|
التنوير5: أوهام الأديان
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4883 - 2015 / 7 / 31 - 20:53
المحور:
الادب والفن
الدين والشعور الديني أنا لا يهمني الدين، إسلام، مسيحية، يهودية، أنا يهمني الشعور الديني، شعور عماده العقل، المنطق، البرهان، الاستدلال، المحاكمة، الملاحظة، الحجة. الإسلام، كالمسيحية، كاليهودية، أديان تتعارض مع العقل، مع المنطق، مع البرهان، مع الاستدلال، مع المحاكمة، مع الملاحظة، مع الحجة، وكل ما هو غير مبنٍ على العقل، على المنطق، على البرهان، على الاستدلال، على المحاكمة، على الملاحظة، على الحجة، يذهب بنا في الحال إلى إبداء آراء مسبقة، وإلى إدلاء أحكام سابقة للتجربة –مثلي أنا لم أبدأ بعد مشروعي التنويري حتى انهالت عليّ الأحكام من كل حدب وصوب- وإلى الانحياز، وإلى التشيع، وإلى التعصب. لهذا، للسيطرة على المتدين، تعمل الأديان، بأمر الكهان ممن هب ودب، على السيطرة على الشعور الديني، فيحل الكهان محل الأديان، ويحولون دون أن يفرق المتدين بين الغث والسمين من المعتقدات، فيقع فريسة المعتقدات الخرافية والممارسات الغيبية لأجل رضاء الله. هل رضاء الله هو هذا كقوة إلهية سماوية أم رضاء قوة أخرى بشرية أرضية؟ والغريب في الأمر أن مثل هذه المعتقدات ومثل هذه الممارسات تدّعي التقرب من الله والاهتداء بهديه، بينما هي تُشَوِّه الشعور الديني وتَحْرِفه، فتسود الأفكار الغريبة، عن الله، عن الإنسان، عن الكون، دين كاهني كهذا لا يمكن قبوله. حتى أن هناك من المتدينين المتنورين من لا يجرؤ على الرفض وحتى على الاحتجاج خوفًا من اتهامهم في إيمانهم. أنا أرى في استسلام المتدين المتنور كغير المتدين المتنور استسلامًا لِما يفرضه أولئك البرابرة من الكهنة الخرافيين والغيبيين من سلوك، فينطوي المتدين المتنور كغير المتدين المتنور على نفسه صانعًا من نفسه وأمثاله معه طائفة المنخذلين اجتماعيًا مقابل طائفة المنحلين دينيًا، هذا على المستوى الأفقي لمفهوم الطائفية.
الحل الإنساني على المستوى العمودي لمفهوم الطائفية: الإسلام، المسيحية، اليهودية، كأديان كل واحد منها الدين الحقيقي في أعين أصحابه، وبعلم من المتدين بهذا الدين أو ذاك، سيعمل منه هويته الروحية، هذا في البداية، وعندما يراد للدين أن يكون هوية وجودية للمتدين، يعني تشويهه وحرفه لغايات سياسية، يصبح دين المِلة، الطائفة، النِّحلة، فيتحول الدين إلى طقوس وطلاسم، وعن طريق هذه الطقوس وهذه الطلاسم يراد السعي إلى تحقيق الذات كجوهر زائف في حقيقته لكنه أكثر ما عليه صدقًا في أعين أصحابه، فينحرف الشعور الديني الذي هو شعور عقلاني في أساسه متحولاً إلى شعور بالتعصب والعداء والكراهية لكل فرد من خارج النِّحلة، الطائفة، المِلة، وبدلاً من أن يكون الشعور الديني الجامع الموحد لشتى الطوائف يصبح العامل المفرق، وعند ذاك، يتم النظر إلى الوطن من عين المِلة، الطائفة، النِّحلة، الوطن كأوطان، والأمة كأمم، وكل ذلك بفضل الممارسات الغيبية والمعتقدات الخرافية، الحامية للكون الطائفي بوصفه نظامًا متناغمًا –أقول متناغمًا- كالكون بنجومه وأقماره وكواكبه. الطائفية في دلالتها هي هذا، تَكَوُّنِيَّة (من تَكَوُّن في معناه الخاص الضيق) لا كونية (من كون في معناه العالمي الواسع)، وللتخلص منها، يجب البدء مما انتهت إليه، أي بعدم تناغم نظامها عن طريق: إشباع كل رغبات أفرادها الطائفية، في تعصبهم، في تشيعهم، في تحزبهم –أكثر- في تعاظمهم، في تنافخهم، في تخارجهم... خروجهم على القانون، بلا عنف، بلا أدلجة، بلا إهانة، بلا إغراء، أي إغراء كان، كي ينظر أفراد الطائفة إلى أنفسهم نظرة الفرد الكامل إلى نفسه، ويشعرون بأنهم يملكون ما لم يملكوه، ما يتمنون ملكه، فتنتهي أوهامهم، على المستوى العملي لا الفكري، فيما ظنوه حقائق من طلاسم وخزعبلات وخرافات: إنه الحل الإنساني الذي أراه لا المادي ولا المثالي. طبعًا تحقيق ذلك لا يتم بضربة عصا سحرية، ولا بجرة قلم، بل بتهيئة كل الشروط الضرورية.
