|
التعصب الديني و التطرف إغتصب العقول ليصبح عقلية
حمدي الصحراوي
الحوار المتمدن-العدد: 4884 - 2015 / 8 / 1 - 03:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد انتفاضة 17 ديسمبر-14 جانفي شخصيا كنت جد مسرور بالتغيير الذي حدث آنذاك كان في ذهني تصور لتونس الغد كيف أريدها أن تكون باعتبار مواطنا ضمن قطيعها.. حلمت أن تكون تونس الدولة المدنية الديمقراطية التي يتعايش فيها العلماني، الشيوعي و الإسلامي و الملحد على حد سواء دون تمييز و لا تقسيم. و لكن بعد صعود ذلك الغراب اللعين الذي اتخذ من الحمامة رمزا له إلى الحكم بدأ حلمي هذا يتضاءل و يميل إلى الغروب لمعرفتي المسبقة بأن كل ما ادعوه من حداثة المزعومة و تغير زائف و تقدمية وهمية إنما هو يندرج ضمن إطار سياسة الكذب، المغالطة و الخداع التي لطالما احترفوها..هذا الزيف و النفاق ليس حكرا على حركة النهضة في تونس فقط بل هو نقطة مشتركة بين كل الحركات الإسلامية في العالم إضافة إلى العنف الذي يعتبر سلاحهم المفضل و مغذيهم كذلك تعصبهم و هو مصدر إلهامهم... فالحركات الإسلامية عامة و الإخوانية خاصة متلونة كالحرباء إذ أن خطابهم دائم التغيير فالخطاب الذي يقدم للمنخرطين و المناصرين ليس هو نفس الخطاب الذي يسوق للإعلام و منه إلى عامة الشعب و كذلك خطابهم يختلف بين ما قبل الانتخابات و بعدها فهو عادة ما يكون هادئ و رصين رغم الزلات التي تشوبه قبل. أما بعد الاستحقاق الانتخابي فهناك نوعان من الخطاب إما متعصب منغلق إقصائي متباهي بالانتصار في الانتخابات ( رغم أن انتصارهم هذا هو أكبر خسارة للبلاد نظرا لتبعاته السلبية) و إما في صورة الخسارة-وهذا ما نأمله دائما- فخطابهم ينقسم بدوره إلى نوعان إما معتدل داع إلى الوفاق الوطني و إعلاء المصلحة العامة و المصالحة الوطنية قابل بما أفرزته إرادة الشعب و هذا النوع برز خاصة بتونس عندما كان الحزب الإسلامي في الحكم قبل إجراء الانتخابات و هو خطاب انتهازي يتماشى فقط مع مصلحة الحركة نظرا لما اقترفته من أخطاء تجاه البلاد و العباد و هي بترويجها لمثل هذا الخطاب تسعى إلى الهروب من المساءلة و المحاكمة و من أي تتبعات قضائية ممكنة.. يوجد كذلك خطاب آخر ميزته العنف و التطرف رافض لنتائج الانتخابات و تكون له تأثيرات سلبية على المستقبل القريب نظرا لحمام الدماء الذي قد يسيل. إذ يصبح الصراع مسلحا بين مليشيات الحركة الإسلامية و قوات الأمن مما يؤدي إلى سقوط عدة ضحايا و قتلى و قد تتواصل الحرب إلى سنوات تأتي على الأخضر و اليابس تدمر من خلالها البلاد على جميع المستويات مثلما حدث في الجزائر خلال فترة التسعينات من القرن الماضي. حركة النهضة هذا الاسم الذي لا يتماشى مع المسمى، ما أبعد شورو، البناني، اللوز و شيخهم عديم الوقار الغنوشي عن النهضة و خاصة الفكرية منها... إذ منذ أن صعدت الحكم و تونس حائض لا يزال نزيف دمها متواصل رغم مختلف أشباه الأطباء الذين باشروا علاجها و نذكر منهم جمعة و حاليا الصيد فإن الداء قد استعصى.. و ما يؤكد تواصل مرض وطننا المغدور ذلك الفيديو الذي بثته القناة الفرنسية "آم6" ويبين تشييد أول نزل إسلامي حلال بالحمامات يكفل لمرتاديه الفصل بين الجنسين هذا إن دل على شيء إنما يدل عن حجم الكارثة و عمق المأساة التي حلت بتونس جراء حكم الإسلاميين. فالتعصب الديني و التطرف أصبح عقلية و هذه هي الطامة الكبرى.. و هذا التقسيم بين إناث و ذكور من شأنه إلا أن يساهم في تعميق التفرقة بين التونسيين و لا يخدم سوى الظلاميين، الرجعيين ذوي الفكر الناقص و المتخلف..