وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4918 - 2015 / 9 / 7 - 10:12
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ا
شكر وتقدير : اتقدم بجزيل الشكر والتقدير والعرفان للباحث القديرالاستاذ سعيد ناشيد لموافقته مشكورا على استعراضي لكتابه الجديد ( الحداثة والقران ) – ط1 – 2015- الصادر عن دار التنوير للنشر والطباعة – تونس ولبنان ومصر , والسماح لي بعرض وجهة نظري النقدية على كتابه , وهو الباحث المتسم بدماثة الاخلاق وبتواضع الانبياء والعلماء .
في البداية يقدم الباحث ( سعيد ناشيد ) الشكر للباحث والمستشرق( ستيفن الف ) الذي قام بترجمة بعض فصول الكتاب الى الانجليزية. كما قدم الباحث سعيد ناشيد شكره الى الاستاذ حسن ياغي من دار التنوير ,والذي اعطى ملاحظاته النقدية ومكن سعيد ناشيد من تلافي بعض الهفوات .
اوضح الباحث سعيد ناشيد ان هنالك اكثر من دار نشر ترددت ولم تقبل بطبع كتابه . وقد اعطى الباحث والمفكرالسوري الكبير جورج طرابيشي ملاحظاته بصدد الكتاب مشيرا الى ان منسوب الجراة في هذا الكتاب يفوق المعدل العربي المسموح .
وفيما عدا مقدمة الكتاب , ينقسم الكتاب الى (29)عنوانا او فصلا .يتحدث الكتاب عن القران وعن قدسية النص القراني الذي وصل الينا وهو مصحف عثمان .كما يتحدث عن الوحي الالهي والفرق بين الوحي وبين القران المحمدي ومصحف عثمان .
ان جوهر الكتاب واهم فصوله هي التي تتحدث عن الحداثة وعن المدخل الاخلاقي الى الحداثة . يربط الباحث المتميز والقدير سعيد ناشيد القران بالحداثة وليس العكس , وهذا يستدعي استبعاد كل المفاهيم والافكار والتشريعات لعصر ماقبل الدولة حتى يبقى القران كتابا تعبديا خالصا وليس كتابا يبحث في العلوم والفلك .
استلهم الباحث سعيد ناشيد مقاربات الفارابي وابن عربي وسبينوزا لمفهوم النبوة .واستلهم آراء عدد من المصلحين من امثال المصلحين الايرانيين ( عبد الكريم سروش ) ومحمد الشبستري, والمصلح العراقي السيد احمد القبانجي .واستثمر بعض المفاهيم والتصورات التراثية التي صاغها جورج طرابيشي في مشروعه النقدي .
كما اعتمد على علماء القران القدماء من امثال السيوطي والقرطبي والسجستاني وغيرهم , وصولا الى بعض المستشرقين امثال المستشرق تيودور نولدكه ,لكي يؤسس اطروحة متكاملة تعمل على اعادة بناء العلاقة مع النص القراني على اساس تعبدي خالص بعيدا عن اي توظيف سياسي او ايديولوجي .
الوحي الالهي والقران المحمدي ومصحف عثمان
يفصل الباحث سعيد ناشيد بين ثلاث ظواهر :
1 – الوحي الالهي : وهي الصور والرموز والاشارات التي استلمها الرسول محمد ( اما عبر قوته التخييلية كما يقول كل من الفارابي وابن عربي وسبينوزا عن تجارب النبوة , او عبر القلب والوجدان كما يشرح احمد القبانجي . وفي الاخير فان كلام القران هو كلام النبي المؤيد بالارادة الالهية كما يوضح محمد مجتهد الشبستري ) .
2 – القران المحمدي : وهو ثمرةجهد الرسول في تاويل الوحي وترجمته للاشارات الالهية الى عبارات بشرية , من خلال ثقافته ووعيه ومزاجه وشخصيته , كما عبر عن ذلك الباحث سعيد ناشيد . ان الفارق بين القران المحمدي والوحي الرباني قد سبق الى التعبير عنه عبد الكريم شروس والشيخ محمد مجتهد الشبستري .
