|
أصل المجلة : مفردة عربية أم آرامية عبرية ؟
سيلوس العراقي
الحوار المتمدن-العدد: 4875 - 2015 / 7 / 23 - 18:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ان المفردة "م ج ل ه" بالعبرية ، ومصدرها "ج ل ل" ، بحسب كتب التنخ وبحسب المعاجم العبرية الكتابية القديمة، تعني لفافة roll مكتوب عليها ـ مخطوطة بخط اليد. في ارميا 36: 14 : ترد العبارة ה-;-ַ-;- (מ-;-ּ-;-ְ-;-ג-;-ִ-;-ל-;-ּ-;-ָ-;-ה-;-) وتترجم الى العربية بعبارة "كِتاب" مجازًا. مع أن للكِتاب بالعبرية الكتابية عبارة أخرى وهي "سفر" ס-;-פ-;-ר-;- ، بالدرجة الأولى. فتترجم العبارة في هذه الآية من الكتاب المقدس (العبري) بالعربية : "...خذ بيدك "الكِتاب" الذي قرأتَ فيه على مسامع الشعب وتعال". ولو كان المترجم يهدف القيام بترجمة حرفية من العبرية الى العربية لترجم العبارة الى مجلة أو مگلة (وهي التي تقابل الى حد كبير العبارة العربية "الدرج") وليس بترجمتها بعبارة الكِتاب وإن كان يُراد أو يُفهم منها باللغة المعاصرة الكتاب، حيث أن عبارة الكِتاب المتداولة في العربية القديمة كانت في الغالب تعني الرسالة المكتوبة، وهذا واضح في مراجع التراث العربي التي تستخدم عبارات "أخبرت بكتابٍ الى أمير المؤمنين" مثلا ، التي يريد منها أنه أرسل رسالة وليس كتابًا بمفهومه اليوم. وما يؤكد على ذلك الاستخدام مثلاً ، أنه لا زالت تستخدم في اللهجات العربية المحكية عبارة "مكتوب" ليعني بها "رسالة" على الأقل في بعض اللهجات العربية المحكية في العراق، فيقولون بعثت أو كتبت مكتوبًا ويراد من المكتوب رسالة. علاوة على أن الأصل لعبارة "كتاب" هو الآرامي السرياني والكلداني، وهي ليست موضوع مقالنا هذا المخصص لعبارة المجلة. ويلاحظ في سفر النبي حزقيال 2: 9 بوضوح الفرق بين عبارة كتاب (ס-;-ֵ-;-פ-;-ֶ-;-ר-;-) وبين لفافة מ-;-ְ-;-ג-;-ִ-;-ל-;-ּ-;-ַ-;-ת-;- a hand was put forth unto me-;- and, lo, a( roll) of a (book) was therein-;- التي يتم ترجمتها في النص المترجم الى العربية : وإذا بيدٍ ممدودة اليّ وفيها "ورقة" من "كِتاب". ويلاحظ كيف تبتعد الترجمة العربية الحديثة عن المعنى الحرفي لعبارة "مجلة" العبرية ، وعن عبارة "سفر" أيضًا. فلايقول المترجم العربي (مجلة من سِفر) ، ويمكن تبرير ذلك للمترجم المعاصر، في عدم خلق التشويش لدى القاريء العربي العادي الذي تعني له عبارة "مجلة" المعنى المعاصر لها والمتداول وليس العبري الكتابي. وفي الترجمة بينالسطرية يتم ترجمتها الى "درج سفرٍ". علمًا بأن عبارة (م گ ل ة ) العبرية تقابلها في اللغة الآرامية السريانية عبارة (م گ ل تُ) ومن المعتقد أن هاتين العبارتين العبرية والسريانية هما الأصل لعبارة "مجلة" المعروفة اليوم بالعربية . أما في المعاجم العربية فتاتي العبارة (م ج ل) بمعانٍ عدة مع مصدرها (ج ل ل) : مجل: مَجِلَت يدُه فهي مجلِةٌ، وأمجاها العمل إذا مرنت وصلبت. ومجلت يده مجلاً، وأمجلها العمل، وتقول: يد مجله، خير من وجنة خجله. (الزمخشري، أساس البلاغة). والمَجل: غُدران الماء والبرك. (الخليل بن أحمد، العين). والمَجْل: جمع مَجْلَة ويُجمع مِجالاً، وهي جلدة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل. ويقال: مَجلَتْ يدُه تمجَل ومَجَلَت تمجُل مَجَلاً ومَجْلاً. والماجِل: ماء يستنقع في أصل جبل أو وادٍ من النَّزّ (ابن دريد ، جمهرة اللغة). الجَلُّ، بالفتح: الشِراعُ؛ والجمع جُلولٌ . والجِلَّةُ: البَعَرُ. يقال: إنّ بني فلان وقودهم الجِلَّةُ، ووقودهم الوَألَةُ. وهم يَجْتَلُّونَ الجِلَّةَ، أي يلقطون البعر. والجُلُّ بالضم: واحد جِلالِ الدوابّ. وجمع الجِلالِ أَجِلَّةٌ. وجُلَّ الشيء: معظمه. والجُلَّى: الأمر العظيم؛ وجمعها جُلَلٌ، مثل كُبْرى وكُبَر. والجَلاَّلَةُ: البقرةُ التي تتبع النَجاساتِ. والجُلالُ بالضم: العظيمُ. والجُلالَةُ: الناقةُ العظيمةُ. والجَلَلُ: الأمرُ العظيمُ". (الجوهري، الصحّاح).
