|
-لا شيء يشبه المسيح- سعيد حاشوش
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 4924 - 2015 / 9 / 13 - 02:11
المحور:
الادب والفن
"لا احد يشبه المسيح" سعيد حاشوش من الصعب أن تأخذ نصا بسقف مرتفع، ثم تتعامل مع غير الأقل جوده خاصة إذا كانت النصوص لعين ألكاتب هذا ما تعرضت له مع أعمال "سعيد حاشوش" فبعد رواية "درب ألفيل التي كانت ألذروة قدم لنا رواية ألتمثال المتواضعة في حجمها، والشرسة في هجومها على القمع والجلاد، وهناك خطأ شخصي وقعت فيه، حيث أنني بدأ من أعلى السلم وليس من أرضيته، من هنا كان من المفترض أن اقرأ "لا شيء يشبه ألمسيح" أولا ولا اجعلها بعد "درب الفيل أو ألتمثال" لكن هذا ما حدث، سنحاول تناول بعض ما جاء في "لا شيء يشبه ألمسيح" فهي لن تأخذ جهدا الكبيرا كما هو الحال في الاعمال السابقة. الرواية تركز على موضوع واحد فقط، من هنا يمكننا وضعها في خانة أدب ألسجون، فقد قدمها الكاتب مجردة عن بقية الاحداث الأخرى، مما جعلها اكثر ألما واشد وقعا على المتلقي. فلم نجد فيها الحكم التي عودنا عليها ألكاتب كما فعل في الاعمال ألسابقة كما أنه حيدها عن محيطها ألعربي فلم نجد غير صورة المعتقل ألعراقي، وبطبيعة الحال مثل هذه المواضيع المؤلمة لا بد أن تكون صعبة على الكاتب والمتلقي معا، من هنا وجدنا ـ احيانا المباشرة في ألطرح والقليل من الصور الأدبية وهذا ما جعل النص قريب من ألواقعية فلم يستطع الكاتب أن يتحرر من التجربة التي تعرض لها، وبقى أسير لما عاناه في المعتقل. لمعتقل هناك العديد من المشاهد التي قدمها لنا "سعيد حاشوش" تتعلق بأوضاع المعتقل والمعتقلين والكيفية التي تعامل بها الجلاد مع الضحايا، فيصف مكان الاعتقال بهذا الشكل "في البداية وضعوني في زنزالة عرضها متر وطولها متر في الحقيقة فرحت لأني كنت أتوقع أن تعصب عيناي ويداي تشدان للخف مثلما فعلوا بي في الشعبة الخاصة لثمان شهور ص10، إذن المكان لا يليق حتى للدجاج، فما بالنا للإنسان لكن ما تعرض له في السابق جعل من هذا المكان جنة، "فسعيد" يداه حريات وعيناه تبصران، وهذا يعتبر انجازا وتحرر عما تعرض له في السابق. مسألة النظافة الشخصية تعتبر من المحرمات للمعتقلين، من هنا يصف لنا الكاتب هذا الواقع بقوله: "..ليست البسة داخلية ملوثة بسخام أسود لسجناء سابقين سكنوا هذه الزلزانة ... كنت ألم هذه المزق وألفها كالصرة واضعها تحت رأسي ولها رائحة الضربان وقد تكون رائحتي لأني لم اغتسل منذ شهور... بل فقدت حاسة الشم لأن أبطي الكثيف الشعر ليس فيه رائحة والمشكلة أني أرى شعرات الأبط قد أصفرت" ص15، حتى ابسط المسائل التي تتعلق بالنظافة الشخصية محذوره على ألمعتقلين، فهم خارج ألزمان وما زالوا يعيشوا في عصور حجريه لم تصلها الحضارة الإنسانية، بهذه القسوة التي لا تحتمل يجعلنا الكاتب نقف معه ضد من قاموا بوضعه في هذا الجحيم. الجلاد بعد وصف المكان ينقلنا الكاتب الى الادوات التي تعامل معها، فهي فاقدة لكل ما هو إنساني، لكل ما هو حضاري، فلا يمكن لأحد بعد أن يقرأ ما تقوم به، أن يكون جزءا او مشاركا أو داعما لها، فهي خارج الإنسانية "وباغتي احدهم برفسه تحت العصعص وسحق الخصية .. انقطع تنفسي وانحنيت احتضن خصيتي وثمة ايد تحاول أن تجعلني منتصبا وارتطمت بوجهي قبضة صلبة جعلتني اصرخ مذعورا من الرعب وانفلتت صرخة متوجعة والدماء اتحسسها تسيل من أنفي ... لم اشعر بألم الضرب التي فصلت عظمتي الأنف المتراكبتين من كسر سابق وإنما الرعب من عالم مظلم لا تعرف فيه من أي جهات ستهاجم ص15، الوحشية التي يتعامل بها الجلاد لا يمكن محوها من ألذاكرة من هنا وجدنا في الاعمال الثالثة التي قدمها لنا الكاتب وحشية وهمجية ألسجان فهو لا يعرف أي حقوق للإنسان وقد جبل ليكون جلاد فقط، ولا يعرف اكثر من إلحاق الأذى بالآخرين. والأدوات التي يستخدمها الجلاد تكون أثارها واضحة، فمن هذه الادوات "..