أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - تكملة التعليقات - مِلْكُ اليَمِيْنِ في الإسلام (ب):















المزيد.....



تكملة التعليقات - مِلْكُ اليَمِيْنِ في الإسلام (ب):


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4874 - 2015 / 7 / 22 - 17:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الجزء (أ) الذي كان بمثابة مقدمة تمهيدية لهذا الموضوع الهام, قد جاء بردة فعل متوقعة, فقد حركت أطراف كثيرة بعضها منطقي وعقلاني, والبعض الآخر "كالعادة دائماً" تغريد خارج السرب, وإسطوانة مشروخة تنبيء بفراغ وجداني كبير وسطحية مفجعة, وقلق متعمق لا يدري صاحبه مصدره أو كنهه ولكنه في النهاية ينقص عليه حياته التي يحاول جاهداً أن يوفر لها شيء من إستقرار الذي يعلم أنه لا أصل له ولا قرار,, هؤلاء قد كتب الله عليهم التيه لخبثهم وقد وصفهم وصفاً دقيقاً هم الآن يؤكدونه عمليا بتخرصاتهم التي تعكس وقع كلمات الله على آذانهم ووجدانهم في كل لحظة ومع كل شهيق وزفير, كالباعوض,, لا يجيدون سوى الطنين واللدغ بلا خير يرجى من هذا ولا ذاك,,, على أية حال, كل نفس بما كسبت رهينة إلَّا أصحاب اليمين.

ونلاحظ أن البعض قد تعجل النتائج ولم يعطِ نفسه فرصة كافية لإستيعاب ما كتبناه في هذه المقدمة التي نعتبرها أساسية للرد على سؤالٍ ليس عاديٍّ وإنما هو شبهة ليس فقط نريد أن نُجَلِّيْهَا أو ننفيها برأينا الذي لن يخلوا "كبشر" من تحيز حتى إن لم يكن مقصوداً,, وإن لم يكن كذلك فلا أقل من أن يُفهم على أنَّه دفاع عن الدين,, وهذا وحده يكفي – إن فعلناه – إعترافاً منا بالشبهة المفتراة الكاذبة.

وبالتالي فلا بد من أن نتتبع آثار العبودية ومنابعها منذ خلق الله آدم أبو البشر إلى الوقت الحاضر الذي يفضع أهله وإن حاول زمارهم تغطية ذقنه, لذا كان لزاماً علينا أن نقدم للقراء والتاريخ هذا هو التحليل العلمي المتوازن لنسكت الألسن ونلجم الأفواه إلَّا من السفه والطنين والأنين من الألم والحسرة التي كتبها الله عليهم في الدنيا والآخرة. هذا البحث الذي يجب أن يكون خالياً من التحيز bias أو التبني دفاعاً أو هجوماً أو تشككاً أو ترفيعاً, إذ أنه – لن توفرت فيه هذه العناصر إطلاقاً – إلَّا إذا كان الباحث ملتزماً بمعاييره ويحترم نفسه والقراء معاً.

هناك عدد من التعليقات التي وردت والتي سترد إلينا, لا تستحق مجرد النظر إليها لخلوها من الموضوعية و حرية الفكر الذي طغى عليه وأعماه الشنآن والتحيز مدعوماً بالجهل والسلبية, بجانب هذا وذاك, فهي – بجانب أنها لا علاقة لها بأصل الموضوع – قصد منها فقط السخرية والإساءة والطعن في المقدسات والتهكم بطريقة لا تزيدهم إلَّا خبالاً وضعة ,,,. ولكن هناك تعليقات هامة تضيف قيماً معرفية, ومحاور فكرية يمكنها أن تساعد القاريء في كشف بعض الجوانب التي إما أن تكون غائبة عنه أو قد فهمها بطريقة غير التي يريدها.

فلنأخذ مثالاً لكل تعليق فيما يلي:
أولاً: وردنا من أحدهم ما يلي منهكماً ساخراً: ((... نشكرك أستاذ بشارة على هذا التحليل الموجز عن شبهة الرّق والعبودية في الاسلام، التي يثيرها الكفار ضد الاسلام. ولنا سوءال اخر - جاء في سورة القصص: (وامراة موءمنة ان وهبة نفسها للنبي، ان أراد النبي ان يستنكحها، خالصة مؤمنة). فهل نسمي هذه المرأة، ام الموءمنين ؟ ام نسميها الزانية مع رسول الله ؟ نرجوا الجواب، جزاكم الله خيرا ً...)).

ثانياً: وردنا تعليق من الأخ بيتر كان "على الفيسبوك" عن الجزء التمهيدي الذي عرضناه من ردنا على (الشبهة), وليس السؤال كما قد يظن البعض,,, قال لنا فيه ما يلي:
((... استاذ بشاراه أحمد / السؤال بسيط لا يستدعي كل هذا اللف والدوران والتجوال في انفاق وكهوف التاريخ السحيق من عهد فرعون وهامان وموسى وسليمان ونقلب احداث ومواضيع لا علاقة لها بالسؤال. مشكلة المسلم انه لا يستطيع مواجهة ابسط الاسئلة لانه لم يؤدي واجبه البيتي بشكل صحيح لذلك يلجأ الى الطرق الملتوية سعيا وراء تضليل وارباك السائل. هذا الاسلوب غير مقبول لدي علما بان لا غاية لي من خلال السؤال في الاساءة الى الاسلام باي شكل بل ابحث عن اجابة مقنعة استطيع ان اوفرها لمن هو غير مسلم يبحث عن الثقافة والمعرفة. "سيدي/ السؤال بصيغة ابسط: هل " ملك اليمين"، وهو تطبيق شرعه الاسلام وذكرة القران 23 مرة ومارسه خاتم الرسل وسيد الانبياء واصحابة ... ، يتفق مع روح الخلق والانصاف والعدل والقسط والانسانية ؟؟
"اذا كان التطبيق مقبولا ومرحبا به باعتباره مشرعن بكتاب الله وسنة مطبقة مؤكدة وصالح لكل زمان ومكان فهل تقره وتقبلة ان ترتب على ابنتك واختك وآل بيتك ...؟؟ لا احسبك ستجيب !!!" ...)).

نبدأ بالرد على التعليق الثاني لأنه هو الأهم لأنه عقلاني ومنطقي وموضوعي, بغض النظر عن الغاية منه والقصد من ورائه. أولاً وأخيراً هذا رأي السيد بيتر,, وعلينا أن نحترمه بغض النظر عمَّا إذا إتفقنا معه أو إختلفنا كلياً أو جزئياً. ولا أظن هناك ما هو أوثق إحتراماً من تناولنا للرأي المطروح بالتحليل أمام القراء الكرام لِيُقيِّمَ كل منهم الردود والتعليقات والمداخلات وفق إستيعابه وتطلعاته ومنهومه. فنقول في تحليلنا لهذا التعليق ما يلي:

أولاً: قوله لنا بأن (السؤال بسيط لا يستدعي كل هذا اللف والدوران والتجوال في انفاق وكهوف التاريخ السحيق من عهد فرعون وهامان وموسى وسليمان ونقلب احداث ومواضيع لا علاقة لها بالسؤال....), نقول له وبالله التوفيق,
1. نعم, الذي طرحته أنت علينا عن ملك اليمين قد يبدوا للمتابع العابر من ألوهلة الأولى وفي ظاهره مجرد سؤال عام متعلق بالمعرفة والثقافة والفكر,, ولكن في واقعه الذي تعرفه أنت, والذي أدركناه منك ومن غيرك, إنما هو محاولة للتعاطي مع شبهة لاكتها الألسن وأنت – على أقل تقدير – تريد درأ الشك باليقين, إما تأكيداً للشبهة أو نفيها,,,

وهذه الغاية لا يمكن بلوغها "بالرأي الشخصي منا" الذي لن يكون مقنعاً لك أو لغيرك حتى إن أتيناهم بالتقين, لأن هذا السؤال يدور في رأس وفكر ووجدان الكثيرين من المخلصين والمتربصين في آن معاً, لذا تعاملنا مع السؤال بعمق لأننا نعلم ويعلم القراء انه عنوان لملف كبير وليس مجرد سؤال بسيط, على أية حال, من أراد الرد الموجز بلغه كما أراد, ومن أراد التفصيل والتأكيد والتحليل وجد فيه ما أراد. لذلك عرضنا موقف القرآن الكريم والسنة النبوية منه والإجابة عليه, فما الضير في ذلك؟؟؟

2. السؤال الذي طرحته ليس بسيطاً كما قلت أو ظننت, وإنما هو "أكبر مشكلة كارثية وأزمة إنسانية وأخلاقية وحقوقية وحياتية حقيقية عانى منها البشر ولا يزالون يعانون وسيعانون منها ما بقيت السماوات والأرض إلَّا أن يشاء الله رب العالمين. وبالتالي لا يجوز أو يعقل أن يفتي فيها أحد من تلقاء نفسه أو أن يناقشها خارج الإطار العلمي والمعرفي والحقوقي اللازم الذي – من أهم متطلباته – تحليل المشكلة للوقوف على منابعها ومواردها أولاً ثم البحث عن المسئول عنها والذي يعمل على تأجيج نارها وأوارها بعد ذلك, حتى يعمل كل العقلانيين المخلصين جميعاً على "التصدي لها والقضاء عليها", فإذا كان ذلك كذلك,, فكيف يمكن القول عن هذه الخطوة الهامة بأنها " لف ودوران " ؟؟؟ ..... أعتقد أن هذا ليس شأن الباحثين عن الحق والحقيقة مطلقاً.

