|
الافكار الثورية افكار الجماهير
محمود ابوحديد
الحوار المتمدن-العدد: 4890 - 2015 / 8 / 8 - 09:32
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
إن حادثة وقعت قبل أن أبدأ في كتابة هذا المقال يمكن أن تشرح مغزاه بشكلٍ كاملٍ: ضباط المباحث هم أعلى سلطة في السجن و قد هجموا علي الزنزانة التي اُسجَن فيها صباح اليوم و جردوها من كل شيء، هتف أحد المسجونين بعد خروجهم: "سرقونا ولاد الكلب".
إن الموروث الاجتماعي المنتشر و السائد عن ضباط الشرطة و الذي يُعَلَّم للأطفال في المدارس، أنهم يُحاسبون السارقين على السرقة!! بينما الواقع هو ما هتف به المسجون: أنهم يمارسون السرقة المُقننة -المُقَنَّعة- المُنَظمة ضد مواطني المجتمع (الإزالة، النهب، الرشوة.. إلخ)، بغض النظر عن حمايتهم لكبار حرامية الوطن ( الوزراء و المسؤولين و رجال الأعمال). إن صرخة هذا المسجون بالحقيقة تشرح كيف تشكلت أفكارنا و أيديولوجيتنا الثورية نحن الاشتراكيين الثوريين. إن أفكار انتصار الثورة و كيفية تشَكُّلها، الأفكار التي صاغها الرفيق كارل ماركس في كتاباته الأساسية في القرن التاسع عشر، هذه الأفكار لم تكن من بنات عقل ماركس بقدر ما هي الأفكار الحقيقية للمواطنين عندما يشعرون بالظلم و عندما يتعرضون للقمع، عندما يتحررون من الأفكار الاجتماعية السائدة، و بكلمة واحدة عندما يرغبون في معاداة الحكومة.
و على هذا فإن الحقيقة الأولى التي يهدف لشرحها هذا المقال و التي تختصرها الواقعة المذكورة هي: الأفكار و الأيديولوجيا الثورية هي الأفكار الجماهيرية الحقيقية التي تختفي تحت الذل و القمع اليومي، تحت الخضوع و الاستسلام اليومي، و نحن الاشتراكيين الثوريين نهدف لإعلانها و إظهارها. بمرور الزمن تندلع الثورات الجماهيرية، و ماركس الشاب استطاع أن يستنتج -بعبقرية نظريته عن فائض القيمة و قوة العمل- السبب الرئيسي لاندلاع الثورات: الأزمة الاقتصادية الداخلية للنظام الرأسمالي. أما الأفكار الماركسية عن تغيير العالم، فقد لاقت رواجًا عملاقًا بين الجماهير المُستعبَدَة و المظلومة تحت سلطة الإقطاع و رجال الأعمال. كان الفلاح و العامل الثوري يُحرِّض بكل سهولة مواطني ملكيات الظلم أيام ماركس، كانوا يشرحون مُعاداتهم للملك و الامبراطور و الإقطاعي و الضابط بكل سهولة، و يعلنون: نطمح لتشريك المجتمع و تقسيم العمل و الثروة بشكلٍ عادلٍ. و كان المُستمع يقتنع لأنه يفهم أصلًا ما يتحدث عنه مواطنه. كان الآلاف يُسَمُّون أنفسهم اشتراكيين و شيوعيين و اندلعت أيام ماركس ثورات عديدة تحمل القيادة و الحلم الاشتراكي، لكنها أُجهضت لأسباب عديدة أشرحها في مكانٍ آخر.
