|
((أطوار))
عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4908 - 2015 / 8 / 26 - 11:52
المحور:
كتابات ساخرة
((أطوار))
يقول شاعر يصف الأفعى... فبِتُّ كأَنِّي سَاوَرَتْني ضَئيلَةٌ مِنَ الرُّقْشِ في أَنْيابِها السّمُّ ناقِعُ تنَاذَرَها الرّاقُونَ من سُوءِ سمِّهَا تُطَلَّقُه طَوراً وطَوْراً تُرَاجِعُ
(الطور) يعني الحالة أو المرحلة أو التارة الزمنية، فأطوار القمر مراحله، والأطوار الحسينية هي فترات نعي الأمام الحسين وآل بيته، والأطوار هي المِحن، فمن تعدى طوره، تجاوز محنته... (الأطوار) هي حالات المادة وتغيراتها، وغريب الأطوار هو الإنسان ذو السلوك المتغير غير الطبيعي، وفي الكهرباء لدينا ثلاثاً متناوبة (ثري فيز)، وشِعر العرب أطواراً، والتغيرات الشكلية واللونية على الحيوان هي أطوار. الطور باللغة العربية بدقة هو تعدي الحد والخروج من وضع كنا فيه لوضع آخر أصبحنا عليه... وهكذا يمكن الإستمرار بتعاقب الأطوار، فأطوار نمو الجنين ببطن أمه قبل الولادة سبعاً، وأطوار حياتنا الفانية هذه أيضاً سبعاً... (رضيع فطيم صبي غلام شاب شيخ كهل)، وبعث روحنا للسماء بعد مماتنا يتم على سبع مراحل أيضاً. وأخيراً، فالمقولة... (أزوره طوراً ويزورني طوراً) تعني أن تارةً أكون عنده وأخرى يكون عندي. × × × في يوم بمنتصف السبعينات وفي مجلسٍ، ألتقيتُ بأحد المعارف ينادونه بـ (أبا أطوار)، فسألته بمزاح أمام الآخرين وكان بسؤالي بعض (الخباثة) عمّا يعنيه أسم أبنته البكر (أطوار)، وقلتُ بأنني أعرفُ أن الطور هي (التارة) أي الفترة، ولأني لم أسمع بجمع لكلمة (تارة) فربما جمعها هو (أطوار)، مثلما هو الحال في جمع كلمة (مُخ) يكون (أدمغة) لأن لا يوجد ـ حسب علمي ـ كلمة (مخوخ) باللغة ولا (تارات)! سكتَ الرجل لحظة، ثم أنتفض عليّ بعد أن ظهر أنه ملماً بقوة بالأسماء، فنعتني بأنني (المتخلف) الذي لا يفقه شيئاً، وأن أسم أبنته (أطوار) ذو معنى جميل بالعربية... (الجبال الخضراء نابتة الأشجار)، ثم أحرجني حينما (أصلاني) بسيل من المعلومات ليقول بأن الـ(تارة) بالتاء المربوطة هو أسم عربي يعني نهر الحب، أما (تارا) بالألف الممدودة فهو أسم أعجمي، إما كُردي ويعني (الطرحة) على رأس العروس أو تركي يعني الزهرة الجميلة... × × × كانت (أطوار) تتمتع بشعر أسود طويل يمكنه أن يلامس خصرها النحيف، وهو مصدر جذب للشباب الذين يلاحقونها هي وزميلاتها بعد خروجهن من اعداديتهن في المنصور وتبخترهن قليلاً لدى مثلجات الرواد ثم توجههن نحو شارع دمشق عند منطقة الباص المجاورة لبوابة معرض بغداد الدولي والمقابلة لمدخل الحارثية كي يستقلنَ الباص رقم 42 للأربع شوارع في اليرموك حيث بيوتهن. تراهن أثنان من طلبة إعدادية المأمون للبنين المتسكعين هناك، أياً منهما يمكنه أن يجمع عدد أكبر من شعر رأس (أطوار)، سيحصل على غداء معتبر مجاني من زميله المتحدي الخاسر. الخطة بسيطة قالاها بجرأة، أن يمسكا ببعض الشعرات تحت كفهما حين يطبقانه على العمود المعدني للباص الذي سيشاركونها فيه، وبحركة رأس المسكينة حين يسير الباص، سوف تنقطع شعرات من رأسها... فريق الحكام كان يعمل بنزاهة وحيادية بينهما، فبعد أن ينزل المتباريان من الباص في المنطقة المحددة لأنتهاء (اللعبة)، يتم وضع الشعرات واحدة تُكمل الأخرى للوصول لأكبر طول لتحديد الفائز، لكن جملة أعتراضات تدور، فيجب عدم الغش لأن الأمر لا يَحتمل... فالشعرة المختلفة يجب عزلها، هذه بغير لون وتلك بغير ملمس! أنتهى اليوم بغير نتيجة، وقرر الولدان الشقيان أن يكرران العملية بمراقبة صارمة من زملائهما، فأنتظرا البنت هذه المرة عند منطقة الباص في ساحة النسور، وبرغم أن البنت قد تنبهت لهما وراحت اندست بين زميلاتها... لكن المغامرة أنتهت (بالنجاح) وفاز أحدهما بينما أعترف الآخر بعد مشقة بالخسارة، دفع غداء منافسه الفائز على مضض!
