|
مخطط تفكيك وحدة القضية الفلسطينية
عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 4909 - 2015 / 8 / 27 - 13:30
المحور:
القضية الفلسطينية
مخطط تفكيك وحدة القضية الفلسطينية
عماد صلاح الدين
يبدو انه في مسار وفي مرحلة تاريخية معينة، في واقع شعب أو مجتمع ما، وصل إلى مرحلة حرجة وخطيرة، من الانحطاط والتخلف، وقيام قابلية الاستبداد عليه داخليا، أو قيام قابلية الاحتلال عليه من قوى خارجية، وتحقق ذلك عليه، كحتمية ممكنة، وليس مطلقة لا مفر منها، ثم مع قيام محاولات مواجهة ومقاومة هذا الواقع، في الاستبداد أو الاحتلال، فانه من الممكن أيضا، قيام حتمية، بخصوص ارتكاب الأخطاء والخطايا السياسية والمصيرية، إلى درجة التيه المصيري، وربما الشمولي في مسار قضية تحرر وطني، أو في مسار ثورة، في وجه الدكتاتورية، والاستبداد السياسي والاجتماعي.
ذلك أعلاه، حاصل اليوم ومتحقق، كنتيجة لمسارات زمنية، بكل موجوداتها وحقائقها في مسالتين؛ الأولى فلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومشروعه الصهيوني، والثانية عربية في مواجهة نظم الاستبداد العربية الرسمية، خصوصا الثورات الشعبية في نهاية عام 2010 ومطلع عام 2011، وما واجهته هذه الثورات، من ثورات مضادة، بعد فترة ليست بالطويلة على قيامها.
والذي يهمني هنا في موضوع هذا المقال، هو المسألة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ذلك أن فلسطين حين وقعت فريسة لمشروع الاستيطان والإحلال الصهيوني الاستعماري عام 1948 كانت في سياق المعطيات المحلية والعربية والدولية مهيأة للوقوع تحت سيطرة المشروع الصهيوني، ومن ثم تحققه على شكل دولة من العام أعلاه نفسه.
وان كان هناك أخطاء فلسطينية محلية، من قبل العائلات والقيادات المتنفذة في المجتمع الفلسطيني في ذلك الوقت، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال، تحميلها مسؤولية مسار بأكمله، في احتلال فلسطين، وضياع الجزء الأكبر منها، وقيام دولة الكيان الصهيوني عليها.
ففلسطين منذ عام 1918- 1948، وقعت تحت الانتداب البريطاني كدولة عظمى، في مواجهة شعب قليل العدد سكانيا، واعزل من الناحية الدفاعية والعسكرية، في مقابل تعداد جنود بريطانيين، مع مختلف أسلحتهم المتطورة في ذلك الوقت، وصل إلى مئة ألف جندي تقريبا. وكانت بنية الشعب الإنسانية، كما هي بنية الشعوب العربية، على صعيد الإنسان العربي عموما، تعاني من الأدواء الثلاثة الخطيرة المتمثلة بالمرض والفقر والجهل، مع نهاية حقبة عثمانية، صارت وقتها رجل أوروبا المريض، بعد مرور عدة قرون على حكم العثمانيين للمنطقة العربية، بما فيها فلسطين نفسها. وكان معظم الأقطار العربية في منصف أربعينيات القرن العشرين وحتى نهاية الخمسينيات، قد وقعت معاهدات واتفاقات استقلالها الشكلي مع الدول الغربية الاستعمارية، وهي في شأن سيادتها وسياستها، لم تكن لتقرر الكثير، بحكم التبعية الحقيقية لتلك الدول.
وإما على المستوى الدولي، فان الكيان الصهيوني تلقى الدعم السياسي والمالي العسكري، بل والوجودي من الدول الغربية، وعلى رأسها انجلترا، وحتى من قبل الاتحاد السوفيتي الذي كان من أوائل المعترفين بإسرائيل في هيئة الأمم المتحدة، وقد قام بتزويدها بالسلاح ولو جزئيا في حرب عام 1948.