3. إن ما أوجزناه في هذا الموضوع - بقدر ضرورة وحتمية التبيان – ليس فيه أي قدر من تجوال في انفاق وكهوف التاريخ السحيق من عهد فرعون وهامان وموسى وسليمان, بل,, ولم نقلب احداث ومواضيع لا علاقة لها بالسؤال كما تقول, وإنما نحن في صلب الموضوع وقلبه, ويشهد على ذلك جزء من تعليقكم الذي سنشير إليه فيما بعد, فكيف يعقل أن يطلب منا النقيضين في آنٍ معاً خاصة إن كان من الذين لا يخلوا فكرهم من التحيز bias ؟؟؟

4. السؤال بالطبع ليس موجهاً "لشخصي" الضعيف الجاهل, أنا ببساطة شديدة (لست مصدر القرآن الكريم, ولست نبي الإسلام, ولست محصناً أو موكلاً عن الله وكتابه ورسله),, ومن ثم كيف تريدني أن أرد على هذا السؤال مع أن الله قادر على الرد ورسوله على سؤال في الأصل موجه إليهم, والردود الكثيرة والمفحمة قد أوحاها الله في كتابه الكريم "سلفاً", ولم يكن لي فضل في ذلك, ولا يجوز لي أن أماري, أو أحاور وأؤول فيه؟ ..... إنني إذاً لمن الظالمين المعتدين الجاهلين.

ثانياً: تقول بأن مشكلة المسلم: "انه لا يستطيع مواجهة ابسط الاسئلة لانه لم يؤدي واجبه البيتي بشكل صحيح لذلك يلجأ الى الطرق الملتوية سعيا وراء تضليل وارباك السائل.
نقول لك في هذا وبالله التوفيق,, إننا نلحظ من هذه العبارة "خلط للأوراق مريع", وليس مجرد إتهام عام وقطعي يبهت به المسلم دائماً, وهذه نحسبها مشكلة ثقافة ومفاهيم وإستعدادات وجدانية وحمية لا أكثر,,, فهناك خلط غريب نلحظه دائما على الأقل ما بين ثلاث أوراق في مفهوم كثير من الناس عن المسلم, والإسلام, والمؤمن, إما جهلاً "في بعض الحالات" أو تخرصاً وإفكاً وبهناناً مقصوداً لذاته بغض النظر على الحقيقة:
1. فالورقة الأولى هي عدم فهم معنى الإسلام, بمعناه العام الذي يستوعب كل من إختاره من البشر عموماً, وبمعناه الخاص الذي يقصد به من صدق النبي محمد, وآمن به أو إتبع ملته ولو نفاقاً,, لذا يعمل هؤلاء الجهلاء على تحميله - "كدين ومنهج حياة كامل" – تبعة مخالفات بعض المسلمين وسلوكهم وإخفاقاتهم في التطبيق العملي له في حياتهم العامة والخاصة, ثم بمنتهى السذاجة والجهل يتم الحكم عليه بأنه هو الذي شرَّع لتلك المخالفات والممارسات الخاطئة دون الرجوع إليه ومحاورته "كتاباً وسُنَّةً" لمعرفة عين الحق و ذروة سنام الحقيقة منه مباشرة, بدلاً من القيل والقال, والرجم بالغيب, والبهتان,,, ذلك الحق, وتلك الحقيقة التي زهد فيها المتطرفون حتى من المثقفين الذين تدلَّهوا بهوى النفس ووطأة الشنآن والتعصب الذي يَنْقُضُ عنهم ميزة الثقافة وملكة الفكر.

لذا نقوم نحن نيابة عنهم بعرض ما وصَّىَ به هذا الدين "كتاباً وسنة", ليعرفوا أن الله تعالى ورسوله بريئون منهم و يجرمون تلك الأفعال والممارسات التي يقوم بها هؤلاء المدعين الإسلام أو المسلمين المتبعين البدع التي لا علاقة لها بهذا الدين بل تعمل ضده بكل المقاييس إن كان ذلك عمداً وعدواناً أم كان جهلاً وغفلة ووهن.

فمثلاً الذين يخالفون القوانين التجارية ويقعون في الغش والتزوير أو الجرائم الجنائية فيقعون في إنتهاك حرمات الآخرين,, هل يعقل أن تكون مخالفاتهم تلك شبهةً على نصوص ومواد القوانين الرادعة نفسها؟؟ ومعلوم أن القانون قد وضع للأحرار, ومن ثم, فإن هذه الحرية "منطقياً" ستفرز مخالفين ومنتهكين لها ومتحايلين عليها,,, فهل هذا يبرر إتهام السفهاء للتشريعات القانونية بأنها هي التي شرَّعت لهؤلاء المنتهكين لها والملتفين حولها وحرضتهم ليقعوا في ما إقترفوا من ذنوب وجرائم؟ إذاً فالدين بريء من تجاوزات الذين إتخذوه ديناً ثم عدلوا عن الإلتزام بأوامره ونواهيه وهديه,, وطبيعي ألَّا يقدح سلوكهم وممارساتهم الضالة في كماله الذي سيكون إما حُجَّةً لهم أو حُجَّةً عليهم, ما لم يثبت أنه ينص فعلاً على ذلك.

2. الورقة الثانية: هي إتهام "المؤمنين الصادقين الملتزمين" بالدين الإسلامي إيماناً وإحتساباً, والمطبقين لمنهجه والمتربين على توجيهاته وهديه ... ثم تحميلهم وزر وتجاوزات المسلمين "كل المسلمين أو بعضهم", ليس لأن الباهتين لهم والمتشككين فيهم لا يعرفون هذه الحقيقة, وإنما في الغالب يفعلون ذلك عن قصد وتدبير "ظلماً وعدواناً وشنآناً", فالمؤمن الحق هو قرآن يمشي على الأرض كأسوته الخاتم الأمين.

لذا من قال لك إنَّنِي مؤمن فأسهل شيء عليك هو أن تراجع سلوكه وتضبطه بالقرآن,,, فإن إتفقت وإستوت معه كان مؤمناً وإن إختلفت وتناقضت مع هديه وتعليماته كان دون ذلك, فالشر يبدأ مع بداية الإبتعاد عن هذا القرآن الكريم, إلى أن يبلغ المبتعد مرحلة النفاق, فيصبح كافراً أو أقرب ما يكون من الكفر بكتاب الله وسنة رسوله الكريم. فما دامت فيه خصلة من خصل النفاق لن يكتمل له الإيمان حتى يتخلص منها ويتوب عنها.

3. الورقة الثالثة: هي أنَّ الشخص "أيّ شخص" يستطيع أن يدخل الإسلام "بإختياره" متى شاء ذلك, وليس هناك ما يمنع. ويتم له ذلك بمنتهى السهولة واليسر فقط إن نطق الشهادتين بقوله: (أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ,,, وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ الله), فيصير بعدها محسوباً من المسلمين, وكثير من هؤلاء المسلمين قد نطق الشهادتين "نفاقاً", والبعض منهم له غاية من هذا النفاق وهو الحصول على فرصة أكبر لضرب الإسلام من الداخل, والبعض الآخر منهم كان مسلماً لأنه من أبوين مسلمين.

فإما أن يكون قد تحول هذا المسلم بالنسب أو ذاك إلى نور الإيمان بالغيب (وهذا وجدان لا يعلمه عنه إلَّا الله ربه), أو أن يختار لنفسه فسوقاً أو كفراً أو إلحاداً أو تمجساً,,, مع الإحتفاظ بإسلامه الزائف وحتى بإسمه ولقبه "الإسلامي", وبعض مظاهر الإسلام العامة من صلاة وصوم شكليتين, وقراءة للقرآن وذهاب للحج والعمرة. وقد رأينا نماذج كثيرة أمثال المعري, والقصيمي, وعباس عبد النور, والقبنجي, والبغدادي,,,, وغيرهم.

إذاً,, عندما تقول كلمة "مسلم"على إطلاقها,, في الواقع كأنك تقول "الإنسان عموماً" أو "البشر بكل تنوعه" لأنه حقيقة هو يمثل شريحة أو عينة sampling من مجتمع البشرية, ولا يعقل أن تؤخذ هذه العينة على أنها المجتمع بكامله,, فالمسلم ليس فرداً واحداً حتى تستطيع أن تقول عنه بانه "لا يستطيع مواجهة ابسط الاسئلة, لانه لم يؤدي واجبه البيتي بشكل صحيح", ثم ما تلبث أن تأخذ هذا الزعم على أنه هو الحقيقة المحضة فتبني عليها إتهامك فتقول عنه بثقة جازمة: (... لذلك يلجأ الى الطرق الملتوية سعيا وراء تضليل وارباك السائل). وأنا هنا أنتظر منك أن تشير إلى أي فقرة من الموضوع "المنشور علناً" تثبت للقراء فيها "تحديداً" أن فيها (لف, ودوران, وطرق ملتوية,, أو فيها أي سعيٍ وراء تضليل وارباك السائل), علماً بأن السكوت عن مطلبنا هذا يعتبر في نظرنا إجابة شافية.