إذ أضحى تمييز و تصنيف النزل لا يعتمد على أساس جودة خدماته و ما يقدمه إنما يمكن لنا التمييز بينهم على أساس فتاوى بين نزل حلال و أخرى حرام... أو لسنا متخلفين عندما نطرح هاته التافهات الآن ؟؟. هل هذه حقا هي مشكلة الشعب التونسي اليوم ؟هل هذا مبلغ طموحه أن نفرق اليوم بين إناث و ذكور.. ؟؟ أو ليس من الجائز أيضا أن نقسم على حساب الثروة بين غني و فقير كما قسمنا على حساب الجنس ؟؟.. لماذا كل الأمم تقدمت و نمت و العرب متخلفون يقبعون في القاع بل و يصرون على تخلفهم ؟؟.. متى يستيقظ العرب و يعترفون أن دينهم هو نكبتهم و مكبلهم ؟؟... لماذا ارتبط التخلف بالعرب ؟؟.. لماذا أينما يحل الدين يحل الخراب ؟؟.. لماذا كل هذا التقديس للدين هل هو عصي عن النقد ؟؟.. أليست الشريعة بما تحمله من أحكام تتعارض مع مبادئ التحضر و التقدم و مع متطلبات القرن الواحد و العشرين بالتالي يسقط ذلك الحديث القائل بأن الشريعة صالحة لكل زمان و مكان ؟؟.. لماذا لا يعتبر العرب من الأمم التي سبقتهم ؟؟.. أو لم يقترن تقدم أوروبا و ازدهارها الكلي بفضل فصل الدين عن الدولة ؟.. ألم تكن الكنيسة مصدر إنحطاطتهم و تأخرهم ؟؟..الغرب تفطنوا منذ قرون إلى العامل الذي كان يكبلهم فمتى يستفيق العرب أم غيبوبتهم ستتواصل لا دواء لها ؟ .. هل محكوم علينا أن نبقى دائما في مؤخرة الأمم اقتصاديا تكنولوجيا صناعيا و ثقافيا ؟... هل نستحق مرتبة التخلف و الجهل أم هي المفضلة لدينا ؟ من وجهة نظري المتواضعة لا أتفق مع كل من يعتبر أن ما حصل في العالم العربي ثورات بل هي مجرد انتفاضات شعبية كان الوضع الاجتماعي سبب تحريكها و اندلاعها فالثورة عادة ما تكون لها زعيم يؤطرها و يقودها و ذات توجه سياسي اجتماعي و اقتصادي خاص بها تقطع مع النظام السابق و تعوضه بآخر أفضل منه أما انتفاضة بعض الشعوب العربية فكانت عفوية تلقائية خالية من أي تأطير و قيادة سياسيين.. و الدليل أن الشعب التونسي بعد إنفاضة شتاء 2011 و إسقاطه لنظام بن علي الديكتاتوري و حزب التجمع أستبدله بآخر أسوء منه في خريف نفس السنة بعد أن فوض النهضة لتسيير شؤون البلاد علما أن زعمائها كان جلهم في السجون نظرا للأعمال التخريبية و الإرهابية التي حاولوا القيام مثل محاولة تفجير نزل بسوسة و المنستير من قبل حمادي الجبالي(أول رئيس حكومة بعد الانتخابات) و أتباعه و كذلك أحداث باب سويقة و براكة الساحل.. في حين اختار بعضهم الآخر إما التمتع بجمال عاصمة الأنوار و العيش هناك معززا مكرما بل و الاستثمار فيها مثل السيد محمد بن سالم وزير الفلاحة السابق في حين اختار آخرون التوجه إلى لندن عاصمة الضباب كلاجئين سياسيين لهم من الصلاحيات و النفوذ أكثر مما يمتلكه رئيس دولة عربية و بالتالي نؤوا عما يعيشه الشعب التونسي من تفقير و مشاكل و معاناة و هنا نذكر مثال زعيم حركة الإخوان المسلمين بتونس راشد الغنوشي.. ما تسمى بالثورة التونسية خدمت فقط شق الإسلاميين إذ عادوا لنا من بلدان "الغرب الكافر" و من السجون أبطالا فيهم من حمل على الأعناق و وجد حشودا غفيرة في استقباله من النعيم و الهناء الذي كان فيه..