|
قراءة في رواية نجيب محفوظ -ميرامار--2-
إيمان أحمد إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 4919 - 2015 / 9 / 8 - 13:52
المحور:
الادب والفن
قراءة أخرى : إذا كانت القراءة السريعة لهذه الرواية تشير إلى أنها ترصد تقلبات الحياة الاجتماعية في هذه الفترة، وتصارع السادة على فتاة ريفية، فإن القراءة المتأنية لها تجعلنا ندرك أنها تحمل أفكارًا ورموزًا، وتتعدى كونها قصة حب أو شجار على فتاة، وإنما مَثّل هؤلاء الأشخاص رموزًا لتيارات واتجاهات مختلفة كانت تمـور في داخل المجتمع المصري في تلك الفترة. يلقى الرمز بظلاله على كل الشخصيات في هذه الرواية بداية من المرأة اليونانية العجوز "ماريانا" التي تتباهى ببناء الإسكندرية، ولا يشغلها سوى استرجاع ذكرياتها وإدارة البنسيون، وهي الوحيدة في الرواية ،بالإضافة إلى زهرة، التي تعمل وتكسب المال، والعمل والإنتاج أساس الثورات. وتمثل أو ترمز تلك الماريانا إلى اليونانيين الذين كانوا يأتون إلى الإسكندرية فقراء معدمين، ثم ما يلبثوا أن يتاجروا ويكسبوا الأموال ويحيوا حياة أكثرغنى وثراء من السكان الأصليين " أهل البلد"، ثم يحتقرون أهل البلد وينظرون إليهم بتعالي المستعمر. أما زهرة فهي مصر بكل قوتها وشجاعتها وحبها ورغبتها في التغيير والثورة، مصر التي أحبت من أعلن كاذبًا ولاءه وانتماءه للثورة ليستفيد منها، ولكنها تكتشف حقيقته فترفض أن تعيش معه في الحرام. زهرة هي مصر التي تجاذبتها بعد ثورة يوليو تيارات مختلفة، حاولت التحكم فيها والنيل منها، ولكنها تأبت على الجميع، فبعد أن ثارت على الواقع في قريتها، ورفضت الزواج من عجوزٍ يرمز به محفوظ إلى العهد البائد قبل الثورة، تعود فتثور على واقعها في المدينة، فترفض الزواج من بائع الجرائد، وتقرر تغيير مستقبلها، فتخطط له وتبدأ بتعلم القراءة والكتابة، لترتقى بمستواها الاجتماعي، ولتخرج بالعلم والمعرفة من العالم المظلم إلى عالم المعرفة الرحب. نستطيع أن نقول: إن زهرة هي الثائرة الوحيدة أو ممثلة الثورة في الرواية، رغم انشغالها بالعمل والكد وبعدها عن المناقشات والجدال الدائر في البنسيون، وهي أيضًا الشخصية المحورية في هذه الرواية؛ فهي التى تخدم الجميع، والتي يتصارع عليها الجميع، ولم تقم بدور الراوي، وإنما نراها من خلال عيون الرجال الخمسة، مَن حكى ومن استُبعد من الحكي، وكذلك نرى حقيقة الشخصيات الأخرى من خلالها. أولًا: زهرة ورموز العهد البائد ويمثل هذا العهد العجائز الثلاثة : ماريانا وطلبة مرزوق وعامر وجدى، وكل منهم يرمز لفئة أو طبقة من الطبقات التي كانت تعيش في مصر قبل ثورة 1952. 