طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4916 - 2015 / 9 / 5 - 00:31
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
كل صباح، تمتلئ مواقع الأخبار ووسائل الإعلام الاجتماعية بقصص حول الأزمة المتفاقمة التي تواجه المهاجرين الى أوروبا - تقريبا 350،000 لاجئ وصل إلى شواطئ أوروبا من شمال أفريقيا والشرق الأوسط هذا العام، حيث انقطعت السبل بعشرات الآلاف في المخيمات الحدودية في انتظار اكمال الاجراءات للحصول على اللجوء، بينما يحاول البعض الآخر أن يجد المأوى والغذاء في المدن والبلدات في مختلف أنحاء القارة. وقد توفي حوالي 3500 في محاولة لطلب اللجوء بسبب الفقر أو الحوادث و الاضطرابات (1).
يشرح الكاتِب اولفوكوته بالتفصيل, في كتابه الاكثر مبيعا الصادر الآن (2), اسباب حقيقة كون ان السياسيين ووسائل الإعلام لا يقدمون عادة صورة صادقة لما يجري من احداث على ارض الواقع. وهذا ينطبق ايضا على قضية اللاجئين بشكل خاص وملفت للنظر, حيث يُساء استخدام تدفق اللاجئين من قبل اللاعبين الرئيسيين كسلاح سياسي استراتيجي.
في هذه الأيام، كثير من السياسيين والصحفيين يدعوْن أن حيثيات التدفق الجماعي لطالبي اللجوء لم يمكن ممكنا التنبؤ بها. ويعتبر اولفوكوته وغيره ان العديد من موجات تدفق اللاجئين يتم احداثه بتدبير متعمد وتستخدم الآن كسلاح جيوبولتيكي.
وهذا بالتأكيد لا علاقة له ب"نظرية المؤامرة". بحلول عام 2011، تكشف احدى الصحف الالمانية الواسعة الانتشار (3) حقيقة أن تدفقات الهجرة تشكل سلاحا جديدا فائق الفعالية ( Superwaffe). تصف صحيفة نيويورك تايمز (4) بالتفصيل كيفية استخدام اللاجئين كسلاح سياسي استراتيجي. وقد أصدرت الأمم المتحدة, في العام الماضي, تقريرا خاصا بخصوص استخدام التهجير القسري كسلاح حرب في العراق ولبيبا (5).
وشهدت ألمانيا هذه الظاهرة لاول مرة منذ الحرب العالمية الثانية في عام 1998 خلال حرب كوسوفو. هناك، أيضا، تم اساءة استخدام اللاجئين. كل من ينكر هذا يعيش في عالم بديل لا علاقة له بالواقع. والمزيد والمزيد من الناس تغلق عيونها وتعيش في عالم وهمي من خَلقْ الساسة ووسائل الإعلام الرئيسية.
عندما تهدد الدولة الإسلامية علنا بارسال نصف مليون "لاجئ" إلى أوروبا "لزعزعة الاستقرار النفسي للأوروبيين" (6)، يغمض الساسة عيونهم ويروجون ل "ثقافة الترحيب" باللاجئين. قبل 20 عاما, نشرت المجلة الالمانية الذائعة الصيت der Spiegel تقريرا عن كيفية استخدام اللاجئين كأسلحة مستهدِفة - كما في حالة توجه اللاجئين من كوبا إلى الولايات المتحدة. اما اليوم, فانه من المحرم استخدام تعبير "سلاح الهجرة" في ألمانيا.
نعيش الآن نحن في وهم عدم وجود "سلاح الهجرة". ساستنا يعاملوننا وكأننا أطفال قصَّر- والكلام في الغالب يخص الساسة في المانيا حيث تتوجه عادة موجات اللاجئين، لأننا, حسب اولفوكوته, نتصرف حتى الآن مثل الأطفال الصغار الذين يشبكون أياديهم امام اعينهم, ليعتقدوا أنه بذلك لن يستطع احد رؤريتهم.