هذه الظروف والمعطيات التي اشرنا إليها، أدت في مرحلة تاريخية ومسارية، إلى فرض دولة المشروع الصهيوني بالقوة، على معظم ارض فلسطين عام 48، في ظل عموم الضعف الفلسطيني والعربي الشديدين، لا أقول ذلك كحتمية تاريخية؛ فالحتمية التاريخية ليست قدرا مقدورا ولا منهجا موثوقا، ولكن في مرحلة تاريخية ومسار بعينهما، وضمن حقائق ومعطيات، وعلى خصوص استثنائي، وفي حضور جوانب تفصيلية ووقائعية فارضة، فلا مندوحة أن نكون أمام ممكن الحتمية التاريخية في مسار ما.
والمخطط الصهيوني، على أي حال، كان محكما رغم الظروف والحقائق السلبية فلسطينيا وعربيا ودوليا، كما اشرنا إليه أعلاه، وقد تجلى ذلك في خطة دالت الصهيونية، بخصوص التطهير العرقي في فلسطين، إبان حرب عام 48. وهذه الخطة بإجمالها، كان لها طابع النفاذ المستمر، عبر عقود الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وهي في جوهرها بعد تنفيذ مخطط التطهير العرقي، تحرص على تفكيك وحدة القضية الفلسطينية بكل الوسائل والسبل عسكريا وسياسيا وامنيا وحتى اقتصاديا، وهي تحرص كذلك، ومهما طالت المدة الزمنية، إلى الوصول إلى الدولة اليهودية الخالصة على كامل فلسطين، بحسب الإستراتيجية الصهيونية الثابتة، بغض النظر عن كل تكتيك، أو مد أو جزر، في التمدد أو الانحسار، في الإحلال والاستيطان الاستعماري. أرى أن مسألة تفكيك وحدة القضية الفلسطينية، على المستوى السياسي والنضالي والتمثيلي، بدأت كمخطط صهيوني وإسرائيلي، في محاولة جادة أرادتها إسرائيل نهائية، في تصفية القضية الفلسطينية، قد بدأت على النحو التالي:
1- استدراج منظمة التحرير الفلسطينية إلى قبول القرارين 242 338 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي عامي 1967 1973 على التوالي، وجوهرهما الاعتراف بإسرائيل، وقبول حكم ذاتي للفلسطينيين، وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
2- قبول منظمة التحرير الفلسطينية عقد مفاوضات مع إسرائيل والاعتراف بها رسميا في أوسلو عام 1993.
3- قبول منظمة التحرير الفلسطينية بالمرحلة الانتقالية وتقسيم مناطق الفلسطينيين بحسب المعيارية الإسرائيلية إلى مناطق أ،ب،ج، وانعكاس ذلك على التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس.
4- شطب منظمة التحرير الفلسطينية لمعظم بنود الميثاق الوطني الفلسطيني، بما فيه البنود الأساسية والتعريفية للقضية الفلسطينية، وعلاقتها مع الكيان الصهيوني ككيان إحلالي واستيطاني عنصري.
5- الدخول في شبه صراع مبدأي ومصيري، على الحقوق الوطنية، وأدوات التعامل الوطني، من خلال فرز خطين مفاوض والآخر مقاوم، وطريقة الاختلاف كانت بممارسة الالغائية في مواجهة كل طرف للآخر، خصوصا ما بين حماس وفتح والسلطة والمنظمة.
6- الإصرار بعد كامب ديفيد الثانية عام 2000 على نفس النهج التسووي رغم اتضاح ما هو واضح أصلا بخصوص فلسفة وبنية وممارسة المشروع الصهيوني القائم على الإلغاء الوجودي والحقوقي والإنساني والسياسي للشعب الفلسطيني، هذا على رغم أن الراحل الشهيد ياسر عرفات حاول المزاوجة في الضغط على الكيان الصهيوني ما بين مقاومة شعبية وسلوك تفاوضي.
7- تفسير كثير من الفلسطينيين انسحاب إسرائيل أحاديا من قطاع غزة عام 2005 على انه انتصار وانسحاب تحت نار الضربات النضالية الفلسطينية، دون أن يكون هناك نوع من العمق الاستراتيجي في النظر إلى ذلك الانسحاب على انه جزء من خطة إسرائيلية متكاملة في التعامل مع الفلسطينيين.
8- التجاوب مع طلبات دولية وإسرائيلية في التهدئة من طرف واحد، كما جرى في اتفاق القاهرة عام 2005، دون أن تكون إسرائيل ملزمة اتفاقيا بهكذا تهدئة.