1- زهرة واليونانية المتمصرة ماريانا : ترمز ماريانا اليونانية الأصل المولودة في الإسكندرية إلى الاستعمار الغربى، فهي من الأوربيين الذين عاشوا فى مصر منذ الحرب العالمية الأولى، واتخذوها وطنًا يوفر لهم الحماية والأمن، وهي تظهر الحب للإسكندرية، وتعدها وطنًا وإن لم تتخلص من النزعة الأوروبية المتعالية في النظر إلى أهل البلد الأصليين، فتتباهى ببناء الإسكندرية، وتشعر بأنها صاحبة فضل على المصريين، ولايعجبها ما آلت إليه الإسكندرية في الستينات. وتستخدم مارينا زهرة وتستغلها، ثم تحملها مسؤولية المصائب التي وقعت في البنسيون و لا تتردد في طردها منه . ولايخفى علينا تصوير نجيب محفوظ لماريانا رمز الاستعمار بالعَجَز في مقابل تصويره لزهرة " مصر" بالشباب. 2- زهرة وطلبة مرزوق : ترمز شخصية طلبة مرزوق إلى طبقة الاقطاعيين من ملاكي الأراضي الاستغلاليين، الذين نهبوا الفلاحين المصريين، واستغلوهم وأذاقوهم ألوانا من الذل سنوات طوال قبل قيام الثورة التي أممت أراضيهم ضمن مشروع الاصلاح الزراعي، ووزعتها على صغار المزارعين من الفلاحين " الطبقة التي تنتمي إليها زهرة "، ولذلك لم يحب طلبة زهرة وأذاع شائعات عن سلوكها، وكذلك لم تحبه زهرة، وبدا أن هناك توترًا في العلاقة بينهما يرتكزعلى النفور والتحفز من ناحية الفلاحة، والتعالي والرغبة في الاستغلال من ناحية الاقطاعي العجوز، ويعكس طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بالفعل بين طبقة الفلاحين وطبقة الاقطاعيين في العهد السابق للثورة، واستمرت بعد ذلك خاصة بعد أن أصدرت الدولة قوانين الاصلاح الزراعي، ووزعت الأراضي على الفلاحين، ويمكن أن نقف على حقيقة العلاقة التي كانت بين ماريانا اليونانية، والاقطاعي طلبة مرزوق من قوله مبينًا سبب قدومه إلى البنسيون : " لم يعد لي مقام فى الريف، وجو القاهرة يصر على إشعاري بهواني، عند ذلك فكرت في صديقتي القديمة، وقلت: لقد فقدت زوجها في ثورة، ومالها في الثورة الأخرى، وإذن فسوف نعزف لحنًا واحدًا." إذن فقد كانت صديقته، وترمز صداقتهما إلى التحالف الذي كان موجودًا بين طبقة الاقطاعيين والاستعمار الانجليزي. وانتصار زهرة "مصر"على الاقطاعي طلبة مرزوق الذى أراد استغلالها بمساندة صديقته العجوز ماريانا انتصار على الاقطاع والاستعمار . ولا نقف على حالة الذلة والانكسار التي كان يحياها طلبة مرزوق إلا من خلال وصف الرواة الأربعة لها، لأن محفوظ قد مارس قمعًا وإقصاءً من التعبير على طلبة مرزوق، فحرمه من الحكي وتصوير ما يدور من وجهة نظره فهو الوحيد من رجال الرواية الذي لم يرو. ويصح أن يرمز هذا إلى الإقصاء الذي مورس على هذه الطبقة " طبقة الاقطاعيين" في المجتمع المصري بعد الثورة، إذ حُرموا من التعبير عن أنفسهم، ولم يسمح لهم بإصدار الصحف التي تعبر عنهم، ومع ذلك فقد أعطى محفوظ الفرصة لاقطاعي شاب هو حسني علام ليعبر ويرينا ما تحمل جعبته لمصر، فإذا به يكشف عن خواء جعبته من الفكر والثقافة ومشاريع التنمية، فإذا كان هذا هو حال شباب هذه الطبقة فكيف شيوخهم ؟. 