أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - موت أمي














المزيد.....

موت أمي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4918 - 2015 / 9 / 7 - 13:22
المحور: الادب والفن
    


الله يسامحك يا أستاذ ناجي شوقي! أفسدتَ كل خططي لهذا اليوم الصعب حتى يمرّ في سلام، وجعلته يهبط عليّ بكل عُسره وقسوته ووجعه.
تعيشي وتفتكرى يا أستاذة فاطمة.
كيف عرفت؟
أستاذة فاطمة، من يقرأ لكاتبة مثلك منذ سنوات عديدة، لابد أن يقرأ بتمعّن. وقد تكلمتِ في مقال عن سفر ماما للسماء فعرفتُ التاريخ، وربما مصادفة أن 5 سبتمبر هو عيد ميلادي. أن يتذكر قارئٌ مثلي تواريخ مهمة لكاتبته المفضلة، هو أمرٌ بسيط. وبالله عليك لو لم يعرف شعب "محبي ناعوت" عيد ميلاد كبيرتهم، فماذا إذن يعرفون! ربنا معك يا استاذة.
كل سنة وأنت طيب. ربما أراد الله أن يصبح هذا اليومُ الجارح بالنسبة لي، يومَ ميلادك لأنتزعَ من قلبي عودًا من الفرح كان خبيئًا في ثناياه، وأهديه لك في عيد ميلادك فيخففُ عني مرارةَ هذا اليوم ووجعه.
***
زي النهارده من سبع سنوات ماما راحت عند ربنا وسابتني وحدي في الدنيا الصعبة دي. يومها كتبت بالمصري اليوم مقالاً عنوانه: (صوت أمي لا يطير مرتين)، أواسي فيه نفسي بأن ماما ماتت خلاص ومش هتموت تاني أبدًا. عشان الناس بتموت مرة واحدة بس. خلاص مش هاخاف تاني من فكرة فقدها اللي عذبتني من ساعة ما مرضت. بس بمرور الوقت اكتشفت أني كنت أضحك على نفسي. ماما مش ماتت مرة واحدة وخلاص، ماما بتموت كل يوم بتوحشني فيه، وكل لحظة أحتاج إليها فيها، وكل مرة أكلم تليفونها وماتردش. كل ما جرس تليفوني يرن أجري أفتكرها ماما، وألاقي حد تاني. ماما بتموت كل ما تقسو الحياة وملاقيهاش جنبي. كل ما أقع في مشكلة أجري عليها عشان تحلها لي بس مش بالاقيها. كل ما أشعر كم أنا وحيدة. الأمهات موتهن لا يفتُر أبدًا.
كل سنة يوم 5 سبتمبر أكتب مقال عن أمي أعزّي فيه نفسي. السنة دي قررت أتجاهل اليوم تمامًا وأستعبط وأعمل نفسي ناسية. أولًا لأن ربنا عوضني بأم تانية هي "ماما آنچيل" اللي منحتني أمومتها مجانًا. وثانيًا عشان أنا مفروض كبرت خلاص ومبقتش محتاجة لأم. لم أعد طفلة تبكي كلما تركتها أمها في المدرسة ومضت. لم أعد طفلة تركض نحو أمها بعد انتهاء اليوم الدراسي لتشكو من زميل الفصل اللي كسر لها المقلمة، أو من هاني ابن ميس "آليس" اللي شد شرائط شعرها. أنا كبرت الآن وأصبحتُ أمًّا، وابني كبر وتخرج من الجامعة وخطب. ففيمَ البكاءُ على أمي التي غدرتني وطارت للسماء؟ عشان كده قررت السنة دي بالذات إني حتى مفتكرش ماما. قررت أجعله يومًا عاديًّا يمرُّ دون دموع. لم أنم بالليل نهائيًا حتى لا تزورني ماما في الحلم وأصحو على دموعي ووحدتي. سهرت أقرأ وعند الصبح سقيتُ زهور الشرفة كالمعتاد وشربت القهوة وطالعتُ الجرائد. وبدأت ساعات النهار تتقدم وأنا أستعجلها، والشمسُ تعلو في الأفق وأتعجّل غروبها، ورحت أحصي ساعات هذا اليوم الصعب ودقائقه دون أن أبكي. لكنه يوم عنيدٌ يأبى أن يمرّ في سلام! أصرّ اليومُ أن أتألم وأتوجع وأستعيد كل تفاصيل ذلك اليوم البعيد المرّ. بدأ العذابُ برسالة خالو أسامة على الأنسر