فإن كنت تشير بذلك للمسلمين بكاملهم فهذا بلا شك غير صحيح إطلاقاً, وإن كنت تقصد بذلك شخصنا, فهذا حقيقةً ما يتعارض مع الواقع الذي عُرِفَ عنا, وهو الحيادية والتوجه مباشرة للحق والحقيقة دون زيادة أو نقصان, لسبب بسيط جداً هو أنه "ليس لدينا أجندة خاصة أو خفية", و أننا "لا نقول برأينا الشخصي (في كتاب الله وسنة رسوله), وإنما نأتي بالنصوص الداعمة الموثوقة لدى كل الأطراف ونترك الباقي لفكر وذكاء وتقدير وترجيع كل قاريء وقارئة على حده.

أما بهتَنا باللجوء إلى طرق ملتوية, أو السعي وراء,, وإرباك السائل,, فهذا قطعاً لا ينطبق علينا, لسبب بسيط للغاية,, أصيغه في شكل سؤال مباشر لك وللسادة القراء والمتابعين فأقول:
1. ما هي غايتنا – في رأيكم - التي شعرتم بأننا نلف وندور ونلجأ إلى الطرق الملتوية ونسعى إلى إرباك السائل؟؟؟), أرجوا أن تواجهنا بها وتهدي إلينا بها عيوبنا التي بهتنا بها. فهل التحليل والتفصيل وتقديم البراهين وإقامة الدليل عند أهل العلم والفكر والثقافة يعتبر لف ودوران وطرق ملتوية وإربكاً للسائل؟؟؟ .....

2. ما الذي سأجنيه أنا لشخصي أو للدين الإسلامي إن كان في ردنا على أي سؤال من أي جهة كان مقبولاً أو مرفوضاً أو مستهجناً,,,, هل تظن أننا نعمل لإرضاء زيد من الناس أم عمر؟ أو أننا نقوم بالدعاية والترويج والتزيين للناس لجذبهم والإكثار منهم, والدين الإسلامي المجيد يئن من وطأة وغزارة غثاء السيل؟؟؟ وحتى إن كانت هذه ضمن غاياتنا, فهل تظن أننا نتقاضى على ذلك أجراً من أحد من الناس أو أننا نحصي ونتابع ونسجل من صَدَّق من الناس أو آمن أو نافق أو تزندق أو تمجس أو ألحد؟؟؟ لا ورب محمد ورب العرش العظيم, إنما نسعى لتبرئة ذمتنا أمام الله تعالى بأن نرد على من سألنا بما ردَّ به الله ورسوله دون زيادة أو نقصان من جانبنا أو إخفاء أو تزيين,,, ونؤكد للكل بأننا لا نريد منهم جزاءاً ولا شكوراً ولا مدحاً ولا إطراءاً حتى لا نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاساً.

ومن ثم, أقول لك "نعم",, وألف ألف نعم,, أنا معك قلباً وقالباً بأنه,,, - إن كان في ردنا أي قدر من لف ودوران وطرق ملتوية أو إرباك أو إلتفاف حول الموضوع,,, - فإن هذا الاسلوب بلا أدنى شك قبيح قباحة إبليس وأوليائه وعبَّاده ومَنْ والاه, وبالطبع يعتبر عندنا أيضاً (غير مقبول لدينا نحن قبل غيرنا من السائلين والمعلقين).

أما إن كانت لك غاية من خلال السؤال - في الاساءة الى الاسلام باي شكل – أو لم تكن لك هذه الغاية, فهذا يعتبر شأن خاص بك, ومسئولية أخلاقية أنا لست مسئولاً عنها ولا طرف فيها, لأنني ببساطة شديدة لست صاحب هذا الدين الكريم, وأعلم يقيناً أن أي إساءة مهما كان مصدرها لن تبلغه وإنما تكشف زيف وسفه مروجها ومدعيها, لذا فإننا نعتبر الخوف عليه من الإساءة إنما يكون بمثابة "شهادة ضمنية" منا بأنه مقدور عليه وهذا ما نؤكد بأنه لن يكون,, وقد كان لنا "تحدي" سابق في ذلك.

أما بحثك عن إجابة مقنعة تستطيع ان توفرها لمن هو غير مسلم يبحث عن الثقافة والمعرفة, أو لأي غاية أخرى – حتى لو كانت ضد الدين نفسه – فأنا لست معنياً بالغايات, إذ يبدأ دوري وينتهي بتبرئة الذمة أمام الله تعالى بقول ما قاله وقال رسوله, والعمل جاهداً على تقديم الرد على أي سؤال تماماً كما ورد بالقرآن الكريم المدعوم والمؤيد بالسنة النبوية الكريمة كتطبيق عملي تماماً كما أوحاه الله الذي شهد لرسوله بذلك التطبيق وكمال الدين للبشرية جمعاء, لذا أتفق معك ومع غيرك, وأعمل بكل جهدي لأن أساعدك فيما تسعى إليه ولا تهمني الغاية من ذلك ولا النتائج.

ثالثاً: أما تكرارك للسؤال مرة أخرى بقولك: ("سيدي/ السؤال بصيغة ابسط: هل " ملك اليمين"، وهو تطبيق شرعه الاسلام وذكرة القران 23 مرة ومارسه خاتم الرسل وسيد الانبياء واصحابة... ، يتفق مع روح الخلق والانصاف والعدل والقسط والانسانية؟؟؟), إنما يدل على أن ما كتبناه حتى الآن هو في الإتجاه الصحيح, ويعتبر بكامله مدخلاً هاماً للرد على سؤالك, لأنك تطالبنا بالنقيضين في آن معاً, فكيف تريد أن يكون الرد "مقنعاً", وفي نفس الوقت تريده مختصراً بسيطا "بنعم" أم "بلا"؟؟؟

لقد فهمنا السؤال "الشبهة" جيداً منذ بداية البداية, وعمدنا على توفير ما طلبته والقراء منا بالمنهجية العلمية السليمة لأن الأمر لا يحتمل أنصاف الحلول والردود "الفضائية" والتغريدات, والمبالغات والترجيحات والتسويفات, خاصة وأنك حتى في تعليقك اللاحق هذا قد أكدت لنا بأنك لم تعط ما كتبناه عيناً ناقدة وجادلتنا فيما وثقناه من مصادره الموثوقة, بدلاً عن الإفتراضات والإتهامات التي تجعل من المستحيل الوصول إلى إجابة مقنعة, لذا,, ولهذه القناعة التي توقعناها مسبقاً إن كان منكم أو من غيركم من المتابعين أردنا أن نضع كل الأمور على الطاولة وكل الملفات مشرعة وفي متناول الجميع,,, فالذي يريد البساطة سيجدها والذي يريد التعمق والتثبت سيجده. وأؤكد لك بأنني لست عاطلاً متبطلاً حتى أجلس الساعات الطوال من أجل هوى أو غاية من حطام هذه الدنيا.

رابعاً: فها أنت ذا تجزم وتؤكد بأن "العبودية" تطبيق شرَّعه الإسلام وذكره القرآن 23 مرة, وأن خاتم الرسل مارسه هو وأصحابه, أبعد هذه القناعة والحكم المسبق تريدني أن أسلق بيضاً؟ – ليتك تصبر علينا قليلاً حتى يكتمل الموضوع وأن نكون حضاريين أكثر بأن نناقش ما إختلفنا فيه ولا نلجأ للتعميم في الحكم, فإن لم تسعنا الحضارة فلنسكت أفضل لنا.
فالرد الذي نعمل على توفيره ليس لسؤال بسيط أو لشبهة مغرضة فحسب, بل لقد أضفتم إليه إتهاماً مباشراً متوثقاً في خاطركم. فمثل هذا الإتهام يحتاج إلى تكذيب ودحض بمعايير علمية لا يختلف حولها عاقلان منصفان,, وهذا ما سنقوم به, خلال هذا الموضوع (أعدك بذلك).

على أية حال, فإن قولك لنا (اذا كان التطبيق مقبولا ومرحبا به باعتباره مشرعن بكتاب الله وسنة مطبقة مؤكدة وصالح لكل زمان ومكان فهل تقره وتقبلة ان ترتب على ابنتك واختك وآل بيتك). نقول لك وبالله التوفيق:
1. أما سؤالك عن التطبيق فسيأتيك تفصيله فيما بقي من فقرت بهذا الجزء من الموضوع وستعرف التشريع في كتاب الله وسنة رسوله عن الحقيقة الموثقة المقام عليها الأدلة والبراهين الكافية والتي تؤكد أنها صالحة لكل زمان ومكان، لمن أراد الحق والحقيقة,

2. أما سؤالك المباشر لنا إن كنت سأقر ملك اليمين وأقبله ان ترتب على ابنتي واختي وآل بيتي,, أقول لك بالطبع لن أقر أو أقبل أن يحدث ذلك – ليس فقط لأهل بيتي ونفسي وأقاربي – بل لن أقره أو أقبله لأي إنسان حر أن تنتهك حريته بأي قدر, ولأي سبب من الأسباب, فما لا أقره وأقبله لآل بيتي لا أقره ولا أقبله لكل إنسان, فإن لم أطبق هذا المعيار أكون على جاهلية مهما إدعيت الإستقامة وشهد لي بها الخلق كله لأن اللهَ لن يشهد لي بها ورَسُوْلَهُ. أما إن وقع ذلك, فلن أقف مكتوف الأيدي وإنما سألجأ إلى كتاب الله تعالى وسأجد هناك خارطة الطريق التي سألتزمها بدءاً بالقبول والرضى بقضاء الله وقدره وإبتلائه ... وإنتهاءاً بإتباع مسار الحلول وفق أولوياتها التي وضعها الله تعالى حتى بلوغ إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة.

