أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - طارق المهدوي - عندما تصحو الكوابيس















المزيد.....


عندما تصحو الكوابيس


طارق المهدوي

الحوار المتمدن-العدد: 4919 - 2015 / 9 / 8 - 20:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    




(1)
في الخامس والعشرين من يناير 2011 تظاهر عدة آلاف من المثقفين والنشطاء الماركسيين والليبراليين كعادتهم للمطالبة بإسقاط جمهورية الخوف، التي كانت قد أحكمت عليهم الحصار لمدة ستين عاماً متتالية داخل أضلاع مثلث الاستبداد والفساد والتبعية، وسرعان ما تزايدت أعداد المتظاهرين حتى قاربوا العشرين مليوناً من مختلف الاتجاهات العقائدية والفكرية والسياسية والحركية، يعتصمون وينتفضون في كافة المدن المصرية محتجين بالوسائل السلمية رغم شراسة كتائب القمع النظامية وغير النطامية التابعة لأجهزة جمهورية الخوف والتي أسقطت منهم ألف شهيد وعشرات ألوف المصابين في محاولة فاشلة لإخماد احتجاجهم، وبمجرد أن أوشك المحتجون على الانتصار قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمناورة التفافية ذكية أصابت عدة أهداف بطلقة واحدة، حيث أعلن يوم 10 فبراير 2011 عن انعقاده بدعوة من وزير الدفاع وتحت رئاسته للنظر في كيفية الاستجابة لمطالب المحتجين المشروعة، منفذاً بذلك انقلاباً عسكرياً ناعماً على رئيس الجمهورية "حسني مبارك"، باعتباره كان حتى ذلك التاريخ هو حصرياً صاحب السلطة الوحيدة في الدعوة لانعقاد المجلس الذي كان لا ينعقد حتى ذلك التاريخ إلا تحت رئاسته، وبذلك يكون المجلس العسكري قد وأد مسعى "مبارك" لتوريث الحكم إلى نجله رجل الأعمال "جمال"، بما كان سيصاحبه من تقليص لنفوذ العسكريين في مفاصل الدولة والمجتمع والاقتصاد لصالح رجال الأعمال، وبذلك أيضاً يكون المجلس قد نجح في خداع المحتجين بإيهامهم أنه معهم لينقذ نفسه من العقاب الجماهيري الذي طال بقية أجهزة جمهورية الخوف، ولم يكن ذكاء السيد "عمر سليمان" نائب رئيس الجمهورية يقل عن رفاقه السابقين في المجلس العسكري، لذلك فقد تفاعل مع إعلان الانقلاب العسكري الناعم بنفس مستواه الالتفافي، حيث أعلن من جانبه يوم 11 فبراير 2011 تخلي الرئيس "حسني مبارك" عن الحكم لصالح المجلس العسكري، بعد أن كان "سليمان" قد حصل لنفسه من "مبارك" على تفويض مؤقت بمهام الرئاسة كما حصل في ذات الوقت لنفسه من المجلس العسكري على ضمانات بعدم فتح ملفاته، بصرف النظر عن الاتهامات المتداولة حول جرائمه وخطاياه سواء خلال رئاسته المؤقتة للجمهورية أو قبل ذلك عندما كان نائباً للرئيس، أو حتى فيما قبل خلال توليه لمدة ثلاثين عاماً متواصلة رئاسة الاستخبارات العسكرية ثم المخابرات العامة اللتان كانتا دون منازع أهم وأخطر أجهزة جمهورية الخوف!!.
