أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فري - أنا والورقة














المزيد.....

أنا والورقة


محمد فري

الحوار المتمدن-العدد: 1350 - 2005 / 10 / 17 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


وضعت الورقة أمامي.. وقررت أن أكتب قصة..نعم..ولم لا؟..الكل يكتب الآن..فلم لا أدلي بدلوي..وأخوض المعمعة مع الخائضين؟..فلأتحرك إذن..مادامت الحركة بركة كما يقولون. فكرت أن أمارس طقوسا عند الكتابة كما سمعت كبار الكتاب يفعلون، فقد يساعد ذلك على تدفق الأفكار، وفتح شهية القلم، واسترضاء ربات الإلهام.
حملقت في الورقة البيضاء حتى كادت عيناي تنزلقان من محجريهما، ركزت كثيرا مستجمعا كل حواسي وعناصر إدراكي، محاولا استرضاء بنات أفكاري، لكن الورقة ظلت فارغة تتحداني ببياضها، واستعصى القلم وأضرب عن إسعافي..وكأن بينهما عصيانا اتفقا عليه، فأكبرا علي أن أحشر في مصاف الأدباء.
غير أنني استنجدت بعنادي، ولم أرضخ لنزوتهما، وصممت على أن أكتب شيئا كيفما كان شكله وجنسه، فالكتابة هي القصد والغاية، وتبا للموضوع،ولأستعن على ذلك بأي شيء، حتى ولو كان تعاويذ وتمائم، فالأسباب كثيرة والغاية واحدة.
قذفت شبة وحرملا في الجمر فتصاعد دخان كثيف ملأ الحجرة وغطى أركانها، ثم انقشعت بعض غيومه تدريجيا لتتجلى صورة شيخ معمم ذي لحية
شعتاء وعينين ماكرتين..فخطر ببالي أن أكتب عن الفقيه المشعوذ الذي تتزاحم أمام بيته أفواج النساء الباحثات عن حلول لمشاكل العنوسة والزواج ..وجموع اليائسين المتشبثين ببلسم أو تعويذة تبعد السوء، وتفتح أبواب الأمل..أعجبتني الفكرة، وراودني مشروع الكتابة عنها، وما أن نويت ذلك حتى أحسست بشرارات تلسع قفاي، واكتشفت أن عيني المشعوذ مصدرها..فأحجمت..وقرأت التعويذة..ثم التمست السلامة من أصحاب الحال والأولياء الصالحين.
عزيت نفسي بأن الأفكار كثيرة..والبخور الذي انقشع عن وجه المشعوذ سينقشع عن وجه آخر، وكأني استطلعت الغيب، إذ سرعان ماانكشفت أمامي صورة أخرى، حملقت فيها فإذا بوجه امرأة مثقل بالمساحيق، ترسل عيناها نظرات متحدية، وينطلق من فمها صوت العلكة كالمدفع الرشاش
- طقطقطق طرطلق
راوغت الطلقات الموجهة إلى مسمعي وخطر ببالي أن أكتب عن الجنس.. والبغاء..وأستلهم سوق المومسات، فهو سوق لا يهدأ أواره، الداخل إليه مفقود، والخارج منه مولود، ولابأس أن أطرز كلامي ببعض التعابير والأوصاف الجنسية المثيرة..فهى مما يذكي الحواس، ويشعل نار الرغبة في النفوس، ويثير فضول القراءة. ارتحت للفكرة، وشمرت عن ساعدي..وتهيأت للكتابة وأنا أستلهم عبارات من الروض العطر وعودة الشيخ إلى صباه..واعتقدت أن كتابتي ستنافس حبوب الفياكرا..وأشرطة البورنو العتيدة..وتخيلت الشهرة ساعية نحوي تختال كغادة مفتوحة الذراعين..لكنني ما إن استسلمت لهذه التداعيات الشهوانية حتى تصاعدت النجوم تتراقص أمام عيني..وشعرت بألم اكتشفت أن مصدره صفعة " ناعمة " نزلت على قفاي من حيث لا أحتسب..والتفت لأفاجأ بالمرأة المومس ترعد وتبرق، والشرر يتطاير من عينيها، وقد اختلطت حمرته بلون شفتيها.. فأمسكت بتلابيبي محتجة عن استيحائي منها دون مقابل، مهددة إياي بالويل والثبور إن أنا أضفت كلمة واحدة أخرى دون مراعاة حقوق المؤلفة الممارسة. رفعت الراية البيضاء، وقبلت الأعتاب مسترضيا ومعلنا الطاعة والولاء..ولم أنس أن أتمتم ببعض الأبيات الغزلية، العذرية منها والإباحية إلى أن هدأت المرأة..وتلاشت صورتها مع الدخان..فتنفست الصعداء، وحمدت الله على النجاة.