و كانت قاسية كثيرا و غير رحيمة بالشعب أولا ذلك أن غلاء المعيشة أصبح لا يطاق فالفقير يجد أمامه علامة مكتوب فيها "يمنع منعا باتا الحياة للفقراء ، الحياة في رخاء و راحة فقط للأغنياء".. و ثانيا على الماضلين اليساريين و العلمانيين نظرا لحملات التشويه الكبيرة و السيل الجارف من التهم التي تلقوه كنعتهم بالكفار و الملحدين و أعداء الدين هذا كله من قبل الإسلاميين و إلى اليوم مازلت هذه التهم تلاحقهم و فيه من دفع حياته ضحيتها مثل المناضل اليساري الوطني الديمقراطي أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد و أحد أبرز مؤسسي الجبهة الشعبية الشهيد الرمز شكري بلعيد و كذلك الشهيد محمد البراهمي أمين عام حزب التيار الشعبي و عضو بمجلس أمناء الجبهة. حركة النهضة حكمت البلاد لثلاثة سنوات خلفت فيهم كما هائلا من الفساد و التراجع يثبت عدم قدرتها على إدارة دواليب الدولة نظرا للهوة الكبيرة بين ما يتطلبه المجتمع التونسي اليوم و برنامجها العتيق الذي تفوح منه رائحة العفن و النتانة و كذلك لعدم كفاءة و خبرة قادتها فهم احترفوا فقط التخطيط للأعمال الإرهابية مما جعلهم يقضون سنوات في غياهب السجون أبعدتهم عن معرفة مستلزمات الشعب التونسي. رحلت النهضة بعم و لكن فكرها مازال مسيطرا إذا المشكل ليس في عناصر الحركة بحد ذاتهم بل بالسم الذي زرعوه في جسد تونس الضعيف و النحيف، سم متمثل في فكر متعصب إخواني رجعي هدفه تقسيم البلاد و ضرب وحدة الشعب التونسي وجب العمل على اجتثاثه لتعود تونس لعهدها و مجدها لتكون تونس ديمقراطية تعددية كما حلمت أنا و أنت و كل مواطن تونسي حر..لكن تونس ليوم أضحت غريبة على مواطنيها الأحرار و حتى هواء لم يعد نقيا ألفناه سابقا فقد دنسه السماسرة و أعداء الفكر التقدمي النير. أرجوك يا تونس هلا عدت ؟؟؟.............
#حمدي_الصحراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعصب الديني و التطرف إغتصب العقول ليصبح عقلية
المزيد.....
-
وسط اللا مكان.. كوخ عمره 200 عام يحصل على نجمة ميشلان بأيرلن
...
-
-نساء البحر- والشلال المقدس.. بين أسرار اليابان المذهلة!
-
دول عربية ترفض -تهجير- الفلسطينيين من أرضهم وتؤكد على ضرورة
...
-
ضم السعودية والإمارات.. اجتماع سداسي وزاري عربي في القاهرة ي
...
-
شاهد لحظة وصول فلسطينيين مفرج عنهم من سجون إسرائيل إلى غزة و
...
-
-ما الذي يمكن لإسرائيل وحماس تعلّمه من اتفاقيات وقف الحرب ال
...
-
عدد طلبات اللجوء يتراجع بنسبة 45% في فنلندا والسلطات توقف در
...
-
لبنان.. مقتل مونسنيور الأرمن أنانيا كوجانيان بظروف غامضة
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فتح معبر رفح لأول مرة منذ مايو وعبور50 مريضا غالبيتهم أطفال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|