3 – المصحف العثماني : وهو عملية جمع وتحويل القران المحمدي من آيات متناثرة الى مصاحف متعددة , ثم الى مصحف واحد , وقداستغرق هذا الجهد عشرات السنين .
اننا لانملك اليوم شيئا من الوحي الالهي الذي استلمه الرسول والنبي محمد , ولا نملك شيئا من القران المحمدي . وما تبقى لدينا هو المدونة النصية المغلقة كما نعرفها اليوم ( مصحف عثمان ) .
يقول الباحث سعيد ناشيد ( لولا وجود الله لما وجد القران , لكن ليس القران كلام الله , مثلما ليس الخبز صنيعة المزارع . الله هو منتج المادة الخام التي هي الوحي , مثلما ان المزارع هو منتج المادة الخام التي هي القمح .
وكما ان الخباز هو الذي حول القمح الى خبز وفق رؤيته الخاصة ومهاراته الفنية وقدراته الابداعية ,كذلك فان الرسول هو من قام بتاويل الوحي وتحويله الى عبارات وكلمات وفق رؤيته الخاصة .
نستنتج من ذلك ان القران هو كلام الرسول محمد عليه السلام ,كلامه الذي يعبر عن ثقافته ولغته وشخصيته وبيئته وعصره .وهذا دون ان ننفي دور الله الذي هو الموحي ومصدر المادة الخام ) .وبالتالي اننا لانعرف من امر الخطاب القراني سوى المصحف المعروف ب ( مصحف عثمان ).
وهذا يعني, بحسب سعيد ناشيد , اننا لانملك من القران اليوم سوى نسخ لنسخ , ولا نعرف عنه سوى تاويلات لتاويلات . ان الوحي الالهي بعد ان صيره الرسول قرانا محمديا , ثم صيره المسلمون مصحفا عثمانيا , صار نصا بشريا بلغة البشر وعلى قدر افهامهم .
ومن هنا يستنتج الباحث سعيد ناشيد وبكل جراة انه لاقدسية للنص القراني كما وصل الينا في مصحف عثمان , ولا يجوز تحويله الى اله او الى اقنوم .
يؤكد سعيد ناشيد كلام المعتزلة بان القران مخلوق , والمخلوق معرض للنقص . لذلك اصدق ماقيل عن القران انه حمال اوجه , وهو قول الامام علي بن ابي طالب .
يؤكد الباحث سعيد ناشيد على اهمية الايقاع الشعري في القران لاسيما في الايات المكيات والوقع التعبدي الابتهالي في مجمل القران , ليصل الى القول ان المضامين المعرفية والتشريعية المحضة لنص القران آيلة الى التبدل او الزوال , بل لعلها تبدلت وزال بعضها بزوال اسباب نزولها
يصل الباحث سعيد ناشيد الى استنتاجه الاخير وهو ان الاصلاح الديني رهين بتجرير الخطاب الديني من مفاهيم وقيم العالم القديم , اي تحريره من مفاهيم الطاعة والولاء والتحريم , ومن قيم العار والعورة والتابو , ومن وساوس التعويذات والرقية والتنجيم , حيث سيبقى للاسلام وللقران التوحيد الربوبي الخالص (لااله الا الله )بلا زوائد .
العبور الى الحداثة
خلاصة وجوهر كتب ( الحداثة والقران ) هو العبور من مجتمع ماقبل الدولة , مجتمع شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي .
..الى مجتمعات الحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة , الانتقال من المفاهيم القبلية البسيطة الى قيم الحداثة الاخلاقية , حيث لاتوجد في العالم القديم مفاهيم الحرية والفردانية وحقوق الانسان .
في عالم الحداثة يكون الفرد سيدا على نفسه ذو شخصية وهوية وكينونة فردية خاصة به وحده .اما في المجتمعات القديمة فكان الفرد تفرض عليه الوصاية ويندمج في العصبية القبلية . دوره في القبيلة يشبه دور النملة في مستعمرة النمل , حيث لااهمية للنملة الواحدة و لكن المهم سلامة الملكة والحاضنة .