3- زهرة وعامر وجدي وهو الصحفي الوفدي العجوز الذي يعيش على ذكريات ماضيه، ومواقفه ضد الظلم والفساد في المجتمع المصري، وهوالصوت الوحيد المسموح له بالحكي من العهد البائد فهو أول من يحكي في الرواية وآخر من نسمع صوته فيها عندما أنهى به محفوظ الحكي. قد يكون في ذلك إشارة إلى عودة الوفديين مرة أخرى إلى الحياة السياسية، ومعروف حب محفوظ لهم ووراثته حب الزعيم سعد زغلول عن أبيه. وعامر وجدي هو أول من رأى زهرة عند قومها إلى البنسيون، وهو الذي رآها على حقيقتها وأحبها حباً أبوياً صادقًا، وأشفق عليها من حبها لسرحان البحيري، وحذرها برفق من الشبان الطموحين، ولكنه لم يملك إلا الصمت أمام إيمانها ويقينها الساذج بتغير الدنيا بعد الثورة. وقد رمز محفوظ بفهم عامر وجدي العجوز لزهرة الشابة، وإدراكه لأشجانها وحيرتها وتمزقها بين حبها لقريتها وأرضها وبين حبها للمدنية الكبيرة، وما فيها من تقدم ورقي لحب الوفدين الذين استبعدتهم الثورة لمصر وفهمهم لها وخوفهم عليها وعلى مستقبلها، وكذلك إدراك مصر " في صورة زهرة " لطبيعة هذا الحب وتجاوبها معه. ثانيا : زهرة و الشباب رموز جيل ثورة 1952 يمثل الشبان الثلاثة نزلاء بنسيون ميرامار " حسني علام، منصور باهى وسرحان البحيرى شباب مصر فى مرحلة السيتنيات أى جيل ثورة 1952، ويمثل كل منهم فئة من فئات المواطنين في المجتمع المصري، ويجسد تيارًا فكريًا واتجاهًا سياسيًا مختلفًا، وجاء الثلاثة إلى بنسيون ميرامار بأسباب مختلفة، ولكنهم توحدوا في محاولة استمالة زهرة والفوز بحبها وقلبها. واختلف موقف زهرة من ثلاثتهم، كما يلي: 1- زهرة و حسني علام صور نجيب محفوظ من خلال شخصية حسني علام ترنح الطبقة الأرستقراطية بعد ثورة 1952، فذلك الشاب العاطل غير المثقف الذي يسير في الحياة بلا هدف أو مبدأ، والذي يشعر بالغربة داخل مجتمعه، ولايستطيع الاندماج فيه بعد التغيرات الجذرية له يحقد على الثورة لأنها وراء ضياعه وضياع طبقته، وإن ادعى تأييده لها في الظاهر نقمة على أهله وطبقته : " ثورة ؟ لم لا ؟ كي تؤدبكم و تفقركم، و تمرغ أنوفكم فى التراب . يا سلالة الجواري إني منكم وهو قضاء لا حيلة لي فيه " ويوهم حسني علام نفسه والآخرين بأنه يبحث عن مشروع يوظف فيه أمواله، ولكنه بدلًا من التخطيط لهذا المشروع والتفكير الجدي في الإنتاج يضيع وقته في البحث عن الملذات واللهو في السهرات الماجنة، ويُظهر مع الوقت حقيقته التافهة. وينظر حسني علام إلى زهرة نظرة المغرور الذي تُخيل إليه نفسه المتعجرفة أنها ستقع في حبه من أول نظرة بالرغم من نظرته المتعالية واحتقاره لها وللفلاحين الذين يعدهم مثل البهائم، وهي نفس نظرة الطبقة التي يمثلها من الاقطاعيين الأثرياء ملاك الأراضي والقصور إلى الفلاحين. وطبيعة مشاعر حسني علام تجاه زهرة يصورها محفوظ في تعبير بسيط، وهو قوله: " البت مثيرة لغرائزي"، ويكشف أيضًا عن حقيقة حسني علام العابث التافه ونظرته المتعالية إلى زهرة بقوله : " ياروث الجاموسة"، وهو تشبيه يسبها به لدفاعها عن نفسها بقوة عندما تحرش بها، بل يصل به الأمر إلى أن يلعن مصر كلها "ملعونة الأرض التي أنبتتك طينتها". 