|
علة تأخر المجتمع العربي والإسلامي .
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4885 - 2015 / 8 / 2 - 15:45
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
علة تأخر المجتمع العربي والإسلامي . يتساءل الكثيرون اليوم، أكثر من أي وقت مضى -وخاصة فئة الشباب-كما تساءل الزميل والصديق عزيز باكوش من منتريال ، عن سر تأخر الأمتين الإسلامية والعربية ، وعن علة معاداتهم للحضارة ، وسبب تخلفهما عن ركبها ؟ وعما أوصلهما إلى ما هما فيه وعليه من نكبات التخلف والتمزق والهوان والحروب المذهبية الطاحنة الممزقة لأواصر الأخوة والمحبة بين شعوبهما . وهنا أقف أنا أيضا متسائلاً مع الصحفي المقتدر الأستاذ عزيز باكوش ، معيداً نفس تساؤله المحير الذي جاء في مراسلته المعبرة المعنونة بـ" التاريخ لا يصنع التقدم " : لماذا بقيت جل بلدان العالم العربي في مرحلة وسلك الدول النامية ، ولم تتزحزح قيد أنملة نحو الرقي والتقدم ؟ رغم أن تاريخ إنشاء أول دولة إسلامية بالمغرب يرجع إلى حوالي 12 قرنا ، وأن عمر الحضارة الفرعونية يعد بآلاف السنين ، بينما تقدمت دول حديثة الولادة والنشأة ككندا مثلا ؟ فهل يرجع السبب في ذلك للتركيبة العضوية للجينات العربية ؟ أم يكمن في الظروف البيئية والطبيعية والجغرافية التي تعيشها البلاد العربية والإسلامية ؟ أم يعود لما تعانيه بعض الدول العربية مع الفقر والعوز ؟ بدون شك أن الجواب ، سيكون بعدم جدية تلك الافتراضات التي يتحجج بها البعض كأسباب لتتخلف العربي المهين ، إذ ليس منطقي أن تؤثر الجينات على تقدم أو تخلف الأمم ، خاصة أن العربي ، إنسان مبدع ومنتج ومكتشف ، إذا أتيحت له الفرصة ولقي الدعم والتشجيع عند التقدم ، والمساعدة عند التعثر، والمكافأة عند النجاح ، كما هو الحال بالنسبة للجاليات العربية الموجودة في كندا واوروبا وامريكيا ، أما دريعة البيئة والطبيعة فهو أمر غير صحيح أيضا ، لأن هناك دول تعيش بنفس الظروف البيئية والطبيعية ولكن شعوب متقدمة أو في طريقها إلى ذلك كتركيا وايران واسرائيل وغيرها كثير، أما قضية الفقر والعوز فسبب غير منطقي أيضا، لأن جل الدول العربية غنية جدا ، وأن هناك الكثير من الدول غير العربية تعاني أزمات اقتصادية خانقة ، ومع ذلك ارتقت ونمت ، فما السبب إذن؟؟ يرجع الكثير من المتأسلمين أسباب تخلف البلاد العربية والإسلامية ، إلى بعدها عن الدين ، مستدلين على ذلك بحتميتين اثنتين : حتمية شرعية وحتمية تاريخية ، ويقول أصحاب الحتمية الشرعية أن السبب الأساسي في فساد الأمة العربية والإسلامية وتخلفهما عن التحضر ، هو ابتعادهما عن دين الله الحق ، وتخليهما عن التوحيد الخالص من شوائب الشرك والبدع ، وتمسكهما بالمعاصي التي جلبت عليهما الانحدار والتخلف والفساد ، الذي لا يكون معه استخلاف في الأرض ولا نصرة ولا تمكين ولا أمن ولا عزة ، مستدلين على ذلك بآيات من كتاب الله عز وجل كقوله تعالى : "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " الروم ، على أساس أنه لا نصرة ولا عزة ولا تمكين ولا إمامة في الدنيا والآخرة ، إلا بالصبر وبإتباع وحي من الله تعالى ، بدليل قوله سبحانه :"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " ،النور : 55 .