الآن نعود إلى الأول فنقول للبغدادي ما يلي:
لقد خانك التعبير أم لعله التفكير والتدبير أم غياب المعرفة اللازمة للمشاركة في الحوار والإستفسار, على أية حال هذا كله لا يهم, بل والمتوقع منكم أكبر من ذلك بكثير, فلا مانع من أن نتسلى ونضحك بعض الشيء لنخرج قليلاً من لوازم الجدية والمعالجات العلمية,,, فنقول فيما أفضتم فيه ما يلي:

أولاً: هذا الذي قدمناه للقراء ليس تحليلاً كما تقول,, فإن إطلعت عليه وتمعنت فيه ستجده عبارة عن عرض وترتيب للحقائق التي لا شأن لنا فيها سوى تقريبها "كما هي" للقراء الكرام, لأن التحليل هو شأن خاص بكل من همه الموضوع منهم, وأراد التفاعل معه إيجاباً أم سلباً كما فعلت أنت وتفعل الآن, وبالتالي فأنا لا أطمع أو أطمح إلى أي شكر أو نقدير من أحد لأنني لم أقصد بهذا العمل شخص/ أشخاص بعينهم, فهو موضوع عام,, ولا أستحق عليه شكر سوى من الله وحده وإلَّا فلا.

ثانياً: سؤالك الآخر للأسف لم تصغه بصيغة تجعله يستحق النظر إليه لأنه يعج بالأخطاء الإملائية والمثالب والإخفاقات في التعبير كأنه فرع شائك يابس من شجرة الغرقد أو شجيرة الكداد (القتاد) ,, ولكنني سأتناول الفكرة والقصد لأبين للقراء نموذج من البشر الذين يريدون أكل لحم أخيهم ميتاً فيستطعموه, بدلاً من أن يكرهوه,,:
1. العبارة التي ذكرتها في تعليقك وإدعيت انها آية من القرآن هي في الواقع ليست جزء منه,, وإنما هي تحريف مخزٍ وملفق, يقدح في القيم المعرفية للذي عجز حتى عن نقل النص صحيحاً رغم أنه لم يتجاوز ثلاثة عشر كلمة متضمنة ثلاث كلمات عبارة عن حروف,, فإذا كنت لم تستطع رسم هذا النص الذي هو عبارة عن جزء صغير من آية كريمة بها ما لا يقل عن واحد وستين كلمة بالتمام والكمال. إذاً كيف يتسنى لعاقل صادق أن يفهم الآية ومدلولها علماً بأنها تحتاج حقيقةً إلى النظر إليها في إطار "السورة" كلها, أو على أقل تقدير النظر إليها في إطار 6 آيات متتابعة من الآية 48 إلى الآية 53, التي شملت أكثر من 220 كلمة.

2. تقول عن عبارتك المغلوطة المفبركة المدسوسة إنها جاءت في سورة القصص, وهذا إدعاء كاذب وتضليل إما لغياب المعرفة الكافية أو لوجود خلل في الشفافية والأمانة العلمية والمصداقية, إذ أن سورة القصص ليس فيها ما إدعيت,, إمعان في التحايل والخداع,, ولكن في سورة الأحزاب توجد آية تتضمن قوله تعالى: (... وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ...), فهذه الآية تخاطب النبي مباشرة, وتقول له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ - « أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ » « وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ » « وَبَنَاتِ عَمِّكَ » « وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ » « وَبَنَاتِ خَالِكَ » « وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ » « وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا » - خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 50).

فالعاقل والفقيه الذي يفهم ما يقرأه ويستوعبه جيداً لا يمكن أن يصل إلى ما توصلت أنت إليه من سوء فهم وخلط للأوراق وعكس للمعاني يثير الضحك والتقذذ في آن معاً,,, وذلك للآتي:
لقد بين الله تعالى لنبيه الكريم المُحَلَّلُ له من النساء, وعليه بعد ذلك أن يختار منهن ما يشاء أو يترك,, دون حرج عليه في مَنْ آوى إليه منهن أو ترك, فقال له مباشرة:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ ...): أصناف النساء اللآتي يمكنك إختيار من تشاء منهن, وهنَّ:
1. (« أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ »),
2. (« وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ »), فما ملكت يمينه كلهن حرائر وقد أعتقهن ثم تزوجهن, ما عدا ماريا القبطية التي أهديت له من المقوقس, وما أن جاءت منه بالولد أصبحت حرة من بعده,
3. (« وَبَنَاتِ عَمِّكَ »),
4. (« وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ »),
5. (« وَبَنَاتِ خَالِكَ »),
6. (« وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ »), تحديداً, وليست كلهن,
7. (« وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا »),

وبين له أن هذه الأصناف من النساء هي تشريع خاص به من دون المؤمنين, لذا قال له: (... خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ...). أما المؤمنين فلهم تشريعهم الذي فصلناه لهم من قبل,, قال: (... قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ...).
ثم بين له الغاية من هذا التشريع الخاص به, حتى يعلم المؤمنون – عند إختيارك منهن مَنْ تشاء – دون أي حرج عليك, لأن المؤمنين سيعرفون من القرآن الذي يتلونه أنَّ إختيارك وفقاً لما أحله الله لك وفي حدود شرعه, قال: (... لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).

والأسئلة الهامة التي سنطرحها عليك هي ما يلي:
1. هل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأصناف من النساء اللآتي أحلهن الله له؟
2. هل تزوج بنات عمه وبنات عماته اللآتي أحلهن الله له؟؟؟ ..... الجواب "لا لم يفعل",
3. هل تزوج بنات خاله وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه؟؟؟ ..... الجواب أيضاً "لا",
4. هل هناك وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ فإسْتَنكِحَهَا؟؟؟ ..... الجواب "بالطبع لا",

عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبت نفسي لك. فقامت قياماً طويلا فقام رجل فقال: يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إيَّاهُ)؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنْ أعْطَيْتَهَا إزآرَكَ جَلَسْتَ لَاْ إزَآرَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئَاً). فقال: لا أجد شيئا. فقال: (إلْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمَاَ مِنْ حَدِيْدٍ),, فَالتمس فلم يجد شيئا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هَلْ مَعَكَ مِنْ القُرآنِ شَيْءٌ؟), قال: نعم-;- سورة كذا، وسورة كذا - لسور يسميها - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ القُرآنِ).

عن محمد بن كعب، وعمر بن الحكم، وعبد الله بن عبيدة قالوا: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة امرأة: « ست من قريش ، خديجة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسودة ، وأم سلمة » .« وثلاث من بني عامر بن صعصعة »، « وامرأتان من بني هلال بن عامر: ميمونة بنت الحارث، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وزينب أم المساكين », امرأة من بني أبي بكر بن كلاب من القرطاء - وهي التي اختارت الدنيا ، وامرأة من بني الجون ، وهي التي استعاذت منه ، وزينب بنت جحش الأسدية ، والسبيتان صفية بنت حيي بن أخطب ، وجويرية بنت الحارث بن عمرو بن المصطلق الخزاعية .

أما التي سعدت وتشرفت بإختيار أي من هذه الأصناف من النساء اللآتي أحلهن الله لرسولة الكريم, تَشَرَّفَ كل المؤمنين بها أيَّما شرف وفخر لأنها حينئذ تكون "أُمَّاً لَهُمْ جميعاً".

فإذا كان ذلك كذلك,,, فما هي كل هذه الصافرات التي تطلقونها من مقابركم وأجداثكم؟؟؟ ألا ترون معنا أن هذا المسلك يضعكم في ركن مظلم ووضع بمقام لا تحسدون عليه؟؟؟ ..... وهل مجرد الوصف بالجهل والسفه يجزي إحاطةً بهذا التردي والخبل الذي أبديتموه بهذا التخبط المذري؟؟؟

أما النبي الكريم – سيد ولد آدم بلا منازع – منبع الكرم والنقاء والأخلاق,, لا تُذكر في حضرته أو مع إسمه المخازي التي إبتلاكم الله بها زنا ولواط ومعاشرة للبهائم والدواب والأشياء,,, وكل حياتهم فجور وسفه لدرجة أنساكم بها أنفسكم وجعلكم من الفاسقين. يقول تعالى في سورة محمد: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ « وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ » - وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ).

ويكفيه قدراً ورفعة وتكريما قوله تعالى عنه في سورة الأحزاب: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا 56), ويكفيه إنتقاماً له من المتطاولين عليه من السفهاء المختومين قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - «« لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ »» - وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا 57), وقد رأينا بأعيننا كيف كان عذاب الدنيا الذي هُمْ فيه الآن يخسئون ويتردون, ويهيمون في التوهات والتخبط والسفه,,, كما توعد كل المتطاولين على المؤمنين والمعتدين عليهم, فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا «« فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا »» 58).

ويكفيهم خزلاناً قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا 64), (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا 65), وذلك: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا 66), (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا 67), (رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا 68).

قلنا لكم مراراً وتكراراً "لا تُطرِقُوا على الذَّهَبِ الإبْرِيْزِ لتبخسوا قدره وتحقروا أمره,, فإن الطَّرْقَ عليه إنَّما يزيده لمعاناً وتوهجاً ونضارة وتألقاً وجمالاً, بل ويكشف أكثر عمق أصالته ونقائ معدنه وصدق نضاره), فتنقلبوا من بعدها خائبين محبطين أذلة, ولكنكم لا تحبون الناصحين.

