أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - تظاهرات ساحة التحرير: من (دستورية) الأخوند الخراساني حتى ديكتاتورية (ما ننطيها)















المزيد.....


تظاهرات ساحة التحرير: من (دستورية) الأخوند الخراساني حتى ديكتاتورية (ما ننطيها)


حسين كركوش

الحوار المتمدن-العدد: 4886 - 2015 / 8 / 3 - 21:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1


بدأ المجتمع العراقي يتململ ويبعث بإشارات تدل على رغبته في التغيير ، واللحاق بالمجتمعات المتقدمة حتى قبل انهيار الخلافة العثمانية.
وما يبعث على الدهشة حقا ، هو أن مدينة النجف ، قلعة الأفكار المحافظة ، هي المكان الذي انطلقت منه شرارة التجديد والتغيير.
ففي عام 1906 ارتفعت في مدينة النجف أصوات مناصري المشروطة ضد أنصار المستبدة ، أي بين التقدميين الذين يطالبون بوجود دستور يضع شروطا على الحاكم ويقيده ويمنع طغيانه ، وبين المحافظين الذين كانوا يعارضون وجود الدستور ويقفون مع الملك أو السلطان لأنه ولي الأمر وخليفة المسلمين ويجب ان تترك له الحرية دون شروط.
وما تزال محفوظة في ذاكرة العراقيين أسماء علماء الشيعة الأحرار الذين نادوا بالتجديد : محمد حسين النائيني ، الأخوند محمد كاظم الخراساني ، ولاحقا السيد هبة الدين الشهرستاني.
تلك الثورة التحديثية التي رفع لوائها العلماء الشيعية لم تظل يتيمة. فبعد وقت قليل جدا انضمت إليها ثورة تحديثية قادمة هذه المرة من عاصمة التسنن العثمانية. فبعد سنتين ، أي في عام 1908 شهدت بغداد ثورة تحديثية قادها انصار جمعية الاتحاد والترقي التركية ، تطالب بالتغيير و تطبيق الحياة الدستورية.
وكان أنصار التغيير هذه المرة أكثر اندفاعا وأكثر راديكالية ، وشرعوا في تحويل أفكارهم النظرية إلى ممارسات اجتماعية تطبيقية يومية. قوبلت تلك المحاولة التحديثية بسخط من قبل القوى المحافظة. واستخدمت تلك القوى نفس الأسلحة التي استمرت ترفعها في الأزمنة اللاحقة ضد التقدميين من أنصار التغيير.
فقد اعتبرت تلك القوى المحافظة ما كان ينتشر من أفكار وما يحدث من تصرفات وممارسات ، كفرا وإلحادا و تخريبا للأخلاق وتدميرا للأعراف والتقاليد.

كان ذاك الحراك التقدمي يحدث في العراق قبل سنوات قليلة من بدء الحرب العالمية الأولى.
بنهاية تلك الحرب لفظت الخلافة العثمانية أنفاسها الأخيرة.

انهيار الخلافة العثمانية ما كان حدثا عابرا. كان تسونامي سياسي / اجتماعي / ثقافي ضرب العالمين العربي والإسلامي.
فانهيار الخلافة العثمانية هو زوال نمط من الحكم كان قائما قبل ظهورها بقرون و استمر معها لكنه هَرمَ وشاخ تماما ولم يعد صالحا للتطبيق. وفق ذاك الحكم القديم كان خلفاء وسلاطين وأمراء وأفراد أسر يتوارثون الثروة و الحكم ، وغالبا بموجب حق مقدس. والواحد منهم كان يعتبر نفسه خليفة الله على الأرض والأب الروحي لمن يحكمهم. وما على المحكومين ألا طاعته لأنهم (رعاياه) وليسوا مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات.

زوال الخلافة العثمانية هو ، أيضا ، إيذانا بانهيار مفهوم العدالة الاجتماعية المطبق منذ قرون. و هو بداية انهيار البنى التحتية الاجتماعية القديمة.
في العراق أشعل زوال الخلافة العثمانية حماس أنصار التجديد، على اختلاف طوائفهم وأديانهم وقومياتهم ومناطقهم. كان دعاة التغيير يعكسون رغبة المجتمع العراقي واستعداده و جاهزيته لتقبل الجديد و إحداث تغيير شامل وعميق.
وللتدليل على ذلك أن عملية التغيير التي قادتها لاحقا (الدولة العراقية الحديثة) التي ظهرت للوجود بعد الحرب العالمية الأولى على أنقاض الخلافة العثمانية ، سارت بسرعة ويسر في جميع مناطق العراق.
فخلال عمرها القصير حققت الدولة العراقية الحديثة انفتاحا اجتماعيا غير مسبوق ، و أشاعت في المجتمع مفاهيم وقيم حديثة تطبق لأول مرة في تاريخ العراق. أهمها وأخطرها : ترسيخ مفهوم الوطن والمواطن كبديلين عن مصطلحي ( دار الإسلام ودار الكفر) و ( أهل الذمة).
تلك المفاهيم أشاعتها و وعززتها قوانين مدنية حديثة تساوى بين جميع العراقيين ، و مناهج دراسية وطنية موحدة للذكور والإناث ، ترفض الأساطير والخرافات و تشجع على اعتماد العقل في تحكيم الأمور ، وتمجد حضارة وادي الرافدين القديمة ، وتبني جسورا للتواصل بين الثقافة المحلية وبين ثقافات العالم.
وكانت تلك المناهج الجديدة العصرية التحديثية الوطنية الموحدة يضعها وزراء تربية (معارف) شيعة : هبة الدين الشهرستاني ، محمد مهدي بحر العلوم ، عبد المحسن شلاش ، عبد الحسين الجلبي ، الشيخ محمد حسن ابو المحاسن ، صالح جبر ، محمد فاضل الجمالي ، محمد رضا الشبيبي ، عبد المهدي المنتفجي ، مثلما يضعها وزراء معارف سنة ، ابراهيم عاكف الآلوسي ، عبد الله الدملوجي .. الخ.
وكانت القصائد والأناشيد المدرسية (الوطنية) التحديثية ، التي بدأت تشكل وعي الجيل الجديد ، يكتبها (السني) جميل صدقي الزهاوي و( الشيعي) محمد رضا الشبيبي.
والأفكار التقدمية التحديثية يبثها ، شعرا ، الشعراء الشيعة و السنة ، معروف الرصافي ، بدر شاكر السياب ، محمد مهدي الجواهري ، علي الشرقي ( وأنا ، هنا ، أذكر عامدا متعمدا صفتي الشيعة والسنة ، ليعرف أبنائنا الآن أكذوبة وهراء و دَجَل ما يقال عن استحالة وحدة العراقيين بسبب هوياتهم الفرعية ).