2- زهرة ومنصور باهي الشيوعي يحرص نجيب محفوظ منذ البداية على إبراز الصراع القائم بين منصور باهي وبين سرحان البحيري، ويُظهرهما وكأنهما وجهان لعملة واحدة هي الحياة السياسية في مصر بعد ثورة يوليو 1952، وليظهر الصراع المحتدم بينهما ويُجسده يضع بينهما الشابة الفلاحة " زهرة"، ويجعلها محورًا للصراع بين ممثلي تيارين " الشيوعية والاشتراكية " مزقا الشباب والمفكرين في مصر، ويحرص على تصوير القمع الشديد والاضطهاد الذي كان يتعرض له الشيوعيون في مصر بعد ثورة يوليو، فيبدو منصور باهي ممثل الشيوعية أشبه بالتائه المنبوذ المُبعَد عن القاهرة والمنفي في الإسكندرية. ويُعجب منصور باهي بزهرة وجمالها وطبيعتها، ويُظهر مدى احترامه واهتمامه بها، ويؤكد على حرصه عليها وعلى مشاعرها، وتتجسد هذه المشاعر الفياضة من الشاب الشيوعي تجاه زهرة عندما تتأزم العلاقة بينها وبين الاشتراكي سرحان، فيستشيط منصور غضبًا، ولايتمالك نفسه أمام غدر سرحان بزهرة، فيشتبك معه في عراك بالأيدي، ويبصق في وجه سرحان، ويعرض على زهرة الزواج متحمسًا في نفس اليوم الذي يخذل فيه درية حبيبته القديمة ورفيقة كفاحه الشيوعي، ولكن زهرة ترفض شفقته عليها، فيمضي في إثر سرحان مبيتًا النية على قتله قتلًا للخيانة والغدر. ويُبرز محفوظ الصداقة التي نشأت بين الشاب الشيوعي منصور باهي و زهرة، وهي رمز لحب شباب الشيوعيين المنبوذين لمصر وحرصهم عليها واحترامهم لها بالرغم من أنهم كشباب العهد البائد وشباب الاشتراكيين لايملكون مشروعًا حقيقيًا لتقدم مصر سوى النقاشات والجدال العقيم. 3- زهرة وسرحان البحيري ذلك الاشتراكي الذي يدعي الإيمان بالثورة ومبادئها، وتمثيل الموظفين والعمال في الشركة، وأحاطه نشاطه السياسي بهالة من الاحترام، ولكن تتكشف حقيقته عن شخصية عفنة لشخص انتهازي ووصولي ومنافق يحاول جاهدًا استغلال كل نزلاء البنسيون بتقديم مقترحات لإقامة مشاريع مشتركة للاستفادة منهم واستغلالهم. وتقع زهرة في شرك هذا المدعي المزيف فلا تحب سواه، و يتظاهر بحبها ويوهمها بكلامه المعسول بحبه لها، فتصدقه وتطالبه بالزواج، فيتهرب ويماطل ويحاول اقناعها بالعيش معه دون زواج، ثم يكشف عن حقيقته ويغدر بها ويتقرب إلى مدرستها الشابة لمجرد أنها موظفة ذات مرتب ومركز مرموق في المجتمع، ثم يخون الثورة كما خان زهرة وينتحر. قد يكون صحيحًا أن يُقال إن محفوظ قد رمز بشخصية سرحان البحيري إلى انتشار ظاهرة الانتهازية والوصولية في المجتمع المصري بظهور تلك الفئة التي استغلت الأوضاع في مصر بعد ثورة 1952 للوصول إلى مراكز عليا، والانتفاع من الثورة بحيث أمكن القول"إن سرحان البحيري