@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

نعود لموضوعنا الأساسي فنقول وبالله التوفيق وعليه السداد:
إن المتابع لما ذكرنا في الجزء الأول من هذا الموضوع يلاحظ - من هذا الواقع المرير الذي عرضناه بإختصار - أنَّ العبودية كانت قيمة إجتماعية راسخة, بل ومؤصل لها حتى في العقائد "الشرعية" التي حرفها أهلها وإبتدعوا فيها حتى فسدت ثم أفْسَدَتْ, وقد بُنيت إستراتيجية الأمم والشعوب عليها,, وهي ليست ظاهرة عارضة أو قابلة للنقاش وإنما هي نظام حياة راسخ إقتضى أن يكون حوالي 80% إلى 90% من الشعوب عبيداً مسهوكين مهانين قبل أن يكونوا مملوكين بكاملهم لآخرين, يتوارثونهم عبر أجيالهم التعسة التي نشأت وسط وحوش بشرية أكثر فتكاً من الضواري والكواسر, حياتهم وكل مقوماتهم في يد قلة من السادة المسلطين عليهم, فأصبحت مجرد محاولة إيجاد حل لمشكلة العبودية آنذاك تعتبر جريمة بكل المقاييس, ويستحق صاحبها الحرق حياً لأنها تعتبر تهديداً مباشراً لكيان المجتمع بأسره.

ولكن,, إستطاع الإسلام وحده - (أقول وحده منفرداً متفرداً) - أن يتصدى لهذه الجريمة الإنسانية المزمنة البشعة دون أن يُحدث هزة عنيفة في البنية التحتية لهذه المجتمعات المتداعية, إجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً وإنسانياً وأخلاقياً,,, قد تأتي بنتائج عكسية. فماذا فعل الإسلام للقضاء على هذا الواقع المخزي للإنسانية جمعاء؟؟

أولاً: لم يعترف الإسلام ورب الإسلام ورسول الإسلام بالرق ولا بالإسترقاق ولا بكل مبرراته ومسوغاته, كما أنه جعل العبودية "وقفاً" لذات ألله الخلاق العليم وحده دون سواه لأنها حينئذ تعتبر باباً للخير كله والسعادة للناس وغيرهم لأن الخالق سبحانه وتعالى إنما يُكْرِمُ عبيده المخلصين ويرفعهم في علِّيِّيْنَ, وما أدراك ما عِلِّيُّونَ؟, ويباهي بهم الملائكة (وهو في غنى عنهم), ويجعلهم خير أمة أخرجت للناس,

وقد ساوى بين الناس فوضع الميزان بالقسط ولم يكتف في ذلك بالعدل, قال في سورة الرحمن: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ 7), ثم حذر الناس "كل الناس" بعدم الطغيان في ذلك الميزان, قال: (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ 8), ثم أمرهم بكل صراحة ووضوح, بأن يقيموا الوزن بين كل الناس "بالقسط", ونهاهم بعدم إخسار الميزان ليأكلوا أموال الناس بالإثم وهم يعلمون, فقال لهم آمراً محذراً: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ 9).

ثم أكد المساواة الكاملة والشراكة المتساوية في كل الأرض لكل الأنام المستفيدين من خيراتها وكنوزها ومصالحها بما يكفي ويغني عمَّا في أيدي الآخرين ويمنع حجة السعي لغمطه بإخسار الميزان, فقال: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ 10) كلهم بلا إستثناء, أو محاباة أو تحيز, قال: (فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ 11), (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ 12). فليس لأحد حجةً في أن يخسر الميزان فيغمط حق أخيه ويؤثر به نفسه.

قال تعالى في سورة الحجرات للذين آمنوا من عباده, تأكيداً لهذه الحرية والمساواة:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...), إلتزموا التحذيرات التالية لأنها حدود الله تعالى ..... فلا تقربوها أو تعتدوها:

1. (... لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ « عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ » ...), فحرَّمَ عليهم السخرية من غيرهم من الناس, فعسى أن يكون "المسخور منه" خير من "الساخر",

2. (... وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ « عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ » ...), وكذلك حرم السخرية من بعضهن على البعض الآخر, فعسى أن تكون "المسخور منها" خير من "الساخرة",

3. (... وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ...), كما حرم عليهم الهمز واللمز بالآخرين, وتوعدهم بالويل والحطمة إن فعلوا ذلك, إحتراماً لكيان الإنسان وعِرضه,
4. (... وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ...), وأيضاً حرم عليهم المنابذة والمشاتمة بالألقاب, بأن يُذْكَرَ الشخص أخاه بإسم أو لقب يكرهه أو يعيبه ويخدش حياءه أو يخوض في سمعته وكرامته ويسيء لسمعته بين الناس,,
لأن مثل هذه الأعمال لا تصدر إلَّا من الفاسقين الذين لا أيمان لهم, وبالتالي تلزمهم توبة من هذا الظلم غير المبرر, لذا قال تعالى صراحة: (... بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ - وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 13).

ولم يقف الحق سبحانه عند هذا الحد فقط, بل واصل في توصيتهم وتحذيرهم, فقال لهم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...):
1. (... اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ...), فلا يحق للإنسان أن يظن سوءاً بأخيه الإنسان المؤمن, لأن حق المؤمن على المؤمن حسن الظن به,

2. (... وَلَا تَجَسَّسُوا ...), وحرَّم عليهم التجسس على الناس وتتبع عوراتهم والتشهير بهم وتعنيتهم والخوض في أعراضهم والتأثير على مصادر أرزاقهم, وهدر كراماتهم,

3. (... وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ...), بأن يذكره في غيابه بما يكره, وقد اعتبر ذلك كأنه (أكل لحم أخيه ميتاً) من كراهته وفظاعته لأنه يعتبر محاولةً للتشكيك فيه أو التقليل من شأنه,,, لذا قال لهم: (... أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ...)؟؟؟, لاحظ أنه وصفه بقوله (أخيه), تأكيداً للمساواة في الإنسانية والكرامة والحقوق والواجبات.

ولم يقف الشرع عند ذلك التفصيل فقط, بل ذكَّرهم وحذرهم في خاتمة الآية بأنه قيوم عليهم, لا يغيب عنه سرهم ونجواهم وعملهم بقوله لهم: (... «« وَاتَّقُوا اللَّهَ »» - إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ 14). وعبارة (تواب رحيم), تفتح الباب واسعاً أمام المخطيء أن يراجع نفسه ويصحح من أخطائه التي – حتى لو بلغت عنان السماء – فإن الله تعالى تواباً رحيماً,, (ما عدا حق الناس, فعليه أن يراضيهم فيه أو يقضه لهم ولو إعتذاراً).

أيضاً لم يكتفِ الحق سبحانه بذلك القدر من المحاذير والتوصيات, بل قال لهم وللناس جميعاً مؤكداً مساواتهم في الحقوق والواجبات "كأسنان المشط في الإنسانية", ولا يُفضل أحد على الآخر للونه أو لجنسه أو لعنصره، أو لجذوره,, أو لغناه أو لفقره أو لنَسَبِهِ أو لمرتبته,,, وإنما التمايز بينهم يكون بالسلوك القويم الذي – إذا إكتملت عناصره لدى الشخص – وُصِفَ بالتقوى, لذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا - « خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى » « وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا » - «« إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ »» - إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 15). أنظر جيداً إلى المخاطب,,, في قوله " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ", الذي لا يقبل تأويلاً لصرفه عن تحديده "لكل من شملته كلمة ناس),

ثانياً: حَرَّمَ الرق والإسترقاق وضيق موارده وحصره في نطاق ضيق لا يمكن تفاديه من ذلك الذي ينشأ عادةً من ويلات الحروب ضد الغزاة والمعتدين والتي لا سبيل لتفاديها لأنها مفروضة من الطرف الآخر الذي لم يترك للمؤمنين خياراً آخر سوى الدفاع عن أنفسهم وصد العدوان "قتالاً سجالاً في ميدان الحرب", يستوي فيه الطرفان, ولكنه مقيد بقدر صد العدو, وحذَّرهم الله حتى من ملاحقة العدو إن إنسحب وولى هارباً "ما لم يكن تحرفاً منهم لقتال أو تحيزاً لفئة باغية" ليعيدوا الكرة على المؤمنين عن غفلة وبغدر.

ثالثاً: ربط الله عتق الرقاب والتخلص من الرق والإسترقاب بعبادة الله والتقرب بها إليه, وبين فضلها على غيرها من القربات:
1. فجعل لعتق الرقاب سهماً من أسهم الزكاة الثمانية, وذلك لضمان تمويل عمليات العتق من الرق من مورد ثابت, لقوله تعالى: (... وَفِي الرِّقَابِ ...), حتى يمكن إستغلال جزء من مال الزكاة في عتق بعض الرقاب من الرق وإعطاءها حريتها,

2. وجعل سهماً آخر من الزكاة للغارمين, الذين – عند عجزهم عن سداد ما عليهم من مغارم – قد تتعرض حريتهم للخطر كلياً أو جزئياً, لقوله تعالى (... والغَارِمِيْنَ ...), فيعمل هذا السهم من الزكاة على المساهمة المادية في تسديد ما على الغارم من غرم يثقل كاهله لينعم بحريته كاملة, لأن الديون كانت "ولا تزال" سبباً رئيساً من أسباب الرق القهري أو الإختياري ببيع النفس أو الولد لتسديده,

3. كما جَعَل الله كفَّارَةَ اليمين (اللغو في الحلف) غير المبرور, وهو " اللغو في الأيمان" الذي عجز صاحبه عن البر بقسمه, فوضع الله له مخارج يُكَفِّرُ بها عن ذلك القسم ليبريء ذمته منه،, من بينها "تحرير رقبة", لقوله تعالى في سورة المائدة: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ - وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ - فَكَفَّارَتُهُ «إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ » «« أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ »» - فَمَن لَّمْ يَجِدْ « فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ » - ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 89).

