|
هيمنة فكرة التسلط
قاسم علوان
الحوار المتمدن-العدد: 1349 - 2005 / 10 / 16 - 10:31
المحور:
الادب والفن
بالتأكيد ليس سهلا الخروج بأهلية كاملة من تحت سلطة دكتاتورية غاشمة مستبدة، حكمتنا طيلة خمسة وثلاثين عاما بأشد أنواع القمع ضراوة وفتكا، مثلا فرادة ومجانية الأحكام بأنواع مختلفة من الإعدام لأبسط ذنب يمكن أن تقترفه...! بحيث لا نظن أن هناك قانون في دولة أخرى في كل العصور التي شهدتها البشرية، بما فيها محاكم التفتيش.. يتضمن هذا العدد الكبير من الأحكام بالإعدام بأنواعه المختلفة الذي تضمنها قانون (العقوبات البغدادي) وتعديلاته التالية، إضافة الى القوانين الاستثنائية الأخرى.. (الشنق ، الرمي بالرصاص، قطع العنق بالسيف، الرمي من شاهق، التذويب بأحواض الأسيد، التفجير عن بعد بـ (الرموت كونترول...) ناهيك عن الموت تحت أنواع التعذيب البشعة غير المألوفة قبل صدور الحكم، أو زرق السموم تحت الجلد أو أجبار الضحية على تناولها) كما أن ليس هناك قوانين وضعية في أي مجتمع آخر تضاهي القوانين التي وضعها لنا (رئيسنا السابق) في وحشيتها وخروجها على المألوف. صحيح أن أمريكا وحلفاءها (جزاهم الله عنّا خير الجزاء..) سهلوا لنا أمرنا في التحرر السياسي من هيمنة تلك السلطة المستبدة الغاشمة بـ (احتلالنا..) لكن يظلّ التحرر من نير هيمنة سلطة ذلك النمط من التفكير البائد المستبد كما يبدو.. أصعب من الخروج من طائلة الاحتلال الأجنبي نفسه. نمط وآلية ذلك التفكير.. وطبيعته المستبدة الذي استطاعت أن تنتجه تلك السلطة خلال زمن تسلطها الطويل علينا، وصيرورة ذلك النمط بشكله الاجتماعي وبمستوياته السياسية التي تتجسد بأنواع القمع، وتربيتها لأجيال عديدة في مجتمعنا على مبادئ الخوف تلك والشعور الدائم بالذنب، ذلك النمط الفاشستي.. وإعادة إنتاجه مجددا دائما لسنوات طويلة، ذلك الأسلوب وتلك الهيمنة التي اشتغلت عليها سلطة (البعث) طيلة كل تلك السنين... يظل الخروج أو التحرر من تلك الهيمنة الفكرية حتى بعد سقوط ذلك النظام صعبا أو محرجا... لقد اشتغلت تلك السلطة تحت هاجس الخوف والريبة والتوجس الدائم من الشعب، أو من الآخر، أي آخر كان.. بغرائز مريضة في حب البقاء، وعقد مستعصية في الدفاع عن ألذات والتشبث بها، وشعورا حاد بالنقص في كل المستويات، ومن ثم انعكاس كل تلك العقد والأمراض المستعصية والمتجسدة في شخصية القائد والمجموعة التي تحيط به، على ألذات الجمعية لمجتمع ممزق أصلا.ُ...!!! وتلك هي العلة...!! اشتغلت تلك السلطة طيلة فترة حكمها على وضع الثوابت المتنوعة والمختلفة الموجودة في بيئتنا الاجتماعية، من المحرمات القديمة والمستحدثة، ووضعها بجانب التابوات والمقدسات الأرضية منها والسماوية.. وتضيق الخناق على المباحات فيها، وقلبها على بعضها لتلغي نهائيا ما تبقى من فسحة لذلك المباح، في أطار من الشمولية المطلقة الممتزجة بقليل من الاشتراكية غير واضحة المعالم، ومن ثم خلط كل تلك الأولويات والثانويات جميعا في بوتقة (الحزب القائد وقائده الرمز الضرورة..) في إطار من الآيديولوجيا الغامضة التي كتبت بلغة إنشائية مبهمة... كما أطلعنا عليها مبكرا في كتاب (في سبيل البعث..) مثلا، تلك الخلطة التي يصعب التفريق فيها بين حدود تلك الثوابت اللازمة والمتحولات