وفي كل هذه المعاني المسطرة في معاجم اللغة العربية لا يمكن أن نعيد أصل العبارة المستخدمة في العربية اليوم (مجلة) الى أيّ منها. ويبدو أن العبارة (مجلة) حين يتم ذكرها في ذات المعاجم فنلاحظ على المعجميين واللغويين العرب الأولين الحيرة والتشوش في شأنها، فسيشير بعضهم بخجل بأنها ليست عربية ويضيف آخرون بأنها أصبحت عربية كعادة العرب. مع أن الخليل بن أحمد في كتاب العين يقول بأن "المَجَلَّة هي الصحيفة يُكتب فيها"، لكنه يسكت عن مصدرها وأصلها. ويستخدم عبارة الصحيفة التي هي الأخرى ليست بمفردة عربية الأصل، ومن المرجح (إن لم يكن من الأكيد) أن يكون أصلها من اللغة الحبشية، فيعتبرها عربية على عادة العرب. وهو يقوم بتعريف كلمة ليست بعربية بأخرى ليست عربية من دون أن يذكر ذلك. ونرى بأن حادثة حدثت مع محمد نبي الاسلام ،يشترك في روايتها أكثر اللغويين ومدوّني التراث العربي والمفسرين وهي: "وسويد بن صامت أخو "عمرو بن عوف" من الأوس ومن "الكملة" ومن الأشراف أصحاب النسب، ومن الشعراء. وكانت له أشعار كثيرة. وهو الذي ذهب اليه النبي يوم قدم مكة حاجاً أو معتمراً ليدعوه إلى الإسلام، فلما كلمه النبي قال له سويد فلعلّ الذي معك مثل الذي معي ! فقال له رسول الله وما الذي معك ؟ قال: مجلة لقمان. فقال له رسول الله: اعرضها عليَّ ! فعرضها عليه، فقال: إن هذا لكلام حسن و الذي معي أفضل من هذا: قرآن أنزله الله تعالى عليّ، هو هدى و نور. فتلا عليه رسول الله القرآن ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه. وقال: إن هذا لقول حسن، ثم انصرف عنه. فقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتله الخزرج. ويشك في إسلامه". وبحسب ابن منظور في : لسان العرب (وابن الأثير المحدث في : النهاية في غلايب الحديث والأثر): "في حديث سويد بن الصامت: قال لرسول الله: لعل الذي معك مثل الذي معي، فقال: وما الذي معك؟ قال: "مَجَلَّة لقمان"، كلّ كتاب عند العرب مَجَلَّة، يريد كتاباً فيه حكمة لقمان. ومنه حديث أَنس: أُلقي إِلينا مَجالٌ، هي جمع مَجَلَّة يعني صُحُفاً قيل إِنها معرَّبة من العبرانية، وقيل: هي عربية، وقيل: مَفْعَلة من الجلال كالمذلة من الذل". وفي الحقيقة لا يعرف أحد من الكتّاب العرب تفاصيل محتوى مجلة لقمان هذه ولا تتوفر لهم نسخة منها، ويستمرون بذكرها اعتمادًا على السماع والنقل والاكتفاء بالقول بأنها الحكمة، لا بل أن القرآن يخصّ تكريمًا لهذا اللقمان ويخصص له سورة قرآنية باسمه. في كلّ الأحوال، فان مفردة "مجلة" لم تعرف في الكتابات العربية بمعنى "لفافة" الاّ ما ندر وبشكل خاص في اطلاقها على كتاب في الحكمة ينسب الى شخص حكيم يدعى لقمان وعلى كتب وصحف أخرى لليهود والمسيحيين، ويمكن القول لحيرتهم منها وعدم معرفتهم الدقيقة لأصلها ، مع أن بعضًا منهم كان يفهم شيئًا من العبرية أو الآرامية لكن أحدًا منهم لم يجرؤ على كتابة لفظها أو رسمها بالعبرية أو السريانية، ربما لما يؤمن به المسلمون