|
(الحب والعشق في الشعر القديم (2-4
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1350 - 2005 / 10 / 17 - 11:46
المحور:
الادب والفن
-2- (العشق والمنفى)
قد يلاحق المرء من قبل السلطة بتهمة سياسية فيغادر إلى المنفى وقد يلاحق المطلوب ثأراً عشائرياً فيغادر مسقط رأسه ولكن إن يلاحق المرء بتهمة العشق فيضطر لمغادرة دياره فهذا ظلماً مضاعفاً، فهو حكم بالموت على من أبتلى بداء العشق مجبراً فأي الظلميين أهون عليه، ظلم القبيلة الهادرة لدمه أم ظلم القلب الذي لايكف عن أسره. فكلما شكا قلب وجسد العاشق علت الفراق شعراً، كلما زاد الإصرار على هدر دمه عشائرياً. فإن تمكن من مقاومة حملات التهديد، فهل يتمكن العاشق من مقاومة شر الفراق الذي يشل قدراته وذهنه على التواصل؟. فلم يعد لصبره حيلة في تهدئة خواطره المصابة بداء العشق. يصف ((إبراهيم بن أبي الهيثم)) حالته في الفراق قائلاً:"لاصبر لي عند الفراق.............فقد الحبيب ولوعة الحب". عندما تهاجم جحافل اليأس والظنون روح العاشق في المنفى، وما عساه فاعل وما الدواء الشافي لعلاجه، فالروح لاتشفى إلا بلقاء الحبيب الذي يطفئ حرائق الوجدان المشتعلة في كامل منظومة الروح. فلا الشكوى ولا الأنين ولا هدير الشعر قادر على إطفاء حرائق الروح التي يمتد ليهيبها ليشعل منظومة الجسد بكاملها لتصيب الروح بداء الجنون ومن ثم تصاب منظومة العقل التي تفتقد السيطرة على منظومة الجسد فيتصرف العاشق بسلوك يتعارض والسلوك العام في المجتمع فيوصم بالجنون. فإذا كان الجنون خبلاً، فجنون العشق عقلاً لايفهمه سوى العشاق. يشكو ((أبو دهبل)) فراقه عن حبيبه قائلاً: "طال ليلي وبت كالمجنون.........ومللت الثراء في جيرون وأطلت المقام بالشام حتى.........ظن أهلي برجمان الظنون". إذا غادر العاشق إلى المنفى للحفاظ على حياته مقابل تحمله الموت كل ساعة نتيجة فراقه للمحبوب، فأين يفر القلب المسجون بين أضلاع الصدر؟ هذا القلب الذي يحمل سر العشق، فيعبر في كل نبضة له عن إحساس وعاطفة تتدفق كالسيل الجارف في شرايين الجسد فتجرف كل سدود الصبر وتفتح أنفاقاً في مكونات الجسد لتلتقي بهدير العشق الأتي من أعماق الروح. يصرخ ((بشار بن برد)) في القلب قائلاً: "يا قلب مالي أراك لاتفر...........إياك أعني وعندك الخبر".
