أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رافع الصفار - العراق بعيون أجاثا كريستي - 3














المزيد.....

العراق بعيون أجاثا كريستي - 3


رافع الصفار

الحوار المتمدن-العدد: 1347 - 2005 / 10 / 14 - 10:17
المحور: الادب والفن
    


كاثرين وولي وزوجها ألحا علي وشجعاني على البقاء يوما آخر والاطلاع على المزيد من التنقيبات. وكنت في الحقيقة مسرورة لقبول ذلك. لم يعد وجود حمالي، المفروض علي من قبل السيدة (س) ضروريا فطلبت كاثرين منه أن يعود إلى بغداد ويخبرهم أن يوم عودتي ما زال غير مؤكد. كنت آمل بهذه الطريقة أن أعود إلى بغداد خفية عن مضيفتي الطيبة والنزول في فندق (تايكرس بالاس) – لا أدري إن كان هذا هو اسمه عند ذاك – فلقد حمل هذا الفندق العديد من الأسماء حتى أني نسيت الاسم الأول.

إلا أن هذه الخطة لم تنجح، فزوج السيدة (س) المسكين كان يأتي إلى المحطة كل يوم في انتظار عودتي من أور. على كل حال فقد تخلصت منه بيسر. شكرته كثيرا، وأكدت له كم كانت زوجته طيبة معي، ولكني في الحقيقة أشعر أن من الأفضل لي أن أذهب إلى الفندق، وأنني فعلا قد رتبت الأمور وحجزت في فندق (تايكرس بالاس).. فأقلني إلى هناك. جددت شكري للسيد (س) وقبلت منه دعوة على لعبة تنس خلال ثلاثة أو أربعة أيام. هكذا تمكنت من الإفلات من قيود الحياة الاجتماعية بالطريقة الانكليزية. فتحولت من (مدام صاحب) إلى سائحة انكليزية.

لم يكن الفندق رديئا. عند المدخل يلفك ظلام دامس: صالة انتظار واسعة، وغرفة للطعام ستائرها مزاحة على الدوام. في الطابق الأول توجد شرفة حول غرف النوم، يمكن لأي امرئ يمر من هناك أن يدخل ويقضي النهار معك وأنت مضطجع في السرير. أحد جانبي الفندق يطل على نهر دجلة، إنه حلم مثير للبهجة إذ ترى القفف والقوارب على أنواعها منتشرة على صفحة الماء. في أوقات تناول وجبات الطعام تنزل إلى سرداب معتم مزود بمصابيح كهربية ذات ضوء شحيح، ويقدمون لك هناك بضع وجبات في وقت واحد، صحنا بعد آخر تحمل تشابها غريبا مع بعضها. قطع كبيرة من اللحم المقلي والرز، قطع صغيرة من البطاطس الصلبة، أومليت بالطماطم، والقرنابيط –الجلدية- ذات اللون الفاقع...هكذا دون قيد أو شرط.

الثنائي الرائع (هووي) واللذان نصحاني للقيام بهذه الرحلة، كانا قد أعطياني عنوانا أو اثنين لبعض من معارفهما. كان تقييمي لها أنها تعود لأناس جديرين باللقاء ويمكن أن يساعدوني في الاطلاع على بعض المناطق الأكثر إمتاعا في المدينة. إن بغداد _ على الرغم من الحياة الاجتماعية في العلوية_ أول مدينة أراها تحمل طابعا شرقيا أصيلا، إذ يمكنك أن تترك شارع الرشيد كي تنحدر عبر تلك الأزقة الصغيرة الضيقة المؤدية إلى الأسواق: سوق الصفافير حيث يقرعون ويطرقون طول الوقت، وسوق (الشورجة) حيث التوابل المكدسة من كل الأنواع.

أحد أصدقاء عائلة (هووي)، رجل أنكلوهندي يدعى (موريس فيكرز) يعيش _ كما أعتقد _ حياة منعزلة الى حد ما. أثبت هذا الرجل أنه صديق جيد لي أيضا. أخذني لرؤية القباب الذهبية للكاظمين من غرفة على السطح، وقادني إلى أجزاء مختلفة غير التي اعتدت رؤيتها، وذهب بي إلى أحياء الفخارين ومناطق أخرى كثيرة. ذهبنا في إحدى الجولات إلى النهر عبر غابات النخيل. ربما كانت أحاديثه معي أكثر قيمة من المعالم التي أطلعني عليها. فمنه تعلمت _ ولأول مرة _ التفكير بقيمة الزمن، وذلك كشيء غير ذاتي لم أكن قد فكرت فيه من قبل. أما بالنسبة لفيكرز فإن الزمن والصلات أو العلائق الزمنية هي أمور ذات أهمية خاصة.

_ عندما تفكرين مرة بالزمن واللانهاية، فان تأثير الأشياء الذاتية سوف يتغير. الحزن، الألم، المعاناة وكل مظاهر أو عناصر الحياة الأخرى سوف تبدو بمنظار مختلف تماما.

سألني إن كنت قد قرأت تجربة (ديون) مع الزمن. قلت لا. أعارني إياه. قرأته. أدركت عندئذ أن شيئا ما أصابني. ليس تغيرا في العاطفة أو المظهر، ولكني بطريقة ما بدأت أرى الأشياء بصورة نسبية. كنت أرى نفسي اقل حجما، كظاهرة واحدة من هذا العالم الكثيف والمزدحم بمئات الظواهر المتداخلة المتفاعلة. من آن لآخر يستطيع المرء أن يعي ذاته ويراقب وجودها من الخارج _ من كوكب آخر _ وكان البدء بهكذا موضوع تنقصه الخبرة والمهارة. ولكني أخذت أشعر ابتداء من تلك اللحظة براحة حسية كبيرة ومعرفة أكثر صدقا لصفاء الذهن مما كنت قد حصلت عليه من قبل. ولموريس فيكرز الفضل الكبير في منحي تلك الرؤية الأوسع للحياة. كان شابا رائعا متميزا (بسلوك وصفات غير مألوفة)، لديه مكتبة ضخمة تضم مختلف الأنواع من كتب الفلسفة وغيرها. أتساءل أحيانا إن كنا سنلتقي ثانية، ولكني كنت على يقين من أن ذلك لن يحدث. كنا مثل سفينتين التقيتا ليلا. قدم لي هدية وأنا قبلتها: ذلك النوع من الهدايا الذي لم أحصل عليه من قبل. هدية العقل لا العاطفة.



#رافع_الصفار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بعيون اجاثا كريستي - 2
- العراق بعيون أجاثا كريستي - 1
- عندما تصطادني الكلمات - 6
- عندما تصطادني الكلمات - 5
- عندما تصطادني الكلمات - 4
- عندما تصطادني الكلمات - 3
- عندما تصطادني الكلمات - 2
- عندما تصطادني الكلمات
- حالة تمرد


المزيد.....




- الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
- من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم ...
- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رافع الصفار - العراق بعيون أجاثا كريستي - 3