9- قبول التوريط الغربي والأمريكي في وضع الأطراف الفاعلية على الساحة الفلسطينية في سلة الممارسة الديمقراطية عام 2006، على رغم تعقيد الحالة الاحتلالية في فلسطين وخصوصيتها الاحلالية، ثم ما صارت تعانيه الحالة الفلسطينية من تركيب تعقيدي جديد في سياق أوسلو وقيام سلطة الحكم الذاتي في غزة والضفة الغربية.
10- تمخض التوريط أعلاه عن ولادة حقيقية للانقسام الفلسطيني الفلسطيني رسميا بين فتح وحماس، وصعوبة الحل التوفيقي بين الطرفين حتى اللحظة بسبب تضاعف التعقيد في الموضوع الفلسطيني على مستوى الاحتلال والخصوصية في الطبيعة الاحلالية والتطهير العرقي له، وعلى مستوى استحداث حل تسووي له شروط أمنية ومالية تبعية وفي القلب مبدئية وسياسية، وعلى مستوى شبه التوريط الكلي في مسار أوسلو بعد مشاركة حماس وقبولها للدخول في المنظومة السياسية لسلطة الحكم الذاتي، رغم كل ادعاء أو تبرير أو تفسير.
11- رفع وتيرة العدوان الحربي والهمجي على الفلسطينيين، على مستوى استهداف المدنيين، وتوسيع الاستيطان، وتكريس العزل بين المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، وتكرار الحروب على قطاع غزة، وصارت الصورة دوليا وأمام الرأي العام العالمي والى درجة التعود الإقليمي والعربي وكأنها مواجهة بين دولتين وليس بين شعب تحت الاحتلال في مواجهة دولة استيطانية واستعمارية، هذه الوتيرة تزداد كلما أوغل الفلسطينيون في التورط في مستنقع المخطط الإسرائيلي منذ أوسلو عام 1993 على الأقل.
12- تكريس الانقسام الفلسطيني، وتعزيز فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، كمرحلة متحققة في المخطط الصهيوني السائر، إلى تفكيك وحدة القضية الفلسطينية على مستوى الشعب، كما جرى في أوسلو استبعاد ثلثي الشعب الفلسطيني في قضية عودة اللاجئين، وعلى مستوى الأرض، وحتى على مستوى الاهتمام الأساسي، خصوصا بعد استجلاب موجة الاستهلاك والقروض إلى الضفة الغربية، بديلا عن الهم الوطني.
13- هذا التكريس في الانقسام، وفي الفصل السكاني والجغرافي، وحتى على مستوى الثقافة، جعل الحالة الفلسطينية حالة قبائلية كل قبيلة لديها مشاكلها وهمومها المختلفة عن الأخرى. والحالة القبلية كما هو معروف محدودة الأفق والإمكانية وحتى الجغرافيا والسكان، مما جعل هذه التوزيعات في ظلال المخطط الصهيوني، تلجأ وتستجدي صاحب المخطط في الأخير، لأجل حل مشاكلها، بل وتعديل معطياتها السياسية والتنظيمية، بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة المحاصر، إلى درجة الكفر بكل شيء، لكن أحدا لا يريد أن يسمع أو يعي.
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعادة تأهيل الإنسان الفلسطيني
-
الخوف على الضفة الغربية
-
الدعوات المجردة إلى التدين والتمسك بالهوية
-
حين يقولون عن الثورة مؤامرة وعن المقاومة إرهاب
-
مشكلة النضال النخبوي الفلسطيني
-
البنى التحتية للحب
-
لماذا يفشل الفلسطينيون؟
-
خطورة الانقسام الفلسطيني
-
لماذا نفشل في العالم العربي؟
-
ديباج الامتياز عند الشعوب المتخلفة
-
النموذج الإرهابي الأسوأ
-
التحرك الدبلوماسي والحقوقي الفلسطيني
-
القيم النسبية والحلولية الشاملة
-
القيم النسبية والقيم السيولية الشاملة
-
القيم النسبية والحلولية الجزئية
-
القيم المطلقة والعلمانية الجزئية
-
القيم النسبية والعلمانية الجزئية
-
القيم النسبية والعلمانية الشاملة
-
القيم المطلقة والقيم النسبية
-
التعقيد في القيمومة الحضارية المعاصرة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|