لقد كتب ماركس في مقدمة رائعة بيان الحزب الشيوعي وصفًا لحال الالاف من مناضلين الشيوعية، كَتب "شبح يحوم أوروبا، شبح الشيوعية تُجنِّد له الحكومات كل طاقتها لهزيمته". لقد كانت ثورات القرن التاسع عشر ثورات لا تفتقر أبدًا للسلاح، لم تكن الحكومات قد استطاعت تجريد المواطنين من السلاح بعد. و على ذلك، لتوافر السلاح و الأفكار الاشتراكية - بين يدي الجماهير - اندلعت ثورات عملاقة صنعت أكبر التأثيرات الاجتماعية - إسقاط الملكيات الكبرى - كتب ماركس مثلًا عن رجال انتفاضة كميونة باريس 1871: "لقد اقتحموا السماء بأفعالهم"، لكن بماذا ردت الحكومات؟ بالجيوش النظامية. الاغتيالات و الاعتقالات الجماعية كانت السلاح الأساسي، إلى جانب تخويفات الكنيسة التي واجهت بها الطبقات المالكة ثورات الطبقات المملوكة، العمال و الفلاحين و المُهَمشين. لكن القمع لم ينفع و كانت الثورات هي سلاح التاريخ لتحقيق مُطالباته بانهاء مجتمع تَفَسَّخ رجاله بالشعر المستعار. و مع بداية القرن العشرين اندلعت ثورات استطاعت الانتصار لانها اتبعت سلاح ماركس: حزب العمال القائد.
شرح ماركس أن الطريق الوحيد لانتصار الثورات الجماهيرية لا يمر أبدًا بأحزاب رجال الأعمال و حكوماتهم و أن حزب الطبقة العاملة و بالتحديد "سيادة الطبقة العاملة" هي كلمات ماركس عن كيفية انتصار الثورة. و في القرن العشرين كان حزب العمال الروسي قائد جماهير روسيا في ثورة 1917، و انتشرت بعد الثورة الروسية المنتصرة عدوى الثورات العُمالية التي بنت فيها الجماهير في المصانع و الأحياء مجالسها لتستلم السلطة و تسود على المجتمع. لكن انعدام الحزب العمالي الثوري في هذه الدول مَنَع ثوراتها من الانتصار و هُزِمت جماهير أوروبا و آسيا التي تحلم بالمجتمع الاشتراكي و الحكومة العمالية بدلا من حكومات رجال الأعمال و نظامهم. دُفِعت الجماهير للاستيلاء علي السلطة لتصل روسيا لأول حكومة عمالية، في نفس الوقت الذي كان حزب و جماهير الثورة الروسية يفهمون انعدام فرص استكمال انتصارات ثورتهم إذا لم تنتصر جماهير ثورات البلدان المجاورة، و قد كانوا مُحقٍّين. إن ثورة 1917 لم تضع "الاشتراكية في بلد واحد" أبدًاا هدفًا لها، و خطابات زعماء جماهير الثورة و قادتها كانت تشير دومًا لمهمة تغيير العالم و مُساندة ثورات البلاد المجاورة لهزيمة الرأسمال من ناحية و لهزيمة الحصار الاقتصادي و العسكري المفروض علي روسيا العُمالية من ناحية أخرى. لكن هزيمة الثورة الألمانية و الأسبانية و الإيطالية و الصينية… إلخ، وجدت صَداها في المجتمع الروسي الذي انهزمت فيه الثورة بعد أكثر من 5 سنوات من الكفاح، نتيجة المجاعة التي تسبب فيها الحصار الاقتصادي و الحرب التي مات فيها أكثر العمال كفاحية...