(2)
مع حلول الحادي عشر من فبراير 2011 دخلت مصر المرحلة الانتقالية الأولى التي تولى فيها المجلس العسكري منفرداً إدارة شئون الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية بل وأيضاً الدستورية، وحاول العسكريون جاهدين بكل وسائلهم العنيفة والناعمة والالتفافية حماية الحد الأقصى من مكونات جمهورية الخوف المتمثلة في وظائف وأبنية ورموز، أو على الأقل إعادة إنتاجها مجدداً بعد إجراء الحد الأدنى من التعديلات الشكلية في تلك المكونات دون مساس بجوهرها الحقيقي، واستعان العسكريون في محاولتهم بالشبكة العصابية الخفية ذات المهارات والخبرات والباع الطويل في السيطرة على أعماق الدولة والإمساك بتلابيب المجتمع منذ البدايات الأولى لجمهورية الخوف في 23 يوليو 1952، وهي الشبكة التي كان المثقفون قد أطلقوا عليها من باب التورية عدة أسماء مثل "الدولة العميقة" و"القلب الصلب" و"الجهات المعنية" و"مراكز القوة" في حين أسماها المواطنون العاديون "اللهو الخفي"، إلا أن استمرار الاحتجاجات الجماهيرية الغاضبة في الشارع المصري مع الارتفاع المتواصل لسقف مطالب المحتجين قد أفشل نسبياً محاولة العسكريين لحماية جمهورية الخوف، لاسيما وقد أدرك المحتجون من جانبهم أن ثقتهم في المجلس العسكري لم تحقق لهم ما كانوا يتطلعون إليه من كرامة وحرية وعدالة اجتماعية، حتى أنهم ما لبثوا أن شرعوا في القيام ببعض مهام الدولة بأنفسهم عند اكتشافهم لتواطؤ المجلس العسكري أو تقاعسه عن تأدية أدواره، الأمر الذي تجلى في عدة وقائع كان أبرزها اقتحام المحتجين لمقار جهاز مباحث أمن الدولة واستحواذهم على بعض ملفات المعلومات ذات الأهمية البالغة والتي كان الجهاز يسعى لإتلافها، أسوة بأجهزة أخرى أكملت عملية إتلاف ملفاتها تحت سمع وبصر المجلس العسكري في إطار الحرص على عدم كشف مستور جمهورية الخوف!!.
(3)
أخذت المسافة السياسية تتسع بين العسكريين الذين يديرون الدولة من جهة والمحتجين الذين يحتلون الشارع من الجهة المقابلة، مما منح جماعة "الإخوان المسلمين" فرصة تاريخية نادرة باعتبارها الأكثر تنظيماً على الساحة السياسية برمتها، حيث نجحت في استثمار تلك المسافة المتسعة بين الفريقين لصالحها بشكل براجماتي نفعي عبر عدة مناورات التفافية ذكية هنا وهناك، وهي المناورات التي أرهقت العسكريين المناورين بطبيعتهم فأجبرتهم على تقاسم الحكم مع الجماعة، بسماحهم لمرشح الإخوان المسلمين الفائز بمنصب رئيس الجمهورية الدكتور "محمد مرسي" بأن يتولى منصبه المستحق في 30 يونيو 2012 عقب نزع العديد من سلطات الرئاسة السيادية لصالح المجلس العسكري، بعد أن كانت مناورات العسكريين المتنوعة والمتتالية طوال المرحلة الانتقالية الأولى قد نجحت في إرهاق وتشتيت وشق صفوف المحتجين بكافة فصائلهم ماعدا الإخوان المسلمين، وبذلك تكون مصر قد دخلت في 30 يونيو 2012 المرحلة الانتقالية الثانية التي يتقاسم فيها العسكريون والإخوان المسلمون إدارة شئون الدولة، وهي مرحلة كان واضحاً منذ بدايتها لكل ذي عقل واعي أنها تضع مصر على مفترق ثلاثة طرق، فهي قد تستمر لفترة زمنية طويلة سيراً على خطى النموذج الباكستاني الذي لم يزل الفريقان يتقاسمان الحكم فيه منذ نشأة الدولة الباكستانية قبل خمسة وستين عاماً رغم ميل الكفة أحياناً لصالح هذا الفريق أو ذاك دون إقصاء للفريق الآخر، وقد تنتهي المرحلة الانتقالية الثانية بنجاح أحد الفريقين في الانفراد بالحكم والقضاء على الشراكة الثنائية عبر الاستبعاد الكلي الخشن والعنيف للفريق الآخر، سواء تم ذلك سيراً على خطى النموذج التركي الذي انتهي لصالح الإخوان المسلمين خصماً من العسكريين الذين أصبحت الدولة التركية تطاردهم، أو تم سيراً على خطى النموذج السوداني الذي انتهى لصالح العسكريين خصماً من الإخوان المسلمين الذين أصبحت الدولة السودانية تطاردهم، وقد تقود المناورات والضغوط المتبادلة والمتقاطعة مصر إلى مستقبل مفتوح أمام كافة النماذج المحتملة نظرياً على الأقل بما فيها التراجع للخلف سيراً على خطى النموذج الجزائري، ليعود المصريون مجدداً كما كانوا منذ ستين عاماً داخل زنازين نسخة معدلة لجمهورية خوف جديدة!!.
