|
1-2-3-4-5-مرابع البؤس -الانسان ، الزمان ، المكان- رقم
ابراهيم الوراق
الحوار المتمدن-العدد: 1351 - 2005 / 10 / 18 - 07:16
المحور:
الادب والفن
بين هذه الدروب الملتوية في اعماق النسيان ، يقبع هذا الكوخ الجاثم على ادراج البؤس والحرمان ، يحكي ان الحياة جائرة في تصاريفها ، ظالمة في اقدارها . وقبل هذا الممر المليء برفات الجماجم البشرية ، اشباح تستذري كسرا من الخبز ، تهين بهاعضات الجوع ، وتصرع بها التعب المضني لها . كلاب مكتنزة من اللحم البشري ، وققط بدينة من الادهان التي تجود بها اوعية الزبل المنتشرة كالمتاريس في جنبات الحي ، وفيران تغزو البيوت والافنية والمطامير .وصراصير تنبث من الكنف كالجراد . وفي الضفة الاخرى :فضلات تتحسس نعومتها ايدي البؤساء ، وقمامات تقتات منها بطون يابسة على الطوى ، قوم تشرق عليهم الشمس وهم يغشون هذه المحامل ، وتغرب عليهم ولا يتمنون الا ان تجود عليهم غدا بما ينسيهم آلام الجوع والمسغبة . وفي صباح كل يوم ، يصطفون في ابعادها الاربعة ، وينحنون بخشوع بين تلك الاكياس المترعة بالطعام ، يستعطفونها بان تجود عليهم بملء بطونهم ، وسد جوعتهم ، ويالفرحة من ظفر بعظم تلتصق به مزعة لحم . يمر عليهم ابن الحي المترف , يرمق هذه الهياكل البشرية بنظرة شزرى , فتبدو له وكانها اشباح مصطفة في مقبرة , فيغلق منافذ منخريه لئلا يشتم هذه الروائح المنبعثة من هذا المكان ، ويشيح بوجهه الى الضفة الاخرى لئلا يحدد مصدر هذا النتن ، فهل يصدر من هذه القمامات المتكدسة في اوعية البلاستيك ؟؟ ام من هذه الاجساد المتهادية بين فراغات الازبال ؟؟ يمر على الحفل مرات اخرى ، فيتحاشى ان يخطر بباله مصيرهم ، ويستنكف ان يهتم بامرهم ، انه يرى نفسه في ابهة وعز ، فهل يقلق راحته بمأساتهم ؟؟ انه شاب يهدر الوقت ركوبا على دراجة نارية ، او سيارة مرسيديس ، وحين يجتاز كالبرق ، لا تلمس عينك منه الاشعرا طويلا اسدله على عاتقه ، او طيفا من خيال وجهه ، او سروال الجينز ، او حذاء توشحه تقاطيع حديدية على أعلاه ، ولا يكاد يدخل الى شعاب البؤس الافي الليل ، اما بحثا عن المخدرات ، او فتشا عن طريدة مترعة بالحيوية والنشاط . وحين تضغطه بيدها لتلصقه بصدرها يغيب الشاب عن الاحساس فلايكاد يرى الا نجوما تتراكض بين عينيه ، انه قرم الى اللحم البشري ، انه لا يرى الوجود الا بعين (حياة ). هذه الفتاة المتخمة من علب البلاستيك ، والمتمردة على قانون الحياة ، والعارضة لمساحات جسدها في سوق الرقيق الابيض ، تعيش الى جانب اخواتها من بنات الحي القصديري ، يحدوهن امل بان يعشن بالكد والعرق ، ومرت الايام والشهور ، ومازال الحال لابدا ، فقد تطرق احداهن الابواب فلا تجاب ، انها عييت من الانتظار ، وسئمت ان تترقب المحال ، احترقت المراحل ، لتقف على هذا الرصيف ، تنتظر هبات ابن هذا الحي الكبير ، وحين يقعيها على جسمه ، يجود عليها بذرات من سخائه ، وتقابله بليلة ينسى فيها شبقيته بين تفاصيل انوثتها. كل مافي الجسد من خفة وروح يستثمر مع هذا الزبون الذي يغدق المال ، وحين ينهي ليلته تجد (حياة) يدها رطبة ندية ، تستطيع ان تعوض لنفسها بعض الشعور بالتفاوت الطبقي الحاصل في هذا المجتمع .
