|
قراءة لقصة الطيب قرشى علي بعنوان -وليمة-
حيدر مساد
الحوار المتمدن-العدد: 4882 - 2015 / 7 / 30 - 13:33
المحور:
الادب والفن
قراءة تحليلية للقصة القصيرة جدا "وليمة" للقاص الطيب قرشى على . بقلم: حيدر مساد
النص: وليمة ولجت الباب خلسة، اعتراها الذهول لهول ما رأت، لم تکترث بامتعاض الحاضری-;-ن لها، انسحبت من بی-;-نهم بدهاء، وطفقت تجوب المکان، بقدمی-;-ن شبه حافی-;-تی-;-ن، تأملت الستائر الحری-;-ری-;-ة، أخرجت آلة صدئة، ثم شقت قطعة بذکاء، وبی-;-دی-;-ها الصغی-;-رتی-;-ن غطت عورتها تماما. اقتربت من مائدة تزدحم بالأطباق،هدأ صراخ بطنها، واغرورقت مقلتاها فرحا، دنت أکثر، سال لعابها، وعندما مدت ی-;-دی-;-ها.. سقطت اللوحة. ........................ بداية أود التنويه أن النص شديد الإغلاق ، ورغم ذلك فقد ترك الكاتب فيه مفاتيحه التي تفتح أبوابه المغلقة، لذا فالنص قابل لأكثر من قراءة ، تعتمد كل قراءة على خلفية المتلقي الثقافية ورؤيته للحياة وما يجول بنفسه من شواغل ساعة القراءة.
العنوان: "وليمة" وهي كل طعام لمناسبة دعي إليه جمع.. وباختيار الكاتب هذا العنوان فقد حدد لنا ميدان أحداث قصته وأجوائها.. فالقصة تجري في حفل فرح ولم يحدد الكاتب ما هي مناسبة الفرح ..فالعنوان هنا واحد من مفاتيح النص ،بل هو المفتاح الرئيسي للنص.
الفكرة: تدور فكرة النص عن تلك المتلازمة في الحياة على مر العصور ، ثراء فاحش يقابله فقر مدقع .. فكرة شغلت الكثيرين وكتبوا فيها وما زالوا ،وهي قابلة للمزيد من الكتابة لأنها واحدة من المفارقات الموجعة التي تؤرق الكثير من الكتاب والدارسين والاجتماعيين ، وقد طرقها الكاتب هنا باسلوب القصة القصيرة جدا ؛فأحسن الإختيار.
اللغة: اللغة سليمة و علامات الترقيم مناسبة .
البناء القصصي والسرد: استخدم الكاتب جملا قصيرة حاسمة لا استرسال فيها؛ فكان النص مختصرا مكثفا، ملبيا لواحد من عناصر القصة القصيرة جدا.. وقد استهل الكاتب جمله المكثفة بأفعال حركة مما زاد من حيوية النص (( ولجت،اعتراها،تكترث، انسحبت، طفقت، تجوب، تأملت، أخرجت، شقّت، غطّت، اقتربت، هدأ ، اعرورقت، دنت، سال، مدّت، سقطت)). اذا كان العنوان هو المفتاح الأول للنص ؛فان الجملة الاستهلالية للنص هي مفتاحه الثاني ؛ نحن أمام دعوة إلى طعام كما حدد العنوان، والبطلة غير مدعوة لهذه الوليمة كما توحي بداية النص (( ولجت الباب خلسة))، وهنا استطاع الكاتب أن يشد المتلقي إلى قصته التي أوحت جملتها الأولى بأحداث مثيرة مشوقة، من هي؟ ولماذ تدخل خلسة؟ كلها أسئلة تدور في ذهن القاريء . ((اعتراها الذهول لهول ما رأت)) تأتي الجملة الثانية إصرارا من الكاتب على جذب القاريء بمزيد من التشويق : ماذا رأت؟ ولماذا أدهشها ما رأت؟ . ((لم تکترث بامتعاض الحاضری-;-ن لها)) ، في الجملة الثالثة يخبيء لنا الكاتب واحدا من مفاتيح أبواب نصه ؛ امتعاض الحاضرين يعني أن هيئة الدخيلة على هذا الحفل تظهر أنها تنتمي لطبقة اجتماعية أدنى من تلك التي ينتمي إليها الحضور من المدعوين، لكن البطلة لم تكترث لنظرات ازدرائهم؛ يبدو انها اعتادت مثل هذه النظرات ويبدو أن حاجتها شديدة لدرجة عدم التأثر بامتعاضهم. (( انسحبت من بی-;-نهم بدهاء، وطفقت تجوب المکان، بقدمی-;-ن شبه حافی-;-تی-;-ن، تأملت الستائر الحری-;-ری-;-ة، أخرجت آلة صدئة، ثم شقت قطعة بذکاء، وبی-;-دی-;-ها الصغی-;-رتی-;-ن غطت عورتها تماما )) تركتهم وبدأت تبحث في المكان ،إذن فالبطلة لم تأت لمشاركتهم فرحهم ، هي تبحث عن شيء آخر ، ما هو؟ ..في هذه المرحلة من القصة تنتظم خيوط الحبكة باتجاه القمة لتشكل العقدة في النص ، استطاع الكاتب بالايحاء والرمز أن يسجل المفارقة ؛ فالستائر الحريرية هي رمز الثراء الفاحش ودلالة على بذخ المكان ، والآلة الصدئة هي رمز الفقر المدقع للبطلة إذا ما أضفنا لهذان الرمزان ((قدمين شبه حافيتين)) أي بحذاء مستهلك ومتهالك ، ((غطت عورتها)) ثياب ممزقة غير ساترة وكلها دلالات على الفقر والعوز ، ((بيديها الصغيرتين)) وهنا يخبرنا الكاتب بذكاء أن بطلة قصته طفلة فقيرة معوزة. (( اقتربت من مائدة تزدحم بالأطباق،هدأ صراخ بطنها، واغرورقت مقلتاها فرحا، دنت أکثر، سال لعابها )) في هذه الجمل يصف الكاتب حالة السغب التي وصلت إليها البطلة؛ يمهد لقفلته الرائعة ويجيب بنفس الوقت عن أسئلة القاريء التي داهمته بداية النص.. اذن هذه الطفلة الصغيرة رثة الثياب والتي اقتحمت الحفل دون دعوة في حالة إعياء من الجوع ، تبحث عما يسد جوعها في حفل الأثرياء هذا .. وقد وجدت مبتغاها في المائدة التي وجدتها أخيرا.
الخاتمة: ((وعندما مدت يديها.. سقطت اللوحة)) قفلة مفاجئة ومدهشة ، لم تنهي القصة بانتهاء قراءتها، بل جعلت القاريء يحلق بخياله على أكثر من احتمال وأكثر من قراءة للخاتمة ، الأولى: أن المائدة التي رأتها الطفلة ما هي إلا رسم شديد الإتقان على لوحة ، ظنتها الطفلة مائدة حقيقية ؛ فعندما همت بتناول الطعام ارتطمت يدها باللوحة فسقطت اللوحة وسقطت أحلام البطلة معها .. أما الثانية : فهذه الطفلة الجائعة كانت منذ بداية النص تتأمل لوحة أمامها لمائدة باذخة في قصر فخم ؛ تخيلت انها داخل اللوحة وعاشت أجوائها، ودار في ذهنها كل تلك القصة وعندما طغى في تأملها الوهم على الواقع مدت يدها لتسكت جوعها فسقطت اللوحة وسقط معها حلمها بالشبع.
في كل الأحوال ؛ نحن أمام قاص/ة متمرس ومتمكن جدا من أدواته ، ذكي في اختياراته صياغته لعباراته .. نص مكتمل العناصر .
#حيدر_مساد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تِيهٌ / ومضة متدحرجة
-
دورة/ قصة قصيرة جدا
-
الومضة المتدحرجة
-
نجاة/ قصة قصيرة جدا
-
فجيعة/ قصة قصيرة جدا
-
تمادي، افتقاد/ قصتان قصيرتان جدا
-
انسجام / قصة قصيرة جدا
-
نمو/ قصة قصيرة جدا
-
الشجعان / قصة قصيرة جدا
-
حَمَام / قصة قصيرة جدا
-
فراق/ قصة قصيرة جدا
-
قصص ومضات: وداع/ انكسار/ حاقدون/ جناية
-
رحيل/ قصة قصيرة جدا
-
عداقة / قصة قصيرة جدا
-
استراتيجية/ قصة قصيرة جدا
-
أمنيات / قصة قصيرة جدا
-
رواية/ قصة قصيرة جدا
-
نقيق / قصة قصيرة جدا
-
الضَّرَّة/ قصة قصيرة جدا
-
مكيدة/ قصة قصيرة جدا(ومضات)
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|