(4)
كانت الاحتجاجات الثورية التي أشعلت المدن المصرية ابتداءً من 25 يناير 2011 هي التتويج الناجح لتفاعلات مسيرة الكفاح الشعبي المتواصل ضد مثلث الاستبداد والفساد والتبعية الذي فرضته جمهورية الخوف منذ قيامها في 23 يوليو 1952، وهي المسيرة الشاقة التي خاضها الماركسيون والليبراليون والإخوان المسلمون متجمعون حيناً ومتفرقون حيناً وتصارعون أحياناً على مدى ستين عاماً متواصلة، فقدوا خلالها مئات الألوف من الشهداء والمصابين والمعتقلين وضحايا التعذيب والمشتتين خارج الحدود إلى جانب ما لحق بهم من ضياع وتعطيل للحقوق والمصالح المشروعة في معاملاتهم الحياتية اليومية، ويتفق الأمناء من المؤرخين على أنه كان يمكن التبكير بهذا التتويج الناجح لتلك المسيرة الكفاحية عبر الاحتجاجات الثورية التي سبق أن أشعلت المدن المصرية قبل خمسة وثلاثين عاماً وتحديداً في 18 يناير عام 1977، لولا حصول جمهورية الخوف آنذاك على دعم مطلق من العسكريين بدوافع مؤسسية ومن الإخوان المسلمين والسلفيين بدوافع انتهازية، إلى جانب امتناع الليبراليين عن المشاركة بدوافع تنافسية حيث كانت قيادة الجماهير الميدانية منعقدة للماركسيين دون منازع آنذاك، مع مراعاة الانعكاسات الهامة لبعض الانتقالات الكبرى بين الخنادق السياسية، فالقوميون الذين كانوا قد سبق لهم الانضمام الاضطراري للمسيرة الكفاحية بعد الاستغناء عن خدماتهم وطردهم خارج بطانة الحكم العسكري عقب الحركة "التصحيحية" التي قامت بها جمهورية الخوف في 15 مايو 1971، سرعان ما عاودوا الالتحاق بذات البطانة مرة أخرى هاربين من المسيرة الكفاحية الشاقة، بمجرد أن استدعاهم العسكريون مجدداً مع توليهم إدارة شئون الدولة منفردين في المرحلة الانتقالية الأولى التي بدأت يوم 11 فبراير 2011، ليوفر القوميون بذلك بعض الأغطية السياسية والاستشارية للمجلس العسكري، أما السلفيين الذين كانوا قد اختاروا منذ قيام جمهورية الخوف الالتحاق ببطانة الحكم العسكري، مدفوعين بانتهازية يسمونها ضرورات الحفاظ على الرقاب بالسير على نهج "التُقية"، فقد انضموا مع بداية المرحلة الانتقالية الأولى إلى الإخوان المسلمين، الأمر الذي أربك الحسابات السياسية لأنصار الدولة المدنية من رفاق المسيرة الكفاحية ضد جمهورية الخوف لاسيما الماركسيين والليبراليين منهم، والذين وجدوا أنفسهم في مأزق مزدوج شائك بسبب حيرتهم البالغة بين الخيارين اللذين أصبحا يستقطبان الساحة السياسية المصرية وهما خياري الدولة العسكرية والدولة الدينية، وكلاهما فاشي شمولي، مما يستدعي المرارات التاريخية في حلق أي ماركسي أو ليبرالي أو غيرهما من أنصار الدولة المدنية الذين سبق أن مزقتهم أنياب ومخالب الفاشية الشمولية على امتداد العمر الزمني لجمهورية الخوف!!.