إلخ من أسباب هزيمة الثورة الروسية*. هكذا و في ظل هزيمة ثورات أوروبا استطاع ستالين أن يستغل ضعف روح الثورة و يبني التحالف المُضاد للثورة مع بوخارين -عضو الحكومة "العمالية"-. هكذا وصل ستالين لرأس الثورة الروسية في نفس الوقت الذي وصل فيه هتلر و تشرشل لرأس الثورة الألمانية و الإنجليزية كما موسوليني في إيطاليا. و السبب الرئيسي هو انعدام قدرة الأحزاب التي يدَّعي قادتها دفاعهم عن الاشتراكية التي يحلم بها أعضاء الحزب كما الجماهير في ألمانيا و إيطاليا و أسبانيا.. إلخ، انعدام قدرتهم و رغبتهم في الاستيلاء علي السلطة في أحرج لحظات التاريخ الانساني؛ القرن العشرين. و قد دفعوا ثمن هذه السياسة الخيانية كثيرًا لكن ليس أكثر من مناضلين و جماهير الأحزاب و الثورات الذين رأوا تَفَسُّخ القيادة السياسية العُمالية لأوطانهم و لم يبنوا أحزابًا عُمالية بديلة تستولي على السلطة مُحققة سيادة الطبقة العاملة و تنتصر للثورة. لقد أحرق الزعماء " ستالين و هتلر و تشرشل و موسوليني و روزفلت..إلخ " العالم الثوري الذي بدأ مع القرن العشرين، أحرقوا جماهير الثورات و الحكومات العمالية. الحرب العالمية تجاوز قتلاها المليون قتيل! ليون تروتسكي -أحد أهم قادة الثورة الروسية- الذين اضطهدهم التحالف الستاليني البوخاريني لهزيمة الثورة الروسية، يشرح أن النتيجة الاساسية لحكم ستالين و هتلر هي: كُفر الجماهير بالمبادئ و الحكومة و الثورة الاشتراكية. لقد حَكَم هتلر من خلال الحزب الاشتراكي الوطني، كما صعد ستالين إلى السلطة على رقبة مناضلين الحزب الشيوعي الروسي. كانوا يتخذون سياسات الثورة المضادة من خلال و بإسم الاشتراكية. هكذا اختفى دفاع الجماهير عن الاشتراكية الذي شرحه ماركس في نهايات القرن التاسع عشر بحلول منتصف القرن العشرين عبر السلاح و الخيانة للاشتراكية.
لم أشرح هنا المفاهيم الأساسية التي تُشكِّل الأيديولوجية الثورية الماركسية، لكني قصدت إيضاح أن الخيانة الحزبية للقادة الاشتراكيين كانت السبب في منع ثورات الجماهير التي تُطالب بانتصار الثورات عبر الطريق الاشتراكي: هدم مؤسسات القمع - مصادرة ملكيات الرأسمالين - حق الانتخاب و العزل للمسئولين.. إلخ. هم من منعوها من الانتصار في القرن العشرين. هل نُقارن تحريضات القادة الاشتراكيين في ثورات الربيع العربي و القرن الواحد و العشرين بخيانية قيادات ثورات القرن العشرين باستسلامهم للحكومات البرجوازية و عدم إعداد الجماهير للاستيلاء على السلطة؟؟ إن شرح تشكُّل و تطوُّر الأيديولوجية الثورية الماركسية دون شرح نظريات ماركس الأساسية: مادية التاريخ، فائض القيمة، قوة العمل..إلخ. هو شرح منقوص، كما يجدر شرح تاريخ المنظمات الماركسية العالمية الأهم: الأمميات الثورية، لفهم تطور الأيديولوجية الماركسية. لكني أنوي شرحهم في مقالِ آخر.
يجدر فهم الحقيقة التالية في نهاية هذا المقال: الأفكار الثورية مزروعة في وعي الجماهير لكن يكثر فوقها الغصون و الأفكار المزروعة من الأنظمة الحاكمة، و يجدر علينا نحن مناضلين الاشتراكية الثورية أن نجد الأمثلة و الأفعال الأنسب التي نُعيد بها الجماهير المُتوَهٍّمة و المُستَعبَدة إلى صوابها، إلى نضال أجدادها، إلى دعم روح الثورة.
