أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء اللامي - كاترينا- و - ريتا - ومفهوم أو خرافة العقاب الإلهي !















المزيد.....


كاترينا- و - ريتا - ومفهوم أو خرافة العقاب الإلهي !


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 1346 - 2005 / 10 / 13 - 13:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم تعد برقية التهنئة التي طيَّرها أبو مصعب الزرقاوي إلى إسامة بن لادن عقابيل إعصار "كاترينا" على اعتبار أن ذلك الإعصار هو بداية النهاية للولايات المتحدة الأمريكية ( على يد جندي واحد من جنود الله اسمه كاترينا ) طرفة يتيمة أو موقفا يتبناه نشطاء دينيون قصويون بل تحول إلى مفهوم ينتشر بسرعة ملحوظة ووجهة نظر ينخرط في مقاربتها وتبني أجزاء مهمة منها أناس لا علاقة لهم بالقصوية السياسية الدينية . لا نقصد هنا أولئك العقلانيين الذين كتبوا عن هذا الموضوع بعيدا عن مفهوم العقاب الإلهي بهدف مقاربة جوهر الحالة الأمريكية السياسية أو الاجتماعية في خضم هذه الكارثة الطبيعية بل نقصد "مثقفين " بعيدين كل البعد عن القصوية السياسية الدينية بنسختها التكفيرية الرائجة هذه الأيام ولكنهم يشاركون الزرقاوي مفهومه ولا تعدم أن تجد بين هؤلاء وزيرا عربيا سابقا للثقافة ، نعم للثقافة ، وفي نظام كان يوصف بالعلماني ، دبج مقالة بعنوان (إعصار كاترينا انتقام رباني ) يعلل فيها سبب حدوث الأعاصير فيقول دون أن يطرف له رمش : ( لعل الله أراد أن يقول لإدارة بوش كفي عما كنت تخططين له ضد العراق فهذه البلاد ليست ككل البلاد، فهي أرضي التي اخترت لها أن تكون مهدا لأبي البشر وسيد الأنبياء آدم عليه السلام، وهي موطن لعدد من الأنبياء والأئمة والأولياء والرجال الصالحين .)
لسنا بصدد الدخول في نقاش فقهي أو عقيدي حول موضوع العقاب الإلهي الجماعي من وجهة نظر دينية كتابية فهذا أمر شديد الخصوصية والحساسية وهو بالدرجة الأولى شأن فقهي وعقيدي يهم الفقهاء وعلماء الدين ولكننا نبتغي تفحص الإطار الفكري العام الذي برز وترسخ فيه هذا المفهوم المحاول تفسير وقوع الكوارث الطبيعية وتحديدا إعصاري كاترينا وريتا على اعتبار أنه عقاب أنزله الله بالولايات المتحدة جزاء وفاقا لما ارتكبته من جرائم واعتداءات بحق المسلمين وخصوصا في العراق وأفغانستان ! محاولين التدليل على صحة الفرضية القائلة بأن بروز هذا المفهوم في هذا الوقت وفي هذا الوضع التاريخي بالذات ومن قبل تشكيلات سياسية أيديولوجية بعينها لا يمنع من اعتباره من الناحية الجوهرية الجزء القرين والمقابل لمفاهيم مشابهة لدى الطرف "المعادي " لحملة هذا المفهوم أي الطرف الأمريكي الحاكم ومن تلك المفاهيم الشبيه مضمونيا مفهوم (صراع الخير الأمريكي ضد الشر غير الأمريكي ) وغيره وهنا يبدو خطاب اليمين المحافظ الأمريكي قفا العملة التي يمثل الخطاب السلفي التكفيري وجهها .
عربيا وإسلاميا وشرقيا لا تأتي هذه الظاهرة للبحث عن مسببات لغوامض ما يحدث في الطبيعة في الماوراء من فراغ فقصص الكوارث الطبيعة كعقاب جماعي سماوي للأقوام الفاسدة والمارقة والعاصية والكافرة تحتل مساحة معتبرة في متون الكتب المقدسة ذات الأصل السامي أي للديانات الإبراهيمية الثلاث التي تتقاسم جزءا مهما من خريطة الأيمان الديني العالمية . وحتى الديانات غير السامية كالبوذية والتاوية وغيرهما فلا تخلو بدورها من هذا الغرار . والواقع فإن ما يهم المثقف المعاصر ، متخصصا كان أو لم يكن ، لم يعد مرامه البحث عن عناصر مرجحة أو ناكرة لتلك التفاسير الدينية بمقدار ما يهمه فهم آلية التفكير والسلوك الإنسانيين في خضم تلك الكوارث الطبيعية . أما ضحايا تلك الكوارث وهم متنوعون تنوع الطبيعة والجنس البشري ذاته فلهم اهتماماتهم المشروعة الأخرى والتي في مقدمتها تجنب الهلاك الغامض والدمار المادي في كارثة مفاجئة ولا سبيل إلى درئها إلى هذا الحد أو ذاك .
إن وجهات النظر التي تقول بمفهوم العقاب السماوي منغلقة على نفسها ومكتفية بذاتها فلا تقبل أسئلة أو استفسارات أو تحفظات من أي نوع ولهذا السبب فإن أي كلام عن مسببات بيئوية للأعاصير كتسخين الغلاف الأرضي والاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي تسبب به الإنسان يعتبر من وجهة نظر أصحاب هذا المفهوم مجرد هراء لا طائل تحته .
