مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 4877 - 2015 / 7 / 25 - 02:51
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
سريانيات : الألحان السريانية السورية - 2 - 9
- " الرياضة للجسد , والموسيقى للروح " . أفلاطون -
أعدت كتابة المقطع الأخير من الموضوع السابق لأهميتهما مع التركيز على السطرين الأخيرين مع وضع خط تحتهما والتأمل بمعناهما !
كم هو فاعل ومؤثر عامل الموسيقى في صياغة نفسية الشعوب وشخصية الفرد أوالمواطن على السواء في أي بلد كان ..؟!.. هذه حقيقة
أعدت كتابة المقطع الأخير من الموضوع السابق لأهميته مع التركيز على السطرين الأخيرين مع وضع خط تحتهما والتأمل بمعناهما !
..... ( هذه المقامات التي تمثل عماد الألحان السريانية السورية أخذت عنها معظم الألحان العربية , ولكن اللحن الكنسي يبقى هو الأساس , والأساس هنا بحاجة للشعر الذي يستقيم مع اللحن وهو باب التأمل في المعنى الباطني للحياة الإنسانية , بين العالم الطبيعي والروحي . إذ هي مجرد شذرة منه , وما يدعو إلى إيراد فنون الشعر عند السريان هو إغراء القارئ بإكمال الدراسة الموسيقية السورية , محاولين الربط بين حقائق تاريخ الموسيقى , وتاريخ الروح الإنسانية في الحضارة السورية في مظاهرها المختلفة , إذ أن هناك أثرا بالغاً على شخصية هذه البلاد " .
*******
وهنا نسأل ما هو هذا العامل , وما هي الأسس وعلى أي شئ استندت الموسيقى التي أبقت الألحان السريانية حتى يومنا هذا حيّة أصيلة , وجميلة محببة !؟
هنا يجيب الكاتب عن المقامات ودورها في لعب هذا الدور :
- ( وهناك عشرة مقامات للشعر عرفت في الكنيسة السريانية هي التي أبقت هذه الألحان إلى الآن وهي :
الميامر والموشحات :
---------------- فهي القصائد المتساوية بالدعائم والعناصر , ومن أشهر مؤلفيها مار إفرام* , ومار يعقوب السروجي وغيرهما ..
الموشّحات :
----------- وتتألف من دعائم قصيرة , أما أبياتها فطويلة , وجاءت على الأغلب بشكل حوار ولهذا دعيت بالموشحات . وأول من صنفها برديصان وأسو ومار إفرام , ومار إسحاق ومار بالاي .
السبل , السلالم :
------------- أطول من أبيات الموشحات وهي تتألف من دعائم متغايرة , وعناصر مختلفة , وأشهر واضعيها مار يعقوب السروجي والرهاوي وغيرهما .
الإبتهالات :
----------- وهي متغايرة الدعائم والعناصر عامة , وكثيراً ما تأتي في كلام التنهدات فتصوغ الإبتهالات , وأول من وضعها مار أبولا الرهاوي ( 435
الحجب :
--------- وقيل أنها سميت بالحجب لأنها ترتل من وراء الستار , أما مؤلفها فغير معروف .
القوانين اليونانية والسريانية :
-------------------------- وهي تسابيح تنشد في صلاة الصباح على غرار تسابيح موسى والأنبياء الآخرين , وعلى التعظيم والطوبى في الإنجيل .
ونقلاً عن المؤرخ الشهير مار غريغوريوس إبن العبري أن واضعها أديب دمشقي إسمه قوريني بن منصور ) في القرن السابع الميلادي , ولما كان قوريني من المجمعيين حيث نشبت الخصومات التي أحدثت الإنشقاق لم يأتِ على ذكرها في قوانينه , لذا بدأت قوانينه تدخل الكنائس بالمشرق والمغرب .
أما القوانين السريانية فهي تتألف من المزامير ... أرحمني يا الله .. وإلهي إلهي انتظرتك , وسبحوا الرب تسبحة جديدة .
القوقليونات : وهي ألطف نغماً من القوانين , وهي آيات من المزامير تتخللها لفظة ( هللوليا ) .
القصائد والردّات
--------------- : ومنها ما كانت متساوية بالدعائم , ومنها مختلفة كما قال اين العبري , ففي عصر المجمع الأفسسي كان القوقيون قد غالوا في مخافة الله وأفاضوا بالروح , وأثمروا الردات الكثيرة .
الأغاني :
-------- : هي مقاطع غنائية بني عليها أفكار صائبة وأول من وضعها باليونانية هو مار سويردوس الكبير بطريرك أنطاكيا ثم نقلها إلى السريانية مار بولس الرهاوي , وهو في جزيرة قبرص , ووضع مثلها في ذلك العصر باللغة السريانية : مار يوحنا ابن أفتونيا رئيس دير قنسرين وغبره .
