محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 4888 - 2015 / 8 / 6 - 12:34
المحور:
الادب والفن
مروان يعود إلى البيت قبل أن يحل المساء، قبل أن تقفر الطرقات من الناس ولا يبقى فيها سوى الجنود، مروان يعود مستشعراً لذة الحياة على الشفتين وطرف اللسان، فقد أتيح له قبل حلول المساء أن يضم خطيبته إلى صدره، يقبلها مثلما – على الشاشة – يقبل الممثلون الممثلات، غير أن ما كان بين مروان وخطيبته هو أشهى وأعذب بما لا يقاس. كان البيت على غير العادة خالياً، فالأم قد ذهبت لزيارة الجيران، والأولاد منتشرون في الحي – كما هي عادتهم كل يوم – يشاغلون جنود العدو بالحجارة وإطارات الكاوتشوك. مروان يتلبسه الخجل لأنه وحيد مع خطيبته للمرة الأولى، وهي بدورها يتلبسها الخجل، ولا تدري ما الذي ستفعله في اللحظة التالية. مروان يفتش جيوبه بحثاً عن علبة سجايره فلا يعثر عليها ولا يدري أين طارت منه، والخطيبة تهمّ – للتخلص من حرجها – بإعداد الشاي، غير أنه – لحراجة موقفه – يصرّ على تأجيل ذلك إلى وقت آخر، تسارع إلى خزانة الثياب، تفتح دفتها الأولى، تعرض عليه الفساتين التي أعدتها للزفاف، تقول والخجل ينحسر عنها إلى حدّ ما: إنها فساتين من مختلف الألوان، سوف ترتديها واحداً بعد الآخر أثناء "الصمدة" وسوف ترقص أمام الناس، أمام مروان بالذات، كما لم ترقص من قبل طوال الحياة. مروان يتلمس الفساتين بين أصابعه، يمعن النظر في الإمتدادات الرهيفة للألوان، يتجاسر قليلاً، فيحدق في عيني خطيبته، تتطامن العينان، ولا تدري الخطيبة ما تفعله بكل هذه المشاعر التي تفور في صدرها، مروان يلمس اليد الرقيقة في حذر، تسحب يدها في دلال، تفتح دفة الخزانة الأخرى، تخرج أصنافاً عديدة من الأقمشة ذات الألوان الزاهية، مروان يحدق في جذل، تخبره أنها سوف تنهمك في الأيام القادمة في إعداد السراويل والقمصان لطفلهما الذي سيأتي ذات شتاء، مروان يضحك وقد غادره الخجل، يقول لها: لم نتزوج بعد، وحينما يأتي الصبي نصلي على النبي، وهي تصرّ قائلة إنه سوف يأتي وإلا فلن يهدأ لها بال، وقبل أن تغلق الخزانة على ما فيها من أقمشة وثياب، يشدها فجأة إليه، ثم يتعانقان.
مروان يعود إلى البيت قبل أن يحلّ المساء، يتذكر في نشوة كل لحظة قضاها مع الخطيبة الحبيبة، وكل كلمة قالها لها عن الزفاف الذي سيحل موعده بعد أسبوعين من الآن، مروان يشارف على الوصول إلى باب البيت في نهاية الزقاق، في الحي الذي يملأه الجنود، مروان قبل أن يهمّ بوضع يده على مقبض الباب، يخرّ صريعاً، لأن رصاصة طائشة من جندي رابض في أقصى الزقاق قد اخترقت عنقه، فلم تقتله إلا بعد أن اكتملت في ذهنه صورة الزفاف.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