|
مديح لنساء العائلة/ قراءة سوسيولوجية للرواية
مهند عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 4899 - 2015 / 8 / 17 - 01:45
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
" (مديح لنساء العائلة) رواية ثانية للقاص والاديب محمود شقير، بعد روايته الاولى ( فرس العائلة)، روايتان انتقل بهما الكاتب من عالم القصة القصيرة التي أبدع فيها أيما ابداع الى عالم خاص من الرواية مثير للاعجاب. يرسم شقير في روايته الجديدة مسارمجتمع بدوي فلاحي في قالب روائي مشوق، وهو يمر بتحولات وتناقضات هي اشبه بآلام ولادة جديدة. النساء – نصف المجتمع - كن زاوية النظر التي انطلق منها الروائي ببصيرته الثاقبة وحولها الى أداة قياس لرصد التطور والثقافة الجديدة، وقد وضع النساء في فضاء اجتماعي انساني جاذب وصادم في الوقت نفسه. استحضر الروائي النساء من الهامش الذي حدده لهن المجتمع، ووضعهن وسط المشهد، وقال الاشياء المسكوت عنها بجرأته المعهودة. كان ذلك في صلب رسالة الكاتب التحررية المنسجمة مع موقفه الصريح الداعم لحق المرأة ولمكانتها كَنِدٍ وعلى قدم المساواة في المجتمع، خلافا لما هو مألوف في استخدام النساء للإثارة وضمن وظيفة التسويق والتسليع، او لتجميل الذكورة المستبدة. ربط الروائي شقير بين التطور المادي والتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي في إطار المجموعة السكانية البدوية . فالكهرباء هزمت "الجن" بالضربة القاضية، تقريبا. وجلسات السمر التي تحكي تغريبة بني هلال وابو زيد الهلالي، وتٌلقى فيها الاشعار على ايقاع الربابة الآلة البدائية، استبدلت بالتلفاز الذي قدم بديلا من نوع آخر، كالمغنية سميرة توفيق والمغنية صباح ، والراقصات والافلام والمسلسلات ونشرات الاخبار. انه التطور المادي الذي فعل فعله في البشر وفي اسلوب حياتهم وعلاقاتهم ونقلهم من عالم الميثولوجيا (الاساطير والخرافات والجن ) الى المخترعات الحديثة الكهرباء والتلفزيون والثلاجة). الرواية عرضت تحولات كان من ابرزها نقل الولاءات من العشيرة الى الاحزاب السياسية ، ومن العشيرة الى الوطن. فقد التحق أبناء من العشيرة بالثورة ، بعضهم نشط في الاحزاب والبعض الاخرارتبط بأنظمة عربية، وبفعل التعدد والتنوع تفككت العشيرة الى عائلات وأسر صغيرة مستقلة لم يعد رأي زعيم العشيرة هو القول الفصل، ففي الانتخابات مثلا تباينت الاراء وتوزعت الاصوات على عدد من المرشحين. غير ان التحول الابرز الذي تمحورت حوله الرواية تجسد في تغير مكانة المرأة ودورها، من النموذج التقليدي الذي قدمه شيخ العشيرة "منان" الى نماذج الابناء والبنات الذين تعاملوا كشركاء "تقريبا". ففي حين تزوج الاب ست مرات وحاول الزواج من أرملة سمراء سابعة وكان عليه أن يطلق أقدم زوجاته كي يحتفظ بأربعة نساء بصورة مستمرة وحتى الرمق الاخير من حياته، وأنجب 27 ولدا وبنتا ، وانحدر من صلبه اكثر من مئتين ابنا وابنه. مقابل هذا التعدد المفرط من الزوجات والعائلة الممتدة، سلك الابناء طرقا أخرى، "محمد الصغير" الموظف في المحكمة أخبر ابوه انه سيتزوج من امرأة مطلقة هي "سناء" التي تكبره بثلاث سنوات، ورفض كل ضغوط العائلة للزواج من أخرى بعد ان اكتشفوا انها لا تستطيع الانجاب، لم تعترض سناء على زواج محمد من اخرى بشرط انفصالها عنه لانها ترفض تعدد الزوجات، لكن محمد لم يفعل. "فليحان" خطف "رسمية" من ابن عمها وتزوجها، خلافا للقول الشائع (ابن العم بنزل ابنة عمه العروس عن الفرس). "عطوان" ترك زوجته وابنه وتزوج من برازيلية وبقي معها خارج البلاد. "فلحة" الابنة هربت مع عشيقها وتزوجت الرجل الذي احبته وعندما عثر عليها عمها "عبد الجبار" لم يقتلها كما جرت العادة وحظيت بعفو الاب لاحقا. ورفضت "نوال" الزواج من "ادهم" بسبب طموحها الدراسي. وأصغى محمد الكبير"العامل" في فنادق المدينة الى افكار "مريم" التقدمية بعد ان احبها، وتحول الى ناشط يساري مهم في المدينة. و"فاتن" التي طلبت الطلاق من زوجها لانها لم تحتمل الذل والمهانة وظفرت