وقوله تعالى "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ " ،السجدة 24 ، كما يستشهدون بقولة الفاروق عمر بن الخطاب على أنه لا تقدم ولا حضارة إلا بالرجوع لله :"لقد كنا أذلة فأعزنا الله بهذا الدين فمن ابتغى العزة في غير الإسلام أذله الله". أما أسانيد الحتمية التاريخية على أسباب التخلف العربي والإسلامي ، فيلخصونها في المقارنة بين حال الجزيرة العربية قبل الإسلام وما كانت عليه من همجية وعبادتها للأوثان ، وبين حالها بعد ظهور الإسلام ، حيث انقلبت بها الأمور رأساً على عقب ، فتكونت فيها ، وفي غضون سنوات قليلة ، دولة قوية متحدة منظمة مهيبة الجانب ، أمسكت بزمام العلوم والآداب والسياسة والاقتصاد ، وشكلت حلقة أساسية في تاريخ تقدم البشرية ، ومقارنتهم ما أصاب الجزيرة وباقي بلاد العرب والمسلمين ، من تخلف وانحدار ، أفقدهم الريادة والسيادة والقوة والعزة ، التي لن تعود لهم إلا بالرجوع إلى دين الله الذي فرطوا فيه . بينما نجد أن فريقا ثالثا يرجع أسباب ذلك التخلف البشع الذي لبس الأمتين العربة والإسلامية إلى ازدواجية الفكر وإلغاء العقل والوقوع في أسر الجمود والحنين إلي أمجاد الماضي التي شيدتها أوهامهم ليهربوا إليها مخافة مفاهيم المعاصرة والتقدم التي يرون فيها غزوا ثقافيا لموروثاتهم الفكرية والحضارية والثقافية معدومة الصلة بالعلم والعالم المعاصر ، والمُناقضة لكل ثوابت ومبادئ المدنية ومقاييس التقدم وقيم الإنسانية .. وفي خضم حيرة العثور على إجابة شافية لذلك التساؤل المقلق ، وجدت أن المفكر محمد عابد الجابري، قد أجاب عن هذا التساؤل في مشروعه الضخم "نقد العقل العربي "بقوله : " إن نقد العقل جزء أساسي وأولي من كل مشروع للنهضة ، ولكن نهضتنا العربية الحديثة جرت فيها الأمور على غير هذا المجرى ، ولعل ذلك من أهم عوامل تعثرها المستمر إلى الآن. وهل يمكن بناء نهضة بغير عقل ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه".ـ كما وجدته عند الأديب إحسان عبد القدوس الذي اعتبر أن سبب تخلف الأمة العربية والإسلامية راجع بالدرجة الأولى إلى تهميش المرأة ، ذلك الكائن الذي يقال أنها مدرسة إذا علمتها علمت جيلا من الرجال ، في روايته " يا ابنتي لا تحيريني معك" حيث قال في أحد فصولها : "هذا هو سر تأخر مجتمعنا .. المجتمع الشرقي كله .. أننا نعتبر الابنة طفلة حتى بعد أن تصل إلى العشرين أو الثلاثين .. لا نعترف أنها بلغت سن الرشد ولا نطمئن عليها إلا بعد أن تتزوج.. و كأن الزواج هو شهادة ميلاد البنت.. الشهادة التي تعترف بشخصيتها المستقلة بالنسبة لأهلها، في حين أن المجتمعات المتقدمة تحمل الابن أو الابنة المسئولية كاملة منذ سن السادسة عشرة.. بل إن من حق الأب أن يمتنع عن الإنفاق على أولاده بعد هذه السن.. و لذلك فالشعب هناك أكثر تقدما منا لان الأفراد يتحملون مسئولية أنفسهم في سن مبكرة.. و يمارسون الحياة قبل أن نمارسها ..إن كثيرا من عباقرة التاريخ بدأوا حياتهم وهم يبيعون الصحف في الشوارع و هم لأطفال.. و من ثمن بيع الصحف يشترون العلم و يدخلون المدارس".. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جلسة ممتعة بأحد مقاهي الحي اللاتيني بباريس
-
مجالس الحشيش الرمضانية. مقهى اسطنبولي بفاس الجديد نموذجا
-
ثقافة الانتماء السياسي !!
-
الكفتة أكثر الأكلات المستهلكة بشراهة
-
آيات القرآن الكريم نغمة للهواتف المحمولة !!
-
الاعتياد على الشيء يفقد الشعور بوجوده !!
-
ذكريات العيد التي لا تبلى ..
-
إنما هي قضية أخلاقية بالمقام الأول !!
-
تشابه الفكر الظلامي واختلاف طرق تصريف المواقف..
-
ليس محض صدفة انتشار المرجعية الفكرية الظلامية على امتداد الب
...
-
مقابرهم ومقابرنا ؟؟ -المقابر المَشَاهد-cimetières paysage نم
...
-
ظاهرة التطوع لنشر حب المطالعة وثقافتها..
-
شياطين الإنس أشد ضررا من مردة الجن ..
-
على هامش تكريم مولاي مسعود
-
رحيل نقابي متميز ..
-
الجنين إلى الطفولة !!
-
الاعتذار للأقوياء الذين يتحملون مسؤولياتهم ...
-
استديو -باب جنان السبيل طالع وهابط- بفاس الجديد ..
-
مراسلة عاجلة تكريم المقاوم مولاي مسعود اكوزال
-
قصص سائقي الطاكسي بباريس 2 ..
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|