|
ماذا يبقى من الرماد؟
احمد ناصر الفيلي
الحوار المتمدن-العدد: 4896 - 2015 / 8 / 14 - 03:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتعالى الصيحات الاحتجاجية وتتوالى معبرة عن غضب وسخط واستنكار جماهيري ازاء الازمات المتكررة والمتلاحقة على مختلف الصعد فيما يخلو الواقع من اي وعي موضوعي حساس ومتحسب لتراكماته وتفاقم معاناته فلا شيء مقدم سوى التصريحات الرنانة إزاءها . بعض هذه التصريحات تخطت الحدود بمنطق عجيب يحمل في طياته الاستهانة، ففي مجال الطاقة الكهربائية صدرت تصريحات عديدة ومتباينة وكلها تحدد مواعيد انتهاء ازمتها للأبد ، وبعض تلك التصريحات ذهبت الى ابعد من ذلك وبينت ان العراق سيصدر هذه الطاقة في وقت قريب ، والنتيجة ان معدلات الطاقة انخفضت عاماً بعد آخر باطراد عكسي مع التصريحات حتى وصلت الامور الى طريق مسدود.وقضية الكهرباء معقدة ومتشابكة ترتبط بحياة الناس ومعيشتهم في بلد تعدى فيه مستوى من هم تحت خط الفقر اكثر من 7% فضلا عن ارقام مخيفة عبرت عنها المنظمة الدولية التي تحدثت عن وجود اربعة ملايين طفل يتيم وملايين الارامل وهي ستتحول عند انعدام البرامج الى ظواهر تخرج عن السيطرة والضبط في ظل انعدام العمل المنهجي المتحسب وكلها عوامل ضغط قاهرة. تاريخيا غاص العراق في مخاضات وصراعات دموية داخلية وحروب كارثية خارجية مع جيرانه في ظل السلطة البائدة تلك التي ادت الى توترات واحتقانات جعلته يفقد توازنه بحكم الضرورة ومع كل مشكلة وازمة يفتعلها تنعدم عنده آثار الاستجابة الى منطق العقل والحكمة برغم نصيحة الناصحين ودروس التاريخ القريب وابتلع بالتالي الطعم وانخرط في السير في نفق مظلم وعندما احتدمت الصراعات الداخلية والخارجية كان التيار الجارف المتولد عنها قد كسر كل القيود والحواجز بطاقة تدميرية هائلة تغيرت معه المعادلات والمواقع. فالمفترض تاريخياً وواقعياً ان قوى المعارضة السياسية ابان العهد البائد التي تحكم اليوم أيا كان حجمها وتأثيرها قد استوعبت اشكال المعاناة واستنبطت شيئاً من الدروس والعبر ووقعت على جملة من الحلول، فنظرية التناقضات التناحرية تكرر نفسها بمأساة في المشهد السياسي المتواري خلف واجهات وقيود سياسية بتفاعلاتها المختلفة لتجد اشياء كثيرة تطرحها على الآخرين سوى الاتفاق معهم. تمتد معاناة العراقيين الى عقود طويلة ما قبل التغيير اذ كانت الدولة ومؤسساتها طرفاً اساسياً فيها عبر خلق اشكالية الازمات لوضع حركة المجتمع في دوامة تسهم في فرض بيت طاعة سياسي . وشكَّل سقوط النظام البائد فاصلة تاريخية في الحياة السياسية للبلاد على مختلف الصعد، ولاحت في الافق تباشير صبح جديد طالما حلمت به البلاد على خلفية فصول المأساة والمعاناة التي عاشها مع مختلف الحكومات التي عزفت على وتر الشعارات الرنانة الجوفاء الخالية من اي محتوى اجتماعي - سياسي ثر، فالسلطات الحاكمة تريد محاورة الشعب عبر فلسفة حكمها السياسي والا فالوسائل الامنية والقمعية وعصاها الغليظة جاهزة للقيام بالمهمة، ونتيجة للاضطهاد والقمع المتواصل افرغت البلاد من خيرة طاقاتها البشرية مثلما أهدرت امكاناتها المالية واكثر من هذا كله فقد جهدت السلطات كثيرا في صرف انظار الرأي العام العراقي عن مشكلاته وازماته عبر حملات التصفية ازاء مكوناته وقواه السياسية الوطنية التي الصقت بها شتى التهم والاكاذيب بحق موجة نضالاتها