|
صناعة الاله عند ضياء الشكرجي.. 1-2
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 4878 - 2015 / 7 / 26 - 20:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما كتبت المقال الاول الذي يخص مقال الاستاذ الشكرجي المعنون «أفتخر أني لست شيعيا ولا سنيا» لم اكن بذلك الوضوح الذي انا عليه الآن، لذلك قد تصورت بان ما يقصده الاستاذ الشكرجي يهدف الى خلق اسلام خال من حزازات المذاهب، فاسميت الافتخار بعدم الانتماء الى الشيعة بانه تنصلا منها( اي من الطائفة الشيعية). الآن وبعد ان كتب الاستاذ الشكرجي مقالته التي عنونها (مناقشة متأخرة لمقالة للسيد مالوم أبو رغيف عني) اتضحت الصورة اذ ان الاستاذ الشكرجي يعلن بوضوح انفصاله عن الاسلام كدين وكأله. فهو وكما يبدو من مقالاته قد وصل الى قناعة تقترن باليقين بصحة اعتقادة الذي اسماه لاهوت التنزيه، ولاهوت التنزيه بالنسبة للسيد ضياء الشكرجي هو تنزيه الاله مما نسبته اليه الاديان والفقهاء وحتى القرآن من صفات يراها الشكرجي بانها لا تسجم مع ذاته الالهية. فالاله بالنسبة له، للشكرجي، تركيب قيمي ذاتي وصناعة شخصية. لكنه لم يبتعد كثيرا عن الدين، فقد بقي في مدار فكرة الاله، وهي نفس الفكرة عند بقية الاديان، فكرة الاله الخالق. السيد الشكرجي اخضع الهه الى عملية ترشيق وتجميل، ابقى على كل الصفات الرائعة وشذب عنه كل الصفات التي لا يحبها ولا يعتقد انها تليق به، اي بـ الاله، مثل النقمة والعقاب والحساب ومعاقبة الخاطئين والاثمين. وعندما يصل المتدين بغض النظر عن انتمائه الطائفي، الى مرحلة ينبذ فيها اله الجماعة ويصنع له اله ذاتيا فرديا، حتى لو كان ذلك الاله(الذاتي الفردي) في مجمله او بعضه منه مستوحيا من الاله العام، فانه لا ينسلخ من طائفة ولا من مذهب انما ينسلخ من دين. لكن الاستاذ الشكرجي وقف دون التصريح بالخروج من الدين، فلست شيعيا ولست سنيا عبارة عامة قد قالها الكثيرون قبله وفهمها القراء بانها انتقاد موجه للمذاهب. ولكي يجعل الاستاذ الشكرجي نفسه متميزا عنهما، اي عن السنة وعن الشيعة، اضاف الافتخار، مع ان الافتخارهنا لا يعني شيئا اخر غير التباهي، وهذا التباهي قد يجد طريقه للعلن او يبقى حبيس في ذهن الانسان، فان وجد طريقها للعلن سوف يجد المتباهي نفسه مرددا ما يعتقد انه الافضل والاحسن، الافضل والاحسن الذان يميزانه عن الاخرين فيمنحانه حق الافضلية، اذ ان الصفات المشتركة لا تصلح ان تكون صفات تفضيل. هوية اله الشكرجي في حقيقتها لا تختلف عن هوية اله المسلم اكان سنيا او شيعيا، اذ ان فكرة الاله التي اهتدى اليها الانسان كانت لتفسير الوجود بما فيها وجوده الذاتي، اما صفات الاله الاخرى حتى تلك التي ذكرها الشكرجي ونسبها اليه( الى الاله) فانها صفات ملحقة تختلف باختلاف الزمان واختلاف المكان. الافتخار دون التصريح هو في حقيقته قناعة ذاتية، عندما لا يصرح الاستاذ الشكرجي عن ما يميز الهه الجديد او ما يجعله مختلفا فكيف للمسلم السني او الشيعي ان يدرك انه (اي الشكرجي) قد انسلخ من الاثنين، من الاسلام السني ومن الاسلام الشيعي، وكيف له ان يفتخر باله مصنوع من تصور ذاتي.. فالذات لا تصلح ان تكون مادة خلق الاله، والعقل الذي يؤكد عليه الاستاذ الشكرجي، يكتشف ويفسر ولا يصنع. قد يقول الاستاذ الشكرجي بانه اكتشف الاله ولم يصنعه، ذلك بانه امعن العقل في الالوهية فاكتشف بهاء وصفاء الاله، فنقول ان عقله استند ايضا على قاعدة الدين وليس على ناصيةالعلم. فهو لم يغادر منصة اللاهوت الديني الى منصة العلم، فتصوره