الجلسات
-------- : وهي ترانيم ترتل في الاحتفالات بنغمة طويلة .
وتبقى الدورات : وهي ترانيم ترتلها كنائس المشرق عوضاً عن القوانين اليونانية والسريانية التي تستعملها الكنائس الغربية .
.
اللحن مع الشعر يجسدا عبق الماضي , ويوقظا بنا أحلام اليقظة . وفي علم إجتماع الفردوس نرى أن بعض الأساطير تتردد أحياناً ...
كما هي الحال في مصر أو لدى الأزتيك , بين تمثال الشمس في الذهن وبين رسمها السماوي . وفي كثير من الأحيان يصبح الصعود مع الكوكب المنير وقفاً على القديسين والأبطال , وهو يزيد سمة إجلال وتمجيد المصير السماوي وعندما يلج بوجه الدقة على استعارة الصعود . وفي الرسم الكوني للتنظيم النفسي الذي توحي به التجارب التي أجريت على أحلام اليقظة يقترن الصعود إلى السماء في اللاشعور بالإستيلاء على ( ما فوق الأنا ) أو , إذا استعرنا لغة بعض علماء التحليل النفسي الآخرين , إنه يقترن بالإستيلاء على ( الذات ) وهي قد تكون لجاجا مثالاً و حالا قصوى للكائن الروحي الذي يقابل إلى حد كاف ما كان الأب تيارده شاردان يعرفه على أنه الحد الأعظم لإضفاء الصبغة الإنسانية .
ومهما وصفنا اللحن السرياني السوري , مع فنون الشعر التي جسّدته من خلال طقوس الكنيسة فإن من يسمع ذلك سوف يشعر مدى تغلغل الماضي في أعماقه حيث يسمو بالروح الحب الكلي الذي يشعر به الإنسان بصورة غريزية نحو الذات وذلك عندما يحس به نحو إنسان آخر , بل وعندما ينتقل ذلك الشعور إلى هذا الإنسان الآخر .
وخير من سحَرته الأناشيد والتراتيل السريانية أديب عربي كبير هو جبرا ابراهيم جبرا ) حيث خدم بالكنيسة ورتل الأناشيد السريانية ........ يصف جبرا من خلال سيرة ذاتية هي من أروع ما كتبه أديب عربي عن طفولته التي علمه لها معلم وحيد في مدرسة السريان الأرثوذوكس في القدس هو المعلم جريس الذي درّسه العربية والسريانية وتاإنكليزية , وهو شماس كنيسة ّالسريان المتميز بصوته الرخيم حتى أنه يحول القداس صباح كل أحد إلى جنة صغيرة من عذوبة التراتيل ) ,
ويشرح جبرا ماهية اللغة السريانية التي تعلمها وأين كان ينطقها قائلاً :
اللغة السريانية التي علّما إياها المعلم جريس كانت في معظمها أناشيد وتراتيل تعود إلى أزمان سحيقة في القدم , لحنها آباء الكنيسة الأوائل في أنطاكيا ودمشق والقدس والرُها ومدن وادي الرافدين , وفق مقامات كان الشمامسة يتقنونها , يساعده في ذلك الحين رهبان شباب من دير مار مرقص بالقدس , أو من الموصل , التنويعات السبعة لكل لحن أساسي , أي أن النغم الواحد له سبعة ألحان أخرى ينوع بها . حسب أيام الأسبوع , ومواسم الصيام , والأعياد وكان علينا أن نحفظ ذلك سماعاً , بدون التدوين الموسيقي الذي عرفته ألحان الكنائس فيما بعد . وكان المعلم يشرك منا من رخم صوته وحسنت أذنه في إنشاد الألحان في الكنيسة .
وفيما يقام على القاعدة الأمامية من الهيكل محملان الواحد إلى اليمين والآخر إلى اليسار , وعلى كل منهما مخطوطة ضخمة لا يتذكر أحد متى خطت لقدمها , كانت هذه الكتب السريانية القديمة كنزاً تحتفظ به الكنيسة بعناية خاصة واعتزاز كبير . أوراقها سميكة جداً , وبعضها من ورق الغزال , ولا ترفع إلا بشئ من الجهد العضلي لثقلها وحجمها وخطوطها بالحبر الأسود بالنسبة للمتن , وبالحبر الأحمر بالنسبة للإرشادات والعناوين التي تتخللها , ولو ضاع كتاب منها لأستحال التعويض عنه لندرة الخطاطين بالسريانية في عهود متعاقبة من الأمية المتزايدة .