4. وقضى على عادات الجاهلية التي منها تحريم الزوج لزوجته "بالظهار", وهو أن يقول الرجل لزوجته (أنت عَلّيَّ كَظَهْرِ أُمِّيْ) مثلاً, فلا يقربها ولا يعاشرها بعد ذلك "تحريماً دائماً",, ولكن الإسلام قد حرَّم ذلك العمل القبيح على الرجال, بل وجعله أمراً منكراً محرَّماً,, بل وجعل على الزوج الذي ظاهر من إمرأته عقوبة مغلَّظة تكفي لزجره من الوقوع في مثل هذا الذنب الكبير والظلم الذي يوقعه على الزوجة دون وجه حق,, فإن وقع فيه أحد بـأن ظاهر من إمرأته, ثم رأى أن يعود عنه ويحتفظ بزوجته عليه أولاً أن يكفر عن هذا الذنب الكبير وإلَّا حرمت عليه زوجته.

قال تعالى في سورة المجادلة: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ...), فهناك ثلاث مراتب من الحلول, تؤخذ "بالترتيب", وليس بالخيار, قال في الأول:
‌أ- («« فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا »» - ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 3), فلا يمكن العدول عن هذا الخيار إلَّا إذا تأكد عجزه عن الوفاء به لأسباب شرعية واضحة ومقبولة شرعاً, ومن ثم لن يقربها قبل العتق الكامل.

‌ب- ثم قال في الحل الثاني إن عجز عن الأول: (فَمَن لَّمْ يَجِدْ - «« فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا »» ...), إذ لا يجوز له فيهما الإفطار عمداً إلَّا لعذر شرعي مقبول, ولا يحق له العدول عنه للحل الثالث إلَّا إن ثبت عجزه عن أدائه, ويشترط عليه ألَّا يقرب زوجته حتى ينتهي تماما من صيام الشهرين المتتابعين بالشروط المحددة بالآية الكريمة,

‌ج- ثم قال في الحل الثالث والأخير, يقول تعالى: (... فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ « فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا » ...).

وقد بين الله تعالى المبرر لهذه العقوبة المغلظة وهو صيانة والإلتزام بحدود الله وحفظ حق وكرامة المرأة, قال: (... ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ 4). معنى هذا أن الله قد إعتبر الذي لا يلتزم بهذه الحدود كافراً, وإن أراد أن يُكَفِّرَ عن ذنبه عليه أن يعتق رقبة,, أما إن لم يجد ينتقل "بالترتيب" إلى الحل الثاني وهو "صيام شهرين كاملين متتابعين, فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكيناً عقاباً له وكفارة لذنبه.

5. معلوم أن قتل النفس "عموماً" حرام على المؤمن "إلَّا بحقه قِصَاصَاً", وهذا القصاص يقوم به الحاكم الشرعي وليس مطلوقاً للعامة, ولكن إذا وقع القتل بالخطأ غير المقصود (حادث سيارة مثلاً), فهناك تشريع لمحاسبة القاتل حتى في مثل هذه الحالات معتبراً أن الخطأ نفسه – في حالة القتل – لا يخلوا من تقصير يستلزم تحمل المسئولية عنه, لأن النفس عند الله تعالى محرَّمة بصفة عامة ونفس المؤمن بصفة خاصة.

قال تعالى في سورة النساء: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا «« إِلَّا خَطَأً »» - وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً «« فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ - إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا »» - فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ «« فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ »» - وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ «« فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ »» - فَمَن لَّمْ يَجِدْ «« فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ »» تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 92).

إذاً قد جعل الله على القاتل "بالخطأ" عقوبة في الدنيا مغلظة لا تسقط عنه فهي إما بعتق رقبة ودية مسلمة إلى أهل القتيل, فإن تعذر عليه هذا وذاك,, وجب عليه صيام شهرين متتابعين (60 يوماً), لا إفطار خلالهما إلَّا لعذر شرعي مقبول شرعاً. لكن مع ذلك فتح باب الرحمة, فأعطى أولياء الدم في أن يطبقوا العقوبة ويأخذوا الدية أو "إن شاءوا" أن يتصدقوا بحقهم ويعفوا عنه لقوله تعالى (... إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ...).

6. حتى الأسرى, الذين تسببوا لأنفسهم في هذا الأسر لأنهم في الأصل أعداء محاربين معتدين, وقد أُخذوا أسرى من ميدان الحرب والقتال,, ومع ذلك يُرَغِّبُ الله تعالى في إيجاد مخارج لهم من هذا الأسر حتى لو كان ذلك "منَّاً" بدون مقابل أو "فداءاً" بمقابل مناسب لحالة ووضع الأسير,, فأنظر إلى قول الله تعالى لنبيه الكريم في سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا - « يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ » - وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 70).

7. بل وأنشأ الشرع نظاماً ملزماً لصالح الرقيق, يسمى " المكاتبة " يُمَكِّنُ ألعبد من خلاله ان يحرر نفسه بعمله أو بمساعدات الآخرين له, قال تعالى في سورة النور: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ - « إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ » - وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 32). فهذا تشريع كريم لمِلك اليمين, حيث فرض على مالكيهم أن يتحروا سلوكهم دوماً ورجاحة عقولهم ومقدرتهم على تحمل المسئولية, فمتى ما آنسوا منهم رشداً وصلاحاً يقوموا على الفور بتزويجهم من بعضهم لقوله تعالى (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ), بمعنى زوجوهم.

أما الذين يتعذر عليهم الزواج، فعليهم بالتحلي بالتعفف في إنتظار فرج الله عليهم,, أما الذين يرغبون في فداء أنفسهم والتحرر من الرق, فتح الله لهم باب "المكاتبة" واسعاً ومشروطاً لصالحهم,, فالله تعالى مفصلا ذلك, قال: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ - وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ «« فَكَاتِبُوهُمْ - إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا »» « وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ » « وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا » - وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 33).

وعليه,, فقد مَكَّنَ الإسلامُ العبيد بذلك من استعادة حُرِّيَّاتهم (بالمكاتبة) وهي: أن يُمْنَح العبدُ حُرِّيَّته مقابل مبلغً من مالً يتَّفق عليه مع سيِّده، وقد أوجب أيضًا إعانة المُكاتب على تسديد ذلك المبلغ لتسريع عتقه من الرق, لأن الأصل للإنسان هو الحرِّيَّة، أمَّا العبوديَّة فحالة "حكمية" طارئة ليس للإسلام شأن فيها. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة في ذلك المسعى المبارك, وقد أدَّى عن جُوَيْرِيَة بِنْتِ الحَارِثِ ما كُوتِبَتْ عليه فأعتقها ثم تزوَّجها، فكانت فاتحة خير على بنات قبيلتها,, فلمَّا سمع المسلمون بزواج رسول الله منها أعتقوا كل ما بأيديهم من السبي، وقالوا: (أصْهَار رسول الله). فأُعْتِق بسببها مائةً من أهل بيت بني المصطلق.

والآن,,, قبل الإسترسال في هذا الموضوع المحزن دعونا نلقي نظرة خاطفة على مجموعة من السادة الكرام من الصحابة, من أولئك الذين كانوا قبل الإسلام عبيداً يتجرعون المظالم والمآسي والمهالك من سادتهم المشركين, وماذا فعل الإسلام بهم, وكيف أصبح حالهم, وما هو قَدْرُهُم في التاريخ, وما هو مبلغ ذكرهم في الأمم عبر أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان, ولا يزال قدرهم يتصاعد ويتسامى.

1. فمثلاً,, من هو "بلال إبن رباح",, كيف كان حاله وشأنه, وكيف صار قدره ومقامه وفضله عند كل المسلمين إلى أن تقوم الساعة؟؟؟ (فالكل يقول مفتخراً ومعتزاً به "سيدنا بلال"),
ألم يكن عبداً مملوكاً مهاناً منبوذا للونه الأسود, ولجنسيته الحبشية ولفقره,,,, الخ, وكيف كانت معاملته من مالكه ومستعبده الوثني الجبار, وكيف كان تعذيبه وطرحه على ظهره عارياً في رمال الحجاز الملتهبة قبل أن توضع على صدره صخرة, ويسب بأقبح العبارات,, كل ذلك لأنه إستخدم حقه الإنساني الوحيد وهو الإختيار الحر في المعتقد الذي قاده إلى الإسلام, رضى الله على سيدنا بلال وأرضاه وأكرمنا بصحبته في الجنة قريباً من رسول الله.