الطارئة، أو المحرمات والمحللات، ومن ثم الأحكام المستنبطة من كل تلك الضرورات والواجبات، وبعد ذلك ما تيسر من الإضافات والتعديلات..!! توجت تلك السلطة هيمنتها بذلك الخلط المريب بين الثابت الديني المقدس، الذي ارتدت جلبابه مؤخرا في مناسبات عديدة، واليومي الآني المدنس، الذي أحكمت غلق منافذه بوسائل شديدة، لذا كان يصعب على البعض التفريق في ذلك بين سوء النية في كتابته لـ (الله أكبر) على العلم العراقي.. من قداسة ذلك التعبير، بين ادعاءات إسلامية أخرى ودعاوى قومية يعرفها الكثير أنها فارغة، ملتبسة بشعارات رخيصة بالدعوة الى الوحدة العربية الشاملة.. أو الدعوة لتحرير فلسطين.. ولكن عبر طرق ملتوية قد تؤدي بسالكها الى التهلكة... كما حدث مرة عبر المحمرة الإيرانية.. وأخرى عن طريق الكويت الشقيقة...!! أو غيرها من الشعارات الغوغائية الملتبسة مع بعضها، تلك الادعاءات التي لازالت تنطلي الى هذه اللحظة على الكثيرين من المثقفين العرب للأسف بنفس المستوى الذي تنطلي فيه على الجهلة والسفهاء منهم..!! بحسب قولهم (ألم يكن ذلك النظام هو النظام العربي الوحيد الذي ضرب إسرائيل بالعمق..؟) إنها لم تنطل عليهم فقط بل رسخت في أعماقهم وصارت جزءا لا يتجزأ من ثقافتهم وخطابهم الديني والقومي...!! وكما هو واضح أيضا في أطروحات بقايا جيل عراقي كامل نما وترعرع في (كتائب الطلائع والفتوة...) وفي ظل مكرمات صدام حسين غير السخية..!! بجانب حرمانه وتجويعه لذلك الجيل المنذهل خلال سنوات الحصار....!! ليرفع الآن بعض منه رأسه أحيانا بعد أن سمح له هذا الهامش الجديد من الحرية (المستوردة..!) الحرية الذي يتمتع بها الآن سائقوا السيارات الجدد أكثر من غيرهم..! وبمساعدة بعض الأشقاء الذين لعبت برؤوسهم رائحة النفط الذكية سابقا، لأن يتكلم بصوت عال عن ضرورة النضال والجهاد من شرور الاحتلال، وضرورة مقاومة المحتل بتخريب العراق وحرقه، وقتل العراقيين جميعا عملاء الأجنبي..!! وينسى سريعا أو يتناسى متعمدا كل المآسي القديمة المعلنة منها والتي ما زال بعضها مخبئا، وكذلك محافل التجويع والدفن الجماعي للأحياء والموتى التي أقامها لنا ذلك الرئيس. لقد تبلور تدريجيا خطاب ذلك النظام في الخليط غير المتجانس من تلك الثوابت والمتغيرات، ومن المقدسات والمدنسات، ليس على مستوى العامة فقط، بل حتى على مستوى النخبة العراقية أو حتى العربية منها، تجسد في تلك الشخصيات أو أنواع من الدعوات، نحن لا نقصد أحدا بعينه بل نموذجا متعدد الأوجه وأشكال التجلي، بما فيهم من المثقفين الهامشيين سابقا، أو متقدمي الصفوف من الجامعيين أو ما دونهم، الذين تربوا في ظل منح ذلك النظام الشحيحة والمنتظمة للبعض منهم، الذين في لحظة ما من حياتهم تلك أخلصوا له الولاء الى حد الصدق مع أنفسهم ومع الآخرين، فرفعوا البنادق، وكتبوا التقارير، وحصلوا على الشهادات العليا.. وبعدها تسنموا المناصب العليا أيضا في الجامعة أو غيرها، وتنقلب الآية فإذا بالبعض منهم في هذه الأيام ينصّبون من أنفسهم حكاما أو أوصياء على الثقافة العراقية والمثقفين، يفتون بما لا يفقهون، ويكيلون التهم شرقا وغربا، يمينا ويسارا، غير وجلين ولا خائفين، حتى أنك تشكك بمعلوماتك أو ما تعرفه عنهم سابقا وعن درجاتهم ومناصبهم.. ترى هؤلاء