|
الاستغناء والانعتاق من العبودية
نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4913 - 2015 / 9 / 2 - 04:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تستحق الحملة الشعبية «بلاها لحمة» التأييد والتدعيم من الجميع، وقد نجحت فى ضرب سوق اللحوم والجزارين، بنسبة 40٪ فى بعض المحافظات، إنها
الوسيلة الناجزة الحاسمة لأن يحكم الشعب نفسه بنفسه، أو يحقق ما يسمونه الديمقراطية، أو الشعار العريق: الحق فوق القوة والشعب فوق الحكومة.
إن عجز حكوماتنا عن تطبيق الدستور والقانون معهود فى كل العهود، وتظل الدساتير والقوانين حبرا على ورق مالم تصاحبها قوة شعبية تحولها الى واقع، منذ سبعة أعوام صدر قانون منع ختان الإناث فى مصر، ولم تنخفض ممارسته بل زادت عما كانت، وأكدت البيانات العالمية والمحلية الشهر الماضى، أن مصر هى الأخيرة بين الدول، تتقدم عليها إثيوبيا ونيجيريا والصومال، وأن هناك تطورا الى الأسوأ، فى الأحياء الفقيرة بالقاهرة والأقاليم، فقد انتشر الأكشاك لعمليات الختان، وقوافل وحدات متنقلة تحمل الأطباء بمشارطهم ومصاحفهم وفتاويهم، وأغلب من يخرقون القانون هم الأطباء، من ذوى التقوى والمسابح والأموال، وليس من الممرضات الفقيرات والدايات المقهورات.
فى خمسينيات القرن الماضى، لم ندرس بكلية الطب أضرار ختان الإناث أو الذكور، بل انتشرت المعلومات عن أنه طهارة وتقوى ويحمى من أمراض عديدة، لكنى بالبحث المستمر ومتابعة التطور الطبى فى العالم، أدركت خطأ هذه المعلومات، وبدأت فى الستينيات والسبعينيات، أكشف عن خطورة هذه العمليات ، وطرحت الموضوع بنقابة الأطباء ووزارة الصحة، وفى مقالاتى وكتبى المنشورة، وفى مجلة الصحة التى أنشأتها مع مجموعة من زملائى الشباب، إلا أن الحكومة المصرية بكل دعائمها فى وزارة الصحة ونقابة الأطباء والمؤسسات الدينية والإعلامية، تكاتفوا جميعا لضرب هذه الأفكار العلمية الجديدة، وتم مصادرة كتبى وإغلاق مجلة الصحة وعزلى من منصبى، وإسقاطى فى انتخابات نقابة الأطباء بعد نجاحى بأغلبية الأصوات الشابة الجديدة، بالإضافة الى تشويه سمعتى فى كل مكان، أشاع الأطباء أننى ناقصة العقل، وأشاع رجال الدين أننى ناقصة الدين، وأشاع رجال السياسة أننى ناقصة الوطنية والهوية والخصوصية الثقافية .
ثم انتشرت المعلومات الطبية الصحيحة فى أوائل القرن الحادى والعشرين، واضطرت الحكومة المصرية لإصدار القانون بمنع الختان، وتم تكريم زوجة رئيس الدولة محليا وعالميا، وحظى المحيطون بها بلقب رواد ورائدات منع الختان فى مصر، وكنت أنا بالمنفى خارج الوطن تطاردنى قضايا الحسبة والألسنة كالأحصنة.
واليوم نحن فى حاجة الى حملة شعبية ترفع شعار «بلاها ختان» على غرار «بلاها لحوم» من أجل مقاطعة «سوق الختان» التى يتربح منها الأطباء كالجزارين فى السوق، كما نريد حملة شعبية شعارها «بلاها أحزاب دينية» تقاطع مرشحى الأحزاب الدينية فى الانتخابات وتسقطهم، بدلا من اللهاث اللامجدى وراء الحكومة لإصدار قانون جديد يدعم الدستور الجديد الذى يمنع تكوين أحزاب دينية، وعندنا مثل شعبى يسخر من الاستعانة بعبد المعين الذى يحتاج للعون: الاستعانة بالدستور على القانون؟ أم الاستعانة بالقانون على الدستور؟ والقانون والدستور والدولة والحكومة جميعهم، لا يستطيعون تنفيذ أعلى القرارت، ما لم توجد قوة شعبية منظمة واعية بفائدة هذا القرار للشعب بجميع فئاته نساء ورجالا وأطفالا، وليس فقط للشريحة العليا من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ، وهل فى التاريخ البشرى حكومة خدمت شعبها الذى لا يخدم نفسه؟ وهل تستطيع معونات العالم، شرقا وغربا، معاونة شعب لا يعين نفسه؟
ونريد حملة شعبية ترفع شعار «بلاها انتخابات بالفلوس» فتقاطع أى مرشح يشترى أى صوت، وحملة ترفع شعار «بلاها فساد وإرهاب» تكشف الفاسدين والمرتشين والإرهابيين فى أى مكان داخل الحكومة وخارجها بالخلايا النائمة والصاحية، ويمكننا هزيمة إسرائيل وأمريكا أيضا دون حاجة لقنبلة نووية، يكفينا حملة شعبية واعية تعلن: بلاها جميع البضائع الأمريكية والإسرائيلية، بما فيها البيرة واللبان ومعجون الأسنان، فتضرب السوق المحلية والعالمية كما ضربت سوق اللحوم.
