علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 4915 - 2015 / 9 / 4 - 16:44
المحور:
الادب والفن
الشَّاعِر الفرنسي، سوري الطفولة مغتَمّ، الحرب الدائرة منذ خمسة أعوامِ أرهقته، زادت من وحدته وكآبته، كبر به العمر، خاف، لهث وراء الخلود أكثر من ذي قبل، التقى رسّاماً ملبّداً بالألوان، عانقه، دعاه لتناول القهوة، جلسا في مقهى "الذراع المكسور" في باريس، تألّما قليلاً، تعانّقا من جديد وهنا بدأت الحكاية...
شدّ الشَّاعِر شاله البرتقالي حول رقبته وقال: كم جميل لو تصنع لي تمثالاً للرأسِ!... احتاج رأساً غير الذي أحمله على جسدي المنهك!
هزّ الرسّامُ الرأسَ وقال: لا تقلق، أنا أهوى الرؤوس، سأشكله لكَ من ورق، من كتبٍ!... ما رأيك؟... لكن أجرة ساعة العمل عندكم في فرنسا مكلفة... والمواد مكلفة أيضاً...
الشَّاعِر: لا عليك، سأدفع ما تحتاحه...
في اليوم الثاني باشرَ الرسّام وضع خططه بقلم رصاص...
في اليوم الثالث ارتدى الشَّاعِر أجمل لباس ورشّح نفسه لجائزة سلام...
في اليوم الرابع أعلن الراديو أنّ الشَّاعِر قد ربح آلالاف الدولارات...
في اليوم الخامس زارته الصحافة والكاميرا... سألته المذيعة بخشوعٍ لا بد منه: هل ستتبرع يا سيدي بجائزة السلام كما جرت العادة كل عام؟... أتتبرع للاجئات السوريات أم لشراء الأدوية للأطفال في المخيمات؟...
اِقشَعَرَّ بَدَن الشَّاعِر نظر إلى وجه الرسّام راجياً طلب سيارة إسعاف...
غَمَزَ الرسّام بِعَيْنِهِ أنْ لا للإسعاف!...
أعادت المذيعة سؤالها باللغة العربية... ابتسم الشَّاعِر وأجاب: سأدفع يا سيدتي جزءاً منها للرسّام كي يصنع تمثالاً لرأسي... وبالمتبقي سنسكر بقايا العمر!...
في اليوم السادس تجمّع اللاجئون أمام مبنى المحافظة في مدينة أوسنابروك الألمانية للتنديد، لوحوا بقبضاتهم عالياً، صرخوا وهتفوا...
في اليوم السابع بكى الشَّاعِر خسارة السلام والتمثال، جافاه الكلام... دفن رأسه كما عادته في الرمل ونام.
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