كان بوسع الجميع, حتى غير المختصين منهم, فهم ما حدث في عام 2015: كان هنالك عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، العراقيين والأفغان الذين وصلوا إلى جزيرة كوس اليونانية في غضون أيام قليلة. على بعد بضعة كيلومترات يفصل كوس البحر عن البر التركي.
وكان شيئا واحدا واضحا تمام الوضوح: تسعى تركيا لضرب عصفورين بحجر. اولا, زعزعة استقرار الدولة المجاورة المكروهة, اليونان. ثانيا, وفي الوقت نفسه, التخلص من اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان. تريد تركيا زعزعة استقرار اوربا وأسلمتها عمدا باستخدام موجات لا نهاية لها من اللاجئين. وهذا لست انا من اقوله, وانما الرئيس السابق لمجلة الأنباء الألمانية شيشرون، الذي هو فوق الشبهات بخصوص نشر نظريات المؤامرة.
تستخدم تركيا "سلاح الهجرة" على وجه خاص بالتحديد. على سبيل المثال, كان من المستحيل, بدون ارادة تركيا, التسبب في حدوث كارثة إنسانية في جزيرة كوس اليونانية, حيث شجعّت تركيا اللاجئين للانتقال إلى اليونان.
كان في أثينا في ذلك الوقت بالفعل حوالي 1.5 مليون لاجئ. وهددت اثينا علنا لشهور بإرسالهم إلى ألمانيا. والصحيفة الالمانية der Berliner Tagesspiegel تكتب, في هذا العام, ان وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس هدد ألمانيا بموجات من اللاجئين "غير الشرعيين". وهذا يشير إلى وجود "سلاح الهجرة".
تولى اليونان اهمية كبيرة الى سلاح الهجرة من أجل الابتزاز المالي. تذكير: تحتاج اليونان كل شهر المليارات كعمليات إنقاذ لاقتصادها. وألمانيا (الممول الرئيسي) لا تريد الدفع.
ان تهديد بسلاح الهجرة هو امر فعّال. في أغسطس 2015, حصلت أثينا على 86 مليار يورو أخرى. وعلاوة على ذلك، وعدت ألمانيا الإغريقيين في المستقبل باستقبال المزيد من طالبي اللجوء في أثينا.
مثال آخر من تلك الأيام في أغسطس 2015: قامت العديد من الدول الأوروبية بإغلاق الحدود، لأن ألمانيا عليها, باعبار هذه الدول, أن تستقبل تدفقات الهجرة. ألمانيا يجب أن يكون في النهاية منزل اللاجئين في أوروبا.
الا ان اولفوكوته يتناسى ان بنوك المانيا ساهمت اساسا وبنفسها وبشكل مباشر في حصول الازمة المالية في اليونان, وذلك لان هذه البنوك قامت بتقديم قروض لليونان بشروط غير عادلة وفي صالح البنوك تماما- هل نستغرب هذا؟ اي ان ساسة برلين, وعلى رأسهم ميركيل, لايسعون بالفعل من اجل انقاذ اللاجئين كما يبدو للوهلة الاولى, وانما من اجل انقاذ البنوك الالمانية. ان ميركيل هي فقط دمية تحركها الاحتكارات الالمانية لتحقيق المزيد من الارباح لها على حساب شعوب العالم الاخرى, كالشعب اليوناني. كما ان فرضية المانيا, وكل الاتحاد الاوربي, بخصوص ان اليونان مُلزمة بتسديد ديونها الى اوربا لا تتفق اطلاقا مع واقع المانيا بعد الحرب العالمية الثانية, حيث تم اطفاء ديونها بالتمام.
يعتقد اولفوكوته, واعتتقد انه على حق, ان البريطانيين، الذين ساهموا بشكل مباشر في السنوات الأخيرة في العنف والحروب من العراق عبر سوريا الى ليبيا, يغلقون ابواب جزيرتهم امام اللاجئين. فبريطانيا تعتبر مشكلة اللاجئين, التي ساهمت هي ايضا في خلقها, ليست مشكلة بريطانيا بالمرة. هل نستطيع هنا تجنب الاعتقاد ان ارهاق المانيا قد يشكل انتصارا جديدا لبريطانيا؟ فالحرب بين الكواسج لم تضع اوزارها لحد الآن.