في تلك الفترة.. أين يقفون..!! أنهم كما سيدهم السابق لا يحتملون أن يختلف معهم أحد برأي أو بموقف، البعض منهم نصب من نفسه وصيا على الآخرين، وبنزعة كارزمية مريضة، بالاستناد الى مرجعيات سياسية وثقافية (متقدمة) سابقا..!! مرجعيات تستند الى كميات كبيرة من الكتب القديمة، أغلبها من غير الرصينة، التي رصفها السيد الأستاذ الدكتور بوصفه خبيرا أو محللا.. خلف ظهره أثناء تصوير اللقاءات أو المقابلات التلفزيونية في الفضائيات الجديدة أو الأرضيات الإذاعية والتي لا تعرف (أوادمها..) جيدا، أو في الاحتفالات بالمناسبات الوطنية والقومية أو الدينية القديمة أو الجديدة التي تتعلق بمناسبات طائفية كانت مقموعة ومحظورة سابقا....!! ويحلو الحديث الآن وبتبجح وصوت مرتفع عنها.... أو الى مرجعيات معاصرة مختلفة.. هي عبارة عن قليل من المصطلحات السياسية والأدبية الحديثة، المتبلة جيدا بما بعد الحداثة أو أدنى منها قليلا.. والمملحة (نص ملح) ببقايا البنيوية.. (لأن الأستاذ مصاب بارتفاع ضغط الدم..) وحبات قليلة من التفكيكية مسبقة التحضير.. المعلبة في علب معدنية صالحة لكل العصور.. تلك التي ربما لم يطلع عليها البعض منا على الأرجح كما يعتقد بذلك صاحبنا... أو ربما هي كما أطلعنا على بعضها رؤوس أقلام مختصرة، وبقايا جمل مبتسرة معتقة، من الصفحات الأولى أو من مقدمات الكتب التي لا تزال تحتفظ ببكارتها لحد هذه اللحظة منذ زمن طبعتها الأولى قبل الميلاد بقليل... أو طبعاتها الأخيرة في الستينات أو السبعينات من القرن الماضي. لا بل حتى الهتافات السابقة التي كانت مسجلة رسميا باسم شعراء وهتافيّ (رئيسنا السابق) استنسخت...! وصاروا يرددونها أمام أتباع ومريدي الحركات السياسية الجديدة الآن بعد تقديم وتأخير أو تغيير بسيط في مفرداتها، أو بوضع مفردات جديدة عوضا عن تلك القديمة غير الصالحة، لتتلاءم مع المقدسات المفرج عنها مؤخرا، ورموزها حديثة التصنيع بالألوان.. التي تم الإعلان عنها على أرصفة الأفكار الرائجة في السوق العراقي الجديد، الذي ازدحم بمختلف أنواع البضائع المستوردة والمحلية....! والأنكى من ذلك علم صدام حسين (راية الله أكبر) التي ذبح مئات الآلاف من العراقيين وغيرهم من دول الجوار في ظلها... لا يزال هناك من يصّر من أولئك التلامذة المجتهدين في مدرسة (صدام النموذجية للبنين) على أنه وبألوانه الثلاث العربية* الزاهية علم العراق الأصلي ورمزه الأبدي....!!! ترى كيف يمكن الخروج من هذا المأزق..؟ الكل يريد أن يكون فاعلا مهما وغير مهمشا في الوقت الحاضر.. ولكنهم يريدون كل ذلك بدون الإقرار بالذنب وان ما فعلوه سابقا كان خطأ... هل هناك من يجرؤ ويتطوع علنا.. وبشجاعة سوف تحتسب له لاحقا، ويعلن إقراره بإلغائه لمفردات خطابه السياسي السابق واعتذاره للناس عن مواقفه تلك..؟ أم نتجرأ نحن ونضع النقاط على الحروف ونعلن تسميتنا (وبالاسم الثلاثي) علنا لـ (أبطال) تلك الخطابات والوقائع..؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * (سود وقائعنا بيض صفائحنا حمر ليالينا...)
#قاسم_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النهوض السياسي الجديد.. والجامعات العراقية
المزيد.....
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|