(5)
رغم وقوعي المبكر بين أنياب ومخالب الفاشية الشمولية لجمهورية الخوف منذ ميلادي داخل أحد سجونها الرهيبة حيث كان أبواي رهن الاعتقال الاستثنائي الطويل على خلفية نشاطهما الماركسي، فقد وجدتُني مع انتصاف سبعينيات القرن العشرين منخرطاً كغيري من أبناء جيلي الماركسيين في مسيرة الكفاح الشعبي المتواصل ضد مثلث الاستبداد والفساد والتبعية على كافة المحاور النظرية والعملية، التي شملت فيما شملته التثقيف والإعلام والتوجيه والتنظيم والعمل الجماهيري والنقابي والأهلي والاتصال والتنسيق السياسي وغيرها، ولما كان الماركسيون هم القادة الميدانيين لاحتجاجات يناير 1977 الثورية فقد أعادت جمهورية الخوف هيكلة أجهزتها المعنية بالأمن السياسي بمجرد إخمادها العسكري العنيف لتلك الاحتجاجات على أساس الانتقام منهم، وأنا بينهم حيث اتفقت أجهزة الأمن السياسي المعاد هيكلتها على تصنيفي منذ ذلك الحين بالمشاغب الماركسي العنيد، مع تفاوت التقديرات من جهاز لآخر حول درجة الخطورة النسبية التي تشكلها مشاغباتي على أمن مكونات جمهورية الخوف، إلا أنها عملت معاً كشبكة أمنية واحدة لقمع مشاغباتي باستخدام كل الوسائل العنيفة والناعمة والالتفافية للاشتباك معها في حينها أو لمعاقبتي عليها بعد حدوثها، أو لردعها بشكل استباقي عبر استنزافي المتواصل كغيري من أبناء جيلي الماركسيين الذين كانوا قد أوشكوا ذات يوم من شهر يناير في عام 1977 على إسقاط جمهورية الخوف، ثم زاد نصيبي من الاستنزاف الاستباقي بعد نجاحي الشخصي في قيادة الاحتجاجات الثورية التي شهدتها أرض المعارض القديمة المطلة على ميدان "التحرير" ضد مشاركة إسرائيل بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير 1981، وهي الاحتجاجات التي يعتبرها الأمناء من المؤرخين بمثابة أول واقعة في التاريخ المصري المعاصر للاصطفاف الوطني العام، الذي ضم الماركسيين والليبراليين مع الإخوان المسلمين إلى جانب القوميين والسلفيين حول هدف سياسي واحد، الأمر الذي أسفر في حينه عن التدمير الكامل لجناح إسرائيل وإلغاء مشاركتها بالمعرض ومنعها من المشاركة في كافة الأنشطة الثقافية التالية، كما أسفر عن نقل أرض المعارض إلى إحدى ضواحي العاصمة بعيداً عن ميدان "التحرير" الذي استمر رغم ذلك يستضيف كل الاحتجاجات الثورية ضد جمهورية الخوف!!.
(6)
بنجاح احتجاجات معرض الكتاب تحت قيادتي رفعت الأجهزة الأمنية المعنية درجات الخطورة المسجلة على ملفاتي إلى الأعلى تمهيداً لزيادة أنصبتي من جرعات الاشتباك الآني والعقاب اللاحق والاستنزاف الاستباقي، حيث شنت طوال الفترة الممتدة بين يناير 1981 ويناير 2011 عشرات الضربات الموجعة ضد جسدي ونفسي ومحيطي الحيوي الطبيعي، سواء بقصد السيطرة عبر عمليات الاستدراج والتشتيت والاحتواء أو بقصد التصفية عبر عمليات الاغتيال والتقييد المستتر أو الصريح أو حتى بقصد الترويع عبر عمليات الرؤوس الطائرة للمحيطين بي، أو غير ذلك من المقاصد التي اقتضت أن تتخذ الضربات الأمنية أشكالاً متعددة ومتنوعة لا طاقة لي بإيقافها أو تحملها أو تجاهلها أو حتى الهروب منها، ثم أخذت الضربات تتصاعد مع استمرار مقاومتي لها بما تيسر لي من دفاعات متواضعة، حتى أوصلتني إلى أن أصبحتُ وحيداً وقعيداً بعد تفريغ محيطي الحيوي الطبيعي من البشر البسطاء العاديين بالترغيب والترهيب والوقيعة والتضليل وبعد إصابتي بكسور تعجيزية في عمودي الفقري كنتيجة لإحدى محاولات الاغتيال الفاشلة، وهكذا نجحت الأجهزة المعنية بالأمن السياسي لجمهورية الخوف بمهارات وخبرات احترافية شريرة في إشاعة أجواء الموت على كافة أرجاء حياتي تعويضاً لفشلها في إشاعة أجواء الخوف، لتصنع بذلك قرار انسحابي النهائي من الحياة تاركة لي تحديد كيفية وتوقيت تنفيذه، ورغم نجاح هذه الاحترافية مع بعض أبناء جيلي الماركسيين الذين اضطروا لإنهاء حياتهم بأيديهم، إلا أن تفاعلي كان مختلفاً حيث قررتُ الانسحاب الجزئي المكاني بالانتقال من منزلي للإقامة في إحدى دور رعاية معاقي الإصابات الجسمانية والعجزة والمسنين، لعل حياتي بهذا الانتقال تستقبل ما هو جديد وجميل من أشياء وأشخاص يعيدون إليها بعض الأمل الذي كانت قد استنزفته الأجهزة المعنية بالحفاظ على الأمن السياسي لجمهورية الخوف!!.