بحريتها. كما نلاحظ، فان العلاقات التي قدمها شقير تجاوزت تعدد الزوجات التي لم تعد تطاق، وأظهرت شراكة المرأة في الاختيار وفي الحياة، وتغلب البعد الانساني على عادات وتقاليد لا سيما مقياس الانجاب الذي تُقَيّم على أساسه المرأة، فضلا عن الدور الريادي للمرأة في تطوير الرجل وفي نجاح الحياة المشتركة المتكافئة كما ظهر في دور "مريم" و " سناء". النماذج الايجابية التي سلط شقير الاضواء عليها، وفتح الطرق والمسالك التي تفضي اليها، مشجعا القراء على الحذو حذوها من طرف خفي وبمهارة وذكاء الروائي، هذه النماذج كانت جزءا من المشهد ولم تكن المشهد كله. فقد تخلل هذه العملية اشتباك الروائي مع المسكوت عنه من ظلم واستبداد كان يحيق بالمرأة، وما يزال. يقول محمد الموظف في المحكمة : "حين رحت اسجل في دفتري الخاص تفاصيل ما تبوح به النساء والرجال الراغبون في الطلاق اعتقدت انني سأكتب قصة طويلة مسلسلة أزلزل بها اركان مجتمعنا الابوي الذي يظلم النساء ويهينهن ويتنكر لحقوقهن ولكرامتهن. كنت اربط بين ظلم النساء وضياع البلاد، فلن نتمكن من تحرير البلاد ما دمنا نظلم النساء". ثم يقرر محمد ترك وظيفته احتجاجا، لانه لم يعد قادرا على رؤية بنات في الرابعة عشرة والخامسة عشرة يزوجهن اهلهن ويخرجوهن من المدارس بحجة ان مصير البنات الزواج والقعود في البيت. وفي معرض استعراض ثقافة المجتمع الذكوري الظالمة للمرأة والحاطة من كرامتها استعرض الروائي تقليدين بائسين الاول : " لا يوجد بنات في شجرة العائلة التي تعرف بالعائلات، لأن المجتمع الذكوري لا يعترف بوجودهن باعتبارهن ضلعا قاصرا وملحقات بالذكور كما هي الامتعة والمقتنيات. والثاني : نصيحة العريس ليلة الدخلة، " إقطع رأس القط من اللحظة الأولى وإلا فسوف تعيش عمرك كله وانت مذل مهان وسوف تتحكم فيك وتركبك". ويمضي في وصف -لا يخلو من تحريض-، ذلك العمل الوحشي الذي يتسبب في امراض نفسية دائمة للنساء. النساء إذن مظلومات في العائلة والعشيرة والمجتمع الفلسطيني . ولا يمكن للمجتمع أن يتطور بمعزل عن إزاحة هذا الظلم التاريخي الذي يستند الى ثقافة رجعية محافظة تستقوي بتفسير القدماء لنصوص دينية، وترفض تفسير رجال الدين المتنورين الذين استبينوا العدالة والاخلاق والمساواة والتطور. ومن اهم إضاءات الرواية، الاشتباك مع الثقافة الرجعية بجرأة ووضوح لمصلحة ثقافة تقدمية، وربط التحرر الوطني من الاحتلال الكولونيالي بالتحرر الاجتماعي. اشتباك توقف للاسف منذ عقدين إلا ما ندر وقل كما فعلت هذه الرواية التي تعاود الاشتباك بجرأة وبصراحة. اختم بما استعرضه الروائي من "رسالة ابن فضلان" : انكشف جزء من جسد زوجة رجل من الترك اثار استغراب الرحالة، فجاء رد زوجها : أن تكشف عنه وتحافظ عليه خير من أن تحجبه عن الانظار ثم تمكن الاخرين منه". رد بليغ يلخص هشاشة الشكل الذي يشغل الذكورة وعمق المضمون الذي لا يحرك فيها ساكنا.
#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثالوث غير المقدس يعيد بناء جدار الخوف
-
كانت تسمى رام الله ..صارت تسمى رام الله
-
فصل مدرسة العلوم في رام الله بتهمة شرح نظرية داروين
-
خطاب ديني : النساء فيه عدو أول
-
بين فيروز وبتهوفن
-
هل هزمت المرأة السعودية ؟
-
ضد العدوانين الداخلي والخارجي في سورية
-
عار التبرع بالدم لجيش يقتل شعبه
-
محاكمة محمد رشيد بداية مشجعة
-
مع مصر الشعب ..ضد الثنائية
-
يوم قتلت الطفولة في -الحولة-
-
من يحمي الشعب السوري ؟
-
قمة بغداد والتحدي المستحيل
-
الأدب هو الاشجع في كشف المستور وطرح الاسئلة
-
خديعة صناديق الاقتراع
-
سقط الطاغية ونظامه الجملكي وبدأت مرحلة البناء
-
الشعب يريد : محاكمة من قتل جوليانو ؟
-
الحراك الاسرائيلي .....الى اين؟
-
ارفعوا ايديكم عن حماة!
-
من هم اصدقاء النظام السوري؟
المزيد.....
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
-
فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح
...
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|