إن الحل فى يد الحملة الشعبية وليس فى يد المتنافسين والمتنافسات على الانتخابات، والمتقاتلين والمتقاتلات على مقاعد الحكم والأحزاب، واللاهثين بالرجوات والاستعطافات لرئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء.
كان يمكننا التغلب على الاستعمار وبطش الحكومات منذ الملك مينا، لو أن الشعب المصرى بلغ من الوعى ما يؤهله لتنظيم حملات شعبية لمقاطعة ما يمكن الاستغناء عنه.
وتقوم آرباح السوق الرأسمالية (الشرسة وغير الشرسة) على كماليات تحولت بالخداع الى ضرورات، كمساحيق التجميل وأدوات الزينة والخمور والمخدرات وأفلام الجنس والجريمة والتجارة بالأسلحة والتجسس وأجساد النساء وتكنولوجيا الإعلام الخادع، يمكننا الاستغناء عن أشياء غير ضرورية كاللحوم والماكياج والانتخابات، تعيش أغلب النساء دون ماكياج، ويعيش أغلب الشعب المصرى على الفول وبه البروتين الأفضل من اللحم، ونصف سكان العالم من النساء والشباب الثائر يقاطعون اللحوم (نباتيون) وعاشت أغلب الشعوب الآسيوية على الأرز، وعاش الفلاحون المصريون على الخبز المقدد ومخلل الليمون آلاف السنين، وكان العالم أكثر إنسانية وديمقراطية قبل اكتشاف الانتخابات والسوق الحرة والقنبلة الذرية، تكمن الحرية فى الاستغناء، ولا يضعف فى السجن إلا سجناء التدخين وأكل اللحوم.
#نوال_السعداوي (هاشتاغ)
Nawal_El_Saadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفاهيم متطورة للأبوة والرجولة
-
العبء الذى قتل أمى وأبى
-
بذور الإبداع والثورة لا تموت
-
وكان للأطفال كرامة العظماء
-
يملك الشرف الرجال وتدفع ثمنه النساء
-
أسئلة الأطفال المحرمة وتجديد الفكر الدينى
-
تقتل الموت وتنتصر الكتابة
-
المسكوت عنه فى السلوك؟
-
وضحكت الطفلة بدموع كالبكاء
-
الوجه الآخر لنيلسون مانديلا
-
منذ اكتشف الرجل -الإسبرماتوزوم-
-
إنه الدم -2-
-
بشائر صوت الكروان
-
لم يعد يراها
-
من وراء ظهرها فى فراشها؟
-
فتيات الصين والثورة الثقافية
-
الإبداع والثورة والحدس باللا معقول
-
ثقافة الخرافة فى تونس
-
زينة وهدى ودموع التماسيح
-
الثورات والتحرر من اللامعقول
المزيد.....
-
بريطاني يحقق رقما قياسيا عالميا بزيارة 42 متحفا في أقل من 12
...
-
ترامب يجدد تهديده باستعادة قناة بنما: أمريكا ستتحرك -بقوة- .
...
-
وزير خارجية أمريكا يحذر رئيس بنما: تحركوا ضد الصين وإلا -سنت
...
-
ماسك: ترامب وافق على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
...
-
الكويت.. سقوط عصابة -الثعلب المصري-
-
وزير الكهرباء السوري يكشف عن خطط لزيادة ساعات الوصل وتحديات
...
-
تايلاند تسهل إجراءات السفر وتقدم مزايا جديدة للسياح
-
باكستان.. مقتل شرطي خلال حملة تطعيم ضد شلل الأطفال
-
تعليق إيراني بشأن -حقائب أموال ترسل إلى لبنان-
-
بسبب مقاطعة خطاب زيلينسكي.. استبعاد حزبين في ألمانيا من مؤتم
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|