ونفس الشئ ينطبق, ولربما حتى اكثر, على الولايات المتحدة, التي تغذي الحروب والحروب الأهلية من أفغانستان عبر العراق إلى ليبيا, فتزعم ان مشكلة اللاجئين ليست مشكلتها.
بدلا من التضامن الأوروبي، كان هناك تملص جماعي. فقد فرضت النمسا "تجميد التوظيف" للاجئين، وهو إجراء دفاعي ضد "سلاح الهجرة".
اما فرنسا, فهي لا تسمح للاجئين على الحدود الايطالية بالدخول الى اراضيها وتحتجز اللاجئين في مراكز اعتقال. فرنسا لا ترغب باللاجئين. فرنسا ليس لديها "ثقافة ترحيب" ب"سلاح الهجرة". أيضا في جميع أنحاء أوروبا الشرقية يزمجر مواطنوها "لا للاجئين! ". بولندا، جمهورية التشيك وبلغاريا هم اعضاء في الجوقة التي تطالب المانيا ب"تحمل" مسؤوليتها التاريخية.
ولكن الامور تتعدى موضوعة التضامن الاوربي او التملص منه. فحسب اولفوكوته, ان الملياردير المكسيكي هوغو ساليناس برايس قال, في عام 2011, ان الاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي لم تكن بسبب الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن لأن القذافي اراد ادخال, كمنافس للبترو دولار, عملة افريقية مغطاة بالذهب لتحل محل الدولار الامريكي. ففي خطوة أولى رفض القذافي تسوية مبيعات النفط الليبية بالدولار وطلب, لحين إدخال العملة الافريقية المدعومة بالذهب, التسديد فقط باليورو. وبهذا تحدى القذافي البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ونصائح النخبة المالية. كان الخطأ نفسه, حسب اولفوكوته, ان صدام حسين ايضا أراد تسوية مبيعات النفط العراقي فقط في اليورو أو العملة المدعومة بالذهب, بدلا من الدولار.
تذكر إيلين براون في الدورية الشهيرة دوليا "آسيا تايمز" اسباب الاطاحة بصدام حسين والقذافي (7), ولماذا تم اطلاق العنان للاجئين بمثابة "سلاح الهجرة". كان أول شيء أن التمرد في ليبيا كان موجها من قبل البنك المركزي الليبي الجديد في بنغازي، الذي كان موجها وفقا لرغبات الولايات المتحدة.
قبل الأطاحة بالقذافي وقتله، اعلن الرئيس الفرنسي وقتها, ساركوزي, ان خطط القذافي بادخال العملة المدعومة بالذهب من جديد تشكل "تهديدا مباشرا للنظام المالي." بالقضاء على القذافي, ازيلت خططه باحلال العملة المدعومة بالذهب محل البترو دولار واليورو من جدول الاعمال.
من خلال التدمير المتعمد في جميع أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط, الذي رفع الساسة الألمان, ووسائل الإعلام, في 2010/2011, صوتهم عاليا هتافا له, ظهرت الدول الهشة. ونتيجة الحروب والحروب الأهلية، وانعدام الآفاق، والبطالة، والجوع, برزت الى الوجود, وكما كان متوقعا, موجات اللاجئين.
لقد تنبأ, وبدقة بالغة, بموجات اللاجئين كل المنتقدين لسياسة الولايات المتحدة وأوروبا الهادفة الى "دمقرطة" شمال أفريقيا والشرق الاوسط قسرا باسقاط الحكومات المحلية
تقارير اليوم تؤكد ان ان معدلات الاعتراف بالأشخاص كلاجئين هي الادنى من نوعها في اللاجئين من تونس (0.6 في المائة)، المغرب (0.7 في المائة)، والجزائر (1.1 في المائة). فاغلبهم يأتون بدوافع اقتصادية نتيجة "الربيع العربي".