(7)
قبيل مغادرتي لمنزلي الكائن في حي "الهرم" بمحافظة "الجيزة" وصلني أحد السعاة يحمل خطاباً موقعاً بواسطة نجم البرامج الحوارية في قنوات التليفزيون الفضائية، ومرفق بالخطاب مظروف ضخم يحوي بعض مكونات الملف الأمني الخاص بي، والذي سبق للمحتجين انتزاعه خلال قيامهم باقتحام مقار جهاز مباحث أمن الدولة لإنقاذ الملفات المعلوماتية الهامة قبل إتلافها بواسطة رموز جمهورية الخوف الساعين للتستر على جرائمهم وخطاياهم، وأوضح النجم التليفزيوني في خطابه أنه بذلك يرد جميلاً سابقاً لي في عنقه، خلال إشرافي قبل ثلاثين عاماً على المكتب الإعلامي الخاص بإحدى لجان رعاية المعتقلين ومسجوني الرأي، حيث أسفرت حملتي الإعلامية عن السماح له باستكمال دراسته الجامعية من داخل السجن الذي كان يقضي فيه آنذاك إحدى العقوبات السياسية، وبعد وصولي إلى دار الرعاية الكائنة في ضاحية "التجمع الخامس" بمحافظة "القاهرة" اكتشفتُ وجود عدد كبير بين نزلائها ممن كانوا قد تعاقبوا على مختلف مواقع المسئولية في جمهورية الخوف، وأفادتني مديرة الدار بأن الأغلبية العظمى لهؤلاء المسئولين السابقين يسعون إلى غسل ذنوبهم قبل ملاقاة ربهم، وذلك عبر اعترافهم العلني بكل ما سبق لهم أن ارتكبوه أو اشتركوا فيه أو شاهدوه أو حتى سمعوا عنه من جرائم وخطايا الاستبداد والفساد والتبعية، ورحبت المديرة باشتراكي كمستمع في جلسات الاعتراف العلنية على أمل أن ترد جميلاً سابقاً لي في عنقها، خلال عضويتي قبل خمسة وعشرين عاماً في مجلس إدارة إحدى النقابات المهنية، التي كانت هي تحتاج آنذاك إلى تدخلها لضمان علاج ابنها على نفقة الدولة، وعند زيارتي لديوان هيئة البريد بهدف الإبلاغ عن تغيير عنواني البريدي من المنزل إلى دار الرعاية استقبلني حكمدار الهيئة ليسلمني رابطة تضم مئات المراسلات، التي أوضح لي إنها الصادر والوارد البريدي الخاص بي والسابق التقاطه بواسطة مندوبي قطاعات الرقابة البريدية المختلفة في جمهورية الخوف منذ عشرات الأعوام، ليتم احتجازه انتظاراً لأوامر "إفراج" لم تصل أبداً من الرؤساء المتعاقبين على تلك القطاعات، ولم تفته الإشارة إلى أن تسليمي مسروقاتي البريدية بدل إتلافها حسب التعليمات الأمنية يأتي لرد جميل سابق لي في عنقه، خلال عملي قبل عشرين عاماً كدبلوماسي في السفارة المصرية بإحدى الدول التي كانت ــ لولا تدخلي ــ على وشك أن تطرده قسرياً خارج أراضيها دون منحه مستحقاته المالية، بحجة تسلله غير الشرعي إليها آنذاك بحثاً عن فرصة عمل أفضل مما كان متاحاً لأمثاله داخل جمهورية الخوف!!.