فما كان من سيدنا أبي بكر الصديق إلَّا أن فداه بالمال فإشتراه من سيده الفاجر الجاهلي ثم أعتقه لوجه الله تعالى بدون أي مقابل سوى فضل الله عليه يوم يلقاه, فأصبح سيداً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى, وصار نداً لمن إشتراه وأعتقه ومنافساً له في القدر والفضل,, فأصبح كل مؤمن صادق يتمنى صحبته ويتشرف ويفتخر به, ويرجوا أن يبلغ معشار فضله وقدره ومكانته عند الله ورسوله. فكان الصحابة يقولون إنَّ سيدنا قد أعتق سيدنا,,, وهو جدير بهذه السيادة, ويكفيه فخراً ومكانةً أنه كان حب رسول الله ومن خيرة صحابته, وهو مبشر بالجنة.

2. ومن هو سلمان الفارسي؟ .... ألم يكن عبداً مملوكاً؟؟ ..... فما هي مكانته وفضله وسيادته بعد أن نعم بنور الإسلام, وما هي سيرته في تاريخ الأمم الإسلامية إلى يوم يبعثون؟؟؟

3. ومن هو صهيب الرومي؟؟ ..... ألم يكن هو الآخر عبداً مملوكاً؟؟؟ ..... فما هي مكانته وفضله وسيادته على أمة محمد بعد إسلامه؟؟ ..... وهل كان سينال حريته يوماً من الأيام في ظل النظام الإجتماعي والإقتصادي والسياسي الذي كان قائماً آنذاك والذي فصلناه فيما سبق تفصيلاً؟؟

4. ومن هو عمار بن ياسر؟ ..... ألم يكن عبداً مملوكاً هو الآخر؟؟ ..... فكيف أصبح في ظل الإسلام؟؟, ألم ينل حريته بدون مقابل؟؟ ..... ألم ينل شرف لقب "إبن محمد" زمناً طويلاً حتى نزل تشريع من السماء يبطل التبني مطلقاً,؟؟؟ ..... لاحظ أن النبي الكريم قد تبناه وهو مملوك له, وشرف بلقب (إبن محمد) وهو كذلك, مع انه ليس من ظهره, فهذا يدل على أن النبي لا يعامل هؤلاء بأقل من معاملته لبقية البشر بكل تدرجاتهم ومقاماتهم الإجتماعية.

والآن, يمكنك أن تمعن النظر في هذه الآية الكريمة المحكمة, لترى أين وضعت ملك اليمين من النساء, وكيف رفعت قدرها وحفظت حقوقها وأكرمتها,,, قال تعالى للمؤمنين في سورة النساء: ( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ - «« فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ »» - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم «« بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ »» - « فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ » « وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ » - فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ - ذَٰ-;-لِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ - وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 25). فالنكاج هو "عقد الزواج الشرعي".

وعلى الرغم من أنَّهُنَّ كُنَّ ملك يمين, إلَّا أن الله تعالى أمر المؤمنين بأخذ الإذن من أهلهن بنكاحهن, وأن يأتوهن أجورهن الشرعي "الصداق" لقوله تعالى (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ...),, والأجر بالمعروف هو الصداق الشرعي. والنكاح هو الزواج الشرعي المحصن, ذلك لقوله تعالى (... مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ...).

وحتى إن وقعت الأمَةُ في الفاحشة "الزنى" بعد إحصانها فإنها تُعاقبُ بنصف عقاب الحرة تخفيفاً عليها, ومشروطاً لصالحها, لقوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ - ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 25), ليس مطلقاً, وإنما لمن خشي العنت وأراد تنفيذ الحد عليها, وهذا يدل على أن التجاوز عنها وترك الأمر لله وارد.

العدوان والإعتداء وإثارة محركات الحروب ومسعِّراتها حرام حرام حرام على المؤمن,, إذ لم يسمح الله تعالى لهم بالدخول في الحرب إلَّا إذا فرضت عليهم من أعدائهم فأصبح لا خيار لهم سوى الدفاع عن أنفسهم وأهليهم ودينهم وكراماتهم,, لتكرار قول الله تعالى لهم كثيراً: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). فإذا لم يكن هناك بد من تفادي الحرب وجب على المؤمنين الجهاد في سبيل الله وليس في سبيل أنفسهم أو أهوائهم, بل والحث عليها,, والفرق هنا واسع شاسع بين هذا وذاك.

فأنظر إلى قول الله تعالى في سورة الأنفال, قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ - « حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » 64), فقط, لأنك لا تحتاج إلى مليشيات ولا إلى مرتزقة أو مناقفين أو مأجورين "كما تفعل دول الحضارة المتجبرة والمدعية الإنسانية اليوم" وهي تحصد الأرواح والكرامات والمصالح حصداً, لذا قال له تحديداً: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ « حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ » إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ 65), وقد عَلِمَ الله أنكم حالياً فيكم ضعف و عليكم أعباء كثيرة ومواردكم محدودة, لذا قال: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ « وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا » - فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ 66).

وقال للمؤمنين مؤكداً إنه لا يجوز لأي من أنبياء الله أن تكون له أسرى إلَّا كنتيجة طبيعية لقتال حقيقي, وهذا يعني أنه لا يجوز له أسر أي من الأعداء إلَّا في حالة قتال مباشر وإثخان في الأرض "في ميدان القتال", قال تعالى لهم في ذلك: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى « حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ » - تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا - « وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ » وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 67), ولعل بعض الصحابة فيما مضى قد وقع منهم شيئاً من ذلك الأسر دون إثخان, وكان هذا قبل التشريع, ومع ذلك لم يرضه الله منهم ولكنه عذرهم في تلك التي إجتهدوا فيها, فقال لهم: (لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ - « لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ » 68), وأخبرهم بالذي عليهم فعله في ذلك, ففصَّله لهم بقوله: ( « فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا » « وَاتَّقُوا اللَّهَ » - إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 69).

والآن,, تدبر جيداً ما جاء في سورة محمد, حيث قال للمؤمنين: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ « فَشُدُّوا الْوَثَاقَ » - «« فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا »» - ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ « وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ » وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ 4).

فالآية الكريمة تؤكد أن الغاية هي إذهاب خطر المعتدين ليس بالقتل وإنما بالإثخان وإبطال غاياتهم ومقاصدهم, فإذا بلغ منهم الجهد مبلغه, يكون الأسر والوثاق بدلاً عن القتل, ولكن ليس بصفة دائمة وإنما (... حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ...), بتوقفها وإنتهائها.
ثم يعالج شأن هؤلاء الأسرى إما بتركهم وإطلاق سراحهم "منَّاً" من المؤمنين عليهم وتفضلاً وذلك بلا مقابل, أو مقابل فداء مناسب لقوله تعالى (... فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ...).
أما بالنسبة لقتلى المؤمنين الذين إستشهدوا وجادوا بأرواحهم في سبيل الله فإن أجرهم الجزيل عليه مضمون, لقوله تعالى: (... وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ).

الحرب بين الأمم شيء حتمي لا مفر منه لطبيعة الإنسان ذي النجدين, ولكن في الإسلام هناك الأمر مغلَّظ من الله تعالى, إذ يحذر المؤمنين من الإعتداء على الغير, وأن تقتصر الحرب فقط على ضرورة الدفاع عن النفس وصد العدوان, وأن تكون الآلية "قتالاً" في الميدان دون "القتل قصداً أو غدراً" ما لم يأتِ القتل نتيجة طبيعية (على الطرفين المتقاتلين) أو يكون الخيار الوحيد الذي لا بديل له فالله علام الغيوب, والأمر "محكوم برقابة الله تعالى وعلمه, قال تعالى في سورة البقرة: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ 190).

فالقرآن يزخر بالتحذيرات من الإعتداء والتعدي على الغير, من ذلك – على سبيل المثال لا الحصر – قوله تعالى في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا «« وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا »» - «« وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى » « وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ »» - وَاتَّقُوا اللَّهَ - إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 2), وقوله تعالى لهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ « وَلَا تَعْتَدُوا » إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ 87).

أما أحاديث النبي الكريم في هذا الشأن كثيرة وغزيرة,, يصعب إحصائها, وكلها تؤكد قول الله تعالى له: (وإنك لعلى خلق عظيم),, نذكر منها فيما يلي قبساً أو غيضاً قليلاً من فيض.

1. عن المعرور بن سويد قال, لقيت أبا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وعليه حُلَّةٌ وعلى غلامه حُلَّةٌ، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلاً فَعَيَّرتُهُ بأمِّهِ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأمِّهِ؟ ... إنَّكَ امرؤٌ فِيْكَ جَاهِلِيَّةٌ،، " إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. فكانت النتيجة أن لبس أبا ذر حلةً وألبس غلامه حلةً مثلها إمتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتطبيقاً عملياً بالإعتراف بالأخوة والمساواة بينه وبين غلامه.

2. وهذا الصحابي الجليل "ابن عمر" رضي الله عنه, رغم أنه قد أعتق مملوكه بدون أي مقابل, إلَّا أنه ينفي تماماً أن يكون له على ذلك العمل الكبير شيء من أجر ولو بمقدار وقيمة عود صغير أخذه من على الأرض, لأن – في نظره, وممَّا علمه من شرع الله – أنَّ هذا العِتْقَ لم يكن تَصَدُّقاً منه, وإنما كان بحقِّهِ لأنه كان قد لَطَمَهُ فوجبت له الحرية بالعتق فوراً, وعليه, لم يكن لدى ابن عمر أي خيار آخر سوى أن يعتقه على الفور. فعَنْ زَآذَانَ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا، قَالَ: فَأَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ عُودًا أَوْ شَيْئًا، فَقَالَ: مَا فِيهِ مِنَ الْأَجْرِ مَا يَسْوَى هَذَا، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ), فأعتقه وهو يشعر بالندم على فعلته التي أضاعت عنه أجر عتق تلك رقبة تصدقاً وتقرباً به إلى الله, وهو يعلم أنها من القربات الكبيرة والمحببة لله تعالى.