إن التدقيق في كلام العلماء حول موضوع البيئة والمناخ ودورهما في إنتاج كوارث طبيعية هائلة ومتنامية الوزن والسعة والخسائر يكشف تلقائيا عن عدد من الفجوات الهائلة في المنطق السلفي التكفيري وتكشف أساسه الهش والزائف تماما . نعلم اليوم مثلا من خلال كلام "سير جون لاوتون " رئيس الهيئة الملكية لمكافحة التلوث البيئي في بريطانيا أن إدارة بوش مسؤولة تماما وبشكل مباشر عن وقوع سلسلة الكوارث الطبيعية حيث يقول ( خلافاً لادعاءات الإعلاميين في إدارة الرئيس بوش... يبدو أن السبب الرئيسي وراء قوة الإعصار "ريتا"، وقبله الإعصار "كاترينا"، هو الاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي صنعه الإنسان الذي ترفض الولايات المتحدة أن تشارك العالم في الحد منه) وهذا يعني أن لاوتون يتهم إدارة الرئيس جورج بوش بتسخين العالم. وفي الوقت الذي يفهم فيه من كلام أصحاب المنطق السلفي التكفيري أن تلك الكوارث كان محصورة بالولايات المتحدة بل وأحيانا يحددون هذه الولاية أو تلك ( لأن أغلب جنود الجيش الأمريكي يأتون منها ) نعلم أن الكوارث الطبيعية عامة وشاملة لجميع بقاع العالم وأن بلدا مسلما وفقيرا جدا هو بنغلادش - الذي بالمناسبة - لم يعرف عنه إنه شن هجوما على أراض إبراهيمية مقدسة ! يتعرض سنويا لبضعة أعاصير وفيضانات كارثية ، متذكرين الزلازل الهائلة التي دكت تركيا وإيران وأفغانستان ذاتها وخلفت دمارا هائلا وعشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال المسلمين القتلى والجرحى ، ونعلم أيضا من إحصائيات الهيئات الدولية أن ظاهرة التسخين الأرضي الحراري ستساهم في تشريد 150 مليون شخص سنويا حتى منتصف القرن الحالي كما ورد في تقرير علمي في جريدة "نيويورك تايمز ".ويمضي العلماء بعيدا في الدقة والتحديد فيعلن مجموعة منهم في ورقة مشتركة نشرتها مجلة أمريكية علمية هي " يو أس جورنال " ( ان الأعاصير مثل كاترينا أصبحت أشد ضراوة في الأعوام الـ35 الأخيرة، وان الأعاصير من الفئة الرابعة والخامسة زادت إلى مثليها منذ السبعينات واصبح عددها نحو 10 سنوياً منذ 1990.) وهناك دراسات علمية أخرى أثبتت ارتفاع درجة حرارة المحيطات في العقود الأخيرة تسع درجات فهرنهايتية . صحيح إننا لا نعدم أن نستمع إلى صوت عالم متخصص يعود بسبب ازدياد شدة الأعاصير إلى الطبيعة نفسها مثل بيل غراي من جامعة كولورادو ولكن ذلك يظل صوتا وحيدا في البرية كما يقال وخارج نطاق الإجماع العلمي مع إنه مخصوص بموضوع شدة الأعاصير وليس بسبب حدوثها وتكاثرها .
ومن الموضوعي القول أن مفهوم العقاب السماوي ليس حكرا على جهات سلفية إسلامية متشددة بل هناك سلفيون " أصوليون " من ديانات أخرى كبعض الشيع اليهودية والمسيحية والبوذية والشامانية يعتقدون به اعتقادا جازما لا يقل عن جزم اعتقادات بعضهم بالمفاهيم القياموية المعروفة .
إن ما يؤرق المرء ويجعله فريسة لقلق إنساني عميق هو تخلي أصحاب هذه المفاهيم والرؤى عن أي قدر من الشهامة الإنسانية ونبل التعاطف مع أطفال ونساء ومعاقين يذهبون ضحايا في كوارث طبيعية لا ذنب لهم فيها، بل يحدث - وقد حدث أحيانا - أن يكون ضحايا هذه الكوارث ، التي يربطها المنطق السلفي التكفيري بجنود الله تعالى الذي وصف ذاته بالرحمن الرحيم ، هم من المسلمين . وإذا ما شئنا التعيين فإن غالبية سكان المدن التي ضربها الإعصار كاترينا وخاصة مدينة "نيو أورليانز " هم من الأمريكيين الفقراء من أصول أفريقية . ومعروف أن نسبة معتبرة من سود أمريكا هم من المسلمين ، فلماذا خصهم الله تعالى - وحاشا - بعقابه دون سواهم من سكان الولايات الغنية البيضاء غير المسلمة ؟ قلنا أن المنطق السلفي التكفيري الغائب عن الوعي لا يحفل بأي نوع الأسئلة بل هو يعتبر مجرد طرحها نوعا من التشكيك والشرك الذي يوجب التدخل السماوي عبر إعصار أو زلزال أو ما شابه ، ومع ذلك ، فإن هذه الظاهرة وصعود أصوات تقول بمفهوم العقاب السماوي عبر الكوارث الطبيعية يطرح على المسلمين وخاصة علماءهم العقلانيين وشبابهم المستنيرين مهمة ومسؤولية خاصتين بصدد دحض وتفنيد هذه المفاهيم دفاعا عن دينهم عبر مَوْضَعَةِ القص الديني حول العقاب الإلهي الواردة في الكتب المقدسة في سياقاتها التاريخية على اعتبار أن تلك الكتب ذات محمولات روحية و أخلاقية وليست كتبا في التفسير العلمي الفيزيقي .
السفير عدد 11/10/2005

