محمود الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 4921 - 2015 / 9 / 11 - 13:09
المحور:
الادب والفن
بيروت، صيف العام1982.
هي الحرب. الحصار مطبق على غرب المدينة، ومنافذ البحر مقفلة.
في قيظ النهار يشتدّ القتال، فيلوذ البشر بأقبية المباني وبالغرف الداخلية في الطوابق السفلية، وتتجنّب الطيور عبور الفضاء. وفي برودة الليل تهدأ الجبهات الى حدّ ما، فيلجأ المقاتلون الى الراحة، ويخلد البعض الى نوم قصير.
ثلاثة منهم ينتظرون مناوبتهم على المتراس، قعدوا في القبو يلعبون الورق على ضوء شمعة شحيح، ويحتسون الخمر مداورة من قنّينة واحدة. لا مال في جيوبهم لمقامرة تذكّي الحرارة في لعبة باردة. ولمّا أمسوا أنصاف سكارى تراهنوا على أن يتسلّل الخاسر الى المتراس المقابل على خط التماس ويعود بجنديّ أسير من جيش العدو.
انتهت اللعبة بانتهاء ما تبقّى في القنّينة، فنهض ذو الحظّ العاثر إذ ذاك ودسّ مسدّسه تحت حزامه، وغاب في الظلام الدامس دون أن يثنيه عن عزمه أحَد.
دقائق مضت، عشرٌ أو أكثر، عاد بعدها وهو يقبض بياقة جنديّ مذعور يرتجف أمامه، مجرّد من السلاح، والمسدّس مصوّب الى مؤخرة رأسه.
وحالما اكتُشِف أمر اختفائه من موقعه، أشعل جيشه جميع جبهات القتال في محاولة لإنقاذه.
ثلاثة أيام في جهنّم: الطائرات ترعد في السماء وتقصف، وشهب النيران تتطارد في الليالي، والأرض تنتفض وتميد تحت تساقط القذائف. معركة ضروس فجّرها مقامرون سكارى، وخلّفت وراءها دماراً، وضحايا، وقنّينة فارغة.
وبقي الجندي الأسير في الأسْر.
#محمود_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