|
في غواية المسالك
جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 4888 - 2015 / 8 / 5 - 09:26
المحور:
الادب والفن
يقلب كتاب الصديق محمد عبدالقادر " غسان كنفاني .. جذور العبقرية وتجلياتها الابداعية " بعض صفحات كويت نهايات الثمانينيات حيث كان الشهيد حاضرا بيننا ببعض عبقريته التي نكتشف بين حين وآخر انها ما زالت بحاجة لاعادة اكتشاف . دخل محمد الى مكتبي في مجلة الطليعة وسالني باستحياء وادب جم عرف به " هل كنت مع المنشقين " اجبته بنزق حاولت ان اخفيه بابتسامة اظنها كانت تراوح بين خجل وتمرد " نعم شاركت في انتفاضة فتح حين كنت طالبا ثانويا " وانتظرت تعليقه . ابلغني يومها ان حسين ابو شنب وكان رئيسا لفرع اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في الكويت ومسؤولا عن اعلام فتح رفض مشاركتي في الندوة السنوية التي كانت تنظمها الجبهة الشعبية لاحياء ذكرى كنفاني . حاولت ان اقلل من اهمية الموقف حين قال لي انهم وافقوا على جميع المشاركين في الندوة واستثنوني باعتباري متمردا على الشرعية ، قلت له انني قدمت تنازلا من اجل غسان كنفاني حين وافقت على دخول سفارة فلسطين للمشاركة في الندوة ، وكانت دعوة المشاركة دافعا لكتابة شيئ عن " الفعل الثوري في ادب غسان كنفاني " سانشره في الطليعة ولا حاجة لي بالندوة . كان يحاول معالجة الموقف حين اصر على حضوري وتقديم مداخلة بعد المحاضرين ، ذهبت بعد تردد، وكانت المرة الاولى التي ادخل فيها السفارة بعد غياب دام سنوات ، كنت اول المداخلين واخرهم ، رفعت يدي ، عرفت بنفسي، واسهبت في الحديث عن الدلالات الرمزية لشخصية "ابو الخيزران" في رائعة "رجال في الشمس" وانهيت بان ابو الخيزران ما زال يقود الخزان . انتفض مدير مكتب منظمة التحرير فور انتهائي، لوح بيده في حركة لا تخلو من ممارسة لسلطة ما، وطلب من مدير الندوة اقفال باب النقاش ، كان له ما اراد ، وكانت لي عيون جمهور الندوة الباحثة عن صاحب المداخلة . امام قاعة علي ياسين التي اقيمت فيها الندوة كان الصديق سمير البرقاوي يسأل حسين ابو شنب عن طلب عضوية تقدم به للاتحاد ، انضممت اليهما وقلت مخاطبا ابو شنب دون ان تغيب عني معايير العضوية وطبيعة الصراعات في ذلك الاتحاد : سمير كاتب جيد اقبلوه يا دكتور . حين رد ابو شنب بحدة " من انت لكي تقيمه ؟" ادركت ان احتقانه لا يقل عن احتقان مدير مكتب المنظمة الذي استخدم سلطته قبل قليل لاغلاق باب المداخلات ، اجبته على سبيل المناكفة " لم ادع يوما بانني غابريل غارسيا ماركيز " واخر ما كنت اتوقعه يومها ان يرد غاضبا وفي نبرته احتقار غير خفي لماركيز " من اين تأتون بهذه الاسماء ؟ " تغلبت على ذهولي لجهله وقلت له " لو كنت اعرف انك لا تعرف ماركيز ما تحدثت اليك ... وصلني حقي يا ابو شنب " وغادرت المكان . كان غسان كنفاني حاضرا في يومياتنا ، المح مجسم وجهه على مدخل " الطليعة " في دخولي الى مبناها وخروجي منه ، تصادفني في ارشيف المجلة صور غير منشورة لمشاركاته في فعاليات حركة القوميين العرب ، مقالات كتبها ولم تجمع في كتاب ، تراودني رغبة جمعها كما فعل سليمان الشيخ ذات مرة ، اولاد الاصدقاء محمد الاسعد ، مروان حزين ، تيسير نظمي يحملون اسمه ، و يبدي اسماعيل فهد اسماعيل قدرا من الاعتزاز وهو يصف نفسه بانه تلميذه . في بعض الاحيان كان الصديق سمير البرقاوي يبدي خجلا حين نتحدث عن رحلتنا من الفروانية الى الجابرية للتبرع بالدم في مستشفى مبارك الكبير، حصل كل منا يومها على عشرة دنانير، كانت كافية لشراء مجلد القصص القصيرة ونسخة من رجال في الشمس ، بعض زادنا في عالم الرجال والبنادق الذي رسم غسان بعض خرائطه . مررت على "الطليعة" لوداع الاصدقاء بعد غزو الكويت وتحريرها ، كان مجلد الروايات ملقى على احد ارفف مكتبي ، القيت نظره اخيره عليه ومضيت ، وعلى بلاط الشقة التي كنت اسكنها لمحت مجلد القصص القصيرة مع كتب مبعثرة ما كان حملها ممكنا . خلال لقاء اجريته مع آني كنفاني بعد عامين من مغادرتي الكويت واستقراري في الاردن حدثتني ابنته ليلى عن صديقتها الدانمركية التي بكت بعد قراءة رجال في الشمس وادركت يومها انه ما زال يلزمنا الوقت لمعرفته . امتعضت من نشر غادة السمان الرسائل المتبادلة مع غسان ، رايت في تصرفها يومها اساءة لرمز يعنينا ، كتبت مقالة في جريدة "شيحان" الاردنية عبرت من خلالها عن امتعاضي الذي ادركت فيما بعد انه لم يكن في محله ، وانني انكر على الرمز حقه في ان يكون انسانا ، يعشق ويبوح بعشقه لمن احب . بعد ايام نتوجه الى قاعة الزهراء في مجمع النقابات المهنية الاردنية لنحتفل مع محمد عبدالقادر بصدور كتابه وانا على يقين بان للتجربة الكنفانية تفردها الذي يبقي على غواية المعرفة بمسالك لم تطأها اقدامنا بعد .
#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في المسالة الكردية
-
مقامرة المالكي تتجاوز الخطوط الحمراء
-
فهلوة المالكي
-
في الطريق الى جنيف 2
-
مازق الاسلام السياسي و ازمة العقلانيين العرب
-
قيامة الكرد
-
غزة تتمدد في فراغات رام الله
-
الدور والدور المفترض للمعارضة الايرانية
-
طبعة شيعية للاسلام السياسي العربي
-
العصب العاري في سيرة الغبرا
-
بروفا اخيرة لحراس الهواء
-
الموت عطشا
-
بداية البدايات ... ام الحكايات
-
عدمية المقاطعة والاقصاء
-
رواية الحزن العراقي والانسان الباحث عن انسانيته
-
حراك الهوية الاردنية
-
ايران والاخوان المسلمين .... سقوط فرضية التقارب
-
العراق القضية
-
أولويات اليسار تتصدر الأجندة الأردنية
-
مدرسة الولي الفقيه
المزيد.....
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|