مرابع البؤس -الانسان ، الزمان ، المكان- رقم 2
وحين تتجه صوب هذا المعبد الاسطوري الذي ترتاده افواج مكتظة من الهامات المنحية ، ترى الابواب مشرعة ، واللهاء مفتوحة ، واصوات الصبيان تخترق الفضاء نحيبا وعويلا ، او صراخا وصياحا .
في كل رقعة من هذا الفضاء المختزن للصور والذكريات ، تصعد انفاس غرثى ، تجوب المكان طولا وعرضا ، فتسوقفك عربات صدئة ، وهرولة المارة ، وكراسي منضودة على ابواب الحوانيت الهامدة ، وكلام فارغ يأكل به الهرمى اوقات فراغهم ، واصوات السابلة تنوح على ابواب المساجد والتكايا . هنا منبت مارية ، وهذا عشها ووكرها ، ومازالت تعيش فيه ولو بعد ان افتقدت ابويها ، وهي تجهل المصير ، ولاتدري الى اين المسير ؟؟
ماذا تختزنين لي ياحياة ؟؟ الم يكفك ما افقدتني من سعادة ابوي ؟؟ الم يهنك ما اتعبتني به من شقاء وحرمان ؟؟ كبرت لمياء في هذه المباءة ، فاحست بان الهضاب والتلال والوديان والغدران التي تلتف بالبلد تكرهها ،وظنت ان عيون البشر تترصدها ، تضايقها ، تخنقها ، انها احبت الحياة ، وتمنت ان تعيش فيها كلداتها. تحمل جرتها في الصباح و المساء ، تزهقها النظرات ، وتعاكسها الكلمات ، تمنت لو عاشت الى جانب احلامها الوردية ، وجارت صديقها ليسمعها كلمات يرتفع صداها مع هزير المآذن ، وحفيف الشجر ، وهينمات الكون . تخرج مارية من هذا الكهف تحمل جرتها فتمر على اجساد اخترمتها الشهوة ، وارواح ترفرف في فضاء القبل والمداعبة ، ففي هذا الكون الفسيح ، والجميع يتراقص لقرص الشمس ، وهو يرسل شريطا من حمرته مودعا الناظرين برومانسية خارقة ، تقف مارية تناجي الغروب ، وتكلم احلامها في لهجة حادة ، لكنها ومع مرور الزمن ، اقسمت بان لا تشعر بطموح ، ولاتأمل في مرغوب ، ودعت احلامها ، ونسيت نفسها ، ثم عاشت بعد ذلك في مكان قصي منفصل عن الشعور والاحساس ، لاترى فيه نفسها الاوحيدة غريبة . فهل احبت وحدتها منذ الصغر ؟؟ ام تغيرحالها وهي تودع ابويها ؟؟ تحكي قريناتها بانها رفضت الحياة منذ خلفت في بيت ابيها وحيدة لا تجاورها فيه الا زوجة اخيها ، فهل تركت حياة الانبساط لانها رأت نفسها في واد الشقاء ؟؟ ام تسلل الى جسدها حنين مع قطرات المياه التي تقطر من الجرة التي تحملها على رأسها ، قطرات تتدلى على جسدها المحتشم كالندى ، تحمل كلمات الى عمق الروح ، وكانها تخبرها بالغد المتيقن . ترمي بنظراتها الى هذه الدروب القاحلة فلا ترى الاعفنا وبؤسا يقتاد احلاما كثيرة ، وهي تمرر على سطح تفكيرها اسئلة تلتاع للجواب عنها ، اهل ضاقت الافق في اعين هؤلاء ؟؟ ام انغلق عنان السماء عليهم ؟؟ فلا ادري كيف يفكرون ؟؟ولا كيف يؤسسون تفكيرهم ؟؟ ترجع مارية الى دهاليز البيت ، وهي تحمل جرة متخنة بجراح صاحبتها ، ولا تكاد تضعها ، حتى تنثال عليها اصوات متداخلة ، تناديها باحتطاب الحطب ، وايقاذ التنور . تسير مارية في كل مسرب ، لتجمع اعوادا يشفعن لها ، وحين تضعهن في التنور تناجي الدخان الذي يصعد من لهيب النار. عمل روتيني تعتاده مارية ، وهي تستسيغ التضحية , وتقبل لنفسها ان تعيش بلامقاومة لهذا الناموس . تنظر الى ابويها وقد افتقدتهما ، تنظر الى جفاف عاطفة اخيها ، تنظر الى قسوة الطبيعة عليها . فلاتكاد تجد لها معينا يرثى لحالها ، ويبكي كربتها ، وينفس همها.
