أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حمدان - الحنين الى الذاكرة














المزيد.....

الحنين الى الذاكرة


مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)


الحوار المتمدن-العدد: 4897 - 2015 / 8 / 15 - 19:46
المحور: الادب والفن
    


ضباب ينساب في مخيلتي ، يبعثِرُ الأشياء ويُبعِدها خلف نقطة ضوء تتلاشى بسرعة
تأخذ معها اشكالاً ووجوه وأسماء عرِفتُها عند البداية ، أُحاول أن استعيد شيء
أو أوقِفُ ضياع وفقدان مخزَن ذاكرتي ، لأحافظ على أبسط الأشياء وأجملها
لتبقى في ركنٍ غير قابل للفقدان ، والتغير أو الانحراف
هي ثمة أشياء لَمْ تُنسى ، لأنها كانت البداية ، بداية تكوين الذاكرة ، وسفر المخيلة
الى البعيد ، ولا يهم تأثيرها إن كان حزناً ألماً أو فرح ، أو مجرَد أحداث عابرة
هي الذاكرة الأولى ، الحصاد الأول ، الحب الأول ، الخوف الأول ، المفاجئة الأولى
وأول دمعة ، وأول ضحكة ، هي أول الكلام وأول الصور ، تبقى أبدية مغروسة
في صلب الذاكرة ، لا يُغيرها الزمان ، ولا المرض
وبين الحين والآخَر ، ترجِع لتوقظ الأشياء المنتشرة المتلاشية ، لتجمَعَها لتكون الصورة الأولى
الوجوه الأولى ، وأول الأحداث ،لتُبقي الذاكرة حية ، تنبُضُ دماً وحياة ، وتعلِن البقاء

كان وجه أُمي ، كان وجه أبي ، وكانت السماء رمادية ، وخلف الأفق جبالٌ عالية ومجهول
ما لا تعرِفه مخيلتي ، وأصغر الأشياء في ذاكرتي كانت العصافير ، وكان الوطن
والسفر إلى المدينة كانت أطول المسافات وأبعدُها وأكثرها غربة
كنت أخاف البرق والرعد ، ظننته يقتُل العصافير ، لأنها كانت تختفي
وشجر السرو ما كان يحجُب عل مخيلتي أن تذهب إلى البعيد
وها أنا الآن بعيدٌ خلف كل البحار ، خلف ألف مدينة ، وراء كل الأشجار
كدتُ أنسى وجهه أُمي ، وجهه أبي ، وعتبة الدار
ونسيت لون السماء ، ولم أعد أرى هنا في المدن البعيدة ، جبالٌ أو عصافير
والألوان اختلطت وتغيرت الأشياء والأسماء
فالنجم في السماء خان الأثر والمسافر والطريق
وفقدت بوصلة الرجوع إلى أول الأشياء وأجملها
حيث كان أمي ، أبي ، والوطن

يا ايتها الساكنة في لحمي ، التي تختبئ بين عظمي وجِلدي
دليني إلى أقرب الطرق وأقصرها ، لأجمَعَ شظايا الذاكرة المنسية
واعطيني الوقت والزمان ، لكي أُسمي الأشياء باسمها ، واُميز ألوانها الشاحبة
لأحدد مَن انا ، لأضبط بوصلة الرجوع إلى المكان
ودعيني أستعيد بعض مِن الذاكرة
لأصف أولُ وجهٍ رأيته منذ الصغر
لأول كلمة نطقتها عند الفِطام
لأول خطوة خطوتها في فناء الدار
وابقي في دمي لتبتل عروقي بدفئ الحياة ودورتها الدموية
أنا لم أنسى مَن تكوني ، ومَن أكون أنا
ولكني سئمت كل المحاولات للرجوع اليكِ
واعتقيني مِن صلبكِ ، لأستعيد شيئاً مِن الذاكرة
لتنموا في مخيلتي ، صورً وأسماء جديدة
لأفصِل هذا العذاب ، عن قامة الجسد
لأجِد مكان آخر ، لعشق بدون حدود
لأغمِس قلبي المتجمد ، في دفئ بحيرات العلاقات الثانوية
واجعلي مني يائسٌ وميؤوس ، لأستأصل الحبل السري بيننا
لأفك وأنفك عنكِ ومنكِ
وارجعيني الى ابعد مِن الأمس وأكثر
لأصف وجوه مَن رحلوا مِن حولي
لأحدد أسمائهم ، ودورهم في حياتي
واصبري عليَ قليلاً
لأجمع صور فقدتها، أشكالاً نسيتها
بين سرعة الوقت ، وكثرة الأحداث
وسرحي الضباب مِن ذاكرتي
لأسميكِ باسمكِ الأول ، كما حفظته
ولأعرف مِن انا

مصطفى حمدان

من ديوان : نافذة مِن المنفى



#مصطفى_حمدان (هاشتاغ)       Mustafa_Hamdan#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض
- الى جندي إسرائيلي ؟!
- قارة أسمها (غزة)
- أين نحنُ منكِ؟!
- خُذني حبيبي هناك !!
- انتِ حُلْمي البعيد .. وأنا العاشق القريب !!
- ماذا بَعْد !!
- الثالوث المُحرّم
- نشيدُ المِعْوّل
- ملحمة السجن والسجان
- موانئ بعيدة عن الوطن
- القصيدة .. الشاعر .. والوحي
- أحزان الأرض الغريبة
- حرية القلم ... وبيع الذمم!!؟
- سأفعلُ أشياءً أخرى لو إستطعت
- طوبى لمن يبني على الأرض طوبة
- إلى إمرأة لا تختصر وجودها


المزيد.....




- -وئام وسلام-.. تحفة فنية فريدة في مطار البحرين الدولي (صور) ...
- آلام المسيح: ما الذي يجعل -أسبوع الآلام- لدى أقباط مصر مختلف ...
- طريقة تثبيت قناة زي ألوان الفضائية على نايل سات وعرب لمشاهدة ...
- الحساب الرسمي لدوري الهوكي الأمريكي يستبدل كلمة -الروس- في ت ...
- أسرى فلسطين يقاومون ويردون على الكولونيالية الصهيونية بالكتا ...
- ما هو حقيقة منع عرض فيلم استنساخ بطولة سامح حسين؟.. بسبب هذا ...
- بعد عرضه في السينما بالأمس .. إيرادات فيلم استنساخ تحقق نجاح ...
- السينما والقضية الفلسطينية وتحول الشاشة لمسرح للنضال
- معرض أربيل الدولي للكتاب يرفع شعار -العالم يتكلم كردي-
- مهرجان كان السينمائي يكشف عن قائمة الأفلام المعروضة في نسخته ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حمدان - الحنين الى الذاكرة