المجتمع النيِّر كيف؟ إذن أنا ربطت مفهوم الطائفة بالأوهام الدينية تحت شكلها الخرافي الطلسمي، وطموحها المِلَلِي النِّحَلي، وقاربت في تحليلي عنصر اللامعقول في المعتقدات لغاية عقلنة هذا العنصر، وبالتالي التوصل إلى الحل الذي توصلت إليه. وضعت جانبًا الاعتقاد شرطًا، وتعاملت مع طقوس وعادات طائفية تعود أحيانًا إلى آلاف السنين، وربما ستدوم عند البعض آلاف أخرى من السنين، لكن في وضع تَحَوَّلَ فيه مفهوم الطائفة عمليًا إلى مفهوم المجتمع، يكفي المجتمع هذا، ما هو زائف في الواقع لم يعد زائفًا، ربما لم يعد حقيقيًا، لكنه على أي حال لم يعد زائفًا، ومن هذه الناحية يسترد الشعور الديني المشوَّه المنحرف بعضًا من عقلانيته، ينتهي الكذب على النفس، ولن نرى العالم بعين الكذب، لن نراه كذلك بعين كلها صدق، فالكثير سيظل يكذب لصالحه، والكثير سيتفنن كما هو الحال دومًا وأبدًا في تشويه الوقائع، لكن هذا من حال أنسنة الطائفة، وبرهان على دخول المجتمع من نوافذه الضيقة، بانتظار الدخول نهائيًا من أبوابه الواسعة. ليسه بعد المجتمع النيرِّ، والمجتمع النيِّر، هل هو موجود بالفعل؟ أنا لا أعتقد. ما هو موجود مجتمع وفقط بكل حسناته وسيئاته –أتكلم الآن عن مجتمع لا عن طائفة- وهو نيِّر لكونه أقل زيفًا كواقع وأقل وهمًا كدين. عند ذاك، سيكون للوهم كدين ظاهر حقيقي، وللزيف كواقع ظاهر حقيقي، وهذا أكبر مكسب نحققه، دون أدلجة ودون فخفخة ودون أي استعلاء أو فوقية.
يتبع التنوير6
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التنوير4: الطائفية
-
التنوير3: أركان التنوير كيف؟
-
التنوير2: أركان التنوير
-
التنوير1: مما قاله التنويريون
-
قحطانيات5: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات4: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات3: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات2: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات1: عبد الله مطلق القحطاني
-
عساكر الفصل السادس عشر والأخير
-
عساكر الفصل الخامس عشر
-
عساكر الفصل الرابع عشر
-
عساكر الفصل الثالث عشر
-
عساكر الفصل الثاني عشر
-
عساكر الفصل الحادي عشر
-
عساكر الفصل العاشر
-
عساكر الفصل التاسع
-
عساكر الفصل الثامن
-
عساكر الفصل السابع
-
عساكر الفصل السادس
المزيد.....
-
مغامرة فنان أعاد إنشاء لوحات يابانية قديمة بالذكاء الاصطناعي
...
-
قتل المدينة.. ذكريات تتلاشى في ضاحية بيروت التي دمرتها إسرائ
...
-
في قطر.. -متى تتزوجين-؟
-
المنظمات الممثلة للعمال الاتحاديين في أمريكا ترفع دعوى قضائي
...
-
مشاركة عربية في مسابقة ثقافة الشارع والرياضة الشعبية في روسي
...
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|