يقسم الكورس إلى قسمين , ولكل نصف يلتف حول محمل , لتكون التلاوة المرتلة بالتناوب بينهما , ولشدة ظلام الكنيسة ( لم تكن بعد زودت بالكهرباء ) كان أحد المرتلين يمسك شمعة يضئ بها النص الذي ينغمه ال نصف الكورس . والمرتلون يتحلقون حول المحمل وبالتالي تكون الكتابة بالنسبة لبعضهم , المقابلين لهم مقلوبة تماماً . ولذا كان علينا أن نستطيع القراءة بالمقلوب , إذا اقتضى الأمر وبأقل ما تيسر لنا من ضوء . وكثيرا ما وجدتني أرفع من الآخرين - لأنني في الأغلب أصغر أفراد الكورس - لآخذ مكاني حمل المحمل حيث يتوجب عليّ أن أقرأ بالمقلوب !
وكان أنني تعلمت أن أقرأ أي نص بالسريانية أو العربية , عدلاً , أو بالمقلوب . ولا فرق ! ولكن , لا فخر , فرافقني المرتلون كلهم تعلموا ان يفعلوا ذلك أيضاً والقليل النادر منهم من كان يفهم تلك النصوص , أو حتى بعضها , لقد كنا في الواقع نصلي بلغة مغلقة في معظمها دوننا رغم قدرتنا عدلاً جانبياً أو بالمقلوب , في الضوء أو العتمة .
إن ما صوره جبرا ابراهيم جبرا للألحان السريانية , وكيف تُتلى مما لا يمكن أن ينساه من رأى هذا المنظر وسمع هذه الألحان , ولعل هذه الذكريات كانت تلاحق هذا الأديب في كل مناسبة يستمع بها إلى قطعة موسيقية , وها هو في رواية أخرى , , وكان على ظهر سفينة ومكبرات الصوت تبث الأنغام يصف مشاعره قائلاً : " للميلاد الجديد , كالقيامة بعد الموت , معان تشدنا لهذا الليل الماطر المقرور , لهذه الأناشيد الكورسية القديمة , معلنة ديمومة المدنية عبر الحقب الطوال , لعل في باطن الصخر ناراً ترفض أن تخمد كما في البعض منا . فهنالك نارٌ قد تهبط على الواحد منا منذ الصغر , فلا تتحرك آثاراً كجروح المسيح في اليدين والقدمين , ولكنها تحط في القلب لتبقى مضطربة فيه إلى الأبد , كما في باطن الصخر )) .
ويعتبر الدين من المصادر الرئيسة للإحساس الفني والإبتكار , كما أن الفن وسيلة أساسية من وسائل التعبير عن التفكير الديني . وفي جميع أرجاء العالم من معابد الصين إلى تماثيل المكسيك , ابتدع الفنانون أكثر الإنتاج الفني قوة وجمالاً تبجيلاً للآلهة , ومن المحقق لنا أن نستطيع أن نفهم أي دين و في قوته أو ضعفه , بغير أن نقدر الفن الذي أوحى به لعبادته , فإن المذابح ذات الزخارف الضخمة التي تمتاز بها كنائس الرومان الكاثوليك , والصور المصنوعة من الفسيفساء بكنائس الروم الأرثووكس - هذا على الأقل بالنسبة للديانة المسيحية - كل هذه الإتجاهات تعبر عن ثلاث وسائل مشروعة للدنو من المسيحية .
وإذا كان مؤرخي الغرب يرون أن ما يسمى بتاريخ الموسيقى يبدأ بموسيقى الكنيسة المسيحية في أواخر العصر الوسيط لأن معرفتنا بموسيقى العصرالقديم في مصر وفلسطين وفارس واليونان متناثرة , ولذا لا يمكن وصفها بانها تاريخية ( فمما لا شك فيه أن الموسيقى , إذا قورنت بفن العمارة والنحت والشعر , قد كانت ذات مكانة ثانوية , وشاركها التصوير في هذه المرتبة وربما فُسِر هذا السبب , السر في عدم عناية العصور التالية بالمحافظة على الموسيقى مثل عنايتها بالشعر . )
ومن هنا قد تكون الكنيسة السريانية التي ركزت على اللحن والشعر في أداء طقوسها , من أقدم ما بقي للعصر الحالي من تراث , جعل اللحن والشعر من أعمدة الصلوات بها وبالتالي أبقى الألحان السريانية السورية ) .
نفس المصدر السابق
-----------------------------------------
كلنا طلاب معرفة فلننهل ما استطعنا ..
فحقول وروابي المعرفة واسعة متنوعة المدرجات شاهقة العلو , الإطلالة عليها والتقرب من شذاها متعة وفرح وغذاء للعقل والفكر ,,,,, الشكر الجزيل للقراء الكرام ولكل من زار صفحتي أو أعجب بالموضوع أو ترك تعليقاً وثناء , محبتي وتقديري للجميع .
مريم نجمه / لاهاي
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