انهالت على وجهي ضربة كيبل رهيبة كادت أن تقلع عيني اليسرى من محجرها" ص17، بعد استخدام هذه الأدوات لا بد أن يكون أثارها على جسد الضحية، فإن بقى المعتقل على قيد الحياة ستكون الندوب، وأن مات ستكون الجثة مشوهة. طريقة التعامل مع الاموات لم تكن أقل وحشية من التعامل مع الأحياء "أراد أن يعوج ظهره بيديه ..لم يتمكن مما جعله يكب الجثة على وجهها ويصعد بحذائه فوق ظهر الماموستا ويقفز عدة مرات.. لكن الجثة تعود لوضعها ألسابق ص24، بهذا الشكل يجعلنا "سعيد حاشوش" نحن في المنطقة العربية نغضب من أنفسنا، لماذا نتعامل مع بني جلدتنا بهذا ألشكل؟، لماذا نكون جلادين وقتله؟ لماذا لا نحترم الإنسان؟ اعتقد بهذه المشاهد نكون كمن قطع عهدا على نفسه، بأن نكون مع الضحية مهما كان جرمها، ولن نكون/نقف مع أي جلاد ومهما كانت تبريراته، بهذه المشاهد التي تجعلنا نتناقض مع كل مقترفي الجرائم التي ترتكب بحق الإنسان، وأي انسان. مشاهد الموت لا بد أن تكون قاسية على ألإنسان خاصة إذا ما كانت تربطنا بالضحية علاقة ما، فمشهد موت "نوزاد" جعل الثورة ممكنة، وقسوة الجلاد كان لا بد أن تدفع بالمعتقل ليثور على واقعه مهما كانت النتائج "ماموستا نوزاد ..مات ..مات.. توقفوا برهة ثم ركله الحارس آخر قائلا.. الآن صرت نجسا عليك أن تسبح لأنك مسسته بقدمك" ص23.. هذا ما جعل "سعيد" يتمرد على خوفه وعلى جلاده، ويحرر ذاته، فيواجه الجلاد بهذا ألشكل "ألله اكبر..الله اكبر... أتعرف لماذا يا اسماعيل ..لأن الله لنا نحن المعذبون على الارض .. الله ليس للجلادين الذين يصلون له أمام الزنزانات، منذ هذه اللحظة يمثل لي الله الحق .. يمثل ضمير الانسان .. وأرفض أن اكون مسلما مثل هؤلاء .. أنا يا اسماعيل .. لم اتحمل أن يركل الانسان وهو ميت ككلب نجس" ص223، بهذه الثورة على الجلاد وعلى واقع المعتقل القاسي وغير الانساني يقدم لنا س"سعيد حاشوش" الصرخة المطلوبة من كل من يتعرض لمثل هذا ألواقع، فلا يكون مجرد ضحية ساكنة، لا تبدي غير التوسل والقبول بما هي فيه، فهو يدعونا لقرع ألخزان، للصراخ في وجه ألجلاد وعدم البقاء راضين بما نحن فيه. الحزب والحزبي كل من تعاطي مع الاحزاب السياسية يعرف بأن هناك طبقة انتهازية تتحكم في مسار ألحزب وتجير كل ما يقوم به الحزب لصالحها، فهي تتعامل بالسياسية وليس بالمبادئ، من هنا لا بد من الفصل بين السياسي والمبدئي، السياسي سيكسب ماديا ويخسر روحيا، والمبدئي سيكسب روحيا ويخسر جسديا وماديا، "... وأنت ادرى أن الثورة حين تنتصر اول ما تأكل أبناءها.. اعني الذي لم يفهموا السياسية وإنما ألثورة كل من دخل السجون يميز بين الثورة والسياسين الذين يقطفون الثمار ويفتحون محال لهم" ص10، حكمة لكل من تعامل مع الاحزاب السياسية، فهي تبدي وجها وتخفي آخر، والآخر قبيح، قذر، ويمكن أن يكون اقبح واقذر من النظام الذي تحاربه.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاعتذار من الأستاذ سامي لبيب
-
تقمص شخصية المراهق في -رسائل إلى شهرزاد- فراس حج محمد
-
سامي لبيب ملكي أكثر من الملك
-
العقل العربي والردة
-
الهم الاقتصادي للمواطن العراقي في رواية - خسوف برهان الكتبي-
...
-
كتاب كبار صغار
-
أخطاء الحكيم البابلي
-
-دوائر العطش- فراس حج علي
-
سقوط طفل يوازي سقوط بغداد
-
صراع المقدس والإنساني في مسرحة -أهل الكهف- توفيق الحكيم
-
ديوان -مزاج غزة العاصف- فراس حج علي
-
-غاندي والحركة الهندية- سلامة موسى
-
العامة والخاصة في مسرحية -الكراكي- نور الدين فارس
-
الإخوان والجبهة ما بين كنفاني ومرمره
-
منصور الريكان روح العراق
-
الفساد يستشري
-
رواية -التمثال- سعيد حاشوش
-
رواية -سوسروقة خلف الضباب- زهرة عمر
-
التكفير مرة ثانية -إلى الأستاذ فؤاد النمري-
-
حمار الدولة الأردنية
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|