|
قراءة من سفر التطور – 6 – من ال 1 إلى ال 3.
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4900 - 2015 / 8 / 18 - 17:22
المحور:
الطب , والعلوم
قراءة من سفر التطور – 6 – من الـ 1 إلى الـ 3.
شجرة التصنيف البيولوجي منهجية ٌ (للتبسيط نقول ُ: خريطة ٌ) تساعدنا لنتعرف َ على تجمعات الكائنات المتشابهة في صفاتها، و تفرعات ِ كل تجمع إلى تجمعات فرعية، تتشابه ُ أكثر َ في الصفات و تتفرع ُ بدورها إلى تجمعات أكثر تشابُها ً و هكذا، حتى نحصل َ في النهاية ِ على ثمانية فاصل سبعة بالعشرة 8.7 مليون طرف، يمثِّل ُ كل ُّ طرف ٍ فيها نوعا ً من الأنواع الحيوانية أو النباتية، و منها نوع ُ الإنسان العاقل Homo Sapiens الذي ننتمي إليه.
التجمعات الرئيسية لشجرة التصنيف هي: النطاق المملكة الشعبة الصف الرتبة الفصيلة (العائلة) الجنس النوع
فمثلا ً بالنسبة ِ للإنسان فإن التصنيف سيكون:
النطاق: حقيقيات النوى (أي كائنات عندها خلايا، في كل خلية نواة مُحاطة بغشاء).
المملكة: الحيوانية (هناك ممالك أخرى مثل المملكة النباتية مثلاً).
الشعبة: الحبليات (لنا حبل ظهري و عمود فقري، بينما كائنات أخرى مثل العناكب مثلا ً تفتقر إلى هذا).
الصف: الثديات (أنثى الإنسان تلد و تُرضع).
الرتبة: الرئيسيات (و هي كائنات تشمل نسانيس و قرود صغيرة مختلفة، قرد إنسان الغاب البرتقالي، الغوريلا، الشيمبانزي، البابون، الإنسان).
الفصيلة: القردة العليا (تشمل فقط: قرد إنسان الغاب البرتقالي، الغوريلا، الشيمبانزي، البابون، الإنسان).
الجنس: الإنسان (فقط و دون باقي القردة العليا).
النوع: العاقل (و هو النوع الوحيدُ حاليا ً. في الماضي كانت أنواع ٌ أخرى موجودة ً لكنها انقرضت. فمثلا ً إنسان النياندرتال تواجد بالتزامن معنا حتى ما قبل خمسٍ و ثلاثين ألف سنة، و تشير بعض الأبحاث غير المؤكدة بالقطع، إلى تزاوج تم َّ بيننا نحن ُ الإنسان العاقل و بين إنسان النياندرتال).
دعونا الآن ننظرُ إلى شجرة ِ الحياة نظرة ً أعمق، نبدأ ُ فيها بالعودةِ من كل ِّ نوع ٍ إلى ما فوقه ُ من تصنيف، لندرس علاقته بالأنواع الأخرى، و سأستخدم ُ مثالي َالسابق: الإنسان َ العاقل.
من نوع الإنسان العاقل نصعد ُ إلى جنس الإنسان لنسأل: هل هناك َ أنواع أخرى تحت هذا الجنس؟ و سيكون ُ الجواب ما أوردتُه عن إنسان النياندرتال قبل الفقرة السابقة.
لنصعدْ أكثر من جنس الإنسان إلى فصيلة ِ القردة العليا، سنجد ُ أننا نشترك في الصفات مع إنسان الغاب البرتقالي، الغوريلا، الشيمبانزي و البابون.
لنعد ْ أكثر َ باتجاه رتبة الرئيسيات، و ستنضم ُ لقافلتنا المسافرة الآن نسانيس و قرود صغيرة، و هناك سيبدأ أحساس ٌ لدى الكثيرين بعدم الراحة من وضع هذه الكائنات البسيطة معنا، طبعا ً ناهيك َ عن الإشارة أن عدم الراحة قد بدأ عند الكثيرين منذ تكلمت ُ عن النياندرتال، لكنني هنا أفترض ُ بـِـدْأ َ عدم الراحة عند دخول النسانيس فقط مُعتبرا ً أن قــُـرَّائي يتميزون بانفتاحٍ عقلي يتيح ُ لهم التعامل َ مع أفكار ٍ غير مريحة بعين ِ البحث ِ و التساؤُل ِ و التفكير ِ و التمحيص و الفحص.