نحن الاشتراكيين الثورين لا نطالب الأفراد بالتظاهر أو بإحراق مقرات الشرطة، بل بالعكس نطالبهم بعدم دعم المظاهرات إلا إذا كانت ستنتصر للثورة، إلا إذا كانت ستُسقط الحكومة و تأتي بحكومة لا تُشبه الأسياد الساقطين. نطالبهم بنشر الكراهية للدولة و النظام في دوائر نفوذهم، نطالبهم بإيقاظ روح الثورة في المواطنين من حولهم. و هذا الفعل بالذات: التحريض اليومي، لا يستوجب سوى أمرًا واحدًا: التَعلُّم من التاريخ. و أحسن صورة هي الانخراط في تنظيمنا الاشتراكي الثوري الذي يرفع شعار: "اقرأ، تعلم، ناضل" كدليل للكفاح و النضال. كتاب لينين "الدولة و الثورة" يشرح فيه الثوري العبقري لينين بصيغة التلميذ الذي يتعلم من أستاذه ماركس سير التاريخ نحو انتصار الثورات و استيلاء الجماهير على السلطة لكن انعدام التنظيمات و الحزب الثوري العمالي يمنع استمرارية هذا الاستيلاء الجماهيري على السلطة (لانعدام تشكُّل حكومة عمالية من سلطة جماهير المصانع و الأحياء). كتاب لينين " الدولة و الثورة " مُفيد إلى ما لا حدّ له لكل من يحاول فهم الإجابة عن سؤال: كيف تنتصر الثورة؟
كتاب "الثورة المغدورة" لليون تروتسكي و "النشاط الذاتي و العلني للطبقة العاملة" لارنست ماندل يشرحان أسباب هزيمة الثورة الروسية.
الشفاء للمصابيين والمجد للشهداء والحرية للمعتقلين والنصر للثورة. الثورات تظل دائمة. تسقط حكومة رجال الأعمال. الموت للبوليس والقضاء والجيش. لا حل سوى الثورة الإشتراكية والحكومة العمالية لإنتصار الثورة.
#محمود_ابوحديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمد خالد مرة اخري
-
محمد خالد و اخوان عامه
-
ليت المقال ينفع (2)
-
رسالة مفتوحة الي الفلسطينيين و معتقليهم
-
تعديل مقال محاكمة ضباط الشرطة
-
محاكمة ضباط الشرطة
-
حلان لنخرج جميعًا من السجون
-
يوم في حيازة النيابة
-
الموت البوليس والقضاء ....رسالة معتقل
-
إلى كل من قصرت في حقهم ..
-
افكار اعاقب عليها بالسجن عشر سنوات (3)
-
افكار اعاقب عليها بالسجن عشر سنوات (2)
-
افكار اعاقب عليها بالسجن عشر سنوات (1)
-
(1) الازمة الدورية للراسمالية تعني حتمية الانتفاضة والثورة
-
ليت المقال ينفع .. دعما للرفيق المعتقل اوزو
-
الشرطة تحتل هندسة اسكندرية والانتفاضة الظافرة ستقتص لنا
-
رفع الاسعار .. هل سيسقط السيسي؟ هل سيسقط النظام الراسمالي؟
-
اشتعال الحرب في جامعة الاسكندرية.. انتفاضات ضد الاخوان وضد ا
...
-
`رسالة مفتوحة لعميد هندسة اسكندرية الحالي.. فسادك هو طريقك ن
...
المزيد.....
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
-
مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.. فما هي الخطوات المقبلة؟
...
المزيد.....
-
١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران
/ جعفر الشمري
-
في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية *
/ رشيد غويلب
-
الحياة الثقافية في السجن
/ ضرغام الدباغ
-
سجين الشعبة الخامسة
/ محمد السعدي
-
مذكراتي في السجن - ج 2
/ صلاح الدين محسن
-
سنابل العمر، بين القرية والمعتقل
/ محمد علي مقلد
-
مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار
/ اعداد و تقديم رمسيس لبيب
-
الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت
...
/ طاهر عبدالحكيم
-
قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال
...
/ كفاح طافش
-
ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة
/ حـسـقـيل قُوجـمَـان
المزيد.....
|