مرابع البؤس -الانسان ،الزمان ،المكان - رقم3
لقد اطلت مارية من شرفة الدنيا المفتوحة لكل قلب منكوب ، تشخص ببصرها نحو السماء في صمت حزين ، يحكي ما اضرم في حشاها من اسى ووجد ، وتنظر الى الكون فلاتراه في مخيلتها ، الا لابسا لفافة من السواد القاتم ، متضرجا بدماء الاصوات البحوحة التي تقف على مدرجة الشكاة والتوجع . تراه في صفائه مرآة تضمد بها جراحها ، وتسوف به آمالها . في هذا المكان ، وانا اراها جامدة متسمرة في الارض كالوتد ،تجوس نظراتها حيال كوخي التعيس ، وكانها تودعه بشكل مريب ، هذا الكوخ الذي الفته كاتبا للبيانات المنددة باحتقار الحريات . اقول لها: صبرا اختي !! وانا اتحسس نبضات قلبها ، تنقل الى كياني صدى روحها المعذبة ، وخرير الجداول يخترق المكان ، وقرير الضفادع يبعث صوتا شجيا ، وظلمة اليل رانت على بياض النهار ، مناظر بهية ، تتشابك فيها فنون الطبيعة ، وتتعانق فيها بسمات الحياة ، انها واحة تفترش الارض ، وتجثم على رجل الدنيا ، تنبعث منها ذرات النسيم ، تسسلل الى فؤادي ، لتهذب ذوقي ، وتسمو بروحي ، وتحيي في قلبي حب الدفاع عن المحرومين . مسكينة هذه الفتاة ، لم ترحمها ارادات قاسية ، ولم تشفع لها وحدتها عند قلوب صلداء لاترى الحنان الاهزيمة في معركة البقاء . سلسلة من الاوامر تصدرها ادارة القرار ، وافانين من العبارات القارصة ، تجلجل وتزمجر ، وتنذر وتوعد ، وحين تنكسر الجرة ، وتنسكب المياه على الصخرة ، ستسيل الاودية ، وتمتلا الغدران ، وتنجرف الارض الموات ، وحين تعودين الى هنا ستجدينه حديقة غناء ، ان فضاء للرقصات والفلكلور الشعبي ..........!!! في شط هذا الوادي ، او على حافة ذلك الغدير ، تخر ساقطة مغشيا على تفكيرها ، من ثقل الجرة ، وحين تنفض الغبار ، وتشعر بثبوت قدمها ، تنظر الى قريناتها وهن يحملن بسمات عريضة ، واماني جميلة ، يستدبرنها في صف الحياة ، ثم تحلق في غيبوبة ، وكانها رأت في اجمة تفكيرها رسالة غفران تبشرها بالحل الاخير ، لقد فكرت ، ان تبتلعها مياه الغدير ، لقد فكرت ان يحملها تيار الوادي هدية لسمك القرش ، لقد فكرت ان تشرب دماءها واحات الزيتون ، لقد فكرت ان تنبث في الوجود كذرات الدخان تذروها الرياح ، لكنها قرأت في الرسالة ان وقت الفرج قد حل . ولكن متى ؟؟ ففي طريقها الى مقبرة الاحلام ، تمر بشيخ تخلفت فيه مسحة جمال ، يجلس على كرسي وثير، فتنظر اليه حين يتفحص تفاصيلها ، فتظنها شبقية ومراهقة متأخرة ، وتمضي الايام طوالا ، واليل مازالت لوائحه المتعفنة ، تطلع مع كل اشراقة فكر ، وومضة روح ، وستبقى الايام هكذا ، تحتاج الى رحمة ورثاء . مسكينة تطارد الهم ، وتعارك الحياة ، بعزيمة خائرة ، فما تراني سأفعل ؟؟ اهل ازوجك وليدي ؟؟ انه خارج البلد في بعثة مسيحية !! و لو صارحته فلن يقبل مني هذا الطلب !! فكيف سأهيا لك فرصة الخلاص من هذا العذاب ؟؟ وكيف ساتحرك بدون ان اثير حفيظة اخيك ؟؟ وهل تستطيعين ان تنجحي لو مددت اليك يد الانقاذ ؟؟ لن اتركك للوحدة ، لن اتركك فريسة للقلق ، سأحاول ان اقف الى جنبك حتى تنالي حقوقك ، هذا ماقلته ايها الشيخ الكبير ، اما انا ، فقد خطفت بارقة من فكر اخيها ، انه يرفض الحوار ، ويعلن حربا شعواء على كل من رام تغيير الوضع ، !!! فمن سيملأالجرة المنتفخة !!؟؟ ومن سيجوب هذا الزقاق لو ودعته ؟؟ ومن سيتحمل جفاء اخيها ، وهو مفتول العضلات ، عصبي المزاج ؟؟ ومن سينال قسط الحياة من الشقاء ؟؟ لقد أيست ان اجد لك حلا ، فليس بين يدي حل الا ان اتأفف واحوقل . استعطفك يازمان ، واسألك بحق الجرة إلا تركتني ، هذا دعاءك يامارية ، فلا تتجاوزيه الى غيره !! وحين يسدل اليل ستاره ، وتنام عيون الظالمين تستيقظ عيون البؤساء ، يضيئون سواد اليل بمداد اعينهم ، فيسيرون بحرية الى مواطن جميلة ، ينزلون من السقف الى الارض ، فينبطحون خشوعا في الاماكن التي وطئتها اقدام الاباء ، وينتحبون في باحة البيب ينظرون الى الجرة التي ورثتها البنت عن امها بذهول ، وحين يصعدون الى الاعلى يجدون الجدران تؤرخ لايام الانس ، وحين تتحرك الى الامام ، ترى ذكريات كثيرة ، تشهد بان البيت كان كبيرا بعاطفة الابوين .