موجود في كل مكان .... وأستطيع أن أشير بإصبعي لترى عشرات من أمثاله في شوارع المدينة". وقد يكون صحيحًا أيضًا أن يُقال إن حرص محفوظ على أن يسهم الشاب الشيوعي منصور باهي فى كشف حقيقة سرحان ورؤيته له على أنه " التفسير المادي للثورة" حرص رمز به إلى أن الصراع بين الاشتراكيين والشيوعيين أظهر الاشتراكيين على حقيقتهم الفاسدة الخائنة والانتهازية، وأظهر الشيوعيين على حقيقتهم الخاوية الضعيفة الهشة التي لا تقدرعلى الفعل ولا تمتلك مشروعًا غير الأحلام. ولكــــن ولأن هذه الرواية- في رأيي- تحمل جانبًا سياسيًا يتعلق برأي نجيب محفوظ في ثورة يوليو 1952، فإن أحد مفاتيح هذه الرواية هو سرحان البحيري الذي استفاد من الثورة، وعندما لم تتسع لطموحاته العريضة وأطماعه اللامحدودة غدر بها كما غدر بزهرة. وليس من قبيل الصدفة أن يجعل نجيب محفوظ الشاب المتحمس للثورة ممثل الاشتراكية الحاكمة آنذاك وهو سرحان البحيري انتهازيًا فاسدًا خائنًا للشركة التي ترمز للبلد "مصر". فهل كان نجيب محفوظ يرمي إلى أن أعداء الثورة من داخلها؟ من الذين يُظهرون تحمسًا لها، ويتخذون من الدفاع عنها قناعًا لانتهازيتهم وسرقاتهم وفسادهم... إن الرجل،في اعتقادي، أراد أن يقول إن الخطر على الثورة المصرية ليس من أعدائها العواجيز العاجزين الذين هدهم الخوف والعجز كطلبة مرزوق، ولا ممن اتخذتهم الثورة أعداءً، فنُبِذُوا بعد أن اضطُهِدوا وقمعوا برغم حبهم لمصر ومشاعرهم الطيبة نحوها من خوف وحرص واحترام وأعنى هنا شباب الشيوعيين كمنصور باهي، وإنما الأعداء الحقيقيون للثورة من الشباب الذين يظهرون التحمس لها وينافقون به وهم لا يؤمنون بمبدأ واحد من مبادئها كسرحان البحيري. هل كان انتحار سرحان البحيري انتحارًا للثورة، هل أراد محفوظ أن يقول إن هذه الثورة رغم نبل أهدافها المُعلنة ستفسد وتُسرق وتنتحر وتنتهي ذاتيًا ؟. وهل تنتحر الثورات أو تنتهي بالفعل؟ وهل كان تصوير محفوظ للصراع المحتدم بين ممثل الاشتراكية المزيفة، وممثل الشيوعية المنهارة ذلك الصراع الذي قضى عليهما معًا استشراف لمستقبل هذين التيارين السياسيين المتصارعين آنذاك ؟ وبالرغم من هذا فإن زهرة "مصر" قد نجت من هذا الصراع، وخرجت قوية مرفوعة الرأس تتطلع إلى المستقبل وكلها أمل وثقة بأنها ستكون أفضل مما كانت عليه. أُريـــد أن أتوقف عند نقطة أخيرة، وهي موقف نجيب محفوظ من المرأة في هذه الرواية، ولماذا لم يخصها أو يفرد لها فصلًا للحكي ؟ أعتقد أن تكريم نجيب محفوظ للمرأة في ميرامار قد أتى من ناحيتين، هما : أولًا : إنه قد رفع المرأة في هذه الرواية إلى منزلة رفيعة وسامية هي منزلة الأوطان، عندما ساوى بين زهرة ومصر، وهو تصوير أو تشبيه قديم متجسد في تمثال نهضة مصر. ثانيًا : يأتي التكريم من ناحية أخرى، وهي أن العمل في هذه الرواية اقتصرعلى النساء " معلمة زهرة – ماريانا – زهرة "، وقد رأينا الشخصيتين الأساسيتين، وهما: "ماريانا وزهرة" تعملان وتكدان وتعتمدان على كدهما وعرقهما فى كسب الرزق والعيش بطريقة كريمة وشريفة، والعمل و توفيره وإتقانه أساس الثورات، إنهما تنفذان مباديء الثورة بالعمل الذي يشغلهما عن الحكي . ولقد جعل محفوظ زهرة شخصية قوية تتأبى على القطف، وتريد العيش اعتمادًا على نفسها بشرف وكرامة في الوقت الذي جعل فيه كل الرجال في هذه الرواية يعتمدون على خارجهم، " الأطيان الموروثة، المرتب الصحفى، الغزل المسروق"، وعندما تُسلب منهم هذه الأموال كما في حالة طلبة مرزوق، أو لا يستطيعون الاستيلاء على المال الحرام كما في حالة سرحان البحيرى، أو حتى عندما يشعرون أن هذه الأموال على " كف عفريت"، وقد تُؤمم كما في حالة حسني علام، عندئذ يحدث التدمير النفسي الذي يؤدي إلى الانتحار أو على أقل تقدير اعتزال الحياة، فجميعهم قد جاء إلى البنسيون معتزلًا للحياة لأنه لم يستطع أن يحياها أو يندمج ويتكيف معها إلا ماريان وزهرة فكلتاهما حياتها هي العمل في البنسيون. صحيح أن زهرة هاربة من قريتها لكنها لم تهرب لتتحسر على الماضى، كما يفعل معظم الرجال في الرواية، وإنما لتنطلق بعيدًا عن الجهل والتخلف ولتعمل وتتعلم وتحيا حياة طيبة آملة في مستقبل كريم، لم يكسرها الماضي وكل رجال البنسيون قد كسرهم ماضيهم. زهرة هي الوحيدة التي تمتلك مشروعًا للمستقبل يتلاقى مع أهداف الثورة ومبادئها في وقت غابت فيه أفكارومشاريع الجميع بما فيهم الشبان الثلاثة. تعقيب أخير: تثير هذه الرواية في ذهني كثيرًا من الأسئلة التي تتعلق بثورة ينايرعن: -النكوص الذي مُنيت بهم أهدافها خاصة بعد محاربة أعدائها لها علنًا، وسقوط الأقنعة عن كثيرٍ من المنافقين والفسدة الذين طبلوا ليناير في البداية من غير المؤمنين بها والمشاركين الفعليين فيها. - إقصاء الخصوم السياسيين السلميين من الشباب المؤمنين بالثورة والفاعلين فيها، وتخوينهم وعزلهم في السجون، أو إجبارهم على العزوف عن العمل السياسي. -الذين ركبوا الثورة، وليس في أبجدياتهم السياسية مصطلح ثورة. - المشاريع التنموية الفعلية التي يحملها الثوار بعيدًا عن الجدل والنقد والأحلام. - موقف الغرب من هذا الربيع ودوره في محاربته حمايةً لمصالحه، ليس في مصر وحدها وإنما في العالم العربي كله. -التطاحن والتصارع الذي دار عقب يناير على تقسيم كعكة مازالت حُلمًا، أو سرقة شركة مفلسة. - مدى قدرة مصرعلى النجاح في الخروج منتصرة، مخلصة لمباديء ثورتها. إيمان أحمد إسماعيل ــ باحثة دكتوراه.
#إيمان_أحمد_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في رواية -ميرامار- لنجيب محفوظ -1-
-
أنا و الدواعش و ابن حجر
-
زخاتٌ رومانسية في - أقبلي كالصلاة- لمحمود حسن إسماعيل
-
العنصرية والمجتمع العربي
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|