في ربيع عام 2014, بضعة أشهر قبل من بدء موجة اللاجئين, حذر وزير الداخلية في الحكومة الليبية المؤقتة, صالح مازق, في طرابلس, الأوروبيين: "وفيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، أنا أحذر الاتحاد الأوروبي إذا كان سوف لا يفي بمسؤولياته، ستقوم ليبيا باتخاذ موقف يمكن أن يسهل للعبور السريع لهذا الطوفان من الناس من ليبيا، وذلك لأن الله قد جعلنا نقطة عبور لهذه الفيضانات".
بعد سقوط القذافي, اراد ساسة ليبيا, مثل صالح مازق, الحصول على "رشوات" مالية للحيلولة دون تدفق الملايين من اللاجئين الأفارقة لاسباب اقتصادية الى أوروبا. وهذا, الحيلولة دون اللجوء الى اوربا, ما كان قد فعله القذافي من قبل. قال صالح مازق "لقد عانت ليبيا لأن الآلاف من اللاجئين من جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا, حيث تسود الأمراض والجريمة والمخدرات, لجؤا الى ليبيا. لقد دفعت ليبيا الثمن، والآن جاء دور أوروبا لتدفع." وكان هذا تهديدا من قبله باستخدام سلاح الهجرة.
وقتها سخرت وسائل الإعلام الألمانية من موضوعة استخدام اللاجئين كسلاح. يكون الانكار مفيدا للمنتفعين من "صناعة اللجوء" (8). ان انكار الكثير من السياسيين والصحفيين وجود "سلاح الهجرة" يمهد التربة لخلق وتوسيع نشاط المتاجرة بالقنابل, وهي النشاطات التي تجري على حساب دافعي الضرائب, على حساب الشعوب.
هنالك إضافة صغيرة ولكنها مهمة من أجل الاسكتمال: لقد نشرت جامعة هارفارد مقالا علميا عن إساءة استخدام اللاجئين ك "سلاح الهجرة" ("الهجرة كسلاح في الحرب"). وقد نشرت مجلة Civil Wars مقالات اكاديمية بخصوص كيفية حصول موجات الهجرة بسبب الحروب الأهلية. وفي جامعات ستانفورد وجامعة تافتس يدّرس خريج هارفارد, البروفيسور كيلي غرينهيل (9)، الذي حصل على جائزة أفضل كتاب في عام 2011 لكتابه المعنون Weapons of Mass Migration -في الولايات المتحدة لا يوجد أي شك بين العلماء أن تدفقات اللاجئين تستخدم ك "سلاح الهجرة".
المصادر
1- http://time.com/4021524/migrant-crisis-help-charity-donations/?xid=newslette-brief
2- http://www.kopp-verlag.de/Gekaufte-Journalisten.htm?websale8=kopp-verlag&pi=939100&ref=portal%2fmeinungNL03_09_15&subref=udo-ulfkotte/geostrategische-hintergruende-migration-als-waffe-provozierte-fluechtlingsstroeme.html
3- http://www.faz.net/aktuell/politik/politische-buecher/migration-erpressung-die-neue-superwaffe-1609116.html
4- http://www.nytimes.com/2011/04/21/opinion/21iht-edgreenhill21.html?_r=0
5- http://www.undispatch.com/forced-migration/
6- http://www.dailymail.co.uk/news/article-2958517/The-Mediterranean-sea-chaos-Gaddafi-s-chilling-prophecy-interview-ISIS-threatens-send-500-000-migrants-Europe-psychological-weapon-bombed.html
7- http://www.atimes.com/atimes/Middle_East/MD14Ak02.html
8- http://www.kopp-verlag.de/Die-Asylindustrie.htm?websale8=kopp-verlag&pi=946400&ref=portal%2fmeinungNL03_09_15&subref=udo-ulfkotte/geostrategische-hintergruende-migration-als-waffe-provozierte-fluechtlingsstroeme.html
9- http://www.amazon.com/Weapons-Mass-Migration-Displacement-Coercion/dp/0801448719
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