مرابع البؤس -الانسان ، الزمان ، المكان- رقم 4
هبت الريح الغجرية بغلالتها على مرافئ الحزن ، وتكشفت الايام عن متغزل جديد ينسج من وراء الكثبان قصة أخرى ، ينادم فيها الروح الجسد بكؤوس مترعة من الاسى ، ويسامر فيها القلم المرآة في عنفوان رقصة الفناء . وتنتهي الليالي الساهرة بحيرة زائدة . ومارية ما تزال قابعة في جنح الظلام ، تحرك في نفسها شهوة الانتقام ،
نظرت في اصابعها الشاحبة ، وملابسها القطنية ، وحذائها المهترئ ، وعضات البرد تنسل الى جسمها الذابل ، وسواد اليل يسحب على المكان هدوءا . استبينت الباب ، فرأته من اعماق قلبها منفتحا ، هكذا توهمته في خيالها ، وهاهي ذي تحيل الامر الى حقيقة ،
استسلمت للفكرة التي استولت عليها ، والقت عنها ثقل كل مايربطها بالماضي ، ثم هرولت في مشيتها المتعثرة ، تستردف احلاما تقودها نحو المجهول ، نظرت الى الخلف ، وكانها تودع كوخها التعيس ، بكت لمغاني الانس ، ومراتع الصبا ،
لكنها جازفت بالقرار ، واصرت على النسيان . لم تدر شيئا عن مرمى قصدها ، ولم تعرف وسيلة لتحقيق حلمها ، انها اصرت تحت ضغط الشقاء ان ترحل ، فلقد رحلت الى بيت *هيبة * هيبة ، شابة صغيرة ، مصابة بهوس الموضة ، منتظمة في حراك المجتمع ، مدنية لا تكاد تمكت في البيت الاقليلا ، متصلفة ، متعجرفة ، انانية ، لاتشرق الشمس في يومها !!! احست مارية بنظام جديد في الحياة ، وشعرت بروتين يومي مجحف ، فكيف ستعامل تغطرس هيبة ؟؟ وكيف ستتحرك داخل هذا القفص الجديد ؟؟ اسئلة كثيرة تتوارد على خاطرها ، وتفكير مضن يشدها الى الحاضر ، نسيت الجرة والغدير وربع البؤس ، وودعت التاريخ القديم بتفاصيله . فهل ستسالمها الاقدار؟؟ ان المعيشة تحت طقس هذا البيت مصدر جديد للضيق ، !! ومنبع صاف للتعس والشقاء . فلاخادمة هنا الا مارية ، ولاعمل الا في المطبخ ، وكل شيء هنا متناسق ومنتظم ، ، اواني جميلة ، ومزينات نظيفة ، والوان منسجمة ، ومعيشة متوسطة ، فكيف ستستأنس ابنة الوادي بهذا الوضع الجديد ؟؟ لم تنتظم في اول الامر مع واقعها ، ولم تطب عيشا بمقامها الحديث ، ولم تسعد بهذا القفص الذي يخالف عالم الجرة والغدير ، لكنها رغما عليها ستعيش هنا ، فالجرة تعيش في متحف الزاوية الرابعة من سجن الحياة ، والغدير قد جفت مياهه الآسنة ، والدروب تمددت الى مركبات للسكنى ، والايام تتنظر الانتحار على مرافئ النسيان ، . فهل ستتحرك عاطفة اخيها في يوم من الايام تجاهها ؟؟ وكيف سيعثر عليها لو بحث عنها ؟؟ ودعت أمانيها الكاذبة ، حين اعلنت هيبة سلسلة من القوانين ،.. فالنوم له وقته ، ومشاهدة التلفاز كذلك ، اما فتح النوافذ ، والخروج الى الحمام ، والتبضع في السوق ، فأمر ممنوع في شريعة هذا البيت ، وجناية تستوجب العقاب . رباه !! ابنتي : هذا البيت لسيدتك هيبة ، فارجوك ان تكوني حريصة في خدمتها ، هذا ماتكلم به سيد الدار!! وهو يلوذ بالخروج مسرعا ، اهل هذا لطفا منك ، ام ماذا ياسيدي ؟؟ ان الايام قادمة ، وستكشف في تفاصيلها اشياء جديدة ، وسيستمر الغروب معلنا بداية الشروق ،