في عالم الحداثة يمتلك الفرد وعيه المستقل عن الاخرين .
يقول الباحث سعيد ناشيد ان هنالك قيم مركزية في القران تنتمي الى العالم القديم وهي تعيق تحقيق وعي الانسان المسلم بذاته كانسان وكفرد وككينونة مستقلة , ومن ثم اجهضت امكانية الوعي بالحرية.وهي مفهوم الطاعة و ملك اليمين بالاضافة الى العبودية .
لذا من المهم بلورة خطاب ديني جديد لايحرض الناس على الفتنة ولا على الطائفية , واستبدال مفاهيم العالم القديم بمفاهيم تنتمي الى عصر الحداثة واليمقراطية والمواطنة والشرعة الدولية لحقوق الانسان .
يكتب الباحث سعيد ناشيد في الصفحة ( 158 ) من كتابه :
(في المجتمعات القديمة كان تزويج طفلة في سن الثانية عشر يعد فضيلة , وكانت مشاركة اطفال دون سن الرابعة عشرفي الاعمال القتالية يعد بطولة ,وكان القتل والاغتصاب اثناء الحروب والغزوات حقا من حقوق المنتصرين , وكان تنفيذعقوبة الاعدام امام مراى الجميع نوعا من الانصاف .
لكن ضمائرنا , وحتى بنيتنا الغصبية , لم تعد تتحمل اليوم مثل هذه الاعمال . فقد صرنا ميالين الى تجريم الكثير من فضائل القدماء . مايؤكد ان العقل الاخلاقي يتغير عبر التاريخ .
اذا , ليست السلفية بما هي تمسك ازلي بتلك الاخلاق القبلية القديمة , سوى فرصة لتعطيل الاخلاق .
والمحصلة , ان المصدر الوحيد والاساس للتشريع الاخلاقي لايمكن ان يكون اي نص من نصوص الماضي , كيفما كان , طالما انها تعبر عن مستوى العقل الاخلاقي لعصرها .
ولذلك فان تحديد معايير الحكم الاخلاقي مهمة دائمة ومتجددة للعقل الاخلاقي البشري على وجه التحديد . وبسبب ذلك نستطيع ان نقول بكل حزم وجزم : العقل هو المصدر الوحيد للتشريع . وهذا هو المدخل الاساس الى الحداثة السياسية ).
ولمن ينكرون الحداثة يقول لهم الباحث سعيد ناشيد :
(الحداثة تسمي زواج القاصرات باسمه الحقيقي : اعتداء جنسي على الاطفال .
الحداثة تسمي اجبار الزوجة على الجماع باسمه الحقيقي : اغتصاب .
الحداثة تسمي سبي النساء في الغزوات باسمه الحقيقي :جريمة حرب .
الحداثة تسمي رضاع الكبير باسمه الحقيقي : سكس في مقر العمل .
الحداثة تسمي نظام الجواري والاماء باسمه الحقيقي : عبودية .
الحداثة تسمي زواج المتعة والمسيار وجهاد المناكحة باسمها الحقيقي : دعارة .
الحداثة تسمي التطلع الانتحاري الى حوريات الجنة باسمه الحقيقي : اكتئاب عصابي او اكتئاب ذهاني ).
مسك الختام :
اشيد بجهد الباحث سعيد ناشيد والبحث المضني الذي استغرقه واستنزف الكثير من وقته وصحته .واشهد له بلغة عربية متمكن من حروفها وكلماتها طوع بنانه , وللمستوى العالي من الجراة في خطابه .
الكتاب متوفر في مكتبات شارع المتنبي في بغداد .
يتبع ..
في الجزء الثاني من المقال : رؤيتي النقدية حول بعض فصول الكتاب .
مقالات ذات صلة :
مقالتنا ( نحو قراءة جديدة للرواية الاسلامية ) وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=323763
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