عدت صاغرا إلى ورقتي البيضاء، فاستقبلتني بابتسامة ساخرة متشفية، فغاظني مكرها..وهمني عنادها، وقلت: سأقاوم حتى النهاية..وإنها لثورة حتى ينتشر السواد في عقر البياض. استلهمت الدخان.. وسلمت الأمر لأهل المكان..واستعطفت البخور عله يطلع بوجوه أخرى تكون فاتحة خير وبركة..وفعلا تراقصت أمامي سحنات كثيرة تبينت منها سحنة الكاتب النحرير ذي القلم الخطير..ثم سحنة رجل الأعمال الحاج القوالبي صاحب الصولات والجولات..والسيارات الفارهة والفيلات..وتلت ذلك ملامح زعيم الحزب اللعوب..العارف بأسرار تكديس الجيوب..وحمدت الله على هذا الوحي الكثير..والغنم الوفير..وعولت على استلهام فصاحة هؤلاء..أطعم بها فراغات الصفحة البيضاء..وما أن شرعت في اقتناص هذه الشذرات..حتى تناهى إلى سمعي ضجيج جوقة موسيقية عم صداها المكان..ليظهر رجل البرلمان، في زفة منقطعة النظير..يوزع الوعود مشفوعة بالابتسامات والنظرات الواعدات..وأتباعه وراءه يجرون ثورا سمينا سيكون مأدبة سخية لمن يبيع الأصوات في حملة الانتخابات..
وهكذا تتالت الوجوه المختلفة..وأيقنت أن زمام الإلهام قد انقاد للقلم..ولن تملك الورقة اللعينة إلا الاستسلام..فغمرتني فرحة عارمة..وعلمت أن الظباء قد تكاثرت على خراش..وما عليه إلا أن يختار ما يصيد..فالحمد لله على هذه الثروة الوفيرة من المواضيع الكثيرة الصالحة للكتابة والضامنة للنشر والانتشار..
لويت عنق القلم..وعصرت رأسه على الورقة منتصرا..أتوعدها بفض بكارتها..وتسويد فضاءاتها..غير أن ما لم يكن في الحسبان..ولم يخطر على الأذهان..هو أنه في اللحظة ذاتها..سمعت هرجا ومرجا.. وضجيجا يكاد يصم الآذان فالتفت هنا وهناك.. وإذا بالوجوه أراها متربصة..تشع من عيونها نوايا غير بريئة..فأيقنت أن السلامة في صحة الأقدام..وهربت ناجيا بجلدي لا أكاد ألوي على شيء..ملتمسا النجدة والغوث..بينما قهقهات متحدية ماكرة..تصلني وتلتصق بسمعي..فألتفت لأكتشف ورقة ظل بياضها ناصعا مشعا..يخطف الأبصار..ويعمي العيون !!



#محمد_فري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم فوق بساط الريح
- فارس بلا جواد


المزيد.....




- لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إ ...
- فيديو.. -انتحاري- يقتحم المسرح خلال غناء سيرين عبد النور
- بين الأدب والسياسة.. ماريو فارغاس يوسا آخر أدباء أميركا اللا ...
- -هوماي- ظاهرة موسيقية تعيد إحياء التراث الباشكيري على الخريط ...
- السعودية تطلق مشروع -السياسات اللغوية في العالم-
- فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف ...
- أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس ...
- أفلام رعب طول اليوم .. جهز فشارك واستنى الفيلم الجديد على تر ...
- متاحف الكرملين تقيم معرضا لتقاليد المطبخ الصيني
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. ملحن يؤلف الموسيقى حتى بعد وفاته!


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فري - أنا والورقة