بأنّ الاسلام وكتابه عربيّا خالصًا والاعتراف بوجود مفردات كثيرة في قرآنهم غير عربية يعتبر أمرًا خطيرًا لهم ويؤدي بهم الى التشكيك به وبعربيته. وبعيدًا عن تشوش المؤرخين واللغويين العرب وحيرتهم بخصوص المجلة وتعريفهم لها، فان عبارة "مجلة" ليست عربية، بحسب رأي مؤرخين ولغويين عرب آخرين عدا ابن المنظور المذكور أعلاه. عبدالقادر البغدادي في خزانة الأدب يقول : "المجلة بفتح الميم والجيم: الكتاب، لأنه يجلّ ويعظّم، وأراد به الإنجيل، لأنهم كانوا نصارى. قال العسكري في كتاب التصحيف: قرأته على ابن دريد: مجلتهم بالجيم، وقال لي: سمعت أبا حاتم يقول: رواية الأصمعي بالجيم، قال: وهو كتاب النصارى. وكذا كل كتاب جمع حكمة وأمثالاً، فهو عند العرب مجلة، ومن هذا سمى أبو عبيدة كتابه الذي جمع فيه أمثال العرب المجلة". كما يؤيد الأصل العبري لمفردة "المجلة" كلّ من العلامة جواد علي في (مفصل تاريخ العرب قبل الاسلام)والعلامة لويس شيخو في " النصرانية وآدابها في عصر الجاهلية". وللتأكيد على أنّ مفردة "مجلة" هي عبرية وشائعة الاستخدام في الكتاب المقدس العبري فأنها ترد 21 مرة في كتب التنخ، ويرد مصدرها (ج ل ل : to roll) في ذات الكتب 18 مرة. (ولمن لا يعلم فان كتب التنخ قد كتبت عدة قرون قبل حقبة الميلاد المسيحية ) عدا ورود العبارة آلاف المرات في الادبيات اليهودية والأدب الرابيني قبل أن يعرف العرب القراءة والكتابة وما هي الطباعة وماهي المجلة والمجلات بقرون عديدة. وهناك العديد من اللفائف العبرية التي يطلق عليها (مجلة) لغاية اليوم. وان العبارة المتداولة في تسمية آلاف بل ملايين المطبوعات الورقية والالكترونية بالـ (مجلات) دليل على حيوية العبارة العبرية في حياتنا الاعلامية من دون أن يعرف ذلك ربما أصحاب وناشري المجلات.
#سيلوس_العراقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لن يحلّ السلام في الشرق الأوسط ؟
-
مَن وضعَ القرنين على رأس النبي موسى
-
بين عسل الله وعسل اللحس
-
رحلة أبو طبر من ايران الى العراق فاسرائيل
-
الحنّاء وحمّام العذارى والعوانس اليهود في كوردستان
-
تفاحة الله وتفاحة آدم والاسلام تفاح الفتنة
-
الأب ومفهوم الأبوة في التنخ وفي القرآن
-
يهود زاخو والحج السنوي لضريح النبي ناحوم الألقوشي
-
التفاح العبري وهريسة الإمام الحسين
-
صواريخ صدام حسين تشتم رائحة العمبة العراقية
-
يهود وكورد : الرابط الديني ليهود زاخو بأرض اسرائيل
-
الله الصمد : بين نير الحمير العبرية ونير القرآن العربية
-
زاخو أورشليم كوردستان
-
العلاقة بين الكفر والغطاء والقبغ
-
يهود وكورد في زاخو 3 : تجارة وأعمال وقجغجية
-
يهود وكورد في زاخو : تاريخ وذكريات 2
-
يهود وكورد في زاخو : تاريخ وذكريات 1
-
الرئيس الليتواني ينقذ شاعراً يهوديا
-
ريادة اليهود في عالم المطابع والطباعة
-
الرئيس يعرف الرقص والموت شهيدا على يد الاحتلال
المزيد.....
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|