... أثنان آخران وجدا أن اللعبة برغم سخافتها لكن فيها إثارة ومتعة، وبدل أن يصعدا الباص 45 الذاهب لبيتهما بالبياع، ركبا الباص 42 وتنافسا كي يُثبتا لزميليهما بأنهما الأشجع، وأن شعر (أطوار) سيكون في قبضتهما الحديدية، فتسللا بين الركاب ليدخلا بين (شلة) البنات بقوة، فالموضوع جاد والخسارة تعني الفشل أمام الجميع أكثر مما هي مجرد خسارة مبلغ الغداء... صاحت (أطوار) بهما حين آلمتها فعلتهم الرذيلة هذه ولتنزل دمعة من عينها، لكنها في هذا اليوم كانت أذكى من الجميع ولتضعهما في مصيدة، فقد شكت في اليومين السابقين لوالدها الذي أتصل بشرطة الآداب، وعليه، صعد خلفها رجلي شرطة بلباس مدني لمراقبتها من بعيد، فمسكا بالشابين وأنزلاهما من الباص وسط توسل وفوضى بين أسف وخوف مما سيحل بهما... كانا رجلي شرطة الآداب بالفعل بغاية الأدب ولم يحدث ما توقعه الباقون بأن يُشبعانهما ضرباً، بل بالعكس فقد أقتادهما بكل أحترام لسيارة شرطة وصلتهم بعد نداء لاسلكي قصير...
المسألة أخذت جانب جدّي، والولدان بقبضة الشرطة، سمع أهلهما، فتدافعتا أماهما وتبادلتا الشتائم، كما حمّل كل أب الذنب للآخر... في اليوم التالي، تغيب الولدان عن المدرسة التي أهتزت أركانها، فبرغم ما عُرف عن تسيّب طلبة أعدادية المأمون، لكن الحال لم يصل بهم لعتبة مراكز الشرطة. أتصلت الإدارة بحثاً عن حل، لكن ليس من نتيجة، أبوَي الولدان ينتظران، بيتهما صار تجمعاً لنساء المنطقة مثقلات بالتساؤلات والحيرة، فكيف يمكن أن يكون الولدين خريجا سجون وهم لا يزالا بالمرحلة الاعدادية؟ اتجهت الوالدتين في اليوم التالي صوب اعدادية البنات وطلبن مقابلة الشابة (أطوار) واصطحبنها لبيتها وقدمن اعتذاراتهن ووعود بعدم تكرار ما حدث وقمن بترضيتها وتقديم مجموعة هدايا عينية ثمينة... وبينما تهامس الصحاب بأن الشابين ربما سيقضيان أشهر إن لم تكن سنة بالسجن، تسائل أب الأول عن ماهية سجن الأحداث وظروف المسجونين هناك ونوع جنحهم، وتحاورت أم الثاني عن كيفية إدخال الطعام الذي يحبه ولدها خلال فترة توقيفه!
