مصطفى تاج
الحوار المتمدن-العدد: 4881 - 2015 / 7 / 29 - 21:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم تمضي سوى ايام على تأثري بمواعظ لشيوخ،وإعلاني للتوبة النصوح،حتى تيقنت أنني يجب ان اتحرر من هذا التدين التقليدي،المطبوع بالتصوف،والمتشكل وفق عادات مجتمع أمازيغي،يقدس العادة ويعطيها اولوية فوق اولوية النص المقدس،فقط لأنها شيء تركه الاجداد،وجزء من الموروث..لكن كل هذا لم يكن مقنعا بالنسبة لي،فقد كان ذلك النمط من التدين مشوبا بالبدع والشركيات إذا ما قيس بآيات الله وأحاديث الرسول،وإذا ما عرض على كتب الائمة والسلف الصالح،بالتالي فينبغي ان نجعل إسلامنا خالصنا لوجه الله،وندقع بأنفسنا نحو مزيد من الالتزام،والتعمق في مراد الله،حتى نكون من الفرقة الناجية،ومن الغرباء المتمسكين بديننا تمسكنا بالجمر،العاضين على سنة الرسول ومن كان بعده من الصالحين عضا بالنواجد،حتى يتسنى لنا إصلاح ما افسد الناس،وتحق علينا الرحمة والمغرفة،ويدفعنا الله بقوته السحرية سنينا ضوئية نتجاوز فيها باقي الامم،ونحن في حالتنا قد ادلنا الله بابتعادنا عن الدين،وبابتغائنا ما عند الكفار والفاسقين والمشركين بالله،من مظاهر التحضر والرقي والازدهار.
كانت كلها افكارا تتردد على مسامعي باستمرار،وكان عدم الأخذ بها ضربا من العمى والزيغ عن الحق،فقد كنت حينها في سن الثالثة عشر،حين كنت اجالس العارفين من اهل السنة والجماعة،واتداول معهم اطراف الحديث في القضايا والمستجدات،فنتدكر ايام الرسول والسلف،زمن العزة والمجد،ونرتفع بهؤلاء الرجال في مدارج المجد والعظمة،وننزل بأنفسنا إلى القاع،بالتحقير المطبوع بروح التواضع لله وطلب الرفعة،فلم نترك جماعة ولا مذهبا إلا ومزقناه إربا اربا،وهدمنا كل اركان مشروعيته،ووصفناه بالظلال المبين والزيغ عن الحق واتباع الهوى،ونحن نستذكر ايام ذلك العملاق ابن تيمية،الذي افحم كل فرق ومذاهب الظلال اجمعين،ورفع راية الحق في زمن تعددت فيه اطياف الباطل،وتوحدت جميعا في صف واحد،وتحالفت لمحاربة الحق المبين.فلم نكن نخرج من تلك المجامع إلا وقد كان الحق بكامله معنا،والباطل من نصيب جميع من يخالف مذهبنا،متشبعين بروح الحرب والقتال،رافعين راية التحدي للجميع،وقد جمعنا للاعداء من النصوص المقدسة ما لا قبل لهم به،فانخرطت في هذه الحرب،وكنت ساتسبب لنفسي بالكثير المتاعب،حين كنت جالسا انتظر احد أئمة المساجد يتلوا القرآن جماعة،في تجمع بدعي مطبوع بالجهل بتعاليم الدين،وما إن انتهى حتى هجمت عليه،وتحديته ان يأتيني بنص شرعي يثبت ان الرسول وصحابته كانوا يفعلون هذا،ثم استرسلت واصفا فعلتهم بالبدعة والضلالة التي تقود صاحبها إلى النار والعياذ بالله،أو حين كنت جالسا في القسم،في مادة اللغة الفرنسية الكافرة،اتصيد الفرصة للثورة على المحرمات،فرفعت صوت الناهي عن المنكر الأمر بالمعروف،حين قامت المدرسة بتشغيل مقطع اغنية لشاعر فرنسي كافر،فجنيت على نفسي مجلسا تأديبيا،كاد الأمر ينتهي بي مطرودا من المدرسة،لولا وقوف بعض الاساتذة في صفي.
