أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - جمال الغيطاني، ستعيشُ ألفَ عام














المزيد.....

جمال الغيطاني، ستعيشُ ألفَ عام


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4898 - 2015 / 8 / 16 - 20:49
المحور: الادب والفن
    


أرسلتُ لكَ هذا الصباح رسالةً بالهاتف أُحييكَ فيها على مقالك الأخير: “إسماعيل... المُفترى عليه"، لأنني مثلك أحبُّ وأحترمُ الخديوي إسماعيل. لكنك لم ترد على رسالتي! وعلمتُ السبب الآن. تقول الصحفُ إنك في غيبوبة وترقد في المستشفى! أحقًّا هذا؟ ومن قال إنه من حقّك أن تمرض؟ أنت ملكنا نحن، بوصفكَ إحدى ثرواتنا القومية ونفائسنا.
أعلمُ أنكَ ستقومُ من غفوتك، وستنهض من وعكتك، وسوف تعيشُ ألفَ عام. خبّرتني العصفورةُ بهذا، والعصافيرُ لا تكذب. ومَن سواك أجدرُ بأن يعيش ألفَ عام، وقد وهبتَ كلَّ من قرأك ألفَ حياةٍ، وحياة؟!
الموسوعاتُ لا تموت. والمبدعون لا يموتون. والتاريخُ لا يموت. فما قولنا إن اجتمعتِ الموسوعةُ مع الإبداع مع التاريخ في رجل واحد؟! يمازحُك، وهو جادٌّ، ويخبرك بأنه يعيشُ حتى الآن محضَ مصادفةٍ! فتقول له جادًّا إنما المصادفةُ ألا يعيش! ومَن سواه أحقُّ بالعيْش ليمنحَ العيْشَ للجوعى والفقراء؟ جوعى الفنّ الراقي والفقراء إلى الإبداع والجمال الذين لا يشبعون من قراءة رواياته الثرية وسماع أحاديثه الملهمة الشيقة حول تواريخ شوارعنا القديمة وحوارينا وأزقّتنا ومساجد القاهرة العامرة الآسرة؟!
حين يقرأ مقالي هذا بعد يومٍ أو يومين، سوف يبتسمُ نصفَ ابتسامة. فهو بخيلٌ في إظهار مشاعره. لم أره يبتسمُ إلا قليلاً. ظننتها تجّهمًا، وعرفتُ فيما بعد أنه الحياء.
عرفتُ جمال الغيطاني "المبدع" عبر أوراق رواياته في صباي الأول. لكنني لم أعرف "الإنسان" إلا في السفر. الأوراق مخادعةٌ تنقل لك "الافتراضيّ" من الكاتب. لكن الإنسان، لا تعرفه إلا باللقاء العميق. في لقاءاتي الأولى به كنتُ أهابُه! فهو لا يبتسم! وأنا أخافُ من لا يعرفُ أن يبتسم. لكن السفر واللقاء خارج الوطن يفرز لك القيمة الصافية للأشياء والأشخاص. فعرفت فيه إنسانًا طفلاً جميلا لا يشيخ ولا يهرم.
في باريس عام 2003، نسيتُ جمال الغيطاني الأديب الكبير رفيع الطراز ذا القلم الفريد. مثلما نسيتُ مَن كنتُ أظنّه الرجلَ الجافَّ المتعالي الذي لا يعبأ بالآخر. لماذا كونتُ عنه هذه الفكرة الخاطئة بالرغم من كتاباته الحميمة الماسّة الضاربة في عمق المصري وقاعه؟ ربما من القناع الجامد الذي يضعه فوق وجهه دومًا بما يوحي إليك أنه لا يراك. جوار كنيسة نوتردام، وعلى مقربة من نهر السين، خبأتُ هذا الرجل في زاوية النسيان الأبدي من ذهني، وتأهبتُ لمعرفة الرجل الجديد الذي أحببته في معهد العالم العربي بباريس. هناك، تعرفت على جمال الغيطاني الجديد. رجل نقيّ يحمل قلب طفل جميل يرى الآخر ويحتفي به ويعطيه قدره. رأيت الدموع تقاوم الإفصاح عن نفسها أثناء كلمة سمير سرحان، الكاتب المسرحي الكبير ورئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب آنذاك. كان سمير سرحان في باريس للعلاج من السرطان الذي هدّ قواه وأقعده على مقعد متحرك صعد به منصّة الحفل لتحية المشاركين في مهرجان ربيع الشاعرات، والاحتفاء بالوفد المصري المكوّن من الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، والروائي جمال الغيطاني، والشاعرة الصغيرة آنذاك، كاتبة السطور. جاء سرحان لتحيتنا رغم المرض والوهن، صوتُه يتهدج إعياءً وهو يحيي الحضور. وكان بين الغيطاني وسرحان خصومةٌ عابرة وقتئذ. لكنني لمحتُ في عيني الغيطاني الجالس جواري ما يشبه دمعةً تقاوم النزول من عينيه. وقام ليناوله بنفسه زجاجة الماء حين طلبها مثل أخٍ حميم يقتله مرضُ أخيه. إلى هذا الحد يمكن أن تخدعنا الوجوه وتعطل رؤية الرهافة التي تقبع وراءها؟! هل هذا هو الرجل الذي ظننتُه جافًّا جامدًا؟!
