعد أن اكتشفت وهم حبها لوليد بقبول الزواج من أبن عمتها سعود , ولكن بعد أن كان تزوج من زميلته المصرية بالكلية التي كان يدرس فيها .
أما قصة سلوى , وهي القصة المحورية في النص , فرغم اتخاذ البطلة للقرار الشجاع بالهرب مع حبيبها والزواج به , إلا أن النهاية التراجيدية سرعان ما أحاطت بها , حين لحقت بها أمها وأخوها , بعد ثلاثة أيام فقط من زواجها ليجبرا سيف العماني على تطليقها , ومن ثم تزويجها من الكهل مطر لتنجب منه ابنتها الوحيدة _ العنود .
عاشت سلوى , بعد ثلاثة أيام فقط من سعادة قلقة مع زوج أحبته واختارته , في حياة أشبه بالموت , توقفت حياتها كلها عند تلك اللحظات , وربما هذا ما يجب على السؤال , لماذا اختارت أسماء الزرعوني أن تكتب عن تلك الحقبة , وليس عن نساء هذه الأيام , حيث بدا النص وكأنه ينقض " بنات الرياض " مثلا , فثلاثة أيام كانت أبقى من عشرين عاما .
دفق وشاعرية اللغة
تمكن الكاتبة من حرفة الكتابة , كذلك أجادتها للعربية الفصحى , إضافة لموضوع النص , وهو الحب الرومانسي جعل من لغة النص لغة شاعرية غير متكلفة , ودونما أخطاء تذكر _ تقريبا , وما كانت الكاتبة بحاجة إلى أن تضمن بعض النصوص الشاعرية , وفق حيلة النشر في مجلة الفن لابنة عمها عوشة بنت الأمارات لتظهر جمال اللغة , فالبوح وعفوية المحبات المراهقات كانت كفيلة بتقديم لغة متدفقة وعذبة على أي حال .
وجاء معظم السرد بضمير المتكلم , خاصة وان سلوى _ بطلة النص , كانت هي السارد في معظم الوقت , فيما كان الراوي المتخفي وراء شخص الكاتبة يتبادل السرد مع البطلة , ربما لكسر الرتابة والتنويع .
هذا وتنوعت اللغة وفق مستويات السرد عبر المونولوج الذاتي أو الحوار الثنائي , كذلك تم تضمين بعض الجمل العامية أو الشعبية المحببة , كذلك اعتماد الحوار والسيناريو , دون تكلف أو تقصد , واستخدام تكنيك كتابة الرسائل وتكنيك التوضيحات وفق الاستدراك من خارج النص أو من خارج السياق السردي , كما حدث حين قالت : مبارك ابن سعيدة الخادمة في البيت . واظهر النص أجواء ذلك الزمان باقتدار , حين ظهر لنا أول استخدام للهاتف , كذلك الكتابة على الجدران كحيلة للبوح وإعلان الحب , واستخدام الرسائل وحتى المراسيل من الخدم والصغار بين المحبين . واستخدمت عنصر التشويق السردي , حين تساءلت عما يكمن ان يقوم به العقرب من لدغ , حين ذكرت بان عبد الرحمن عاد ليفتح محل تسجيلات " العقرب " , وحين قدمت مشهد تجمهر الناس حول " اللقيطة " عفراء بنت فهدة ... وفي أكثر من مناسبة .
وكان لاستخدام الفلاش باك عبر تقليب ألبوم الصور , دوره أيضا في جعل النص خفيف الظل , يقرا لمرة واحدة دون فواصل أو تقطيع , رغم انه كتب على دفات تسع مقاطع سردية .
حب مراهق في عالم يضيق به ذرعا
ربما أرادت الكاتبة أن تشير إلى النقلة الحضارية التي تحققت بعد نحو نصف قرن من عمر دولة الأمارات , بالنظر إلى ما تتمتع به المرأة الخليجية الآن من مكانة , وربما كانت تريد القول بان حب المراهقة ما كان له إلا أن يكون محكوما بالفشل على أي حال , بحف زهرة لعبد الرحمن فشل , ليس بسبب تدخل الأهل , كذلك حب موزة الوهمي لوليد العراقي , وحب الفتيات الأربع ما كان إلا نتيجة اختيار محدود , حيث لم تكن الفتاة تحتك كثيرا بعالم الرجال , الذي انفتح لاحقا في الجامعة والعمل , فهذا الحب يحدث من أول نظرة , ولأول رجل تراه المراهقة , وهو كان هنا إما الخادم أو السائق أو الجار ! ولان هذا العالم كان ضيقا ومحدودا فقد كانت العلاقات محدودة والأحلام بسيطة , وحتى الزواج الذي يتم باختيار الأهل ما كان يتعدى ابن العم وابن الخال ! هنا كان سعود استثناء , حين ذهب للجامعة وتعرّف إلى مها وتزوجها .
قصة فهدة على أي حال , ورغم أنها جاءت عرضية , فهي ليست من الحي ذاته ولا من البلد نفسه , ولم تكن واحدة من مربع الصداقة الذي جمع الفتيات , إلا أنها جاءت لتتم السياق , ولتشي وحدها بتراجيديا ومفارقة استثنائية والقصة جديرة بان تكون محور دراما اجتماعية , تحكي قصة الدخول بعد عقد القران وقبل الإشهار , وما يمكن أن يبنى بعد ذلك على نشأة ثمرة ذلك الزواج , وهي الطفلة عفراء , من أحداث ومفارقات !
تساؤل أخير
لماذا جعلت الكاتبة من قصة سلوى محور النص , بل لم جعلت من قصتها تأخذ معظم الحيز السردي وكان يمكنها أن تعتمد حالة من التوازن بين قصص النساء الأربع أو الخمس , فهذا يبدو تساؤلا يفسر معظم سمات النص , وربما كانت الإجابة تحيل إلى أن شخصية سلوى إنما هي قريبة أكثر من شخصية الكاتبة , وربما لأن حب سلوى لسيف كان أعمق وأصدق , وكان حبا حقيقيا جدا , لدرجة أسطورية , وربما لأن قصة سلوى وهي التي كانت مدللة أهلها فهي البنت الوحيدة بين خمسة إخوة ذكور , ومع ذلك فان ممارسة القمع الذكوري عليها جاء قاسيا , ومن أمها _ المرأة مثلها !
( رجب الطيب )
رجب أبو سرية
[email protected]
#رجب_الطيب (هاشتاغ)
Rajab_Ata_Altayeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