و خلال عمرها القصير حققت تلك الدولة نهضة مجتمعية استفاد منها (جميع) العراقيين. وبفضل حماس المجتمع العراقي واستعداده لقبول التغيير ، نجحت تلك النهضة ، بسرعة قياسية ، أن تصل للنواة الصلبة العصية على التغيير ، أعني المرأة ومكانتها ، التي كان تغيير وضعها يعتبر من المحرمات الاجتماعية ، و(تابو) التابوات التي لا يمكن التحرش به.
فقد حدثت نهضة نسوية جبارة غير مسبوقة في تاريخ العراق. و بدأت المرأة العراقية تخرج من البيت ، وتجلس في صفوف دراسية مختلطة جنب رجل غريب لا تعرفه وليس من محارمها ، و شغلت وظائف عامة ، بل بدأت تشارك في الحياة السياسية. وخلال فترة قصيرة أصبح السفور ظاهرة اجتماعية مقبولة و سائدة.
وتغيرَ عميقا ما يسمى بقانون العيب.

وللمرة الألف نؤكد على أن تلك التحولات (التي حدثت قبل قرن) ما كانت لتحدث لولا رغبة واستعداد و جاهزية المجتمع العراقي وتحمسه لقبولها. وهكذا ، استمرت عملية التغيير تشق طريقها لأن المجتمع لم يعارضها.

باختصار: المجتمع العراقي الحديث الذي كان قائما عشية 14 تموز 1958 كان يختلف جذريا و في جميع المجالات عن ذاك الذي كان قائما زمن الخلافة العثمانية.

لكن تلك التغيرات في منظومة القيم الثقافية الاجتماعية لم يحدث ما يساويها على صعيد تقدم الديمقراطية و تحقيق مفهوم جديد للعدالة الاجتماعية.
لقد كانت العدالة الاجتماعية و الديمقراطية (الحريات العامة والخاصة) هي الغائبة.
كان (جسد) المجتمع يتعافى ويتعافى و ينمو وينمو وينمو بينما ظل (ثوب) النظام السياسي يضيق ويضيق حتى لم يعد ملائما.
وكان لا بد من تمزيق ثوب النظام السياسي وخياطة آخر يلائم جسد المجتمع ، وهذا ما حدث في 14 تموز 1958.

يتبع



#حسين_كركوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب فالح مهدي : الخضوع السني والاحباط الشيعي. نقد ...
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (القسم الأخير)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (4/5)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (3/5)
- تمعنوا جيدا في هذه المواد الدستورية (2/5)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (2/5)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (1/5)
- ( النجف. الذاكرة والمدينة ) : مسح بانورامي للمدينة
- إيران تفجر قنبلة سياسية في العراق
- ماذا لو تجرع العراقيون السنة السم ؟
- مؤامرة، فلتسقط المؤامرة: على هامش الأحداث الإرهابية الأخيرة ...
- نفاق وانتهازية الأحزاب السياسية الإسلاموية في تعاملها مع الس ...
- شيعة الحياة وشيعة القبر
- هل أن أغنية لزهور حسين ، مثلا ، تُلهي عن ذكر الله ؟؟؟
- هل دخلت داعش مرحلة الموت السريري أم أن (الذئب) ما يزال ينتظر ...
- ليس ثمة انشقاقات وكل شيء هاديء على جبهة الأحزاب العراقية الح ...
- الإسلام ليس ماركة مسجلة والإسلامويون ليسوا الوكلاء الحصريين
- ( الطيور الصفراء) : رواية أميركية عن الحرب الأميركية في العر ...
- هل يتحول البئر اللاديمقراطي الذي حفره المالكي لإياد علاوي عا ...
- همس المدن أم صراخها ؟


المزيد.....




- فيضانات غير مسبوقة تجتاح بريتاني الفرنسية والسلطات تدعو للحذ ...
- رئيس أركان الجيش الجزائري يبحث مع وفد -الناتو- سبل تعزيز الح ...
- روسيا تدين أعمال المتمردين في الكونغو الديمقراطية
- رئيس وزراء سلوفاكيا يهدد زيلينسكي بمنع المساعدات المالية لأو ...
- وفد حماس يبحث مع المخابرات المصرية تطورات ملف التهدئة بغزة
- العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
- بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4 ...
- احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر ...
- العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة ...
- رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - تظاهرات ساحة التحرير: من (دستورية) الأخوند الخراساني حتى ديكتاتورية (ما ننطيها)