من رتبة ِ الرئيسيات سأصعدُ بكم نحو صف: الثديات، و سأسأل: هل هناك َ صفوف ٌ أخرى؟ الجواب: بالطبع هناك َ صفوف ٌ أخرى، و منها صف: الزواحف مثل الأفاعي و السحالي و التماسيح، و سآخذ ُ الارتياب َ و الشك َّ و عدم الراحة نحو مستويات أعلى و أكثر إدرارا ً للأدرينالين لأسأل: ما شأننا بهم؟
تفيدنا علوم الأحافير بأننا نشترك ُ مع الزواحف في سلف ٍ مُشترك، و هنا لا بُد َّ أن أنبّـِه أن كلمة سلف مشترك تعني وجود كائن لم يكن ثديّـَـا ً و لم يكن زاحفا ً، إنه كائن ٌ أسبق منهما، انحدر من أصبحوا زواحفا ً منه، و كذلك من أصبحوا ثديات ٍ أيضا ً. هذه العملية حتى تخصصت ِ الكائنات ُ إلى زواحف َ و ثديات ٍ أخذت ملاين السنين، فلم تكن نُزهة ٌ و لا فصلا ً و لا بِضع سنين و لا قرونا ً حتى.
يُميِّزُ العلماء الثديات لأن لها غددا ً حليبية أي مسؤولة عن إدرار الحليب لتُرضع صغارها، لكن المُشكلة َ أن الأحافير التي تذهب ُ فيها الأنسجة ُ و تختفي منها الغدد بفعل التحلل لا تــُـمكــّـِنـُـنـَـا من تميز ِ الزاحف ِ من الثــَّـديِّ، خصوصا ً إذا كانت الأحفورة لثــَّـدي ٍّ عتيق ٍ جدا ً يُشبه الزاحف، فكيف َ نعرفهما من بعضهما إذا ً؟
لهذا طرق ٌ كثيرة سأتناول ُ منها اليوم َ واحدة ً!
قديما ً قال َ عاشق ٌ ولهان: الأُذن ُ تعشق ُ قبل العين ِ أحيانا ً، و أقول ُ له: نعم، و أزيدُك َ – و إن كانت الزيادة ُ لا شأن لها في العشق – لأقول: الأذن ُ أفيـَـدُ للفاحِصُ من الغدد ِ الحليبية كذلك!
فلو نظرنا إلى أحفورة ِ حيوان ٍ قديم يبدو أن زاحف، و يشبه البُرص أو السحلية ربما، ثم احترنا هل هو زاحف ٌ أم ثدي، فما علينا إلّا أن نفحص َ الأذن. إن سلف الزواحف و الثديات المشترك كان له فك أسفل في نهايته عظمة صغيرة، و فك أعلى في نهايته عظمة صغيرة، و تلتقي العظمتان لتجمعا الفكَّين، و كان له في أذنِه عظمة واحدة فقط،،،
،،، لكنه حينما بدأ يتكاثر و عبر ملاين السنين طرأ تغيرٌ على بعض ِ من انحدروا منه و الذين صاروا فيما بعد ثديات: فاختلف َ تركيب ُ الفك لديهم حيث ُ صعدت ِ العظمتان ِ نحو الأذن ليصير لديه ثلاث ُ عظمات ٍ في الأذن بدل واحدة. هاتان العظمتان الجديدتان ِ على الأذن و اللتين نملكهما نحن البشر هما: المطرقة و السندان.
لقد صعدت ِ العظمتان ِ إلى الأذن لتأخذا وظيفة ً جديدة ً هي وظيفة ُ تحسين ِعملية السمع. و تُعرف ُ عملية ُ اتخاذ عضو ما لوظيفة جديدة في الجسم بدل الوظيفة القديمة باسم: التكيُّف المٌسبق أو التكانُف (تكيف آنف) Exaptation.
أما تحسين عملية السمع فيتم بواسطتين:
- تطوير عملية نقل الصوت من خلال استخدام ثلاث عظمات بدل واحدة.
- و تطوير القدرة على نقل ترددات صوتية معينة و تثبيط أو تقليل نقل ترددات أخرى.
و كمثالٍ جميل على هذه النقطة الأخيرة الخاصة بالترددات: أود ُّ الاستعانة َ بالخفَّاش (أو الوطواط و هو حيوان ٌ ثديٌّ عزيزي القارئ حتى و إن كان يطير) حيثُ أنه قد طور أيضا ً عضلتين مُرتبطتين بالعظمتين السابق ِ ذِكرُهـُما، حتى تمنعا عن أذنيه التضرُّر َ بالموجات الصوتية التي يُطلقها بنفسه حين يريدُ تحديد موقع فريسته أو التعرُّف َ على محيطه، بطريقة "الرصد بالصدى". (طريقة الرصد بالصدى هي أن يطلق َ الكائن ُ صوتا ً، ثم َّ يستقبل َ موجات ِ الصوت التي اصطدمت بالفريسة ثم عات إليه، و يحدِّد َ بقوة خصائصة الطبيعية موقع الطريدة، أي بطريقة الرادار، و التي تعلمناها نحن ُ البشر ُ من الحيوانات!)