-3- (ومن الحب ما قتل) إن تحارب في معركة بالأعراف السائدة فأنت شجاع، وإن تموت فيها فأنت شهيد. وإن تقتل فأنت مناضل.....لكن أن تموت وأنت عاشقاً فذاك جنون!. وإن تبكي عزيزاً مات فأنت معذور وإن تبكي نكبة أصابتك فأنت عاطفي......لكن أن تبكي من فراق الحبيب فأنت ضعيف. فإن كان للدموع مبرراً لكل المصائب، فأكثرها تبريراً تلك التي تتدفق سيولاً عن فراق الحبيب. إنها دموع ليس لها علاقة بمنظومة الجسد، فهي تنبع من ينابيع الروح التي تغسل خطايا الجسد عسى أن يتبرأ من آثامه فيكون أهلاً لاستقرار الروح بكل قداستها وعفتها!. يبكي ((ذو الرمة)) حبيبته، فيبكي القوم لحاله قائلاً: "يبكت على مي بها إذ عرفتها..........وهجت الهوى حتى بكى القوم من أجلي تطلوا ومنهم ومعه غـالب له..........وآخـر يثني عبـرة العيـن بالمهمـل". ما ذنب العاشق إن أبتلى بداء العشق، وما ذنب القلب أن هوى والعين إذا جسدت صور الجمال فتلفقها القلب غفلة. إن تعيش في عالم من السحر والجمال والشعر والخرافات والتاريخ والعشق العذري فهذا قدرك وما الأقدار إلا ما كتبت على الأبدان منذ لحظة الخلق، فهي المسؤولة عن الأهواء والعشق وما يصيب المرء دون أن يعي ما سرها. وما عذر العاشق حينئذ، إذا ما نال نصيبه من الأقدار فهوى في العشق مجبراً تتقاذفه مسارات الجنون صارخاً من كتب على قلبي أن يعاني من سكرات العشق فيميت جسدي بدائه وأنا الشاهد على هذا الموت عنوة. يتساءل ((قيس بن ذريح)) عن دوافع قتله بداء العشق قائلاً: "فو الله ثم والله إني لذائب.........أفكر ما ذنبي إليك وأعجب ووالله ما أدري علام قتلتني.......وأي أمور فيك يا ليل أركب". وما عذر العاشق إلا الشكوى وتوسل اللقاء بالحبيب، فيا لله إن كنت تفرض على الناس أقدراك فما ذنب العاشق المعذب!. إن سلمنا بفكرة تناسخ الأرواح وما تناله الأرواح الآثمة في أجساد البشر حتى تتبرأ من أثمها لتسكن ثانية في جسد طاهر فيسمو شأن وقدر الإنسان ليقترب أكثر في سلوكه من نداءات الروح الخيرة. فما ذنب الإنسان الذي تسكنه الروح الآثمة فيتحمل أثم غيره ويدفع ثمناً لآثام لم يرتكبها؟. وإن كان الحب قدراً والعشق ثمن الفراق......فلما لاتقبل أعذار الشكوى والدموع عن ذنب لم يقترفه العاشق بحق نفسه وأنما الأقدار هي التي اقترفتها بحقه عنوة!. إذا كان اليأس هو نصيب العاشق في نهاية الأمر لتتطهر الروح من آثامها المتوارثة....عندئذ داء العشق لادواء له إلا بلقاء الحبيب وذاك اللقاء لايتم إلا إذا تطهرت روح العاشق والمعشوق من أثمها المتوارث فينالان اللقاء بأذن الأقدار ثانية. يعلن ((يزيد بن الطثرية)) عن يأسه من الحب قائلاً: "أحبك حب اليأس أن نفع الحيا........وإن لم يكن من هواك طبيبً".
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(الحب والعشق في الشعر القديم (1-4
-
النظرة الدونية للمرأة عند توفيق الحكيم
-
سلوك وتصرفات اللئيم
-
الاساءات والحط من قدر نخب المجتمع
-
الضمير والسمعة عند السياسي
-
فن الإصغاء في العمل السياسي
-
احترام الكلمة في العمل السياسي
-
أداء ومهام السياسي السوي
-
دور الأحزاب السياسية في بناء الدولة الحديثة
-
نهج وتوجهات الأنظمة والأحزاب الشمولية
-
البعد التاريخي والمعاصر للنظريات السياسية والاجتماعية
-
دور الفكر في المذهب البرجماتي والوضعي
-
صراع الكيانات الحزبية على السلطة
-
خلاف الرأي بين العقلاء والجهلة
-
المهام والأداء في العمل السياسي
-
الحرية والعدالة
-
تحديات المجتمع المتخلف للدولة
-
السياسيون السفلة
-
التاريخ ودعاة الديمقراطية
-
إدارة الصراع السياسي
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|