ملحوظة : كتبت هذه المقالة قبل وقوع الزلزال المدمر الذي ضرب الباكستان وأجزاء من الهند وخلف عشرات الآلاف من المسلمين القتلى ومئات الآلاف من الجرحى و المشردين .. فهل سيرعوي السلفيون التكفيريون ويكفوا عن هذياناتهم السوداء بخصوص العقاب الإلهي ؟



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية لمحسن الخفاجي الروائي العراقي الأسير في زنزانات الاحت ...
- هل أصبح الجنوب العراقي جزءا من بريطانيا ؟
- دولة ولاية الفقيه كأمر واقع في العراق ومعركة العرب السُنة مع ...
- الزرقاوي نفذ تهديداته وقتل مئات المسلمين فهل يكفي اعتذاره ؟
- نعم ، العراق بلد عربي ولكنه ليس جزءا من الأمة العربية !
- المعممون وفاجعة جسر الأئمة : بين تمجيد الموت العبثي والتستر ...
- الفروق الظاهرة والمخفية بين الدستور واللطمية !
- إنهم يكذبون ، ويشوشون على مظاهرات الجمعة القادمة ،والكرة في ...
- ماذا يريد التكفيريون : تحرير العراق من العراقيين أم من المحت ...
- فيدرالية فيلق بدر - تنـزع القناع نهائيا عن حزب آل الحكيم !
- مشاهد وشهادات من داخل مؤتمر بيروت حول - مستقبل العراق والجبه ...
- مداخلة ممثل التيار الوطني الديموقراطي في ندوة بيروت - مستقبل ...
- قراءة في الدستور السويسري 2 من11: لغات الدولة والمساواة ومبد ...
- قراءة في الدستور الاتحادي السويسري1من11: خلفية تاريخية وشكل ...
- اقتراح لفدرالية محافظات عراقية تكون فيها -كردستان -محافظة وا ...
- الحملة المدانة لاستهداف اللاجئين الفلسطينيين في العراق : حقا ...
- الأمريكان يجعلون أطفال العراق دروعا بشرية و التكفيري يفجرهم ...
- هل تمرد الزرقاوي على تعاليم شيخه البرقاوي ؟
- حول التصريحات الطائفية المشؤومة للملا عبد العزيز الحكيم !
- هل يمكن توحيد -يسار- يرى في الإمبريالية محررا مع -يسار- يرى ...


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء اللامي - كاترينا- و - ريتا - ومفهوم أو خرافة العقاب الإلهي !