لاحظ أيها القارئ الكريم أن أشكال َ و صفات ِ الزواحف ِ الآن َ مختلفة ٌ عن الثديات، فالإنسان، لا يشبه السحلية َ، لكن َّ علوم البيولوجيا و الجينات و الأحافير تقول ُ لنا و بكل وضوح أننا نشترك ُ في سلف ٍ سابق أعطانا ما استخدمه كل ُّ نوع ٍ منا بطريقة مختلفة، و بواسطة ِ القدرة البيولوجية لشريط الـ DNA، حتى أصبحنا ما نحن عليه كثديات و منه الـ 3 بدلا ً من الـ 1، و أصبحوا ما هم عليه كزواحف،،،
،،، تمثــّـِـل ُ هذه العلوم توقيع َ: الأم ِ الطبيعة، على كلينا، و هو مطبوع ٌ فينا، جميع َ السابق ِ يؤكِّد ُ،،،
،،، و تعرفُه عين ُ العلم الخبيرة، و تقبلُه قدرة ُ العقل المُنيرة!
--------------------------------------------------- المصادر و لمزيد ٍ من القراءة:
حقيقيات النوى: https://en.wikipedia.org/wiki/Eukaryote
التصنيف البيولوجي: https://en.wikipedia.org/wiki/Taxonomy_(biology) http://www.exploringnature.org/graphics/ecology/classification_chart.jpg
تطورعظيمات السمع: https://en.wikipedia.org/wiki/Evolution_of_mammalian_auditory_ossicles
https://en.wikipedia.org/wiki/Ossicles
تطور الثديات و الزواحف من سلف مشترك: http://www.talkorigins.org/faqs/comdesc/section1.html
الرصد بالصدى لدى الخفاش: https://en.wikipedia.org/wiki/Animal_echolocation
فصيلة القردة العليا: https://en.wikipedia.org/wiki/Hominidae
التكيُّف المٌسبق أو التكانُف (تكيف آنف): http://www.livescience.com/39688-exaptation.html
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوح في جدليات – 12 – عصفور ماريَّا.
-
قراءة في الوجود – 5 - الوعي كوعاء للعقل و الإحساس و ما دونه.
-
قراءة في الوجود – 4 – بين وعي المادة و هدفها.
-
بوح في جدليات – 11 – في مديح ِ عشتار - نحن ُ الإنسان!ّ
-
قراءة في اللادينية – 6 – مقدِّمة في مظاهر ما قبل الدين عند ا
...
-
بوح في جدليات – 10 – ثلاثة ُ أيام ٍ بعد.
-
قراءة في اللادينية – 5 – جذورُ: الإحيائية، الطوطم و التابو ف
...
-
قراءة من سفر التطور – 5 – من ال 24 إلى ال 23
-
قراءة من سفر التطور – 4 – من ال SIV إلى ال HIV
-
المرأة الفلسطينية – بين الأمومة و السياسة.
-
بوح في جدليات - 9 - ديك أسكليبيوس.
-
عشتار - 4 – انبثاقُ الحياة.
-
عمَّا بين النقد المُنفلت و نجاعة التأثير - 2
-
الفيلا في وسط الغابة –الياكيم، باراك، أوباما و التاريخ.
-
في نجوى معاذ
-
عمَّا بين النقد المُنفلت و نجاعة التأثير.
-
قراءة في القداسة - 3 - عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
ذات َ كأس ِ قهوة - 2
-
قراءة في القداسة - 2 - عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
قراءة مغايرة في إرهاب شارلي إبدو.
المزيد.....
-
عادات صحية وأطعمة تحمى عينيك من تأثير الشاشات
-
بروكسل: ستواصل ألمانيا استقبال الغاز الطبيعي المسال الروسي ع
...
-
“إجازة نص السنة” تردد قناة وناسة أطفال على القمر الصناعي
-
قد تختفى الأعراض مع مرحلة البلوغ.. كيف يساعد التدخل المبكر ف
...
-
شباب على طول.. دراسة على أشخاص بلغوا 100 عام توضح سر نظامهم
...
-
بلجيكا تعلن مواصلة استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي بشرط
...
-
موظفة بالصحة العالمية تدشن حملة لجمع تبرعات للمنظمة بعد انسح
...
-
الصحة العالمية:عمليات توصيل المساعدات الانسانية لغزة تواجه ت
...
-
لهذه الأسباب احرصى على تناول التمر قبل الولادة
-
خبراء يحذرون من -قاتل صامت- يودي بحياة الأمريكيين أكثر من ال
...
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|