وفوق هذا يحمل الغيطاني خفة ظل تلمسها حين يقول لك إنه يجلس معك الآن بالمصادفة، لأن قذيفةً أو أخرى كانت لابد أن تقتله من تلك التي كانت تنفجر إلى جواره في حرب الاستنزاف حين كان يعمل مراسلا حربيًّا في الفترة بين عاميْ 1968- 1973. ثم يشرح لك متى تعرف أن هذه القذيفة سوف تصيب رأسَك ولا تخطئه. إن رأيت القذيفة في خط مستقيم، فهي بعيدة عن رأسك، وأنت آمنٌ. ولكن إن رأيتها نقطة صغيرة فاعلمْ أنها موجّةٌ نحو رأسك وبين عينيك، وانتظرْ الموت. ثم يحكي لك كيف أطاحت القذيفةُ برأس رجل كان يشاركه الطعام ولم يستطع أحدٌ إنقاذه. ثم يبتسم قائلا: القذيفة أخطأت هدفَها!
التقيتُ الأستاذ قبل أيام قليلة في منزل السفيرة "مشيرة خطاب" في حفل أقامته لتوديع السفير بدر عبد العاطي قبل سفره لتسلّم منصبه الجديد سفيرًا لنا في برلين. ابتسم الغيطاني نصف ابتسامة وقال: “عاملة دوشة وقضايا ازدراء أديان يا فاطمة؟!” وأجبته: “والله أنا غلبانة يا أستاذ. بس فيه ناس فاضية ومش لاقيين حاجة يعملوها وبيتسلوا علينا.”
أكتبُ هذا المقال من شيكاغو. وتبًّا للأسفار والأميال ومياه المحيطات التي تفصلني الآن عن أستاذي وحبيبي جمال الغيطاني! لو كنتُ بالقاهرة الآن لكنتُ جالسةً عند سريره بالمستشفى أنتظرُ مع زوجته الجميلة الكاتبة "ماجدة الجندي" وجموع محبيه أن يفتح عينيه الطيبتين ويبتسم قائلا: “أنا أعيش الآن بالصدفة!” فنجيبُ في صوتٍ واحد: “بل الصدفة ألا تعيش يا أستاذ!”
حين أعودُ للقاهرة سأهديك ديواني الجديد الذي أنتظرُ صدوره هذا الأسبوع: “الأوغاد لا يسمعون الموسيقى.” فقمْ وانهضْ من وعكتك العابرة بإذن الله، حتى تعلّم الأوغادَ أن يسمعوا الموسيقى يا أستاذي الجميل، وعِشْ ألف عام.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سجّلْ يا زمان
- رئيس الغلابة
- قالت المحروسة
- قبطانةٌ على صفحة مياه القناة
- ماذا قال لي يختُ المحروسة؟
- هل تغفرين لنا يا مصرُ؟
- على متن يخت المحروسة
- هالةُ الأموات … تُجرّم نقدَ ما فات
- صخرتان من أرض القناة
- بلحةُ المحب... قضية
- نفرتيتي.... جميلةٌ أتلفها الهوى
- على شرف علي الحجار
- يقول الدواعش... يقول المصريون
- هديتي للرئيس
- التكبير في ساحة الكنيسة
- لا تقتلوا الخيرَ... والتمرُ خيرٌ
- 30 يونيو رغم أنفكم يا هالوك الأرض
- الله يسامحك!
- فارسٌ وجميلة وبعض خيال
- ليه كده يا أم أيمن؟!


المزيد.....




- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...
- قسم الإعلام التطبيقي بكليات التقنية العليا الإماراتية والمدر ...
- نص من ديوان (ياعادل) تحت الطبع للشاعر( عادل جلال) مصر.
- إخترنا لك :نص (شكرا لطوق الياسمين )حسن فوزى.مصر.
- رحيل الممثلة البريطانية ماغي سميث عن 89 عاماً
- طارق فهمي: كلمة نتنياهو أمام الأمم المتحدة مليئة بالروايات ا ...


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - جمال الغيطاني، ستعيشُ ألفَ عام