(8)
إزاء ما أصبح بحوزتي من تدفق وتنوع معلوماتي كان من الطبيعي أن يتم توزيع وقتي داخل دار الرعاية بين ثلاثة أنواع من الحصص، الأولى لتحصيل المعلومات المنطوقة ضمن اعترافات كبار رموز جمهورية الخوف على أنفسهم وشركائهم بشأن ما سبق لهم ارتكابه من جرائم وخطايا، والثانية لفحص المعلومات الواردة ضمن ملفي الأمني الناجي من براثن جهاز مباحث أمن الدولة والذي تكشف صفحاته العديد من الجرائم والخطايا السابق ارتكابها ضد أجيال متتالية من المصريين، والثالثة لتدقيق المعلومات السابق احتجازها ضمن مسروقاتي المرتجعة من المراسلات المتبادلة بيني وبين الآخرين والتي لم تصلني منهم أو تصلهم مني في حينها، رغم أن أموراً كثيرة كان يمكن اختلافها جذرياً لو وصلت تلك المراسلات المتبادلة آنذاك إلى منتظريها، وتدريجياً بدأت تتسرب خارج حصصي المعلوماتية كوابيس جمهورية الخوف واحدها تلو الآخر من "الحرس الحديدي" إلى "الذكاء السياسي" إلى "المناورات الإخوانية" ثم كوابيس "حظائر السيطرة" و"عصابات البلطجة" و"الهجرة الاضطرارية" و"الجرائم الطبية"، مع كابوس "النظام القضائي الخاضع للاستبداد" وكابوس "الحركة الشيوعية الموبوءة بالفيروس الصهيوني" وماخفي كان أعظم، وأخذت تلك الكوابيس تصحو وتنمو وتتضخم لتضغط على إرادتي بهدف دفعي نحو فك عقالها خارج حصص الاعترافات والملفات والمراسلات ذات النطاقات الضيقة وإطلاق سراحها في الفضاء البشري الواسع والمفتوح، ولم تعبأ كوابيسي بالأعمال الانتقامية التي ما زالت أجهزة جمهورية الخوف قادرة على شنها ضدي لو كشفتُ مستورها، لاسيما وأن تلك الأجهزة قد حافظت على استمرارها في حاضر ومستقبل المشهد السياسي بمناورات التفافية ذكية، تمثلت في اتخاذها عدة خطوات للخلف مع تغيير بعض الجلد القديم المكشوف لصالح جلد جديد يتسم بالمرونة والنعومة اللتان تؤهلانه للمزيد من المراوغة والتستر، ولم تعبأ كوابيسي أيضاً بأن البشر الأسوياء على امتداد التاريخ والجغرافيا قد يصعب عليهم تصديق إمكانية الحدوث الفعلي لما عاشته مصر طوال ستين عاماً متصلة بدأت في 23 يوليو عام 1952 بميلاد جمهورية الخوف!!.
طارق المهدوي



#طارق_المهدوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرس الحديدي، نازيون يحكمون مصر...
- بعض ما فعلته مؤسسات الذكاء السياسي بشعوبها...
- المناورات الخطرة المتبادلة بين الإخوان المسلمين وخصومهم...
- أينما يولي الشيوعيون المستقلون المصريون وجوههم سيجدون الموت. ...
- وظائف وأبنية حظائر السيطرة القائمة في مصر...
- النظام القضائي المصري بين واقع الاستبداد وحلم العدالة...
- اعتلاء أكتاف الحركة الشيوعية المصرية على جثث الرفاق زكي مراد ...
- تجربتي الشخصية مع الجرائم الطبية...
- كوابيس الهجرة الاضطرارية...
- عصابات البلطجة في مصر...
- الحركة الشيوعية المصرية موبوءة بالفيروس الصهيوني...


المزيد.....




- الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
- بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند ...
- لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
- قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب ...
- 3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
- إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب ...
- مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
- كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل ...
- تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
- السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - طارق المهدوي - عندما تصحو الكوابيس