للاله ليست تصورا عقليا كما يعتقد. اذ ان العقل اليوم ليس شيئا اخر غير التفسير العلمي للظواهر اكان نشؤوها او تلاشيها وفنائها. تنطوي مقالة الافتخار للاستاذ الشكرجي بكونه ليس بالشيعي وليس بالسني على مغالطة كلامية، اذ انه يعطي الحق للسني وللشيعي بالافتخار باعتقادهما طالما يكونا غير متعصبين، مع ان الافتخار نفسه يحتوي على قدر من التعصب او التحزب، كما ان الافتخار بين المذاهب بحد ذاته احد اسباب صراع المتعصب ، اذ ان الشيعة والسنة لا يختلفان حول طبيعة الاله، انما يختلفان بافضلية الموقف الديني السياسي من الاحداث التاريخية الغابرة. بالنسبة لنا نعتبر الشيعة والسنة معسكرين سياسين تاريخيين متنازعين حول احقية الخلافة اكان في حقبة صراع السقيفة او في حقبة حروب الامام علي ضد عائشة او ضد معاوية بن ابي سفيان. ولم يتأطر هذا الصراع بخلاف عقائدي ديني او مذهبي تعبدي. لقد بقى كذلك ايضا الى يومنا هذا اما الاختلاف في التشريع فهو ليس باصل المشكلة حتى وان اريد لها ذلك. نشير هنا ايضا الى ان لا السنة ولا الشيعة يفتخران، انهما يتفاخران، واذا كان الافتخار نوع من التباهي في اظهار المحاسن وترك المقارنة للاخرين لاكتشاف الافضل، فان التفاخر يعني التباهي المتعصب واظهار علينا لكل المحاسن التي لا تجد عند الاخر. اما بالنسبة لصفات الله و اسماءه الحسنى، فان المسلمين متفقون حولها ، حتى انهم لا ينظرون الى اّلهه الاديان الاخرى بشكل اخر غير تلك الصورة التي يرسمونها للاله خاصتهم. الشكرجي يعتقد ان صفات الاله تغير طبيعة اتباعه، فالرحمة والسلام والعدل المطلق والجمال والحب، تصنع نفسا متسامحة رحيمة مسالمة متصالحة. لا اعرف كم هو عمر الاستاذ الشكرجي، لكنه بالتأكيد قد تجاوز الستين، وعادة ما تنطفيء الروح الثورية عند الشيوخ ولا يبقى فيها سوى ذلك الهدوء والروية تلك التي يحتاجها الانسان عندما يكهل ويشيخ فتكون صورة الاله منجسمة مع خفوت جذوة نار الصراع او قل تعبا منه. لذلك يميل الشكرجي الى ذكر ما يجمعه مع السنة والشيعة على الاقل بما يتعلق بصفات الاله العامة( رب العقل والصدق والحب الحرية والسلم) اي انه فضل ذكر المشترك ولم يفضل ما يود نفيه او ما يود تشذيبه وازالته من الذات الالهية، فهو لم يصرح بالسبب الحقيقي الذي دعاه الى الافتخار بانه ليس شيعيا ولا سنيا، تجنبا للصراع الذي سيدور ويعكر عليه صفوته الروحية. كما نلاحظ ايضا بانه يشير الى المذاهب ولا يشير الى الاسلام مع انه يقصد توجيه النقد للدين.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ارفعوا الوصاية عن الله فانه غير قاصر
-
جدلية البناء التحتي والبناء الفوقي والدين
-
نفي الاله
-
الدور السلبي للاسلام على العرب
-
العراق: لماذا لم تنجح الحكومة في حل الازمة الطائفية؟
-
ايران والقضية الفلسطينية
-
ذهنية تقسيم العراق
-
العراق: القتال ضد مجهول
-
الطائفية السعودية وخطأ التصورات الايرانية
-
ملاحظات عابرة حول الحرب على اليمن
-
لماذا تلتزم المرجعيات الاسلامية الصمت حيال تحطيم اثار حضارة
...
-
الضجة الاسلامية حول اعدام الطيار الكساسبة
-
الحتمية الماركسية وخلفية الفهم الاسلامي الساذج
-
الاسلام بصفته احتجاج سلبي
-
الماركسية ادراك وليس اجترار مدرسي
-
خدعة الوحدة الوطنية
-
بين نائبيتين: فيان دخيل وميسون الدملوجي
-
هل تختلف شريعة الدواعش عن الشريعة الاسلامية؟
-
بعد تحاصص المناصب هل يتحاصصون الجغرافية؟
-
من اقليم السنة الى اقليم الدواعش
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|