وكلها رحلة شاقة من المعاناة الدائمة. لم تهدر فرص بناء حقيقة في اي بلد في ارجاء المعمورة مثلما هدرت في بلادنا اذ ذهبت الطاقات البشرية والاقتصادية وقوداً للصراعات والحروب التي اذكتها الحكومات المختلفة بفلسفة حكمها الفارغة وايدولوجياتها القائمة على وصف النضال الشعبي والمطلبي بشتى تهم العمالة والخيانة وبما روجت وسائل الاعلام وابواقه لتجعل منها حقيقة بغية تضليل وعي الجماهير.. المسافة الفاصلة بين هذه العهود ليست ببعيدة كي يطمرها النسيان.. المشكلة كثرة تراكم اشكال المعاناة وتداعياتها المختلفة التي القت بظلالها على المشهد السياسي ما بعد التغيير.
اشتداد وتأثر المظاهرات تعبير حي عن ضرورة استدراك الموقف قبل استفحال الامور نحو ما لا يحمد عقباه.. فثلاث عشرة سنة من الوعود والاخفاقات والخيبة والفشل في ادارة البلاد فضلا عن موجات الفساد التي تنخر مؤسسات الدولة بمختلف اشكالها وعناوينها دفعت بالبلاد الى ان تقبع في ذيل قائمة الدول المستشري فيها الفساد وكلها عوامل تذكي المكبوت. غول الفساد ابتلع ميزانيات تقدر بميزانيات دول توزعت بين مختلف مرافق الدولة ومؤسساتها التي تراجع مستوى ادائها من خلال نهب تلك الميزانيات المخصصة لمختلف المشاريع وتطورت الامور على نحو سيئ عندما غابت على مسرح محاولات البناء اية خطط منهجية لاعادة بناء البلاد مترافقة مع فشل ذريع في السياسات المالية والنقدية وغدت المصارف الكبيرة بلا حسابات ختامية لسنوات متعاقبة . ان تفاقم المشكلات وغياب القواسم المشتركة لاطراف العملية السياسية ادى الى انزلاقها نحو مجاهل شتى عبر اضعاف منطق الحوار المتفهم الجاد وتلك ازمة اخرى اماطت اللثام عن عمق البنية الفكرية والمنهجية لبناء البلاد على نحو ديمقراطي وتشاركي . وعدت الحكومة الاستجابة لمطالب المحتجين وسماع اصواتهم الهادرة المنددة التزاماً اخلاقياً وحقوقياً لابد من الايفاء به ومحاولة امتصاص زخم هذه الموجات بالوعود فقط ستدشن مرحلة جديدة من المواجهات غير المحمودة فاذا اضفنا الى اشكال التحديات القائمة تحدياً جديداً وخطيراً نابعاً من المد الارهابي المتجه صوب البلاد فلا بد من ضرورة ادامة الزخم الوطني بمواجهة المد الارهابي وتلك حقيقة تصطدم بالمعطيات الواقعية. ولا بد من التذكير بجملة حقائق ينبغي ان لا تغيب عن البال ان الثروة البترولية في البلاد كانت دائما حكرا للاسر الحاكمة والنخبة القريبة المحيطة بها. وتركيز الثروة بيد القلة الحاكمة وانتشار الفقر حال يسهل تصور اثاره وتوقع عواقبه . وبعد التغيير كان لابد من رؤية اجتماعية تدعو الى عملية تنمية اقتصادية شاملة وقيم ثقافية عقلانية ومعالجة المشكلات وقد توافرت الفرصة بعد ارتفاع اسعار النفط اضعافا مضاعفة وضاعت الفرصة عندما ابتلع الفساد طريق البناء والنهوض وغابت السياسات الرشيدة وليس اسوأ من فرصة جاء اوانها لكن القائمين عليها ضلوا طريقها بحسابات خاصة ليس للناس فيها من مصلحة ما خلق شعوراً بالاختناق الاجتماعي والضغط النفسي. تواجه الحكومة اليوم ازمة في ادارة الواقع الذي يصعب معه في حال استمرار ازماته وظروف تفاقم تداعياته ضبط ايقاع الحاضر والمستقبل . وبطبيعة الحال ان هكذا اوضاع حساسة ومتداخلة وقابلة للاشتعال لابد من ان تقابل الامور والمعالجة بالحزم والعزم في تنفيذ مطالب المتظاهرين قبل ان تستفحل وتنفجر. وكثير من الجمر تحت الرماد.