3. وهذه صورة أخرى مضيئة صورها الصحابي أبو مسعود الأنصاري الذي روي عنه أنه قال: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: ((إعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ: (أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ)). وقد فعلها أيضاً عثمان بن عفان رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً.

4. وأنظر إلى هذا النموذج القياسي في التعامل مع الإنسان عموماً بإنسانية الإنسان, فقد عَلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الرحمةَ بالأرقاء وتخيُّرَ الألفاظ والتعبيرات في الحديث عنهم ومعهم, حيث كان يقول لهم: (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي).

5. معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أشد حرصاً على أمر – بعد الشهادتين – يعدل حرصه على "الصلاة", لذا كانت وصيته الأخيرة وهو في سكرات الموت بها, ولأن حرصه كان منصباً بعد ذلك على الإحسان على مِلكِ اليمينِ قال في وصيته الأخيرة: (الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ), فما زال يكررها حتى ثقل به لسانه وفارق الحياة. وروي عن علي بن أبي طالب انه قال,, كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ).

6. فلنستمع إلى شهادة سيدنا أنس بن مالك التي يقول فيها: (كَانَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ وَفِي نَفْسِي - أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَابِضٌ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي؛ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: "يَا أُنَيْسُ اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ" قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا, وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُ هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا).

7. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :(مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ ).

8. وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعتق العبيد" باباً واسعاً من أبواب التكفير عن أي ذنب يأتيه الإنسان، وهذا الباب وحده يعمل على تحرير أكبر عدد ممكن منهم، فالذنوب لا ينقطع وقوعها من الإنسان مهما كان حريصاً, إذ أن كل بني آدم خطَّاءون، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: )أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ، يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ، يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فَكَاكَهَا مِنَ النَّارِ، يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهَا). ولا ننسى أن رسول الله قد أعتق مَنْ عنده من العبيد.

9. فعن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال: "جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ فقال: هلكتُ يا رسول الله. قال:) وَمَا أَهْلَكَكَ؟), قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان. قال: (هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟), قال: لا. قال: (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟(, قال: لا. قال: )فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟), قال: لا. قال: ثمَّ جلس فَأُتِيَ النَّبِيُّ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فقال: ( تَصَدَّقْ بِهَذَا),, قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟! فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: (اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ).

والأهم من كل ذلك فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا مجرد "التلفُّظ بالعتق" يعتبر من العبارات التي لا تحتمل سوى التنفيذ الفوري الذي لا رجعة فيه حتى لو كان دعابةً أو تلفظاً بالخطأ غير المقصود، فقال في ذلك: (ثَلاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ: الطَّلاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعِتَاقُ), فمن قال لغلامه "أنت حر" أو بأي لفظ يدل على ذلك, ولو دعابةً ومزاحاً صار ذلك الغلام حراً من ساعته.

وها هو ذا سلمان الفارسي يحكي ما فعله رسول الله معه، لندرك عظمة تطبيقه لهذا المبدأ الإسلامي الكريم. ويصف حاله وهو يُعْلِنُ إسلامه أمام النبي فيقول له: (اذْهَبْ فَاشْتَرِ نَفْسَك ), فيقول سلمان الفارسي,, فَانْطَلَقْتُ إلى سيِّدي فقلتُ: بِعْنِي نَفْسِي؟ قال: نعم, على أن تُنْبِتَ لي مائةُ نَخْلةٍ، فإذا أنْبَتَتْ جِئْنِي بوزن نَوَاةٍ من ذَهَبٍ. فَأَتَيْتُ رسول الله فأخبرتُه، فقال لي: (اشْتَرِ نَفْسَكَ بِالَّذِي سَأَلَكَ، وَائْتِنِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ الَّذِي كُنْتَ تَسْقِي مِنْهَا ذَلِكَ النَّخْلَ),, قال,, فدعا لي رسول الله فيها، ثمَّ سَقَيْتُهَا فَوَاللهِ لَقَدْ غَرَسْتُ مِائَةَ نَخْلَةٍ فَمَا غادَرَتْ مِنْهَا نَخْلَةٌ إِلاَّ نَبَتَتْ، فَأَتَيْتُ رسول اللَّه فأخبرتُه أنَّ النَّخل قَدْ نَبَتْ، فَأَعْطَانِي قِطْعَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوَضَعَت فِي الْجَانِبِ الآخَرِ نَوَاةً، فَوَاللهِ مَا اسْتَقَلَّتِ قِطْعَةُ الذَّهَب مِنَ الأَرْضِ، قال: وجئت رسول الله فأَعْتَقَنِي.

والأكثر من ذلك, فقد رَغَّبَ رسول الله في عِتقِ الأَمَةِ وتَزَوُّجِهَا.
يُروى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ). وقياسا على ذلك وتنفيذاً عملياً قيام النبي الكريم بعتق السيدة صفيَّة بنت حُيَيِّ بن أخطب, وقد جعل عتقها صداقها.

بالإضافة إلى كل هذا وذاك, فهناك أسباب كثيرة تقود إلى العتق "تلقائياً", وذلك إذا ما جرى على لسان السيد أي صورة أو لفظ يفيد ما يعرف بالتَّدبِير, وهو أي لفظ يدل على وصية السيد بتحرير عبده بعد موته, وقد وضعت ضمانات كافية لضمان الحرية في هذا النوع من العتق المشروط, من ذلك مثلاً أن يحظر على السيد التصرفات الآتية:
1. تغيير حال وشروط المُدَبَّرِ, وذلك (ببيعه, أو رهنه, أو هبته لغيره),
2. التصرف فيه بأي وضع يفضي إلى نقل ملكيته لشخص آخر غيره,
3. إن كان المُدَبَّرِ "جاريةً", فحكمها ينطبق ويسري على من تلده بعد تدَبَّرِها, وذلك بأن يعتق معها بعد وفاة سيدها دون الإلتفات إلى أرآء وإقرارات ورثته من عدمها,

يعتبر الإسلام أن الولد من الجارية "حراً" منذ ولادته, وتصبح أمه مستحقةً للحرية بالعتق بمجرد وفاة سيدها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سريته مارية القبطية التي أهديت له,, حينما جاءت منه بولدها إبراهيم: (أَعتَقها ولدُهَا). ويقول صلى الله عليه وسلم: (أمّ الولد لا تُباع ولا توهَب، وهي حُرَّة من جميع المال).

قال تعالى في سورة التوبة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ - « وَفِي الرِّقَابِ » « وَالْغَارِمِينَ » - وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 60). صدق الله العظيم.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,, قال الله: (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ « رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ» « وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ » « وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ »).

هذا موجز "مُعْجِزٌ" من رد الله ورسولة على سؤال السائلين, وهو بلا أدنى شك (يتفق تماماً مع روح الخُلُقِ, والإِنْصَافِ, والعَدْلِ, والقِسْطِ, والإِنْسَانِيَّة). وحجةً بالغةً, وبرهاناً على المكذبين والمفترين.

تحية طيبة كريمة للقراء



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعليقات - مِلْكُ اليَمِيْنِ في الإسلام (أ):
- الحوار الحر قيمة إنسانية وحضارية:
- تعليقات 4: (تصحيح مفاهيم ):
- تعليقات 3: على موضوعنا (تصحيح مفاهيم ... الذين جعلوا القرآن ...
- تعليقات 2: على موضوعنا (تصحيح مفاهيم ... الذين جعلوا القرآن ...
- تعليقات 1: على موضوعنا (تصحيح مفاهيم ... الذين جعلوا القرآن ...
- تصحيح مفاهيم ... الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (ب):
- تصحيح مفاهيم ... الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (أ):
- تصحيح مفاهيم ... الإرهاب والإرهابيون:
- لسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر ... ومَا أنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَك ...
- هل القرآن حَمَّالُ أوْجُهٍ؟؟؟ (ب):
- هل القرآن حَمَّالُ أوْجُهٍ؟؟؟ (أ):
- ومن لا يُصَدِّقُ مُحَمَّداً الصادق الأمين؟- ج (تصحيح مفاهيم1 ...
- ومن لا يُصَدِّقُ مُحَمَّداً الصادق الأمين؟ (ج):
- عناصر الإرهاب الشرعي ... والإبادة الجماعية-أ (تصحثح مفاهيم):
- عناصر الإرهاب الشرعي ... والإبادة الجماعية (أ):
- ومن لا يُصَدِّقُ مُحَمَّداً الصادق الأمين؟ (تعليقات):
- ومن لا يُصَدِّقُ مُحَمَّداً الصادق الأمين؟ (ب):
- ومن لا يُصَدِّقُ مُحَمَّداً الصادق الأمين؟ (أ):
- عِنْدَئذٍ يَمُدُّ أبُوْ حَنِيْفَةَ رِجْلَهُ ... تكملة (6):


المزيد.....




- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - تكملة التعليقات - مِلْكُ اليَمِيْنِ في الإسلام (ب):