استمرت مجالسنا،إلى حين دخل على الخط عنصر جديد في القضية،فقد بدأ في الحضور إلى مسجدنا أحد معتنقي الفكر الجهادي،والداعين إليه،وكان لي معه جلسات،وكان يحاول استقطاب الشباب المسلم لتكوين خلية جهادية،فنقاشتنا تدوم وقتا طويلا،ومعرفته الدينية أعلى مستوى من السابقين،وكنت بين طرفي صراع،يتبادلان التهم،فهذا خارجي تكفيري،وهؤلاء مرجئة لا يجيدون غير لغة الخضوع والخنوع،فالخارجي التكفيري ذهب قبل اعوام لجهاد الفرنجة الكفار في مالي،فصار من المبحوث عنهم وطنيا،وهؤلاء لازالوا يواصلون اجترار نفس تلك الاسطوانة المهترئة.
والامر الاكيد حاليا،هو أن لأحداث الربيع العربي(اومهما كان مسماها.لا يهم)دورا في تغيير افكاري وإعادة توجيهها،خاصة وأن الضوء تسلط في هذه الفترات على حربائية رموز هذا التيار في جانب،وعلى وقوفهم مع الاستبداد ومساهمتهم في شرعنته والدفاع عنه من جهة أخرى،فسقطت الاقنعة،واتضح دور المهلكة العربية السعودية في توجيه هذا التيار والتحكم في ابجديات خنوعه وتزلفه على عتبات السلطة،فأصبحت بذلك تُقصف بلا هوادة من كل جانب،وصار السلفيون موردا عدديا جديدا لجماعات الاسلام السياسي.
لقد اصبح هذا الخطاب بالنسبة لي حينها،خطابا منحطا مليئا بالتخلف والورائية والطوبوية،والسلفيون جماعة من الحمقى السذج،المُتلاعب بهم،والموجهين لخدمة الاستبداد وتركيع الشعوب للسلطان من جانب،أو لممارسة الشنائع في الارجاء وتشويه صورة الاسلام المشوهة خلقيا،ونشر الارهاب والاجرام تحث راية الاسلام،ومن زاوية اخرى اضحى السلفيون مجموعة من المتقوقعين فكريا،والمتجهين نحو الوراء السحيق،ومشروعا موجها ضد الانسانية،وقطيعا تسوقه التعاليم الهمجية للإسلام.
لقد مررت بثلاث سنوات من العذاب،وانا احاول بسذاجة التقرب من الله،والمشي على سراطه المستقيم،والالتزام بتعاليم نبيه،قبل أن اكتشف حقيقة هذا الدين،وقبل أن اتحرر بشكل تدريجي من اساطير الصحراء،التي سلكت طريقها إلينا،نحن الساكنون في أقصى المغارب،بضرب الرؤوس،وسبي النساء،ونهب الخيرات والممتلكات،فلم يسلم اجدادنا إلا بعد مسلسل من الارتداد عن الدين،فكيف نكون اغبى منهم،ونصر على التشبث به في زمن التكنولوجيا وتعرية الحقائق،إلا اذا كان اجدادنا الاولون اكثر حكمة منا،وادق رؤية إلى حقائق الامور،ومن جهة أليس هذا الدين نفسه قد تزاوج مع استبداد القرون،وانتج مجتمعات متأزمة ترتع فيها شتى اصناف الاوبئة ؟فكيف لا زلنا نتشبث بهكذا دين،وقد غرتنا الاحلام الوردية،في الدخول إلى جنة مليئة بالحرو العين،وبأنهار من الخمر،وارعبتنا تخويفاته من نار قد وصفها وصفا شنيعا تقشعر منه جلود الجبناء المغررين؟ وكيف لا يزال مفكرونا الافداد،واعلام الاستنارة في عالمنا،يطوفون حول جوهر المشكلة باستحياء واحتشام،دون ان تنتابهم ذرة شجاعة في الاقتحام،ولو بتضحيتهم في سبيل الحقيقة بعرش بنوه بمداهنة الجهلاء واللعب على وثر إرضائهم وعدم المس بجهلهم وخرافاتهم المقدسة؟وكيف لازال البعض يخشى على انهيار الفضائل والاخلاق التي لم تكن يوما،ولم تنجح في بناءها أساليب الترهيب والترغيب؟افلم يعلموا أن هذا تعبير عن عدم الثقة في الاسنان وفي عقله وادراكه وقدرته على التمييز دون إملاءات الكهنة ومن سار على دربهم من الجهلاء؟
#مصطفى_تاج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