|
حرية العقيدة و الفكر
أسامة الرفاعى
الحوار المتمدن-العدد: 4924 - 2015 / 9 / 13 - 22:28
المحور:
حقوق الانسان
قديما فى فترة ما قبل الدولة كانت القبلية و التعصب و غياب العدالة و الجهل هو السائد فى أغلب المجتمعات فى هذه العصور ، مع ذلك كانت تلك المجتمعات تقبل بالتعددية الدينية أو العقائدية و كان الأشخاص يتمتعون بحرية العقيدة ، لأن العقائد و الأفكار مكانها الطبيعى العقل لذلك أى إنسان يستطيع أن يعتقد و يفكر فيما يشاء حتى لو كان يعيش فى مجتمع تحكمه عادات و أفكار قبائل و شعوب متعصبة تضطهد المعتقدين بمعتقد معين أو قوانين دولة قمعية تجرم حرية العقيدة ، لكن بشرط أن لا يظهر هذا المعتقد أو يعبر عنه علانية ، تجسيدا لغياب العدالة و حكم البقاء للأقوى فى تلك العصور المظلمة فكان الأقلية و الضعفاء فقط فى المجتمع لا يمتلكون الحق فى حرية التعبير عن العقيدة و الأفكار بينما يمتلكها الأغلبية و الأقوياء حتى لو كانوا أقلية ، يذكر التاريخ أن العلماء و الفلاسفة و المفكرين و الأنبياء الأقلية أو الضعفاء كانت دوما نهايتهم القتل أو السجن أو النفى و الحرمان من الأولاد و الميراث و النبذ و الإضطهاد و حرق كتباتهم التى يعبرون فيها عن معتقداتهم و أفكارهم التى تتناقد مع معتقدات و أفكار الأغلبية أو الأقوياء ، بينما كان الأقوياء منهم أو من يحسبون على الأغلبية كانوا يمتلكون الأمان و الحرية فى التعبير عن ارائهم و التى قد تكون متشابهة فى بعض الأحيان لأفكار الأقلية و الضعفاء المضطهدين ، مما أدى إلى إنتشار الظلم و التعصب و تحقير قيمة العلم و المعرفة و تخلف البشرية ، كل هذا التناقض و الظلم أدى إلى نشوء فكرة الدولة التى تعظم المنفعة و تقلل الأضرار للجميع و تساوى بين المواطنين جميعا فى الحقوق و الواجبات و تتدخل لحماية الأفراد لممارسة حقوقهم بحرية سواء كان فرد واحد أو أغلبية من خلال تطبيقها للدستور و القانون الذى يقف على الحياد بين كل المواطنين و لا يميز أو ينحاز إلى أى دين أو طائفة أو معتقد أو فصيل أو تيار فى المجتمع سواءا كان أغلبية أو قوة . الحق فى حرية العقيدة هو حق أساسى للإنسان كحق الحياة و ليس رفاهية كما يعتقد البعض و هو حق يدعم حرية الإنسان فى تبنى أى دين أو معتقد أو فلسفة معينة أو تغيير الدين أو إنكار الأديان أو الإلحاد ، هذا الحق بإختلاف باقى حقوق الإنسان الأساسية لا يستلزم حماية أو تدخل من الدولة لضمان تحقيقه ، لكن الحق فى حرية العقيدة يقصد به الحق فى حرية التعبير عن العقيدة او الفكر فى السر أو العلن بممارسة الشعائر أو التبشير و الدعوة لهذا المعتقد أو الاحتفال أو لبس زى معين أو اتباع عادات معينة ، ذلك هو ما يستلزم تدخل من الدولة لتوفير الحماية التى تسمح للشخص بممارسة هذا الحق ، بدون التأثير عليه أو التدخل فى معتقداته من أفراد أو جماعات أو دولة ، طالما أنه يعبر عن معتقداته وفقا لقانون الدولة العادل و المحايد بين كل الأفراد و المعتقدات ، كل الأشخاص إذا كانوا أغلبية أو أقلية أحرار فى اتباع أى معتقدات أو تقديس اشخاص أو أماكن أو كتب أو ملابس أو عادات لكن ليس من حقهم إجبار أحد على تقديس تلك الأشياء لأن ذلك استبداد و تعدى على حريات الأخرين ، حماية حرية العقيدة و الدين لا تعنى حماية الدولة للدين أو المعتقد ذاته أو نصوصه المقدسة لكن هى الحماية الشخصية للأفراد المعتنقين لهذا الدين أو المعتقد من العنف أو إمتهان الكرامة أو التجريح أو التمييز أو الإضطهاد أو العنصرية تجاههم من الأخرين و حماية مبانيهم و أماكنهم و أدواتهم المقدسة كممتلكات خاصة . لكن الواقع يظهر أن أغلب الدول و المجتمعات حتى الأن لازالت تعيش فى مرحلة القبلية أو ما قبل الدولة حيث تشير الإحصائيات الحديثة أن ما يقرب من 70% من سكان العالم يعيشون في البلدان ذات القيود المشددة المفروضة على الحرية الدينية وعلى رأس هذه الدول تأتى السعودية ، إيران ، أوزبكستان ، الصين ، بورما ، مصر ، المالديف , اريتريا ، ماليزيا , بالرغم من اعتراف أغلبية ( ليس كل ) هذه الدول بأحقية الإنسان فى حرية إختياره لأى معتقد ، إلا أنهم يمنعونه من حقه فى إظهار هذا المعتقد أو التعبير عنه بحرية أو ممارسة شعائره أو بناء دور العبادة أو تغيير الدين ( إلا إذا كان تغيير من معتقد او دين الأقلية إلى دين الأغلبية ) و الذى يعتبر حق شكلى بلا معنى لأن الحق فى حرية العقيدة و الحق فى حرية التعبير عن العقيدة حقان متلاصقان و يكمل بعضهما بعض ، من يخالف ذلك و يظهر معتقده أو يحاول التعبير عنه تقوم الدولة بقتله أو جلده أو إعتقاله أو مراقبته تحت مسمى تهمة الردة ( ترك الدين ) أو إزدراء الأديان ( سب الأديان ) أو تحريف النصوص المقدسة أو الإخلال بالسلم المجتمعى أو إثارة الفتن أو أى تهمة أخرى بجانب حرمانه من الحقوق الأساسية مثل التوظيف الحكومى ، تقلد المناصب العامة ، المنع من الزواج ، الحرمان من أمواله الخاصة أو الحرمان من الأولاد أو الحرمان من الميراث ، إضافة إلى العقاب مجتمعى بالكراهية و الإضطهاد و الذى يظهر واضحا فى جرائم القتل و التحرش الجنسى و التعدى اللفظى و الحرق و السرقة و التهديد بالعنف ، فى ظل تراخى الدولة عن تطبيق القانون الجنائى و معاقبة المجرم و الذى يعتبر مشاركة من الدولة فى الجريمة و عدم إلتزام منها فى تحقيق دورها الرئيسى و هو حماية كل المواطنين سواسية ، بجانب العقاب الأسرى و المجتمعى بالنبذ ، الإضطهاد ، العقاب بعدم التصويت له فى اى انتخابات ، الإتهام بالجنون ، الإتهام الجهل ، الإتهام بانعدام الأخلاق ، الإتهام بالعجز عن ادراك الحقائق و انواع أخرى من العقاب المادى و المعنوى و التى تولد و تزيد من الأحقاد و الكراهية لدى الطرفان و تمزق النسيج الوطنى و تزيد الفجوة الثقافية و الإجتماعية بين أفراد المجتمع و بعضهم . انتهاك حرية العقيدة و الدين تؤثر بالسلب على حق الحياة و حق التعبير و الحقوق الإجتماعية و الثقافية و الإقتصادية و الذى يؤدى إلى خلل بتوازن المجتمع لأنه يؤدى إلى الخنوع و العبودية و نشر الجهل و الخرافات و النفاق و الفساد فى المجتمع و الذى يؤدى إلى التخلف و الصراعات الطائفية و الحروب و الدمار، الدول التى تقوم على نظام ديكتاتورى فقط هى التى تلجأ إلى الإستبداد و تقييد حرية العقيدة و تساعد على نشر ثقافة الكراهية و عدم تقبل الأخر لأنها تخشى فكرة اللجوء إلى التسامح و حرية العقيدة لأن ذلك سيدفع المجتمع للمطالبة بتحقيق المزيد من الديمقراطية و العدالة و الرفاهية و الإستقرار و السلام و هو ما لا يرغبه أى نظام ديكتاتورى ، لكن إذا توحد الشعب و أراد أن يطالب بالحرية للجميع فسيجبر الجميع على احترام مطلبه و تحقيقه مهما كانت العقبات . أخلاقيا ليس من حق شخص أن يحرم شخصا أخر من حقوقه حتى لو لم تعترف بها قوانين بلده و الحر يطالب بالحرية للجميع بدون تمييز، حرية العقيدة و التعبير عنها بحرية بدون خوف هو أهم أركان الدول الديمقراطية و المجتمعات السوية لأنه حق أساسى من حقوق الإنسان الغير قابلة للإنتقاص كحق الحياة ، تعدد العقائد و الثقافات و الأفكار داخل المجتمع الواحد هو من أهم نقاط القوة و ليس الضعف لكن إذا وجد قانون محايد فعال يضمن حقوق و حريات الجميع و مجتمع يؤمن بالحرية التى تقوم على التسامح و قبول المختلف و الإحترام المتبادل بين أفراد المجتمع ، عندما ينعم الإنسان بالحرية و يشعر بالأمن و الإستقرار سوف تتطور المعرفة و ينتشر العلم و يتحقق الإستقرار و العدالة و الرفاهية و السلام .
#أسامة_الرفاعى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقتل واعتقال اكثر من 70 ارهابيا جنوب شرقي ايران
-
أول وزير خزانة مثلي الجنس.. ماذا نعلم عن الملياردير سكوت بيس
...
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
-
-الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا
...
-
الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
...
-
الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو
...
-
هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|