ماشين في بيتي: "فافي حبيبتي، البقية في حياتك، أبلة سهير تعيشي أنتِ." كنت قد تركتها منذ ساعتين بالمستشفى وذهبتُ مع أديبة هندية إلى خان الخليلي. وبدأ التداعي الحر للأحداث. الركضُ باكيةً إلى المستشفى وفتح ثلاجة الموتى وأنا أرجو ألا تكون أمي هي الراقدة داخلها، ثم كافة التفاصيل اللاحقة حتى اللحظة العسرة التي اختفى فيها وجه أمي تحت لفافات الكتان القاسية، ثم اختفائها إلى الأبد تحت الثرى. وبعدها، سنواتُ الوجع والوحدة. "هذا الزحام لا أحد" يا أمي!
الله يسامح مَن لم يسمح لهذا اليوم أن يمر بسلام.
كاد اليوم يمرّ بسلام لولا تلك الرسالة التي جاءتني بالإنبوكس تقول: "تعيشي وتفتكري!" وصُعقتُ. كيف عرف هذا الرجل ذكرى أمي؟ تبًّا! إنه يتابع مقالاتي ويعرف تاريخ طيران أمي للسماء، كما يعرف يوم ميلادي وكافة تواريخ حياتي.
كم هو القدر قاس وكم هو هذا اليوم قاس، وكم هي أمي قاسية لأنها تركتني ويدي مازالت معلقة بطرف ثوبها، في ذلك اليوم الذي تعلّمت فيه أن أخاف من اللون الأبيض. لأن كل شيء أبيض كان يذكرني بأمي، ويُلحّ على قلبي بأنني فقدتها للأبد. فكتبتُ يومها هذه القصيدة: “أخاف اللون الأبيض":
وماذا أفعلُ بالثلجِ عشّشَ في أركانِ البيت/ بقِطَّتِكِ البيضاء/ بصورِ العائلة على الحائط الأبيض؟/ بالأبوابِ البيْضِ مغلّقةٍ أمام قلبي/ بستارةٍ بيضاءَ ساكنةٍ/ لأن الشيشَ مُقفَل؟/ بالسيارةِ البيضاء العجوز تحت البيت؟/ بفوطةٍ بيضاءَ تحملُ رائحتَكِ/ بخصلةٍ من شَعرِكِ بيضاءَ/ عالقةٍ بالمشْط/ بشالِ حريرٍ أبيضَ/ ضمَّ كتفيكِ المُجْهدين/ بقطرةٍِ من ماءِ زمْزمَ/ عالقةٍ في كأسِ غُسْلِك/ بوحشتي/ بخوفي؟/ هل أبيعُها وأشتري أقراصًا للنوم؟/ هل أقايضُ بثمنها على أبٍ قديمٍ/ نسيتُ ملامحَه،/ وأمٍّ تركتني وطارتْ/ ويدي لم تزل/ معلّقةً في طرفِ ثوبِها؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طفلُ البحر... لا أحدَ يريده!
- دموع مريم، قضية أمن قومي
- لماذا يكرهون هذا الرجل؟
- هل تعرف طاعن نجيب محفوظ؟
- صفر مريم النبيل
- حزب النور، حاوي الحواة
- طاووس حزين
- هندوسٌ في الإمارات وأقباطٌ في مصر
- مَن يذكر -فرج فودة-؟
- قلب ابتهال سالم... عصفورة الجنة
- رسالة إلى نقابة المحامين.. نقابة العظماء
- الفارس -بدر عبد العاطي-
- جمال الغيطاني، ستعيشُ ألفَ عام
- سجّلْ يا زمان
- رئيس الغلابة
- قالت المحروسة
- قبطانةٌ على صفحة مياه القناة
- ماذا قال لي يختُ المحروسة؟
- هل تغفرين لنا يا مصرُ؟
- على متن يخت المحروسة


المزيد.....




- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...
- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
- فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
- -رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
- فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
- فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال ...
- اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة ...
- كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك ...
- الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - موت أمي