... بعد ليلتين قضاها الشابان في مركز لشرطة الآداب، وصلت سيارة شرطة لباب المدرسة ونزلا منها، تجمع الأولاد حولهما للأطمئنان عليهما، وغاب الشابان صاحبا الفكرة مفضّلا الأبتعاد... لم ينبسا الضحيتين بكلمة واحدة، فقط طلبا أسعافهما على عجل بقطعة قماش يلفاها حول راسيهما اللذان بديا كصحراء قاحلة ليس فيها ولا (شعرة)! في اليوم التالي لبس الشابان غترة (يشماغ)، لفاهما بحرص شديد على رأسيهما كي لا ينكشفان حاسيي الرأس وتلمع الصلعة أمام الجميع، لكن ومع تحوطهما الشديد، كانا مثار تعليقات الأساتذة قبل الطلاب، فمدرس الحساب ألتجأ لمدرس الأحياء يسأله كم شعرة برأس الإنسان ليقسّم العدد على ما حصل عليه هذا المغفلان من رأس البنت المسكينة (أطوار) ولتكون النتائج مُذهلة، فبمقابل كل شعرة من رأسها، كانت آلاف الشعرات من رأسيهما... ثمن قاسي! لكن مدرس اللغة الانكليزية قال بأن للأصلع عدة معاني بأوربا، فيمكن أن يكون بيت خالٍ من الأثاث أو حديقة بدون الأشجار والزهور أو سيارة بدون مزايا أضافية (الأوبشن)... أما مدرس اللغة العربية فكان أمام خيارين... فتغيبهما ليومين متتاليين قد حرمهما من تعويض إمتحان القواعد الذي أعاده للصف بعد نسبة رسوب كبيرة أجتاحت نتائج الإمتحان الأول، قال بأنه ليس من المنطق أن يضع أسئلة لثالث مرة من أجلهما، وعليه أعتبر نتيجتيهما المخيبة بالأمتحان الأول هي النهائية. توسل به الولدان وأضافا بأن وضعهما لا يحتمل الرسوب، لكنه ألقى باللوم عليهما وأضاف بأن مستواهما الدراسي كان حرجاً أساساً، وأن شعر (أطوار) إنما هو القشّة التي يقولون عنها بأنها قصمت ظهر البعير*، ثم التفت للشابين المنكوبين ونعتهما... (أي والله، أنتم فعلاً بعران!).
عماد حياوي المبارك
× تُرجم المثل العربي... (القشّة التي قصمت ظهر البعير) لعدة لغات لما له من مغزى ودلالة لفظية... ولأن المثل واضح ولا حاجة لنا لشرح معناه وغايته بعدم الإستهانة بصغائر الأمور، دعونا نتحدث عن الجمل... (سفينة الصحراء)، وأيضاً ليس عن إمكانية حمله ونقله مئات الأرطال تحت ظروف قاسية، بل من ناحية أخرى تتعلق بتحمله عطش الصحراء الشديد، فله قدرة عجيبة فعلاً للعيش بدون ماء بجو قاسي جاف... كيف؟ 1 لأنسجة جهاز هظمه قدرة على إمتصاص الماء من غذاءه بنسبة تصل الى 99% مما يسمح بإيقاد النار ببرازه مباشرة دون تجفيف. 2 كما يمكن للتجاعيد بأنفه أن تُكثف زفيره وإعادة الرطوبة للجسم بدل طرحها للخارج، وهو بذلك يكون الحيوان الوحيد الذي يستعيد الماء المطروح عن طريق عملية التنفس. 3 الجمل لا يعرق إلا إذا ارتفعت درجة حرارة الجو المحيط به عن 42 مؤية لأن بإمكانه رفع درجة حرارة جسمه نهاراً حتى 41.7 درجة متماشياً مع حرارة الجو المحيط به. 4 يمكنه شرب ماء البحر لتقوم الكلية بتخليص جسمه من الأملاح الفائضة بالماء. 5 للجمل القدرة على شرب 18 لتر ماء إذا عطشَ، ويمكنه خزن المياه في كريات الدم لأن شكلها بيضوي يساعدها على الإنتفاخ والأمتلاء بالماء، كما يخزن الجمل الماء بخف أقدامه ويسترجعه عند الحاجة... 6 يحتفظ الجمل بالبول في المثانة ولا يطرحه، ويقوم بتدويره إذا اقتضت حاجة جسمه للماء، فيمتص الدم البول ويدفعه إلى المعدة لتقوم بكتريا خاصة بتحويله إلى بروتين والى ماء نقي من جديد. ... وربما أسباب أخرى لا يزال العلم يغفلها، فحاجة الجسم للعيش في جو صحراوي جاف شحيح المياه قد جعله يكيف نفسه للبقاء، مَثله في ذلك المحيط، مَثل النبتة في الصحراء... أليست الحاجة أم الاختراع!!
#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)
Emad_Hayawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب الفراشات، بين الباستيل والخضراء
-
(( وعد الله))
-
ناس تأكل الكباب...
-
((لستُ أدري!))
-
((وساطة!))
-
مجرد كلام سلطنة
-
سليخة
-
وهابيون جدد
-
ثلاثاً في ثلاث
-
هبهب
-
من نصرٍ... إلى نصر
-
جواسيس (غشمة)
-
حواس وعجايا
-
فيكتوريا
-
عادلون
-
رحلات الصد ما رد...
-
أذكياء لكن... أغبياء
-
شكراً عم (جيليت)
-
حارث
-
مَثار النقعِ
المزيد.....
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|