#احمد_ناصر_الفيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشهد العراقي..ديناميكية الانسحاب والتصعيد وبقايا احلام الس
...
-
المشهد العراقي..ديناميكية الانسحاب والتصعيد وبقايا احلام الس
...
-
المشهد العراقي..ديناميكية الانسحاب والتصعيد وبقايا احلام الس
...
-
المشهد العراقي..ديناميكية الانسحاب والتصعيد وبقايا احلام الس
...
-
تكرار النمطية التاريخية...وفرص مسك المبادره -1-
-
تكريس الفقر وتداعي قضية الانسان والحرية -1-
-
فلسفة الدستور...وتصورات البناء السياسي الجديد فلسفة الدستور.
...
-
اشكالية الفهم ام اشكالية الثقة...في دعوة النجيفي
-
التجربة السياسية وعقم الجدل البيزنطي
-
العلم الكوردستاني في خانقين...وتداعيات المماطلات الحكومية في
...
-
مبادرة النجيفي.. وشجون الفوضى السياسية
-
السياسة الايرانية ومديات مدافع ايات الله-2-
-
السياسة الايرانية ومديات مدافع ايات الله -3-
-
الولع السلطوي... والعصي في العجلات ....من مجالس الاسناد الى
...
-
السياسة الايرانية.. ومدايات رؤية مدافع ايات الله (1-في الخلف
...
-
حكاية المائة يوم .. صراع الحقائق والاوهام -2-
-
حكاية المائة يوم .. صراع الحقائق والاوهام
-
التغيير وخط المواجهة الساخن... وخريف الانظمة المخجل
-
انبثاق حكومة التسوية وحجم الهموم والتحديات...المواطن في آخر
...
-
استهداف المسيحيين ....,زوبعة الظلام في ديار الحضارة والقيم ا
...
المزيد.....
-
مع شروق الشمس فوق واشنطن.. شاهد لحظة ظهور حطام طائرة في نهر
...
-
بعد التأجيل.. إسرائيل تبدأ بإطلاق سراح فلسطينيين من سجونها
-
مقتل سلوان موميكا الذي أحرق القرآن في السويد، ماذا نعرف عنه؟
...
-
مقتل سلوان موميكا الذي أحرق نسخاً من القرآن في السويد
-
إعادة بناء غزة ـ سعي مصر لجني مكاسب.. ما ثمن ذلك عند ترامب؟
...
-
مسؤول مصري يكشف سبب التأخر في إخراج المصابين في غزة عبر معبر
...
-
السويد تقدم لأوكرانيا أكبر حزمة مساعدات عسكرية منذ 2022
-
دولة أوروبية تواجه 72 ساعة من الظلام بسبب الخروج من نظام الط
...
-
هيئة الاتصالات الروسية تعلن التصدي لنحو 11 ألف هجوم إلكتروني
...
-
الجنود الفرنسيون يغادرون آخر قاعدة لهم في تشاد
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|