بشرى رسوان
الحوار المتمدن-العدد: 4912 - 2015 / 9 / 1 - 01:06
المحور:
الادب والفن
تتخذين المقعد الأخير تسندين رأسك على الزجاج ، وتضعين سماعات الهاتف ( أغنية وهي عامله ايه دي الوقت عمرو دياب) .يصعد بائع الفول السوداني ، يتبعه بائع الماء المعدني ، ثم المتسول الأعمى ،يليه بائع (الشو كلاه ) ،ويتوالى الباعة و المتسولون ،تتحرك الحافلة تترك خلفها محطة ( أولاد زيان) و ضجيجها ،تختفي حركة الهرج و المرج.
على الزجاج قطرات المطر ، تُبعْثرين الضباب ، يختفي صخب المدينة . تقابلين الريف، على الطريق قطيع ماشية ، رجل يركب عربته ، امرأة تجر بقرتها ،بِرْك ماء كبيرة ، تفكرين في الانتقال للعيش هنا، في أقصى الريف ،بيت كبير بحديقة جميلة ، خم للدجاج ،بقرة ،و حمار.... لا مانع لديك من كلب ، و قطة بيضاء ... بضع شجيرات ... شجرة ليمون … شجرة رمان .. كرم .. شجرة تتوسط البيت لتربط ابنتك أرجوحتها ، تحت العريشة تقرئين رواية (الجليد ) أو ( كوابيس بيروت ) أو( سقف الكفاية ) ، هنا حيث لا يمر الوقت بسرعة، حيث السكون اللامتناهي بإمكانك قراءة ما تشائين ، و عندما تتعبين تتمددين على الحشائش ، تتأملين بشغف زرقة السماء. تحدقين في أسراب الطيور الفاردة أجنحتها في عباب السماء ، طيلة الرحلة تبنين الأحلام و تهدمين
يوقظك بكاء الطفل في المقعد الأمامي ، و ثرثرة العجوز في الصف المقابل ، نقير بين السائق و المساعد (الكريسون) ، رائحة سندويتشات البيض ،رائحة العرق ، خليط غير متجانس من الأصوات و الروائح
تصيح امرأة في المقاعد الخلفية (الما كيقطر علينا واش هذا كار هذا؟؟تعرفو غير تخلصو ) تتهم السائق بالتقصير، تلعن الشركة ،يتدفق الماء من السقف ،من الزجاج ،من فتحات التهوية من كل مكان في الحافلة ، مسبح متنقل على الطريق السيار ،تتابع المرأة (أنا راني مريضة، يله دوزت ،راني غ نعادو نمرض السقف كيقطر و الكرسي سارد ) ،يحتجّ الركاب ، تنتفض النسوة ، يقف الركاب في الممر ،تشتد نبرة الاحتجاج .... لا أذان مصغية ، السائق يلوذ بالصمت .
تلوذين بالصمت مثله . ..لا شيء يُغري بالكلام
#بشرى_رسوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