وسيدي يغط على سريره سويعة ، ثم يرن هاتفه ، فيدلف نحو الباب ، فلا يعود الا متأخرا ضجرا ، و مارية تنتظر رجوعه ، وحين يعود الى البيت تراه منحنيا على اوراق مهشمة على مكتبه ، يصوب بصره فيها ، يتأملها بروية وتؤدة ، وعندما يخرج الى العمل ، تحكم هيبة القفل على الباب ، فلا تعود الامترنحة من نزق الخمرة ، ونشوة السكرة . عالم جديد ، وشخوص اخرى ، وسلوك مخالف ، والحياة مازالت تطوي الجديد !!! وحين استمطرت صديق هيبة باسئلة عن حياتها ، اخبرني بالخبر المتيقن عنها ، ..اخبرني ، بان معرفتها تمت بالمسيوأمين في فندق شيراتون ، ومنذ ذلك الحين ، ولجت حنايا قلبه , واشعت ومضتها في حياته ، ومازالت تنفحه بنسيمها ، وتبين له صنوف الحب الخادع. هيبة ، شابة جميلة تنجذب اليها القلوب ، وتنعطف اليها الارواح ، فهل ترضى ان تكون في حضن هذا العجوز ؟؟ اخبر الميسيوأمين بخبرها المخزي ، واعلم بسرها المكتوم ، لكن ماذا سيقرر ؟؟ وما عساه ان يفعل ؟؟ اهل يرجع الى عجوزه الاولى ؟؟ ام سيختار البقاء مع الدلوعة هيبة ؟؟!!! لااراه الا سيختار هيبة ،وإلا اراه ربما ضعيفا جنسيا ، او عبدا مسخرا بالسحر الاحمر ، !! اذلته هيبة في موسم الذل ، فلا رأي الا ما تراه ، وحين تصطحبه الى مخدع عمله ، تلفاه آمرا ناهيا ، معنفا مغلظا ، وحين تستلم رجله عتبة هذا البيت ، اراه دمية في مهد ها تلعب به كما تشاء.!!! تمرنت مارية على القوانين الحاكمة لهذا السجن ، وتربت على يد هيبة المدللة ، وتلقت دروسا من القسوة ممن لاترحم خادماتها ، تارة بالصفع والضرب ، وتارة بالطرد والحرمان . فماذا حصل لك يا مارية؟؟ وانت قد كسرت ديكورا من ديكوارات الصالة ، ثم نلت جزاءك الاوفى . تحكي في تأوه وتضجر، استحضر من الحدث انه تفتت بين عيني ، ولا ادري من القاه ظهرا ؟؟ ربما قوة خارقة نفذت الى عش تعاستي لتحررني مرة اخرى ، لقد رفستني برجلها على رأسي ، وجذبتني بشعري ، ثم اخذت انبوبا من حديد ، فضربت به يدي فتكسرت ، وهي تقول : احذركه هذه المرة ، لئلا تعودي الى مثلها ابدا . وحين تفطنت لما فعلت ، ضحكت في سخرية واستهزاء ، وهي تقول : سارفعك الى الطبيب لينظر في حالك ، ركبنا السيارة وهي تتلوى بين الازقة والشوارع ،ومرت دقائق والجرح يزداد نبوضا ، وفجأة انزلتني ، لتودعني بهذه الكلمة ، انتظري هنا . اهل هذا تقرير في محاضر الضابطة القضائية ؟؟ ام حكاية حكتها بفيها لي ؟؟ اظنها حكاية ، وما يحكى كثير...
مرابع البؤس -الانسان -الزمان -المكان- 5
في حلقة من حلقات الفضول نظرت الى مارية ، تئن انينا خافتا ، تنكبت عن طريقها ، واجمعت قواي لئلا تعاجلني بسؤال الدموع ، انا لا اطيق يامارية فلسفة القراءة ، ولا ادري اذا قرأت سطرا من معنات روحك اهل سأكون وفيا للقمر اذا بدا ؟؟ ام ستزول مني اريحيتي فأراك شظية في عالم الاحزان ؟؟ اهل ابقى منتظرا يدك الشلاء ؟؟ ام امد اليك حبل يدي المبتور ؟؟ ذرة تنسل من ازقة الحياة ، تنبث في شرايين الارض ، تنادم احشاء قلب المتصلد ، تنتقل بين عوادي الدهر ، يستقربها النوى بين اوراش الزمان ، حتى تنتهي الى آخر خط من حدود الشقاء ، هناك ستقف مودعة ، ملوحة ، تنادي ببراءة الخيال ، وترقص لنغمات تهب من زفرات القلوب . على هذا الرصيق المتلتاع الى الدماء ، تستنزف آخر قطرات الدموع ، تبشرني ببداية طقس المنع والحرمان قاموس من فصائل الكلمات ، تتوزعها لحظات البؤس ، تترى الى فكري ، وانا اراك يامارية في ذلك المكان ، تذكرينني بيوم الاختطاف ، تذكرينني بيوم الاغتصاب ،تذكرينني بيوم البراءة ، تذكرينني بيوم الفناء. فماذا اقول لك ؟؟ وانا ارك في رقصة متفانية في كره الذات ، تتأوهين !!! اهل الالم والتوجع نالا من جلدك ؟؟ ام تذكرت زمنا خاليا من البياض ؟؟ انني اراك ، ياشرطي انسانا جميلا ، انني اراك ياسيارة الاسعاف لطيفة ، انني اراك يامشفى فضيلا ، فهل سأرى ليلك يامارية سعيدا ؟؟ روح مكنونة في ذاتي ، لا تصطلي الا بلظى احلامك ياملهمتي ، !!! الهمتني الشعر ، علمتني الكتابة في زمن تتضرع فيه الايدي متضرجة الى باريها ، تسأل منه لطفا وسدادا ، فباي لسان اجزل الثناء عليك ؟؟ ام استعطف سيلا من النسيان ينسف من قلبي مصباح تذكر يوم العرفان . الممر رقم 4 بلوك 1 مستشفى المنبوذين . هنا يرقد جثمانك الهامد ، يعلو رجلك ان يدك بياض الجبس ، لم اتذكر بعد خريف السنين ، تغيبين في محق لا ادري ما تشاهدين فيه من اسرار ؟؟اهل نوما ام ذهولا ام محوا للذات الساقطة بين هياكل الاكوان ؟؟ ثم تحضرين في حالة من هيستيريا المقام ،طوابير من المرضى ،و ارواح متعفنة ، و اصوات تتبرم ، وروائح قذرة ، والسواد يجثم على المكان ، اهل رايت في غشاء باطنك امواج الجرار ؟؟ ام حضرت بين عينيك ارواح مياه الغدران ؟؟ ام انهكك المرض ، ونال منك الكسر ؟؟ فكيف لك ان تصلي صلاة الى عالمك القديم؟؟ وانت هنا تعيشين يامارية في عزلة موقرة ، وتحضرين في مكان بعيد عن الحياة ، الحياة هنا ثقيلة ، والايام تمر ببطء ، والاستار قد ارخيت ، والاعصار قد غير بوصلة الافلاك . تصرخ الان باعلى صوتها ، وتمزق حجب الصمت بشهقة تفصل جدران المكان الى ساعات تحكي دقائقها عمق المأساة .!!! في الصباح تنشد السكينة ، وتنتظر يوم الحنان . في الساعة الثامنة دائما يدخل عليها من هذا المكان ممرض يتفقد حالها ، ينظرها في زجاجة ادراكه فريسة تتحطم بين مخالبه ، اونسمة من روح الله فاضت على شجرة الاحلام ، في اليل يداهمها كابوس الذعر ، وفي النهار يرقبها بنظرات راعدة ، عصفت الايام ، والتاريخ انسان ديكاتوري ، ومارية ترفض الحوار ، لن اسمح بعذريتي ، لن اسمح بخيانة جرتي ، كلام زعزع اغصان الشجرة المباركة ، ثم سقطت آخر الاوراق الذابلة ، وحين ظهر اللحى والجذر ، قال لها أهل تحبينني ؟؟ تقول : لا ، فيلكمها بلكمة تطير العين في عالم النجوم ، وحين يعيد الكرة ، تقول : نعم حذرا من العذاب ، طقوس يومية تشبه افراح الذين يرون حقول البؤس خصيبة ، يتأملونها في هدوء وسكون ، ويقولون : هكذا حالكم قضاء وقدرا ، فهل صح الخبر ؟؟
#ابراهيم_الوراق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار بين العقل والعاطفة رقم 45
-
حوار بين العقل والعاطفة -رقم 1-2-3-
-
ثورة من أجل الحقوق أم على الظلم...؟
-
مجالس سامرة ..محاورة بين التلميذ وشيخه
المزيد.....
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|